فلتعش إدلب الخضراء بسلام
إدلب الخضراء مصدر الخيرات، المدينة المهمشة والمعزولة، والتي لم يستطع النظام الاسدي ترويضها، باستخدام القمع الوحشي في الثمانينات، كما باستخدام جميع آليات الإفساد والعلاقات العشائرية والعائلية؟ إدلب أصبح مصيرها اليوم مطروحاً في سوق الصفقات الدولية بعد أن حسم وضع درعا ثم القنيطرة، وبحيث أنه لم يأخذ حقه من الاهتمام ولو بجزء بسيط مما أخذته وقائع بطولة العالم لكرة القدم. وفي هذا السياق يأتي الترحيل القسري لسكان الفوعة وكفريا، الذي لا يختلف بجوهره عن ترحيل سكان القصير والزبداني وداريا….ياتي هذا الترحيل ليساهم في خلق الذعر عند أهالي إدلب من العملية العسكرية القادمة.
المناخ الذي يجري فيه الحديث عن مستقبل إدلب ليس مشجعاً، فقد فشل مجلس الأمن في لعب أي دور فيما يخص وضع المدنيين في درعا أو حتى في إصدار أي بيان يدين العمليات العسكرية ضد المدنيين، وكانت ذريعة إحباط القرار أو البيان هي الاختلاف على دقة الأرقام المتعلقة بأعداد النازحين. وبالاساس لم تكن الأعمال العسكرية ممكنة لو لم يلغ اتفاق خفض التوتر في المنطقية الجنوبية، فما جرى هو تخلي الدول الضامنه، خاصة أمريكا والأردن، عن دورهما ومن ثم أعلنت الولايات المتحدة أنها لن تتدخل عسكريا لحماية الفصائل التي كانت تدعمها ضمن غرفة الموم MUM ، تاركة هذه الفصائل لمصيرها في مواجهة آلة الحرب الروسية والأسدية والإيرانية، رغم كل التحفظات الامريكية المعروفة المتعلقة بالدور الايراني.
في الشمال، الضامن التركي أرسل مبادرات تطمين، لا يبدو أنها رسمية، فحواها أن لا بوادر لإلغاء اتفاق خفض التصعيد في إدلب وأن إدلب ليست كدرعا لأن تركيا هي الضامنة، وحسب مصادر الرئاسة التركية فإن اردوغان اتصل بنظيره الروسي وحذره من انهيار جوهر اتفاق استانة اذا هاجم جيش النظام إدلب، وفي تصريح لأحد مسؤولي الحكومة المؤقتة التابع لإئتلاف المعارضة نقل هذا المسؤول أن “أنقرة طمأنت المعارضة السورية من خلال تأكيدها أن الجانب الروسي سيلتزم بتعهداته حيال منطقة إدلب في اتفاقية أستانا، وأن تركيا ستقف مع المعارضة بقوة إذا هاجم النظام إدلب” وأخيراً ناشدت بعض الفعاليات والتكوينات السياسية، في إدلب وخارجها، تركيا لان تأخذ دورها كدولة ضامنه.
إن الأجواء والمناخات السياسية لا تسمح بالوصول لاستنتاج حاسم يتعلق بوضع إدلب، فمن ناحية هناك المشكلة الإنسانية المتعلقة بوجود ثلاثة إلى أربعة ملايين شخص في المحافظة، بمن فيهم المهجرين من باقي مناطق سورية، ومن ناحية أخرى إن القوى العسكرية المسيطرة على إدلب أساساَ هي القوى المتطرفة، التي ربما تُرِكت بانتظار حسم الأوضاع العسكرية في مناطق أخرى، لكنها تبقى قوى غير مقبول وجودها من قبل جميع الأطراف، ويضاف إلى ذلك وجود التماس الجغرافي مع الدولة التركية، التي تخلت عن مبدأ دعم الثورة السورية ملتفته إلى حساباتها الخاصة الداخلية والإقليمية المتعلقة بمواجهة الكرد، وإلى مصالحها والتزاماتها الدولية فيم يخص علاقتها بالحليف الروسي أو بالولايات المتحدة التي اتفقت معها على خارطة طريق فيما يخص منبج .
لا نعتقد أن التطمينات التركية يمكن الركون إليها، ففي النهاية المصالح الإقليمية والدولية هي التي ستحدد أية توافقات يمكن أن تعتمد، في ظل غياب أي دور ممكن للمنظمة الأممية، لكن التوصل إلى تسوية مؤقتة في ادلب، بانتظار الحل السياسي النهائي في سورية، يبقى مرهوناً بالتوافق الامريكي الروسي، مع دور أقل أهمية لكن لا يمكن تجاوزه للجانب التركي، لانه قد يكون الطرف الوحيد القادر على ضبط الوضع العسكري في إدلب وإيجاد حلول لخروج المتطرفين وعودة الحياة الطبيعية للمدينة وريفها.
بهذا المعنى، وبدون تبرير طلب وجود أي قوى عسكرية أجنبية على الأرض السورية، يمكن فهم المناشدات المحلية التي تطالب تركيا بلعب دورها لتجنيب إدلب مصيراً مأساوياَ، ربما يتجاوز حجمه كل مآسي المناطق التي استعادها النظام السوري، وإن توجيه الاتهامات بالخيانة أو بالعمالة لتركيا لمن يطالب بذلك لا يتناسب مع إدراك عمق المأساة السورية، التي سببها النظام الاسدي خلال سبع سنوات من عمر الثورة، ومن حق أهل إدلب المقيمين بها أن يفكروا بأن لايكونوا مكرهين على النزوح أو الخضوع للنظام الأمني المجرم، الذي خبروا وحشيته، خاصة بعد الثورة، فالقبول المؤقت بحلول سياسية وبدور لقوى اقليمية هو الممكن الوحيد لتجنب الكارثة، ولكن بالطبع يجب أن يبقى ماثلاً أمام أعيننا جميعاً هدف العمل من أجل سورية الموحدة والمستقلة ولجميع أبنائها. يقال ان فكرة الدور التركي في إدلب للتخلص من المتطرفين قد عرضتها تركيا سابقاً ورفضتها أمريكا، وبغض النظر عن صحة هذا الخبر، نرجو أن تكون الفرصة متاحة حالياً لحل يجنب إدلب الكارثة المتوقعة، فاهل إدلب والمقيمين بها لم يعودوا يريدون سوى العيش بسلام، وليس تحت رحمة النظام الأسدي من جديد.
تيار مواطنة
21.07.2018