في انتظار الضربة……
في انتظار الضربة……
في انتظار الضربة الأمريكية، أوالغربية عموماً، تعيد طرح نفسها مجموعة من المقولات والمناقشات المتعلقة بإشكالية الداخل-الخارج التي يعبرعنها غالباً بالوطني-العميل، أو بموضوع المصالح والمبادئ، أو بموضوع دور الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن، أو بموضوع طبيعة الأهداف المدنية والعسكرية….الخ. وفي انتظار الضربة، التي ربما لا تكون مؤكدة، يفرغ السوريون توتراتهم، بتبادل النقاشات والاتهامات على وسائل التواصل الاجتماعي، وأيضاً بتداول مجموعة كبيرة من الطرف والنكات المتعلقة بالنظام، والشعب، وترامب خاصة.
التصريحات الغزيرة والمتناقضة أحيانا لترامب، والمواقيت التي يحددها للتنفيذ ثم لا يلتزم بها، وعدم وضوح الاستراتيجية الأمريكية في مواجهة النفوذ الروسي والإقليمي لبعض الدول، لا تساهم في الوصول الى استنتاجات قطعية، وفي نفس الوقت لا يمكن تجاهلها فللرئيس الامريكي حصته الحاسمة في اتخاذ القرار. يميل البعض إلى التأكيد على استمرار المقولة التاريخية عن الدور الأساسي لأمريكا في المنطقة وأنها حتى عندما لاتمارس سياسات فعالة لتحقيق أهداف معينة فهي تسمح لأطراف أخرى بممارسة السياسات التي تخدمها في نهاية المطاف، أي انها يمكن أن تمارس سياستها بسلوكات عملية محددة مثل دعم “قوات سورية الديموقراطية” مثلاً أو بقبول أو الصمت على السياسات الأخرى، أو الأدوار الأخرى لبعض الدول.
لكن الأشهر الأخيرة شهدت مداً وجزراً في التصريحات لا يمكن تفسيره بما ذكرناه أعلاه، ابتدأت بضرورة بقاء القوات الامريكية في شرق سورية لمواجهة النفوذ الايراني والضغط على الأسد لإحداث انتقال سياسي وعدم السماح بعودة داعش، ثم تحولت بشكل مفاجئ إلى أن القوات الامريكية ستنسحب قريباً، فقد انجزت مهمتها في إنهاء داعش وستترك للآخرين الاهتمام بسورية، ثم تم التخفيف من حدة أو صرامة قرار الانسحاب بضرورة جدولته، وبعد الضربة الكيميائية في دوما كان الموقف الأمريكي الحاسم بضرب النظام الأسدي، في حين أن فرنسا تحفظت قليلاً بانتظار الحصول على تأكيدات حول استخدام الكيميائي. ثم بدأت المعركة الديبلوماسية في مجلس الأمن في ظل الاتهامات الأمريكية والنفي الروسي والسوري، وبالطبع، وضمن آليات اتخاذ القرار في مجلس الأمن، لا يمكن التوصل إلى قرار حاسم، وهكذا تم استخدام الفيتو الروسي الثالث عشر فيما يخص الدفاع عن نظام الأسد.
من الناحية القانونية ينص القرار الدولي رقم/2118/، الذي اتخذ عام 2013 بعد مجزرة الكيماوي في 21 أب 2013، والخاص بنزع السلاح الكيماوي في سورية، على أن أي مخالفة لمضمون القرار بالتخلص من الأسلحة الكيميائية يتم الرد عليه باللجوء إلى الفصل السابع في ميثاق الأمم المتحدة، لكن ذلك لم يمنع من استخدامات متكررة مثبتة للكيماوي كان آخرها في خان شيخون العام الماضي، وتم الرد عليه بقصف مطار الشعيرات العسكري السوري في نيسان 2017، بعد إعلام الروس، وبالتالي نظام الأسد، بالاستعداد لتلقي الضربة المحدد زمانها ومكانها، تلك الضربة التي لا يمكن أن تردع نظاما كنظام الأسد ولا داعميه الروس، الذين يتحملون المسؤولية في التواطؤ على الاحتفاظ بكميات من الكيميائي والتواطؤ على استخدامه. لكن لم يكن ممكناً، بسبب ما ذكرناه من آليات اتخاذ القرار في مجلس الأمن، متابعة تنفيذ القرار والرد على من يقوم بخرقه، وقد اضطر ترامب وماكرون للتهديد بمعاقبة النظام اذا ثبت استخدام الكيماوي، إن لم يكن استجابة للشرعية الدولية، فربما لضغوط المنظمات الدولية، وربما بسبب الحرج من عدم التحرك المستمر أمام مجازر النظام السوري، وعلى الأقل بسبب المحافظة على هيبة الدول العظمى بعد إطلاق الكثير من التهديدات التي لم يؤبه لها لا من النظام ولا من رعاته الإيرانيين وخاصة الروس.
لا نعتقد أن المجال هنا يسمح بمعالجة الأهداف والدوافع، لذلك سنكتفي بنقاش التأثيرات المحتملة على الضربة على الوضع السوري. بداية إذا كانت الضربة مثل الضربة السابقة عام 2017 أو أوسع قليلاً، فلا نعتقد أنه سيكون لها أية تاثيرات هامة، وطبعا هذا الاحتمال لا يمكن اعتباره كبيراً لأنه لا يتناسب مع حدة المواقف المطروحة، وقد يعني هزيمة سياسية وديبلوماسية لأمريكا والغرب، ومثل أي سوري يهمه وضع بلده نحن نعلم أن تأثيرات الضربات العسكرية الواسعة والمتعددة يحتمل أن تتسبب بأضرار للمدنيين، أولاً بسبب الأخطاء المحتملة وثانيا بسبب قرب المواقع العسكرية خاصة في دمشق العاصمة من الأماكن السكنية، لكننا لسنا معنيين بالتأكيد بضرب القدرات العسكرية لجيش الأسد، الذي لم يعد جيش الوطن منذ زمن بعيد، ربما يسبق زمن الثورة السورية.
إن ما يهم في الضربة ليس تحطيم قدرات النظام أو إرباكه فقط، لأن الخسائر العسكرية قابلة للتعويض، بل ما يهم هولأي درجة ستنجح الضربات في إجباره على قبول الدخول في مرحلة التغيير السياسي بإشراف دولي، ومن هذا المنطلق فإن الاحتمال الذي هو أفضل من الضربة هو أن يرغمَ التهديدُ بها على قبول رحيل الأسد، وبالطبع رحيل إيران وبدء مرحلة انتقالية في سورية بإشراف دولي.
“تيار مواطنة” المكتب الإعلامي
14.04.2018