درعا إلى أين؟

درعا إلى أين؟

لم تنفع ضمانة روسيا لمنطقة خفض النزاع في منع اقتحام النظام للمنطقة الجنوبية، بل وشاركت روسيا بفعالية في قصف درعا، وكالعادة مع استهداف البنية التحتية، وخاصة المشافي، التي تجعل استمرار الحياة مستحيلاً، مع ادعاء منافق بأنها لا تزال ملتزمة باتفاقية خفض التصعيد، وكان يمكن قبول ذلك لو أن نشاطها العسكري، هي والنظام، اقتصر على مواجهة المناطق التي تسيطر عليها داعش والنصرة.

وبعد الرسالة الأمريكية الواضحة للفصائل التي كانت تتلقى المساعدة الأمريكية، التي تم إيقافها السنة الماضية، بعدم توقع أي مساعدة أو دعم أمريكي، وأن على الفصائل أن تبني حساباتها العسكرية على هذا الأساس، والتساؤل هنا ماذا كان يعني الضمان الأمريكي لاتفاق خفض التصعيد ؟ ربما هو ليس إلا مناشدة بوتين سياسياً والرضوخ لخياراته في النهاية.ولن نتحدث عن الضمانة الأردنية التي لا يمكن بالأساس الاعتماد عليها والتي ربما تحولت إلى ضمانة عدم إدخال اللاجئين السوريين الجدد إلى الاردن.

قد يشكل وجود داعش والنصرة تبريراً قانونياً لعمل عسكري مضاد، لكن الأمر لا يقف هنا، ومن الواضح أن معالجة مشكلة كهذه تختلف بطبيعتها وبأدواتها العسكرية والسياسية. لكن الأكيد ان الدهاء البوتيني والأسدي، الذي تشكل حرب الإبادة والارض المحروقة عمقه الحقيقي، استخدم مبدأ اتفاقيات خفض التصعيد بطريقة ناجحة لمواجهة المناطق الخارجة عن السيطرة واحدة واحدة، أيا كانت الفصائل المسيطرة عليها، وقد نجحت هذه السياسة أيضاً بسبب وجود مناخ دولي تحول نحوالقبول باستمرار نظام الأسد، والإشارة الأخيرة في هذا السياق كانت تعيين ممثل شخصي للرئيس الفرنسي في سورية، طبعا ذلك رغم وجود تحفظات على الحليف الإيراني من قبل أمريكا وإسرائيل ووجود درجة من التعارض بين المشروعين الروسي والإيراني في سورية، ربما لهذا السبب لم نلحظ مشاركة إيرانية في اقتحام درعا.

بالنسبة للسوريين كانت درعا مهد الثورة السورية، وهم يحتفظون لها برمزية البدايات لثورة الحرية والكرامة، وأطفالها الذين كتبوا الشعارات المطالبة برحيل الأسد، دفعوا أثماناً غالية وقتها وهاهم يدفعون اليوم، من جديد، مع أهاليهم، ثمن التجرؤ على نظام الأسد، وهاهي مدينة درعا وريفها تتعرض لمئات من الصواريخ المدفعية وقذائف الهاون والبراميل المتفجرة، الأمر الذي أدى لمقتل عشرات المدنيين وبينهم عائلات كاملة، بسبب استهداف لا يميز بين الاهداف المدنية والعسكرية ويتعمد إصابة الأسواق والمشافي.

وكما يشير تقرير مفوّض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين فإن”الخطر بأن يؤدّي تصعيد الاقتتال إلى محاصرة العديد من المدنيين، بين نيران قوّات الحكومة السوريّة وحلفائها من جهة، ومجموعات المعارضة المسلّحة وتنظيم الدولة الإسلاميّة من جهة أخرى.”كما يضيف “إلى أنّ مقاتلي تنظيم الدولة الإسلاميّة، المسيطرين على منطقة حوض اليرموك في الجزء الغربيّ من محافظة درعا، لا يسمحون للمدنيّين بمغادرة المناطق التي تقع تحت سيطرتهم.”

هكذا يتكدس بعض المدنيين، الذين بلغ مجموعهم حوالي 120 ألفاَ،على الحدود الأردنية ويتظاهرون مطالبين بفتح الحدود أمامهم، وهو ما يبدو حتى الآن،غير قابل للتحقق، كما يحاول بعضهم الدخول إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام، وينجح بعضهم في الدخول مقابل أتاوات مالية كبيرة، كما يتكدس آخرون قرب مناطق الجولان المحتل حيث تصر الحكومة الاسرائيلية أيضاَ على عدم السماح لهم بالدخول.

ولا تزال الأخبار المتعلقة بمفاوضات بين وجهاء بعض البلدات والفصائل وبين النظام الروسي، لا تزال غير مؤكدة، ويبدو أن جوهرها القبول بعودة تدريجية لسيطرة النظام مقابل تجنب القتل والتهجير، وقد دخلت الشرطة العسكرية الروسية إلى بعض البلدات للتوصل لحلول مع كل بلدة لوحدها ثم البحث عن حل يخص كامل المحافظة، وإذا توجت هذه المفاوضات بالنجاح فربما يمكن تجنب المزيد من مأسي القتل والتهجير، وقد يكون ذلك حلاً مقبولا في ظروف الحصار والضغط الذي يتعرض له المدنيون وفي ظروف الخذلان السياسي والعسكري للفصائل التي لا يزال علم الثورة هو شعارها.

“تيار مواطنة”

30.06.2018

 

 

 

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة