اللجنة الدستورية والحل السياسي
اللجنة الدستورية والحل السياسي
في حين تراجعت النشاطات العسكرية، دون أن تنتهي، تتمحور النشاطات السياسية حول موضوع اللجنة الدستورية، وربما ما يليها من انتخابات، باعتبارها اجراءات للدخول في مرحلة الحل السياسي في سورية فهل هي فعلاً كذلك أم ان الحديث عنها مجرد لعب في الوقت الضائع وإغراق في التفاصيل على طريقة وزير خارجية النظام الأسدي؟
نجح الروس، إنما ليس بشكل نهائي، في تفعيل مسار الاستانة وسوتشي على حساب مسار جنيف، وكان هذا يعني بالنسبة إليهم ترجمة سياسية لانتصاراتهم العسكرية على المعارضة المسلحة، بكل أشكالها، المتطرفة منها، والمعتدلة التي كانت مقبولة في اتفاقيات خفض التصعيد، وبضمانات دولية روسية- تركية- ايرانية، وفي جنوب غرب سورية بضمانات أمريكية أيضاً، لكن انتصار الروس والإيرانيين، وحليفهم الأسد، ليس حاسماً، ومناطق النفوذ الفعلية التركية والأمريكية ليست أمراً ثانوياً قابلا للإهمال، وموضوع إدلب لم يحل بعد، ولا يبدو أن الامريكان سيسمحون للنظام بالاستيلاء من جديد على جنوب غربي سورية دون مقابل يتعلق بالعملية السياسية بمجملها، وهذا ما أكدته أخيراً تهديدات الخارجية الأمريكية لنظام الأسد بخصوص منطقة خفض التصعيد الجنوبية الغربية.
إن الاتفاق على الدستور وعلى إجراءالإنتخابات يفترض الوصول إلى حسم الاوضاع العسكرية، أو وجود اتفاق يقربالأمر الواقع كما هو، وهذه ليست الحالة في سورية، كما يحاول وزير خارجية النظام ترويجه بأنه المنتصر وبان غالبية اللجنة الدستورية يجب ان تكون له، وفي هذه الحالة لا لايخفى على أحد كيف يمكن أن يكون الدستور المقترح، والأهم من ذلك هو هل سيكون قابلا للتطبيق وفق نصوصه الجميلة التي يمكن أن ترضي السيد ديمستورا، ففي سورية، التي اغتصب نظام الأسدين حكمها، كانت هناك دائما مشكلة بين المعلن والممارس، بين النص وبين التطبيق، وضمن تركيبة مجلس الأمن والتوازنات الموجودة فيه ونظام الفيتو المتبع، لا تبدو المنظمة الأممية قادرة على لعب دور حقيقي يضمن حدا مقبولاً من المناخ الطبيعي لإقرار الدستور والعمل به .
ومن الواضح أن النظام الأسدي قبل بالدخول في “لعبة” الدستور والانتخابات مكرهاً، بعد استدعاء بوتين لرأس النظام وإصرار الأول على قبول الأسد بهذه اللعبة، لإعطاء بعض المصداقية على العمل السياسي الروسي، الذي هو في جميع الاحوال، لا يتطابق أبداً مع الرؤية الأسدية ولا مع الرؤية الإيرانية، لكنه من ناحية أخرى لا يتوافق مع قرارات الامم المتحدة وخاصة القرار 2254 ومرجعية جنيف وتوجهات الدول الغربية. بهذا المعنى فإن بوتين يعمل وسيعمل كل ما بوسعه لخلق إنجاز سياسي يسبق جنيف ويفرغه من مضمونه أو يحوله إلى مجرد مكان احتفالي.
إن جوهر العمل العسكري والسياسي الروسي هو استعادة النفوذ الإمبراطوري الروسي، ولم يخجل بوتين أبداً من التباهي بما حصل عليه في سورية من تجريب على السلاح الحي لم يكن ليحلم به في أية مناورات عسكرية عادية، وبالطبع لا يغيب الجانب الاقتصادي عن اهتماماته في مجال الفوسفات أو غيرها. وإن متابعة تحقيق هذه الأهداف وقبض ثمن التدخل يتطلب إعادة تأهيل للنظام الاسدي، إعادة لا يبدو أن المجتمع الدولي يرفضها تماما بل ربما يضع عليها بعض التحفظات، وبالطبع إعادة تأهيل النظام أكثر اهمية بكثير من بقاء بشار الأسد أو رحيله، مع أن العارف بأوضاع سورية يمكن أن يبدي شكوكاً عميقة بإمكانية استمرار نظام الأسد بعد رحيله.
في الطرف الآخر يقف الأمريكان وحلفاءهم، فهم موجودون في الرقة حيث تم طرد داعش، وحيث تعود الحياة الطبيعية تدريجياً بالدعم المستمر الأمريكي ل”قوات سورية الديموقراطية”، وأياَ كان مستقبل المنطقة فلن تعود جزءاً من سورية إلا من خلال حل شامل يقبله الغرب، والأمريكان موجودون أيضا في جنوب غرب سورية، ولن يتنازلوا عن هذه المنطقة إلا بحل يرضي حليفهم الاسرائيلي ويبعد، إن لم نقل ينهي، الوجود العسكري الإيراني . وفي الشمال يشكل التدخل التركي عائقاً موضوعياً لا يمكن تجاهله، رغم أن الاستراتيجية التركية لم تعد مهتمة بتغيير النظام السورية وتركزت على مواجهة وتحجيم الب ي د على حدودها الجنوبية، الامر الذي يحظى بقبول روسيا وأمريكا سواء في عفرين أو في منبج.
نخلص إلى القول أن هذه التنوعات والتشابكات العسكرية والسياسية، على الأرض السورية، تعني أن الوضع لم ينضج بعد لحل سياسي، حتى على الطريقة الروسية، وتنتظرنا مراحل وفترات لحسم المشاكل العالقة، وهذه المرحلة قد تقصر أو تطول وفقا لدرجة التوافق الدولي المحتمل. إن قبول الدورين الروسي والإيراني في مرحلة مواجهة داعش والتنظيمات المسلحة الاخرى لا يعني قبوله في المراحل التالية، والدور الإيراني خاصة أصبح موضوعاً على المشرحة، من أجل تعديله بما يناسب السياسة الاسرائيلية، ولكن أيضا تعديله بما يناسب السياسة الأمريكية بعد الأنسحاب من الاتفاق النووي.
ورغم كل ما سبق فإن على المعارضة السياسية السورية، بمختلف كياناتها، وتنظيمات المجتمع المدني، العمل بكل ما تستطيع لإعادة مسألة الدستور والانتخابات إلى سياق المرحلة الانتقالية، فهنا مكانها الطبيعي وأي عمل خارج إجرائية جنيف والمرحلة الانتقالية وفق القرار 2254 سيكون مجرد رتوش وتعديلات شكلية على دستور 2012 والأهم من ذلك أنها لن تجد طريقها إلى التطبيق الفعلي .
“تيار مواطنة ”
16.06.2018