الفراغ السياسي في قيادة الثورة……..
الفراغ السياسي في قيادة الثورة……..
فلنتأمل المشهد السياسي السوري اليوم: سبع سنوات من الثورة والدم، لم تخلص إلى فكر سياسي جديد يستوعب تعقيدات الحالة السورية، ويتناسب مع التغيرات التي طرأت على المجتمع السوري، سبع سنوات لم تنتج قيادة سياسية للمجتمع السوري، ربما يكمن السبب في عدم قدرة النخبة السياسية القديمة على التجدد والتفاعل مع الطاقات الشابة الجديدة، التي لم تستطع بدورها بلورة قيادات سياسية شابة، لكن دون أن ننسى أن الأحزاب والقوى الديمقراطية المعارضة لم تمتلك المساحة الآمنة للعمل، ففي مناطق النظام يبدو العمل السياسي ضرباً من المغامرة، في ظل سلطة استبدادية حرصت على مدى ثمانية وأربعين عاماً على تصفية كل أشكال المعارضة بما فيها المعارضة السياسية، أما في المناطق “المحررة”، والتي سيطرت عليها فصائل مسلحة سمتها العامة التوجه الديني الراديكالي، أو فصائل علمانية ذات توجه شمولي، فكان من المحال العمل تحت مسميات كالعلمانية والوطنية والديمقراطية، أوعموماً تحت أية تسميات سياسية حداثية ربما باستثناء الإغاثة.
هذا المشهد السياسي أدى إلى هيمنة التوجهات الدينية، فمن الطبيعي، في ظل غياب الوعي السياسي المدني، أن يتم ملؤ هذا الفراغ بشكل أو آخر، وأمام الإحباط والعجز الدولي عن حل القضية السورية، من الطبيعي أن يكون المجال رحباً أمام اليوتوبيا الإسلامية. خلال الفترة القصيرة من إمكانية العمل السياسي في الساحة السورية التي فرضتها انطلاقة ثورة الحرية والكرامة، لم تطورالأحزاب السياسية آليات عملها، ولم تطرح برامج تتناسب مع تطور النظم السياسية الحديثة، ورغم اندفاع الشباب، في فترة العمل السلمي القصيرة، إلى ابتداع أشكال متنوعة من النشاطات السياسية المعارضة، فقد كان للاعتقالات والتصفيات التي تعرض لها الناشطون، في الأشهر الأولى من الثورة، على يد النظام من جهة ومن قبل الفصائل المتطرفة لاحقاً، كان لكل ذلك دور في تراجع هذا النوع من النشاط وعزوف الشباب عن الانخراط في العمل السياسي الحزبي، قبل اكتساب الوعي الضروري لأهمية العمل السياسي ودور الأحزاب السياسية، ومع الوحشية والعنف الذي مارسه النظام توجه الشباب نحو الإنكفاء أوالعمل الإغاثي والإنساني والمدني ليتراجع دورهم في قيادة الثورة.
كما كان للفشل السياسي للمعارضة، في قيادة الثورة، دورهام في تكريس النظرة السلبية للسياسية والسياسيين، خاصة مع انتشار خطابات التخوين والاتهام بين الكثير من السياسيين التقليدين، واختلاف الرؤيا لديهم والإيديولوجيا، الأمر الذي أدى إلى صعوبة خلق خطاب جامع يستطيع الوصول إلى الشعب السوري. وفي الحقيقة لم تمتلك الأحزاب أو القوى، التي طورت خطاباً سياسياً جديدا،ً منابر إعلامية قوية لتطرح فيها أفكارها، فقد تم إقصاؤها موضوعياً أو بشكل متعمد، بينما طغى الخطاب الشعبويّ، والديني من جهة وخطاب السلطة الديماغوجي من جهة أخرى.
وفي ظل هذا الفراغ السياسي، ومع تشتت أغلبية أعضاء الأحزاب والقوى السياسية المعارضة في المنافي، ومع الإحباط الذي ولده الإستمرارالمزمن للمأساة السورية، فإن هناك خشية حقيقية من عدم إمكانية وجود تأثير حقيقي للتنظيمات المعارضة في حال بدء سيرورة سياسية يفرضها الوضع الدولي، فبعد كل التشوهات التي اصابت جسد المجتمع السوري هناك حاجة للكثير من الوقت للتمكن من معالجة هذا الجسد ودفعه من جديد ليعود حيوياً ومعافى.
إن الأحزاب السياسية المعنية ببناء سورية الجديدة، بعيداً عن كل الإنتماءات ما قبل الوطنية، مطالبة اليوم بالانفتاح على بعضها ومحاولة ردم الهوة الفكرية أو السياسية بينها، للخروج ببرامج وطنية يجتمع حولها السوريون، وهي مطالبة أيضاً أن تقترب أكثر من خصوصية مجتمعها لتستطيع ابتداع آليات جديدة، توصل من خلالها برامجها، وتستعيد ثقة الناس بها، وتلبي تطلعاتهم على كل المستويات الإنسانية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وذلك من خلال العمل المشترك بتشكيل تحالفات وكيانات يحكم علاقتها الداخلية الحوار والتكافؤ، واتخاذ القرارات بشكل ديموقراطي، ويحكم علاقاتها الخارجية الإلتزام باستقلالية اتخاذ القرارعلى أساس مصلحة سورية أولاً، هكذا يمكن أن تكون حاملاً للتغيير الذي يصل بسورية إلى شاطئ الأمان، إلى دولة المواطنة.
“تيار مواطنة”
28.04.2018