ترامب ينسحب من الاتفاق النووي الايراني!

ترامب ينسحب من الاتفاق النووي الايراني !

كما كان متوقعاً، وقبل أربعة أيام من الموعد المقرر، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبشكل أحادي، عن انسحابه من الاتفاق النووي المبرم بين إيران والدول الستة في عام 2015، وإعادة العمل بالعقوبات المطبقةعلى إيران، وتوسيعها لتشمل دولاً عدة وشركات مختلفة فيما لو تعاونت معها، وهو ما قد يعكس تغيراً في النهج الأميركي إزاء إيران طال النقاش فيه وتعددت التوقعات.

لكن بالنسبة لأمريكا مواجهة إيران هي في المجال الإقتصادي والديبلوماسي، وفي محاولة جر المجتمع الدولي، خاصة الأوربي، إلى ممارسة الضغط والحصار اللذين يجبران إيران على قبول التعديلات المطلوبة في الإتفاقية النووية و في مجال الصواريخ البالستية، ولكن أيضا في مجال وقف دعم الإرهاب لأن الإتفاق« لايقيّد نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار، بما فيها دعم الإرهاب» ولانه سيؤدي إلى«سباق تسلّح نووي في الشرق الأوسط”، باعتبار إيران مصنفة أمريكيا كأكبر دولة راعية للإرهاب، وما يتقاطع مع ذلك من محاولات مد النفوذ الإيراني الإقليمي إلى دول المنطقة.

قد يكون الإسرائيليون أكثر المرحبين بالموقف الأمريكي المنتظر، وهم بالأساس لم يتوقفوا عن التهديد بمواجهة القوة النووية الإيرانية المحتملة، لذلك استمرت الضربات الإسرائيلية للوجود العسكري الإيراني في سورية وأيضا لتواجد حزب الله اللبناني وشهدت الأيام الاخيرة ضربات موجعة لهذا الوجود الذي وجد في دعم الأسد، في مواجهة شعبه، فرصة لانتشار مشروعه القومي والديني – الطائفي.

قبل أن يتخذ ترامب قراره الجديد أعطى فرصة لحلفائه الأوربيين لمدة ستة اشهر لمحاولة تعديل الاتفاق و تشديد شروطه، بما لا يسمح لايران بأي استعادة لقدراتها النووية، واستمر الموقف الأوربي حائراً بين مراعاة المتطلبات الامريكية وبين المحافظة على العلاقات والمصالح الاقتصادية مع إيران، التي شهدت تجدداً وتوسعاً بعد إبرام الإتفاقية، لكن تشابك السوق الرأسمالية العالمية والدور المركزي الأمريكي فيها لا يسمحان بتجاهل العقوبات الأمريكية، فرغم المعارضة الديبلوماسية للقرارلا بد أن تبحث أوربا عن حل، إن لم يلغ، فقد يخفف تباعد المواقف مع أمريكا.

اللهجة الإيرانية القوية في مواجهة التهديد بالغاء الاتفاقية تحولت إلى لهجة أكثر اعتدالا وعقلانية بعد اتخاذ القرار، باعتبار”قرار ترامب بأنه غير قانوني وغير شرعي ويقوض الاتفاقات الدولية”، هذا في حين كانت تهديدات ايران السابقة هي بالعودة الى تخصيب اليورانيوم، وبهذا “الإ عتدال” تحاول إيران المحافظة على، والاستقواء بالعلاقة مع بقية الدول الراعية للاتفاق، مدركة للأثار الكارثية للحصار الاقتصادي على الوضع الإقتصادي الإيراني، والتي عانت منها إيران ولا تريد العودة إليها، وهي أيضاً تخشى تاثيراتها على استقرارالاوضاع السياسية في المجتمع الإيراني التي قد تعرض حكم الملالي لمواجهة تحركات شعبية وسياسية معارضة.

ومن الطبيعي أن ترحب دول المحور السعودي بقرار ترامب، بعد أن هددت بامتلاك السلاح النووي فيما إذا امتلكته إيران، فهي تشكل القطب الاقليمي المقابل الذي يبدوموقفه دفاعياً في المحافظة على نفوذه في مواجهة تحدي المشروع الايراني الإيديولوجي المندفع الذي يحقق تواجداً حقيقيا قوياً وسياسياً وطائفياً في سورية والعراق ولبنان واليمن ويحاول الامتداد الى دول اخرى.

الموقف الروسي هو الموقف الأكثر تراجيدية فهو حريص على العلاقة مع إيران لاعتبارات اقتصادية وسياسية تتعلق بدورها في المنطقة، وبنفس الوقت للاستقواء بدورها في دعم النفوذ الروسي المتجدد في مواجهة النفوذ الغربي، لكنه من جهة أخرى لا يستطيع الدفاع حتى النهاية عن إيران، وخاصة عن تواجدها في سورية، طالما يتعرض هذا الوجود للرفض من قبل اسرائيل، ولعدم القبول الأمريكي.

 

أخيرا نقول، يبدومن الناحية النظرية أن من حق جميع الدول الحصول على التكنولوجيا النووية، لكن لا يمكن التصور أن تكون هناك إمكانات نووية، تعرض العالم للخطر، توجد تحت تصرف زعيم أو رئيس مستبد مثل الرئيس الكوري الشمالي أو تحت تصرف مجموعة من رجال الدين مثل آيات الله في إيران، رغم وجود فارق واضح في درجة اندماج وعلاقة الدولة الإيرانية بالمجتمع الدولي عنه بالنسبة لكوريا الشمالية التي تعزل نفسها وشعبها بشكل شبه كامل، وفي جميع الأحوال نجح الضغط الأمريكي المباشروغير المباشر في دفع الرئيس كيم جونغ اون إلى التخلي عن تهديداته وقبوله بنزع السلاح النووي وهذا يعني الاندماج التدريجي مع دول العالم وأولا مع كوريا الجنوبية ثم الصين.

 

وبالمقابل ستشهد الفترة المقبلة مفوضات ومساومات عبردور أوربي وسيط مشابه للدور الصيني مع كوريا الشمالية، يرجح أن يستجيب معها الإيرانيون حرصا على استقرارهم الاقتصادي والسياسي وبهدف إيجاد مقاربات لتعديل الاتفاقية، ومتأثرين أيضاً بالضغط العسكري الاسرائيلي الذي وجه ضربات قوية لهم في سورية، وربما أي محاولة لتجديد أو تقوية مواقعهم في سورية ستواجه بحزم إسرائيلي مدعوم أمريكياً ومسكوت عنه روسياً، وهكذا، وانطلاقاً من براغماتية حكم العمائم، سيجدون أن من الأفضل لهم القبول بما حققوه من نفوذ سياسي في سورية والمحافظة عليه، بدل التلويح بالردورعلى الإسرائيليين التي من الواضح أنها مجرد شعارات ديماغوجية فمن السخرية أن تتبرأ إيران من مسؤولية إطلاق الصواريح على الجولان المحتل رغم تهديداتها لحيفا وتل أبيب.

“تيار مواطنة”

12.05.2018

 

 

 

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة