افتتاحية مواطنة :قمة هلسنكي هل تنجب لنا حلا؟
عادة ما تتجه أنظار العالم إلى قمم الكبار الذين يتحكمون بمصير العالم، وبشكل خاص أنظار الشعوب التي فقدت القدرة والتأثير على محيطها، أو في صناعة مستقبلها، لابتلائها بأنظمة دموية توليتارية كالشعب السوري، الذي فقد أكثر من نصفه في المعتقلات أو المقابر أو مشردا في أصقاع الأرض على يد النظام الاسدي.
تحظى قمة هلسنكي والتي ستعقد في 16 يوليو الجاري بأهمية خاصة، فهي أول قمة رسمية تجمع بين الرئيسين الامريكي ترامب والروسي بوتين للبحث في “بناء حوار حول الحالة الحقيقية للعلاقات الروسية الأمريكية “كما عبر عنها ممثل للإدارة الأمريكية في لقاء صحفي.
وبعيدا عن الأسباب التي تجعل فنلندا مكانا سهل الاتفاق عليه، فإن هذه القمة تكتسب أهميتها من أهمية الملفات الشائكة التي سيحملها كلا الطرفين والتي تؤثر على الاستقرار في العالم.
الملف الأول وهو ملف طرد روسيا من مجموعة الثمانية، عقابا لها على ضم شبه جزيرة القرم، وكان” ترامب “صرّح سابقا في قمة السبعة في كندا “ينبغي إعادة روسيا إلى المجموعة “. وهذا يعني أن “ترامب “يتجه إلى جذب روسيا إلى الغرب، بعد أن فشلت الاستراتيجية الأمريكية السابقة في الإضرار بالمصالح الروسية بطريقة غير مباشرة وذلك من خلال حلفائها. حيث قامت الولايات المتحدة بتقديم عروض اقتصادية وأمنية للدول المجاورة لروسيا. وتلك العروض كانت في واقع الأمر لمنع روسيا من ضم القرم، لكنها فعلت! بمعنى آخر؛ خلق شراكة أمريكية روسية، ولن تكون سهلة، وحل الملفات الدولية العالقة سواء في القرم أو سوريا أو إيران، ويمكن استدلال الرغبة الأمريكية من خلال الدعوة الأمريكية لروسيا لتكون طرفاً في الحل في أفغانستان، وتراجع أمريكا عن الانسحاب من منظمة التجارة العالمية وتصريحات ” ترامب “بضروه عودة روسيا إلى مجموعة الدول الثماني.
الملف الثاني ؛ ملف الأزمة السورية الذي يعتبر النقطة الفاصلة في العلاقة الروسية الأمريكية ؛وعلى ما يبدو التصعيد الأخير من قبل روسيا بالتفاهم مع أمريكا في درعا، عجّلَ من هذا اللقاء، فما الذي ينتظر السوريون؟
بعد أن نجحت روسيا عسكريا في تقويض الدور السعودي في سوريا بعد استيلائها على الغوطة وإخراج مسلحي جيش الإسلام منها، و الآن باستعادة الجنوب بعد التفاهم الأخير ،الذي يقضي بتسليم السلاح الثقيل والمتوسط ودخول القوات الروسية وعودة مؤسسات النظام ،فإن الدور السعودي والإماراتي انتهى تقريبا .
وفيما يتعلق بالمعسكر التركي فإنها تمكنت من تدجينه عبر مسار أستانا مقابل دور تركي في الحل السوري. وأبقت على إيران كعقبة حقيقية في وجه الاستراتيجية الأمريكية ، التي بدأها ترامب، بإلغاء الاتفاق النووي معها ومحاولة تقويض دورها والتضييق عليها اقتصاديا وعزلها عن النطاق الإقليمي.
لقد استطاعت روسيا تقويض الدور الأمريكي في سوريا، على الرغم من أن الأخيرة مع حلفائها تسيطر على 40% من الجغرافيا السورية إلا إنها تعاني من العدائية المفرطة من السكان المحليين وبشكل خاص في الرقة، وعدم تمكنها من المحافظة على حليفها التركي ،الذي عرقل استراتيجيتها في سوريا بحجة الكرد وفي القرم بحجة التتار.
فهل ستنتهي قمة هلسنكي بتخفيف معاناة السوريين وإنهاء هذه المقتلة العبثية؟
نعتقد أن الازمة لن تنتهي إلا إذا تم إنهاء الأدوار الإقليمية في الوضع السوري وبشكل خاص تركيا وإيران وحصر الحل بيد روسيا وأمريكا، وهذا ليس بالأمر السهل فهو يحتاج إلى تنازلات مؤلمة لكلا الطرفين في القرم وسوريا وفي الملف النووي الإيراني.
لهذا يصعب تخيل أن حلا سحريا سيتمخض عن هذا اللقاء، فالفجوات التي تباعد بين القطبين الدوليين كبيرة ومعقدة ومن الصعب حلها في لقاء واحد. لكن تبقى عيون السوريين مشدودة إليهم، ويزداد خوفهم من أن تسير الأمور باتجاه معاكس يفضي إلى اتفاق بسحب القوات الأمريكية من سوريا، وهذا مستبعد في المدى المنظور، ولكن إن حدث، وكل شيء وارد في الرمال السورية المتحركة، فستكون كارثة حقيقية على الشعب السوري.
07.07.2018