ما بين الحل السياسي والحل العسكري
ما بين الحل السياسي والحل العسكري
الخطاب الدولي الشائع دائما يتحدث عن الحل السياسي بصفته الطريقة المثلى لإنهاء الحرب الدائرة في سورية، وبصفته النقيض للحل العسكري الذي يعني انتصاراً لأحد الأطراف.
ويستثني الجميع “داعش” و”النصرة” من الحل السياسي، كمنظمتين متطرفتين وإرهابيتين، مع أن الاولى لم تعد تسيطر إلا على جيوب معزولة. لذلك تمت دعوة بعض المنظمات المسلحة الأخرى المعتبرة “معتدلة” إلى مؤتمرات وحوارات برعاية الثلاثي الأكثر نفوذاً وفعالية في سورية : روسية وايران وتركيا، وأحيانا برعاية أممية، في الاستانة وسوتشي وجنيف، واعتبر ذلك محاولة واقعية لإشراك هذه القوى، التي تمتلك نفوذاً عسكرياً حقيقياً، في الحل وعزلها عن القوى المتطرفة. لكن لم تمض بضعة أشهر على سوتشي وجنيف إلا وكانت هذه المقاربة قد انتهت فروسيا وإيران الحليفين الأساسيين للنظام اختارا دعم النظام حتى النهاية لاستعادة المناطق التي لا تزال تتواجد فيها المعارضة المسلحة مهما كانت تسمياتها، في غوطة دمشق الشرقية وبعض أحياء دمشق، وليس فقط داعش والنصرة.
ومن ناحية أخرى تابعت تركيا في سياق عملية “غصن الزيتون” توغلها في الأرض السورية لتستهدف “عفرين” التي كانت تسيطر عليها “قوات الحماية الشعبية” والمصنفة من قبل تركيا كمجرد استمرار ل”حزب العمال الكردستاني”. ورغم الدور الذي لعبته هذه القوات في مواجهة “داعش” مدعومة من قبل الغرب وخاصة أمريكا، فقد تم استبعادها حتى الآن من أي مشاركة سياسية، تبعاً لتوازنات دولية وإقليمية وليس فقط لأن المعارضة السورية لا توافق على دور لها في الحل السياسي.
كل ذلك كان يعني ممارسة معاكسة لنمط الخطاب السائد سابقاً، وتعطيلاً لكل المبادرات والمؤتمرات، وحتى منها ما يخص عمل “اللجنة الدستورية”، الذي يحظى بعناية دولة وأممية، وبالمقابل السعي لتغيير الوقائع على الأرض بالقوة الطاغية، بغض النظر عن الكلفة البشرية المرتفعة. والحسم العسكري الذي يجري في دمشق وغوطتها له ما سبقه في مناطق سورية أخرى وربما سيتابع في المناطق المتبقية تحت سيطرة المعارضة، خاصة في إدلب حيث تسيطر “جبهة النصرة”، وحيث تم فيها تجميع كل الرافضين “للمصالحات الوطنية”، التي لا يتناسب مضمونها مع إسمها، والتي لا تعني أكثر من إذلال الطرف الآخر، هذا إذا لم يتم اعتقاله أو قتله أو إرساله للموت في الصفوف الأمامية بمواجهة المناطق التي لم تستسلم بعد.
إن الحسم مع المنظمات المتطرفة لا يمكن رفضه، لكن بالمقابل ليس مقبولاً تحقيقه بأي ثمن، ومن ناحية أخرى فإن الخطر من الإعتماد الفعلي على خيار الحسم العسكري لا يكمن في ذاته فحسب بل بتأثيره على الحل السياسي القادم، وإن تأخر، فخيار الحسم العسكري رغم كل قوة داعميه لن يسمح باستعادة الأرض السورية جميعها للسيطرة الأسدية، وربما لن يتوفر للنظام وداعميه استعادة درعا، التي تسيطر المعارضة، المدعومة أمريكياً، على معظمها، وبشكل أكثر حسماً لن يستطيع النظام وداعميه استعادة مناطق النقوذ الأمريكية والغربية حيث تتواجد القواعد الأمريكية والبريطانية والفرنسية، ولا مناطق النفوذ التركية.
إن أي حل سياسي حقيقي هو ليس انتصاراً تاماً لأحد الأطراف، وحتى يكون قابلاً للتنفيذ، فهو يتطلب تنازلات متبادلة. وفي الوضع السوري، وبعد الإنتهاء من أولويات محاربة التطرف، فإن أي تصور لإنتقال سياسي حقيقي، يفضي إلى استقرار سياسي في سورية، لا بد أن يشمل تغييراً في البنية العميقة للإستبداد بكافة مستوياته ورموزه، ولا بد أن يشمل تطبيقا حقيقيا لعدالة انتقالية، استناداً إلى قواعد القانون الإنساني الدولي والتشريعات المتعلقة بحقوق الإنسان، وهذه العدالة لا تعني الإنتقام بل تحديد مصير القتلى والمعتقلين والمفقودين والتعويض على المتضررين، وعدم السماح بالإفلات من العقاب ومحاسبة المسؤولين الكبار من جهة والتسامح ومن جهة أخرى المصالحات على المستوى الإجتماعي والفردي مع من تبقى …الخ .ومثل هذه الإجراءات يستحيل أن تتم بوجود وسيطرة المجموعة الحاكمة في دمشق، الأمر الذي يعني أنها إن لم تجبر فلن توافق على حفر قبرها بنفسها.
أخيراً إذا كان المجتمع الدولي حريصاً فعلا على استعادة سورية بلداً موحداً ديموقراطياً تعددياً، يشكل جزءاً حقيقياً من المجتمع الدولي، ويستعيد مكانته التاريخية كأحد مؤسسي منظمة الأمم المتحدة، فلا بد لهذا المجتمع من إيجاد الطرق المناسبة لإجبار النظام على قبول الحل السياسي وفق قرارات الشرعية الأممية، وطالما انتفت خطورة الإرهاب، وطالما تمت المحافظة على “مؤسسات” الدولة السورية، يصبح من الطبيعي العمل على تغيير السلطة التي أصبحت هي بذاتها منذ زمن بعيدة مصدر الخطر الأساسي على وحدة البلد وعلى تماسك بنيانه واستقراره.
” تيار مواطنة ” المكتب الإعلامي
24.03.2018
بشار عبود
حتى لو كنت اتفق مع رؤية الافتتاحية في سيطرة قرار الدول الخارجية على الوضع في سوريا، إلا أن هذا لا ينفي مسؤولية السوريين عن المساهمة ولعب دور في هذا الحل، وهذا ما لم تتطرق إليه الافتتاحية، أظن أن السوريين على اختلاف توجهاتهم يتحملون جانباً من المسؤولية إن لم يكن في ما يحدث الان، لكن على الأقل في مستقبل بلدهم.
أيضاً النظام لن يوافق على حفر قبره بيديه، هذا مؤكد، لكن هل الحل في إجباره من قبل المجتمع الدولي فقط ؟ حتى لو كان الواقع يتحدث بهذه اللغة السياسية الجافة، لكن علينا كتيار مواطنة أن لا نرضخ لهذا الواقع، على الأقل يكون احتجاجنا بالموقف السياسي