المجتمعات المدنية السورية
المجتمعات المدنية السورية
عام 2003 نظم عدد من شباب مدينة داريا أربعة أنشطة مدنية، كانت الأولى تظاهرة صامتة وخالية من صور الأسد تندد بالغزوالأمريكي للعراق، أما الثانية فكانت حملة نظافة، بمهارة تنظيمية كبيرة، لبعض شوارع داريا، والثالثة حملة ملصقات ومنشورات تناشد المواطنين عدم دفع الرشاوي، الرابعة والأخيرة حملة لمقاطعة البضائع والسلع الأمريكية. هذه النشاطات، التي أغاظت أجهزة الأمن الأسدية والتي انتهت باعتقال المنظمين، لم يكن سلوك النظام فيها الأول ولا الأخير، لكنه كان مثالاً ساطعاً عن موقفه حيال ما يمكن تسميته مجتمع مدني أوفي مواجهة أية أنشطة مدنية مستقلة لا تتمحور حول تمجيده وتلميع صورته.
في عهد الأسد الأب، ، تمت مصادرة استقلالية النقابات والاتحادات، وتم رهنها لاحتكارين، الأول مؤسسي: ويتمثل في هيمنة حزب البعث على كل النقابات والاتحادات التي يفترض نظرياً استقلالها عنه كمنظمات مجتمع مدني، والثاني قيمي: حيث يحدد لهذه النقابات والاتحادات القيم السياسية والمدنية التي ينبغي لها، ويجب عليها نشرها، وبالطبع لم يتغيرالوضع في عهد الوريث الأسد الأبن.
مع انطلاقة الاحتجاجات في سوريا في آذار 2011، بدأ بالتشكل مجتمع مدني طوعي وعفوي، إنبثق من جموع المحتجين، محاولاً تنظيم مظاهراتهم، بتحديد مواعيدها وأمكنتها، ومحتوى هتافاتها، وصولاً إلى تغطيتها إعلامياً ونشرمجرياتها على مختلف وسائل الإعلام والتواصل، ومع العنف الشديد الذي قوبلت به الاحتجاجات السلمية من قبل النظام توسعت مهام الحراك المدني، لتشمل أنشطة حقوقية، وإسعافية، وبعض الأنشطة الإغاثية كتأمين حليب الأطفال لبعض المناطق السورية التي حاصرها النظام مبكراً.
ومع مرور الوقت خرجت بعض المناطق السورية عن سيطرة النظام، ليجد النشطاء أنفسهم أمام تحدي إدارة الخدمات العامة وتلبيتها، فشكلوا لهذه الغاية المجالس المحلية، والمنظمات الطبية والإغاثية، وفرق الدفاع المدني، ووجدت هذه الكيانات نفسها مضطرة للبحث عن مانحين دوليين لدعم استمرارية الخدمات التي تعجز الإمكانات المحلية عن تغطيتها.إن التذكير بكل ما سبق مهم للغاية، لنفرغ للقول أن هذه السيرورة للبنى المدنية السورية غير المحسوبة على النظام، جاءت أساساً كأحد تعابير الثورة السورية، بأدوات وأساليب مختلفة عن أدوات واساليب قوى الثورة الأخرى، السياسية منها أو العسكرية.
هذا الإستنتاج هو محل خلاف كبير الأن، ولا توافق عليه منظمات ومؤسسات مدنية كثيرة، في تنكر لدور وأهمية الثورة السورية بوصفها الحدث التاريخي والمجتمعي الذي يعود له االفضل في دور التنظيم والحراك المدني المستق، وربما يشكل هذا التنكر والتبرؤسابقة في تاريخ الثورات، على عكس المنظمات الموجودة في مناطق سيطرة النظام، فهي تدافع عنه، وتطالب بصلابة برفع كافة أشكال الحصار المفروضة عليه، وتبرر له أفعاله الجرمية ومن ذلك،على سبيل المثال لا الحصر، اعتبار أن المعتقلين هم خارجون عن القانون، في تماهٍ كامل مع مقولات النظام الذي تعمل هذه المنظمات بإشرافه وتوجيهه.
لدينا اليوم “مجتمعان مدنيان”، واحد تحت سيطرة النظام، وآخر خارج سيطرته، وفي نظرة فاحصة لراهن واقعهما، نجدهما في الغالب الأعم، رهن هيمنتين، الأولى هيمنة سلطوية أسدية على “مجتمعه المدني” داخل سورية، والثانية دولية مزدوجة في الوقت نفسه، للمانح أو الممول المالي الدولي من جهة، ولتنظيمات الأمم المتحدة او المؤسسات الدولية الأخرى بما يخص” المجتمع المدني” الذي يعمل خارج سيطرة النظام.
وهذا بات جليا مع انعقاد مؤتمر بروكسل الأسبوع الماضي وصدور الورقة المعنونة باسم (رسالة المجتمع المدني السوري في بروكسل – نيسان 2018)، الأمر يطرح السؤال، الذي تأخر طرحه بعض الوقت، هل منظمات “المجتمع المدني” الخارجة عن سيطرة النظام، والتي ساهمت مع نظيرتها القادمة من دمشق في نقاش الورقة المذكورة وإصدارها، تنتمي لمشروع الإنتقال السياسي الشامل والجذري من الاستبداد إلى دولة المواطنة، بالطبع لا يمكن وضع إشارة مساواة بين العمل المدني والعمل السياسي، لكن محاولة النظام تدجين المنظمات العاملة في الداخل هوعمل سياسي بامتياز، ودور بعض المنظمات الدولية في توجيه العمل الميداني لينسجم مع توجهات سياسية دولية معينة كل ذلك يعيدنا إلى صعوبة تحقيق استقلالية منظمات “المجتمع المدني”، مع ذلك إن نشاطاً حقيقياً لهذه المنظمات ولخدمة أهدافها وعملها لا يمكن، في الوضع السوري الخاص، إلا أن يستند إلى رؤية سياسية عامة تتعلق بالانتقال والتغيير السياسي في سورية .
لذلك يجب الحذر من التوافق مع “المجتمع المدني للنظام”، ومن الالتقاء معه في منطقة رمادية هي أقرب لتجاهل الأسد كمجرم حرب رئيس في سورية، إن المطالبة ب”إعادة النظر بالأثر الإنساني للعقوبات، الواردة أساساً في كل برامج العقوبات على أن تتم فقط في القضايا التي تمس قطاعات الصحة والتعليم وسبل العيش”، هي مطالبة تنسجم مع طبيعة عمل منظمات “المجتمع المدني” رغم محاولة بعضها توظيف ذلك سياسياً ليبدو وكأنه مطالبة برفع الحصار عن النظام الذي قتل بالقصف او تحت التعذيب أو غيب في المعتقلات الكثيرين من رفاق درب الحراك المدني السلمي.
وبالمثل يمكن فهم موضوع”الهندسة الديموغرافية” الذي يوحي بالحيادية والأكاديمية باعتباره ابتعاداً عن المصطلحات المباشرة الاكثر تعبيراً عن الحقيقة مثل التهجير القسري، مع أن مضمونه كما عبرت عنه رسالة مجموعة من ناشطي المجتمع المدني: ” هو عملية منهجيّة مُخطّط لها بشكل مُسبق تهدف الى إجراء تغيّير ديموغرافي في سورية ليست فقط على خلفيات اثنية أو طائفية أو عرقية بل على خلفيات سياسية ايضا”.
أخيراً، نعتقد أن ما جرى لم يكن ليحصل جزئياً أو كلياً، لولا غياب الدور الفاعل للقوى المعارضة السياسية، الغياب الذي وبدوره يكشف عن الأسئلة الأخرى التي لا تقل إلحاحاً، الخاصة بمعارضة سياسية على قدر المسؤولية أمام تضحيات الشعب السوري، وطموحاته في تحقيق دولة المواطنة.
إن دولة المواطنة هي الإطار السياسي والتشريعي الملائم لنشوء وتشكل مجتمع مدني فاعل ومؤثر في مجتمعه، وعلى من يصفون أنفسهم بالمجتمع المدني التمسك بها كمطلب، والمضي قدما في تحقيقها، وهي ذاتها خيار وحيد للاجتماع السياسي السوري الحر والديمقراطي، لا ينبغي بتاتاً التوقف عن النضال قبل تحقيقها.
“تيار مواطنة”
05.05.2018
جديع نوفل
مودتي للجميع.. أولا تسميات مجتمعات مدنية؟؟؟ ثانيا: لكم الحق الكتابة برؤية سياسية بحتة، ولكن أرى ليس لكم الحق ولا لغيركم لا لنا إن صح التعبير..حصر هذا المفهوم برؤية معينة.. ثالثا المجتمع المدني ليس كل مهامه خدمية وإغاثية مع أن هذا العمل إنساني..رابعا : لست مدافع عن بروكسل ولا عن باريس.. لكن ألم يحن الوقت لنترك الآخرين ورؤيتهم .. إلا إذا كنتم تعتبرون أنفسكم أوصياء على المجتمع المدني وعمله..خامسا: ما يسمى منظمات مجتمع مدني في المناطق التي تحت سيطرة الحكومة، لا تعمل كلها بأمرة النظام،ولم يخلقها النظام كلها…مودتي للجميع.
Ghaida
الحقيقة اللتي تم الالتفاف عليها في المقال هي ان الجهات الممولة بحثت عن حملة لمشاريعهم واسست المنظمات الكبيرة واللاعبة وليس ان المنظمات اسست نفسها ثم بحثت عن ممول ، الفرق كبير جدا