الإستانة وسوتشي في مواجهة السوريين

الإستانة وسوتشي في مواجهة السوريين

إلكسندر لافرنتييف، مبعوث الرئيس الروسي إلى سورية، صرح في استانة 9 أن من لا يريد الالتزام والتصالح في التهجير “سيكون الحل الوحيد هو القضاء عليه”، الأمر الذي يعتبر تهديداً واضحاً للمعارضة السياسية ولبعض الفصائل المسلحة، في إشارة لما حدث مؤخراً في الغوطة الشرقية.هكذا تتضح الهوية والمهمة الحقيقية للإستانة ولسوتشي، وللتناوب القائم بينهما في محاولة ليحلا مكان “مؤتمرجنيف”، صاحب الشرعية الدولية وقرار مجلس الأمن / 2254/ الحاصل على الإجماع الدولي، والذي لا ينكر رعاة استانة مرجعيته، نظرياً على الاقل.

إن هذا الاستنتاج لا يعفينا من مناقشة هادئة للظروف التي عقد فيها المؤتمر والمهمات التي يطرحها على نفسه بحلقاته المتتالية، بداية ومن حيث طبيعة الأطراف الراعية كان المؤتمر تعبيراً ديبلوماسيا وسياسياً عن ميزان القوى العسكري الجديد الذي أحدثه التدخل العسكري الروسي منذ 2015 في محاولة لحماية النفوذ العسكري والسياسي وحجز الحصة المناسبة من النفوذ الإقتصادي، كما كان تعبيراًعن تغيرالدور التركي عبر اقترابه من روسيا وابتعاده عن الغرب وأيضاً عبر اعتباره أن مهمته الأساسية هي إضعاف الكرد شمال سورية، وعدم السماح لهم بإقامة الصلة بين شرق الفرات وغربه، لاعتبار ذلك تهديداً لأمن تركيا، وهو بهذا المعنى لم يعد مهتماً كثيراً بتغيير النظام السوري، أما الطرف الثالث الإيراني فإن مشاركته ورعايته تندرج ضمن الدعم الأفضل لنظام الأسد وعدم ترك مصير الأخير للامم المتحدة والتوافقات الدولية، وضمان إعادة تأهيله بما يسمح  باستمرار النفوذ السياسي المختلط بين الأهداف القومية والطائفية وأيضاً الحصول على حصة مناسبة من الامتيازات الإقتصادية بعد استقرارالوضع وبدء إعادة البناء.

اما من حيث المهمات فقد طرح الاستانة في أيار من العام الماضي فكرة مناطق “عدم التصعيد”،التي اعتبرالسيد ديمستورا أنها “فشلت” ولا بد من الإعتراف أنها استمرت لعدة أشهر قبل أن تنتهي فاعليتها التي لم تعد متوفرة إلانسبيا في الجنوب وفي إدلب، مع خروقات دائمة خاصة من قبل الروس والنظام بحجة مواجهة الإرهاب أو المنظمات الإرهابية، هكذا ثبت أن هذه الفكرة كانت مجرد تكتيك سياسي وعسكري فأولاً الاستهداف العسكري بشكل حرب الإبادة والأرض المحروقة تناول مناطق تسيطر عليها فصائل مسلحة، قَبِلَ رعاة الاستانة وجودها كطرف محاور، وثانياً طال هذا الاستهداف المدنيين والمنشآت المدنية وخاصة المشافي، وإذا أضفنا إلى ذلك الحصار المفروض تكون النتيجة الإذعان للتهجير ونزع السلاح، مع شبه تفريغ كامل للسكان، وليس فقط لأهالي وعائلات المقاتلين، ومن يبقى منهم سيكون متهما بدعم الإرهاب، وسيكون مصيره على كف عفريت.

إن موضوع المعتقلين السياسيين والمحتجزين والمختطفين هو من أبسط المواضيع وحله لا يتطلب إلا نية صادقة من قبل النظام، وفي إستانة 9 تكرر الحديث عن الموضوع دون الوصول لأي نتيجة، غير عقد الاجتماع الثالث لمجموعة العمل الخاصة بالمعتقلين في حزيران القادم، ولا يزال الاعتقال والقتل أثناء التعذيب نهجا ثابتاً للنظام الاسدي في تعامله مع الشعب السوري وخاصة مع الناشطين السلميين وناشطي المجتمع المدني.

ورغم أن الحل الامثل لمعالجة موضوع الدستورهو من خلال أليات المرحلة الانتقالية كما عبر السيد ديمستورا : “أن مسار جنيف هو السبيل الوحيد لوضع أسس الدستور السوري الجديد، مشيرا إلى أنه من الضروري علينا تشكيل لجنة دستورية في جنيف، ولا أحد سوانا يمكنه فعل ذلك”. فلا يزال النظام أيضاً يعرقل تقدم العمل في موضوع الدستور واللجنة الدستورية، والموضوع بالنسبة إليه لا يعدو أن يكون ذراً للرماد في العيون، الأمر الذي يعرفه جيداً الروس ورعاة مؤتمر استانة، لكن الجميع يتواطؤون على تجاهل عرقلة النظام له ولكل تقدم في موضوع المعتقلين أو غيره.

وهذا ما يفسر الاستدعاء السريع لبشار الأسد من قبل بوتين الى سوتشي-في محاولة لإضفاء بعض الجدية والفاعلية على الجهد الديبلوماسي الروسي- وما تلاه من تصريحات روسية وسورية عن دفع المسار السياسي وعن نية النظام لإرسال مندوبيه للمشاركة في تشكيل اللجنة الدستورية، على العكس من تصريحات سابقة رافضة للموضوع ومعتبرة أنه من صلاحيات النظام وحده.

أخيراً، وفي مزحة سمجة، طالب البيان الختامي ب ” تأكيد الدول الضامنة التزامها القوي بسيادة واستقلال ووحدة وسلامة أراضي سورية” في حين أن الوصاية الروسية العسكرية والسياسية تشكل أهم مهدد لاستقلال سورية البلد، ويشكل الوجود الإيراني العسكري عنصر تهديد لسلامة الاراضي السورية بخطابه الايديولوجي ضد” اسرائيل” أو باستعراضاته العسكرية التي ترتبط بأوضاعه الداخلية وبمحاولة إثبات وجوده على المستوى الدولي فيما يتعلق بموضوع النووي أما الطرف التركي فهو يستمر في إقامة مناطق نفوذ تركية على بعض أجزاء من سورية.

إن مشاركة وفدي الأردن والامم المتحدة بصفة مراقب وعدم المشاركة الأمريكية حتى بصفة مراقب يبرز ضعف الوجود الدولي الفاعل ويؤكد مرة اخرى ما تقدم قوله من كون استانة 9 مثل سابقيه لا يتعلق إلا بمصالح الدول الضامنة، وهو إن كان لا يزال يمسك بيافطة جنيف والقرار 2254 فإنه أبعد ما يكون عن إيجاد حل سياسي حقيقي في سورية.

“تيار مواطنة”

19.05.2018

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة