عفرين, عام تحت الاحتلال التركي 29-01-2019
عام مضى على بداية العمليات العسكرية التركية لاحتلال عفرين السورية, وقد شكل هذا الاحتلال المحاولة الأولى والأخطر للتدخل التركي العسكري المباشر في الداخل السوري وبمساعدة الفصائل الإسلامية المتحالفة معه, فقد اتخذ هذا التدخل أشكالاً مختلفة سابقاً, سياسياً ومختلف أشكال الدعم بالسلاح, لكنه هذه المرّة كان عبر دخول الجيش التركي المباشر.
لعل أخطر النتائج التي تسببت بها التدخلات الإقليمية, وخاصة التدخل الإيراني وحزب الله وكل الميليشيا الشيعية المساندة للنظام من جهة, كانت تقوية البرامج والأهداف المفتتة للهوية الوطنية السورية والتي عنت الانتقال إلى حرب أهلية بالوكالة, ومن ثم جائت التدخلات القطرية والتركية وبدرجة أقل السعودية, في الحالة السورية من جهة ثانية, التي دعمت الفصائل الإسلامية بكل تلاوينها, المتشدد والأكثر تشدداً, بالمال وبالسلاح وبالجهاديين, وبعيداً عن رفضنا للاحتلالات, أي تكن تلك الاحتلالات, من حيث المبدأ, فإن جلّ تلك التدخلات قد قدمت دفعاً قوياً وتجذيراً شديداً للانقاسم الديني والطائفي وأخيراً القومي.
وإن كنا لا نناقش بالتفصيل هنا كل تلك الاحتلالات والتدخلات الإقليمية والدولية لأن المكان هنا يضيق بها ولأنها بحاجة لمجلدات من البحث والاستقصاء, فإن تركيزنا سيكون على الاحتلال التركي لمنطقة عفرين السورية في ذكراها السنوية وبوصفها منطقة يشكل فيها الكرد السوريون أغلبية ساحقة, ولأن أدوات هذا الهجوم كانوا من السوريين, وهذا ما يجعل من هذا الاحتلال “كارثة” بالمعنى الوطني لأنه يوسع الفجوة بين العرب والتركمان والكرد من جهة ولأنه ينفذ بالضبط ما تريده تركيا من سورية, وهذا ما يجب التركيز عليه هنا.
وبغض النظر أيضاً عن حجم الإجرام والقتل والتهجير وسرقة أملاك أهالي عفرين من قبل الفصائل الإسلامية السورية المدعومة والموجهة من قبل الجيش التركي, فإن الجريمة الأكبر بالمعنى السوري والتي ستبقى طويلاً حجر عثرة تتمثل في الأجندة التركية التي حكمت عملية احتلال عفرين أو ما تطالب به الحكومة التركية الآن من السعي للسيطرة على شرق الفرات ومدينة منبج وبالمحصلة الشمال السوري كاملاً.
وبالنظرة المتفحصة لهذه الأجندة التركية المرسومة لسورية الآن ومستقبلاً فإننا نسجل النقاط التالية بحكم ورود بعضها صراحة على ألسنة جميع المسؤولين الأتراك وفي الكثير من المناسبات, فالحكومة “الإسلامية” التركية تريد حصّة حقيقية في الدولة السورية المقبلة عبر وكلائها الإسلاميين ونحن نعتبر هذا الهدف واحداً من الأهداف الكارثية لسورية حاضراً ومستقبلاً, وسبباً حقيقياً لانحسار الدعم الدولي للشعب السوري, وأساساً صلباً للانقسام العمودي على أساس ديني. ولا يقل الهدف التركي الثاني أهمية عن الهدف السابق, وهو هدف معلن أيضاً, ويتعلق بالقضاء على أي حلم كردي بإقامة حكم ذاتي أو نظام لا مركزي في الشمال والشمال- الشرقي السوري يتمتع فيه الكرد السوريون بحقوقهم القومية, وتظهر المخاوف التركية من هذا الطموح رغم افتقاده لأي دعم دولي وأمريكي خاصة- على خلاف ما حصل في كردستان العراق- على أنه سيكون منصة لعمليات PKK باتجاه الأراضي التركية, ورغم أن هذه المخاوف قد تجد بعض المبررات, لكنها بالتأكيد مبالغ فيها ولا ترقى لمستوى المنطق ومن أشد مضارها على الحالة السورية أنها تكرس الانقسام العمودي القومي- الإثني في سورية. أما الهدف الثالث والذي قد يكون له بعض الفوائد على الحالة السورية آنياً فهو الهدف المتعلق برفض الأتراك لاستمرار السلطة- الطغمة, ونحن, في تيار مواطنة, نشدد على أن هذا الهدف ورغم إيجابياته الظاهرة فإنه يستعمل أدوات مدمرة ويكرس سياسات متطرفة لدى هذه الفصائل الإسلامية, وإن كنا لن نجادل هنا في تفاصيل الدعم التركي لداعش والنصرة والفصائل الإسلامية الأخرى, فإن هذا الدور قد كرس دور جبهة النصرة أو تنظيم القاعدة على حساب الفصائل المعتدلة سابقاً والفصائل المتشددة الأخرى الآن, حتى باتت “هيئة تحرير الشام” تسيطر على معظم مناطق إدلب وريف حلب وشمال حماه, وأغلب الظن أن تستمر تركيا بدعمها لتبقى فزاعة في وجه السلطة وحلفائها الروس والإيرانيين رغم الكوارث التي تتسبب بها هذه الجبهة الإرهابية.
مما سبق, ولأننا نعتقد بان برنامج المواطنة السورية في تطوره نحو الدولة الديمقراطية- التعددية وبما ينسجم مع المواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان في حقلي الأشخاص والجماعات, فإننا نطالب القوى الديمقراطية السورية والمجتمع الدولي بوضع حدّ لهذه السياسات التركية كما لسياسات السلطة- الطغمة وحلفائها, عبر جميع الطرق المشروعة, وعبر جبهة ديمقراطية سورية عريضة تحارب التطرف السياسي والعسكري وتسقط جميع مشاريع الاستبدادي السلطوي والإسلامي في مسارها نحو عقد اجتماعي جديد ودولة المواطنة, دولة لجميع السوريين بغض النظر عن عقيدتهم أو جنسهم أو عرقهم.
تيار مواطنة
المكتب الإعلامي 29-01-2019