إدلب العقدة الصعبة- مابين وقف التصعيد ومكافحة الإرهاب

بقيت إدلب المنطقة الأخيرة المشمولة باتفاقات خفض التصعيد التي أبرمت في أستانة بين الضامنين الثلاث (روسيا – تركيا – إيران)، وقد كُرّس فيها اتفاق خفض التصعيد بعد نقل كامل المعارضة المسلحة والكثير من المدنيين إليها، ماعدا الفصائل العسكرية التي قبلت بالمصالحة بتسويات تتيح لها البقاء في مناطقها، على أن تندرج ضمن القوات المدعومة روسياً.

لكن أهم ما واجهته اتفاقية الضامنين الثلاث في أستانة، هو عقدة الإرهاب المتمثل “بجبهة النصرة “(والتي تسمى الآن هيئة تحرير الشام) ومشكلة المقاتلين الأجانب، حيث تم إعطاء الضامن التركي فترة زمنية محدودة لحل هذه الإشكالية، ولكن تم لاحقا تمديد هذه المدة إلى أجل غير مسمى بعد اجتماع القمة الرباعية، والذي عقد في تركيا بين الروس والأتراك والأوربيين المتمثلين بألمانيا وفرنسا.

 

و منذ  القمة الرباعية – والتي تعود لثلاثة أشهر مضت، أكتوبر 2018 –  لم يحرز الأتراك أي تقدم يذكر في حلحلة مشكلة جبهة النصرة والتي تفاقمت أكثر في الأسبوعين الأخيرين؛ إذ قامت هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) بهجوم معاكس سيطرت فيه على الريف الغربي لإدلب، ودفعت الفصائل الأخرى كأحرار الشام وصقور الشام لتوقيع اتفاقية تعترف فيها بسيطرتها وسيطرة حكومة الإنقاذ التي شكلتها، أو لمغادرة المنطقة كحركة نور الدين الزنكي والتوجه إلى مناطق أخرى مسيطر عليها من قبل الأتراك و الفصائل التي تدعمها كعفرين على سبيل المثال.

إن الهجوم الأخير لهيئة تحرير الشام يعرّض المنطقة لمخاطر عدة، وسيناريوهات محتملة، أولها انعكاس التهجير الجديد على وضع المدنيين سواء المهجرين أو سكان عفرين. كما قد يستغل النظام السوري مدعوماً بالروس هذا الهجوم المعاكس لهيئة تحرير الشام ليعلن فشل الأتراك بما اتُفق عليه في أستانة، ليَشُن هجوماً عسكرياً لاستعادة إدلب- وهو ما يرغب به النظام السوري- وبالتالي ستقوض نهائياً اتفاقات استانة، ويبدأ البحث عن اتفاقات أخرى قد تسهل عودة النظام السوري سياسياً، ومن ثم إعادة تأهيله.

ثانياً, قد تترك المنطقة للتعفن ضمن صراعات فصائل مسلحة ومتنازعة، لتنتهي هذه الفصائل بالقضاء على بعضها البعض، لتعود المنطقة بعدها لسيطرة النظام السوري، ناهيك عن الأعباء والأهوال الكبيرة التي ستقع على المدنيين.

إن سيطرة هيئة تحرير الشام سيعرض مدنييّ المنطقة إلى تضييق أكثر على الحياة اليومية، وسيفضي إلى اعتقالات وتصفيات للنشطاء المدنيين والسياسين، عدا عن ويلات الحرب التي قد تندلع نتيجة هذه السيطرة.

كما إن التهجير الذي ستتعرض له المنطقة نتيجة الهجوم العسكري لهيئة تحرير الشام سيفاقم من معاناة المدنيين، الذين هُجّروا أكثر من مرة، فالمنطقة تعج بالمهجرين والنازحين من المناطق التي استعاد النظام السيطرة عليها، والمنهكين من حصار طويل تعرضوا له ومن تهجير ظالم, لكنه أيضا سيكون وبالاً على سكان المنطقة الأصليين التي يتم التهجير إليها، فإن هذا التهجير باتجاه عفرين، سيزيد من انقسام الشعب السوري عاموديا، وسيحمل معه تهديداً بتغيير ديموغرافي للمنطقة، ينذر بصراع طويل الأمد بين العرب والكرد.

نحن في تيار مواطنة نرى, أنه وعلى الرغم من ضرورة مواجهة الإرهاب، وضرورة حل مشكلة النصرة والمقاتلين الأجانب، وهي ضرورة قصوى للمستقبل السوري، لكن أثناء ذلك يجب أخذ مصلحة المدنيين دائماً بالاعتبار بما فيها حياتهم وأمانهم، وتجنيبهم أعباءً إضافية يعجزون عنها.

كما ويجب البحث عن حلول إبداعية، تجعل هذا الحل لا يصب في مصلحة النظام السوري, بل البحث عن تأهيل قوى تستطيع السيطرة على المنطقة بما يضمن حماية المدنيين وتنظيم حياتهم وعدم عودة المنطقة لسيطرة النظام، فعودة النظام حالياً وبدون حل سياسي شامل وفق قرارات جنيف والقرارات الدولية ذات الصلة، سيعرض المدنيين وخصوصاً المهجرين لانتقامات واعتقالات قد تصل حد التصفية.

 

إن تيار مواطنة يطالب الدول الضامنة وجميع الدول الفاعلة في القضية السورية والمجتمع الدولي، تحمل مسؤوليتها في إيجاد حل يضمن مصلحة المدنيين والنشطاء المدنيين والسياسيين وحمايتهم. ويرى أن السعي لحل شامل وفق القرارات الدولية هو الحل الأنجع لأي مشكلة محلية على كامل تراب الأرض السورية.

تيار مواطنة

المكتب الإعلامي 22-01-2019

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة