افتتاحية مواطنة: من جنيف الى سوتشي هل من سبيل لوقف المقتلة السورية !
انطلقت يوم الاثنين الماضي الجولة العاشرة لمفاوضات أستانا بشأن سوريا في مدينة سوتشي الروسية بحضور ممثلين عن النظام والمعارضة، والدول الضامنة الثلاث روسيا وتركيا وايران وحضور المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا ، ومراقبون عن الأردن و بغياب الجانب الامريكي الذي أكد على ضرورة حصر أي حسم للصراع السوري بمسار جنيف وتحت رعاية الأمم المتحدة. وقد تركزت المحادثات على ملفات مكافحة الإرهاب والمعتقلين وعودة اللاجئين إلى جانب مسألة اللجنة الدستورية ومصير محافظة إدلب الذي شهد خلافا بين الدول الثلاث .بدلا من مناقشة القضايا العسكرية كما حصل سابقاً ، وقد كشف رئيس الوفد الروسي إلى المحادثات ألكسندر لافرينتتيف عن وجود تغيرات إيجابية بهذا الشأن، وهو ما يؤكد على محاولات الروس اجهاض مسار جنيف وطي القرارات الدولية واعتماد مسار استانا او سوتشي بديلا وحيدا لحل الازمة السورية من اجل بقاء الاسد واعادة تأهيل نظامه الاستبدادي .
السياسة بعيدة عن لغة العواطف ولا يمكن فهم مساراتها وتعقيداتها الا بمقدار ما تبتعد عنها ، وبالتالي فما جرى في سوريا من تطورات وخاصة بعد قمة هلسنكي بين الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين يوم الاثنين 16 يوليو (تموز) وما استتبعته من تصريحات امريكية بخصوص التراجع عن دعم الفصائل المتواجدة بالجنوب السوري وضرورة اعتمادها على امكانياتها الذاتية في مواجهاتها مع الروس والايرانيين وميليشياتها . دفع هذه الفصائل الى فهم الرسالة والدخول في مصالحة مع الروس تم بموجبها ترحيل الرافضين لهذ الاتفاق الى منطقة ادلب وسيطرة النظام على الجنوب بما فيه معبر نصيب الحدودي مع الاردن .
الثابت في المعادلة السورية هو محاربة الارهاب دون ان ننسى حفظ امن اسرائيل وحماية مصالحها وهو ما يعمل عليه الطرفان الامريكي والروسي فقبل أيام من عقد قمة هلسنكي، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في موسكو واجتمع مع بوتين وبعد ذلك الاجتماع صرح نتنياهو»ليست لدينا مشكلة في التعاون مع نظام الأسد في سوريا في المستقبل»، على النقيض من مطالباته السابقة والمتكررة بضرورة تغيير النظام.
يتلخص الاتفاق الأميركي – الروسي حول سوريا في وضع سوريا تحت الوصاية الروسية، على أن تضمن ابتعاد القوات الايرانية والاسدية عن الحدود الإسرائيلية مسافة معينة ، وخروج القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها من سوريا، لكن ما يبدو واضحا من المشهد العياني . بان روسيا غير قادرة على اخراج الإيرانيين لوجود مصالح مشتركة بين الطرفين كما صرح السفير الروسي في اسرائيل .
اما تركيا، اللاعب الآخر في الساحة السورية، فلا زالت تهرول خلف روسيا، لعل بعضاً من النتائج الإيجابية في الاتفاق يصل إليها. ويكمن همها الاساسي في عدم قيام أي كيان كردي او قوة كردية مسلحة على حدودها الجنوبية ، ويبدو بأن ذلك متاح بالقدرالذي يطمئن تركيا للتعاون في تنفيذ الخطة المقترحة. لكن العلاقات التركية الروسية اليوم تسير بامتحان اسمه محافظة ادلب فالنظام يصرح بانه سيتقدم وسيسيطر على ادلب اما بمصالحة او بشن هجوم عسكري كبير كما حصل في مناطق اخرى . فتركيا اذاً واقعة بين المطرقة والسندان وخاصة ان العلاقات الامريكية التركية متوترة على خلفية بقاء القس الامريكي معتقلا لديها .
الخطوط الحمر الجديدة لترمب هي «إخراج إيران وحلفائها من سوريا» كما قال في هلسنكي ، ولا مانع لديه من ترك سوريا وأوكرانيا كمنطقة نفوذ روسية ؛ «فبقاء الأسد في حكم سوريا لم يعد قضية استراتيجية للولايات المتحدة» كما صرح مستشار الرئيس جون بولتون ، وهذه التصريحات تتناقض بشكل تام مع سابقاتها .حيث وصف ترمب بشار الاسد بـ «القاتل»، عندما شن ضربات جوية مع بريطانيا وفرنسا على مناطق سورية عسكرية! تغيير جذري في الموقف الغربي ، وتناسٍ لكل ما قام به النظام من قتل وتدمير وتشريد للشعب السوري ، ويبدو بان هناك اتفاقاً أميركيا روسيا إسرائيلياً على «بقاء نظام الأسد»! بعد اضعافه وتجريده من أوهام قوته .
أمام هذا السيناريو الذي وضعت خطوطه العريضة قمة هلسنكي وحتى ترتيب البيت السوري، سنشهد نشاطاً سياسياً حميماً على وقع المايسترو الروسي من أجل تغيير تدريجي، يضمن لروسيا البقاء، كما يضمن لإسرائيل توطيد الحدود بكاملها، ويؤمن لأميركا مصالحها.
اخيرا ورغم ان كل ما تقوم به روسيا في سبيل بقاء النظام وتوسيع سيطرته على الاراضي السورية .فان العودة الى مسار جنيف والبدء بعملية انتقال سياسي من خلال تشكيل هيئة حكم انتقالي بالاستناد الى القرارات الدولية وخاصة القرار 2254 هو السبيل الوحيد لإنصاف الشعب السوري وتحقيق طموحاته في الانتقال من دولة امنية استبدادية الى دولة الحق والقانون والمواطنة المتساوية بغض النظر عن العرق او الجنس او الدين .
مواطنة 04.08.2018