كتاب “ما العمل؟ ”- الباحث جلال مراد
المقدمة:
كتاب ”ما العمل؟“ هو كتاب يجيب عن سؤال ما فتئ يلح على السوريين في هذه المرحلة، نتيجة انعدام الحيلة وعدم وضوح الطريق، وتحييد السوريين عن دائرة الفعل.
”ما العمل؟“ دليل عمل يضع الناشطين العاملين في الحقل المدني على الطريق المناسب والذي يضمن للسوريين قواميتهم على الدولة بمؤسساتها مهما كان شكل السلطة المستقبلية لسورية أكانت فدرالية أو جمهورية أو برلمانية أو تحت وصاية أو وطنية موحدة أو غير ذلك من الأشكال.
لا يشترط البدء بهذا الدليل بعد سقوط النظام أو وصول البلد إلى حالة من الاستقرار بل يمكن البدء به الآن. ويتميّز هذا الدليل بنقطة قوة تفتقدها مشاريع الحل الأُخرى بأنه مشروع عمل لامركزي ولا يشترط مركزية أو تنسيق كبير بين المناطق السورية المترامية الأطراف، يمكن البدء به من وحدات سكنية صغيرة كالقرية وصولاً للمدن الكبيرة ويباشر به من أي مكان على الأرض السورية سواء ما كان منها تحت سيطرة النظام أو في المناطق غير الواقعة تحت سيطرة النظام.
يتكون دليل العمل من أربعة أجزاء من المهم للفاعل الاجتماعي والناشط المدني أن يلم بهم جميعاً وهي:
١- مقدمة نظرية تشرح توزع القوى الواقعية ومسارات اندفاعها وتفاعلها مع بعضها.
٢- الجزء الثاني يتعلق بنظام البلديات يتضمن خطة لتنظيم المناطق من الناحية الاجتماعية والاقتصادية وإرساء قواعد العدالة والقانون والمساواة.
٣- الجزء الثالث ينظمن نظام مبتكر يسمى المقايضة المنظمة يقدم حلاً فعالاً وممكن لنُدْرة النقد ويسرع عمليات التبادل بحيث يرفع مستوى دخل الفرد والجماعة.
٤- الجزء الرابع يتعلق بطرق تشكيل فريق العمل المتماسك عبر طرح أهم المعيقات والحلول لتلك المعيقات التي تمنع تعاون فريق العمل لتحقيق هدف ما.
كتاب ” ما العمل ” كان نتيجة تجربة وممارسة للعمل في الشأن السوري على مدار السنوات الستة الماضية وهو – وإن لم يتطرق للتفاصيل – يعتبر عين فاحصة للقوى الحقيقية الناظمة للتغيرات البنيوية في المجتمع السوري، كما أنه وليد تأمل طويل في هذه البنية من ناحية تاريخية واجتماعية واقتصادية وسياسية. ويشتمل ضمن صفحاته على حلول ممكنة قابلة للتنفيذ تُسرع عملية التشافي وربط ما يمكن ربطه من البنى واستبعاد الجهود التي لن تؤدي إلا إلى هدر الوقت. ينظر ” ما العمل ” إلى الموارد الحية الفاعلة في سوريا والقابلة للتبنين “أي تتحول من عناصر مفردة إلى بنية” وينطلق منها باتجاه بناء وطن حي جديد معافى قابل للحياة والنماء.
كتاب ”ما العمل؟“ كتاب غير أيديولوجي، ويلائم واقع الاختلاف الإيديولوجي والمعتقدي والمذهبي والقومي في الساحة السورية، فهو طريقة عمل يمكن أن تنمو في ظل أي مكون دون وطني وصولاً للتكامل الوطني، في هذه الحالة فهو يحوّل الاختلاف من عامل تنافر وفرقة وصراع إلى عامل تكامل وتعاون وثراء.
كتبت فصول هذا الكتاب بداية ٢٠١١ وتم في نهايات ٢٠١٦ أي بعد مضي خمس سنوات عن انتفاضة ٢٠١١، يعتمد الكتاب على تحليل البنية الداخلية للمجتمع السوري ولا يولي اهتماماً زائداً للعوامل الخارجية، وقد يكون هذا الخلل الظاهري أكثر نقد صواباً لفصول الكتاب خصوصاً الفصل الأول التحليلي، لكن الكاتب كان قد انطلق من فرضية يبني عليها تحليله وهي أن “التناقضات الداخلية في البنية هي التي تحدد مآلات القوى وشكل الصراع وتنامي الجدل” وضمن هذا التحليل ستكون الظروف الخارجية والقوى الدولية والإقليمية ظلال لما يجري في الداخل. وهذه الفكرة هي فكرة “قابلية الاستعمار” التي تكلم عنها ”مالك بن نبي“ ولكن بشكل أكثر تفصيلاً.
الفصل الثاني هو مثال لطريقة العمل البراغماتية وبنفس القول نستطيع أن نعتبره فصل متكامل وهدف أساسي للعمل. فالبلديات هي الوحدة الاجتماعية الأصغر التي تحقق الحد المعقول من الانسجام. لذا ففي هذا الفصل انطلقنا من البلديات كنقطة ارتكاز ثابتة ليُبنى عليها مشروع تعاوني تحديثي وطني منسجم. لطالما وقع المثقفون السوريون بمغالطة مفادها أن العمل الوطن يقتضي بالضرورة الخروج من المكونات ما دون وطنية. هذا الوهم عرقل أي عملية بناء وازدهار وإنتاج. فكان نظام البلديات هو الحجر الذي يبنى به الوطن المستقر. لا يمكن أن يكون الحجر هو البيت ولكن مجموع الأحجار وفق نظام معين ستشكل البيت.
الفصل الثالث من الكتاب هو فصل جريئ وتفكير من خارج الصندوق (المقايضة المنظمة). الحقيقة أن هناك العديد من الشركات الخاصة عبر العالم تعتمد هذه الطريقة لتنظيم تبادل السلع والخدمات وقوة العمل فيما بينها. في ظل ندرة النقد، وفي ظل انخفاض القيمة الشرائية لليرة السورية لدينا، وفي ظل تغول السيطرة الخارجية على القرار السوري من خلال اغراء المال وقوة النقد التي تمارسها الدول على السوريين المجردين من النقد، ستكون المعركة محسومة النتائج فهناك طرف مدجج بقوة النقد وهناك طرف بالمقابل أعزل من هذه القوة. الحقيقة أن هذا السلاح “النقد” كان أمضى سلاح وأكثر سلاح قوةً عرقل وحجّم وقهقر السوريين.
الفصل الثالث من هذا الكتاب يحل مشكلة النقد ويؤسس لرفاه نقدي شخصي ووطني ينعم به السوري دون استلاب ارادة المواطنين السوريين وسوريا الوطن.
الفصل الرابع من الكتاب يستعرض أهم العقبات التي يمكن أن تعترض طريق فريق العمل المحلي الذي ينتهج ”ما العمل؟“.
في النهاية فإن مقولات كتيب ما العمل تحتاج لحامل من الناشطين الذين يطبقون برنامجه في الواقع، وليس خفي على كل سوري حجم وكمية العقبات التي تنشئ حال تشكيل فريق عمل منسجم فعال عملي متعاون. كالنرجسية، الاستئثار، التحييد، التنظير الترفي ….. الخ.
في الفصل الرابع هناك استعراض لأهم العقبات وأكثرها تواتراً في حالات تشكيل فريق العمل. مع الحلول المناسبة لتجاوز هذه العقبات سواء أكانت عقبات مادية واقعية أو فكرية برامجية غالباً ما كانت تحبط أي شكل من أشكال التعاون بين السوريين.
تمت فصول الكتاب أواخر ٢٠١٦ ونشرت بعض المقالات منه في مجلة “طلعنا ع الحرية” في الداخل السوري، وكان من المحبب لكاتب هذه السطور أن يقف في الداخل السوري على تنفيذ هذا البرنامج الوطني ”ما العمل؟“ غير أن الظروف الأمنية حالت دون دخوله لتحقيق البرنامج.
استهلال:
إن ” تضخم الفكر النظري على حساب اضمحلال الفكر العملي، أوقع السوريين بتوهان لحظة العمل ”
فالأمكانيات الحقيقية والموارد الطبيعية المتاحة لنا كبيرة جداً ومتنوعة. بالمقابل تصورنا الذهني عن هذه الإمكانيات محدود جداً. ما زال الخوف من المبادرة والسؤال وطرق أبواب جديدة طاغٍ. هناك خوف من انتهاج طرق جديدة. هناك خوف من التجريب. هذا يدلل أننا ما زلنا إتباعيون ولسنا إبداعيون في طريقة التفكير وفي المخيال الذهني أيضاً. إن ما حصل في سوريا يستدعي نشوء وعي جديد ليس على قطيعة تامة مع الموروث كما يعتقد كثيرون ولكن التحديات الحياتية تفرض علينا تبني طرق جديدة في التفكير والعمل والتواصل. فعلياً مازال الانطباع النفسي هو الذي يحدد كل ذلك، الانطباع النفسي يعني دخول المزاج والخبرات المكتسبة (وكثير من هذه الخبرات سلبية) في تحديد طريقة العمل والتفكير. الانطباع النفسي لا يمكن ان ينتج معرفة موضوعية بل هو الجدار الفاصل بين الذات والمعرفة الموضوعية. لم يتم التعامل مع مفردات الموضوعية والعلم والمعرفة وقوانينهم إلا كآليات هروب من الاستحقاقات الواقعية المفروضة علينا ! لقد وُظِّف الفكر في دينامية التعويض النفسي، وبات الفكر والحوار والمثاقفة شكل من أشكال للتعويض النفسي، تعويض عقدة الذنب الناجمة عن العجز عن الفعل. بهذا المعنى فأن الفكر أصبح عقار يتناوله ويمارسه الشخص كلما أصابه احتقان بسبب تبكيت الضمير وتشوه الصورة الداخلية عن نفسه، لذلك فَقَدَ الفكر معناه الوظيفي في الكشف وإدراك الموجودات الثابت منها والمتحول، كما فقد وظيفته الاجتماعية للنهوض بالمجتمع عبر بيان وتوضيح الخيارات والإمكانيات المناسبة والآمنة للعمل الاجتماعي.
هذه التعويضية الفكروية بوصفها أحد طرق التوازن النفسي عند الشخص العاجز أدت إلى فقدان الثقة بالمفكر من قبل المجتمع ومحيطه الشخصي أيضاً. وبات يُعامل كأنه شخص مأزوم خيالي، غريب. وكل ما ناله هذا النمط من المفكرين هو اعتراف المجتمع بثقافته وامتلاكه معلومات وحُرِم من صفة الوعي. فصفة الوعي قد تُسبغ على الأميّ أو المتعلم أو ما بينهما وتتعلق بمعايير مختلفة عن المعايير التي يوصف بها المثقف أو المفكر.
لقد أخذت المثاقفة والحوار الثقافي ضمن هذا الإطار معنى غير متبنين متهيكل متواشج مع البنية الاجتماعية، بل أخذت شكل الحلقات الصوفية المعزولة والمنعزلة. حتى بات دخول كائن اجتماعي داخل هذه الجلسات يشكل نسف لكل التوازنات داخل الحضرة – الجلسة.
ضمن هذا التصور ذهب المجتمع في تناميه الخاص خالٍ من الرأس المغيب بفعل هيروئين الفكروية. وبالمقابل تصعلك المثقفين في كنتونات معزولة مترهبنين في ملكوتهم الفكري.
إن حرمان المثقفين من تحويل أفكارهم إلى برامج عمل، وعمل قام بمفعول خطير في بنية المثقف العربي عموماً والمثقف السوري خصوصاً. فقد أسس هذا الكف والكبت بفعل الاستبداد لهذه الدينامية النفسية وتآلف المثقف معها بحكم طول الوقت وتكرر القمع حين أزوف لحظة الفعل.
وإلى الآن تجد أن الكثير من المثقفين يجتمعون للعمل في قضية للشأن العام ولكنهم عندما يحين موعد العمل تراهم يحجمون متذرعين بحجج وأسباب متعددة.
من الواضح بعد مرور هذه السنوات أن هناك استعصاء في التقدم وتحول مقولات الانتفاضة إلى واقع مجسد، إن انعدام الوسيلة الواضحة والمنهجية، وافتقاد الاستراتيجية العامة للثورة جعلها في مهب الريح وانطبق عليها “من لا يمتلك برنامج فإنه سيكون مرحلة في برنامج الآخر”.
وهذا ما تم. ففقدان البرنامج الوطني الثوري الواضح جعل الناشطين يتعلقون بالمتاح، والقريب. فخيل لبعضهم أن هذه الدولة ستساعدهم، وتلك المنظمة ستنقذ آخرين. غير أن الأمر تم دوماً على نحو مختلف. فقد استخدمتهم أجهزة الدول وحرفتهم المنظمات عما يأملون، واستهلكت جل طاقاتهم في ملاحقة سراب.
بات من المهم للسوريين وضع استراتيجية ثورية واضحة تخط الطريق وتوحد الجهود وتصل بهم بعد طول تقهقر، وانتكاس ومحاولات فاشلة يحذوها الحماس.
ولكن ما هي السمات العامة لهذه الاستراتيجية ؟
الضوء والعتمة :
كانت الطريقة خلال السنوات المنصرمة تتلخص في مناهضة النظام، ومحاربته، إما بالمظاهرات أو الاعتصامات ووصل الأمر لاستخدام القوة. كما تم القيام بالعديد من البيانات والجهود الدبلوماسية لتحقيق هذا الغرض. مخرجات بعض هذه الطرق من الممكن أنها كانت مفيدة بداية الانتفاضة. لكنها حتماً خلال الفترات اللاحقة والفترة الحالية لم تعد تجدي نفعا ً.
كانت تتلخص كل هذه الطرق وإلى الآن في محاربة الظلام، ولعنه، والترصد لكل محاولاته في إخماد الإرادة الشعبية في الحرية والكرامة.
ما حصل وسيحصل منطقياً، وعملياً في هذه الطريقة من النضال أن الجهود كلها سترتهن للظلام وأساليبه، وسيدخل النظام المعارضين له في الساحة التي يتقنها، وسيجد المنتفضين أنهم بحكم قانون الفعل ورد الفعل يرتهنون لأدوات ليست إنسانية وصالحة لقيم الثورة.
المناسب وخصوصاً في هذه المرحلة العمل على انارة الضوء وليس محاربة الظلام. لأن تقدم النور بشكل حتمي سيكون على حساب اضمحلال الظلام. إن فك الارتباط، والانعكاس الشرطي النفسي عن النظام أمر جوهري لتحقيق هذه الغاية. العمل على النور يعني في تجليه الواقعي صناعة نظام صحي قائم على مبادئ قبول الآخر الحرية، الكرامة، الإبداع، والإنجاز. إن كل جهد يثبت أركان النظام الجديد يعني في الجهة المقابلة انحسار للنظام السابق.
سمات النظام الجديد :
إن سمات النظام الجديد تحددها أهدافه التي نطقت بها حناجر السوريين الحرية، العدل، الكرامة. هذه الأهداف العامة تحتاج إلى بسط في الواقع. هذا البسط لم يتم إلى الآن فكرياً وحتماً لم يتجل سياسياً ببرامج واضحة ومحددة. كل ما قام به السياسيون في هذه المرحلة هي الحومان حول هذه الشعارات مستعينين ببلاغات خطابية وشعارات حماسية، غير أن مبدأ ”كن فيكون“ ظهر مرة واحدة في تاريخ العالم ولا يمكن تحقيق هذه الأهداف لمجرد الرغبة بها.
إن بسط هذه الأهداف في الواقع وتحويلها لبرنامج عمل واستراتيجية لها مراحل للإنجاز يحتاج أيضاً فهماً للواقع وفي أي مرحلة من مراحل التطور الإنساني يمر بها الواقع السوري الآن؟ وما الأدوات المناسبة للإنتقال بهذا الواقع؟ وما الموارد المعرفية، والمادية والتنظيمية المناسبة التي تناسب عملية التحول نحو الهدف العام؟ هذا الفهم المطابق للواقع من شأنه أن يكون الأرض الصلبة، والأساس المتين حيث يمكن من خلاله بناء صرح لنظام جديد في سوريا على الأقل.
للأسف تم تصور الواقع من قبل النخب وفهمه عبر نظاراتهم الأيديولوجية، هذا الفهم المشوه جعل تصور الواقع عند كل تيار إيديولوجي مختلف كل الإختلاف عن التصور لدى التيار الأيديولوجي الآخر. إن هذا العماء أدى لنشوب معارك معطلة لأي جهد إيجابي أو التقاء بين هذه التيارات.
ويبقى السؤال كيف هو شكل الواقع وما سماته ومحركاته وإين هو بالنسبة لسلم التطور الإنساني ؟؟؟
بداية الطريق :
من المهم عند محاولة فهم الواقع أن نخلع النظارة الأيديولوجية سواء أكانت تلك النظارات تمثل أيديولوجيا ماضاوية (على غرار الأخوان والحزب القومي السوري وغيرهما) أو نظارات حداثوية (على غرار الشيوعيين والعلمانيين وما بينهما).
سنلاحظ إن فعلنا وخلعنا تلك النظارات فإننا سنرى بعد ذلك نسقين من المهم التفريق بينهما، لا بل إن التمييز بينهما يعد البوابة التي نلج من خلالها لفهم الواقع كما هو.
النسق الأول : وهو النسق المشفوه الذي يتجلى بالبيانات والخطابات والتصاريح والمؤتمرات …. الخ
النسق الثاني : وهو نسق الأفعال والأحداث والصراعات الواقعية.
أن تمايز النسق المشفوه، عن نسق الأفعال عائد لازدواجية في العقل العربي لن نتطرق لأسبابها الآن لأنها مبحث تاريخي معرفي مستقل يدخل في باب تكوين العقل العربي. يكفينا في هذا السياق أن نُحيد جانباً النسق المشفوه لأنه يعبر عن النظارات الأيديولوجية، ونلاحظ، ونسبر، ونحلل نسق الأفعال، فهو الحقيقة الفعالة، العاملة، المؤثرة والتي تعيد تشكيل الواقع إثر كل نشاط.
الانفجار الأول :
أول ما يلفتنا في الانتفاضة هو انفجار المكون الإنساني في سوريا ضد النمط الأحادي، فما حصل لقرون عديدة أن النظام الشمولي هو من ضبط إيقاع البلد، ألغى التمايز، حول الشعب السوري إلى كتلة متجانسة شكلاً، وخلية واحدة تحتوي الجميع وتعمل بإيقاع واحد. عطل كل حالة صراع أو تعاون بين مكونات الشعب، سكّن الحركة البينية بين هذه المكونات وفرض توجه عام، وثقافة عامة، ورغبات عامة. انفجر ذلك التماسك الشكلي السكوني المحكم في اللحظة الأولى للإنتفاضة لتظهر دفعة واحدة الألوان من رحم الرمادي، والاختلاف من وهم التماثل، والتنافر والتجاذب من رحم الإحاطة الكلية الجامعة.
الواضح أن أي محاولة كانت في الأخذ بهذا المناخ الانفجاري نحو التوحيد، والتنظيم، والربط كانت محاولة فاشلة. محكوم عليها بالتمزق بفعل هذا الانفجار الخارج عن قبضة الهيمنة الشمولية.
بقي الانفجار يتوسع خلال السنوات المنصرمة، وخلال ذلك الانفجار بدأت الألوان تأخذ شكلها، والاختلافات تبدي جوهرها. لا بل تبالغ (بحكم ردة الفعل والطاقة الانفجارية) في إضهار كيفها وسماتها الخاصة.
في هذه المرحلة الانفجارية لم يكن متاحاً حتى للتنظيمات أو الجماعات، أو الطوائف، أو الأعراق، لم يكن متاحاً للمكونات دون الوطنية، وما دون دون المكونات الوطنية جذب وتجميع مكونين أو ثلاثة بفعل الطاقة الانفجارية.
لكن هل دام الأمر على ما هو عليه في السنوات الأخيرة ؟
القوة الجاذبة :
في واقع الأمر فإن واقع الانفجار أدى لنشوء قوتين. قوت طرد مركزية تبعد كل العناصر عن بعضها البعض. وهي عينها القوة الدافعة للانفجار التي تبعد المكونات عن الهوية المركزية السورية. و قوة أخرى وهي قوة الجذب المركزي. التي تجذب كل العناصر إلى المركز إلى الجوهر المشترك للسوريين. المركز الحقيقي الذي تنعدم به القوى وهو حقيقة الهوية السورية.
خلال السنة الأخيرة تقريبا ً باتت القوة الانفجارية تعادل في الطاقة القوة الجاذبة المركزية، في هذه المرحلة من انعدام الدفع أو السحب، وتكافؤ تلك القوتين بالقيمة نشأت قوة خاصة لكل هوية جزئية (ما قبل وطنية) تقاربت العناصر المنسجمة بالهوية الجزئية بقوة جذب الهويات الجزئية، وتنافرت العناصر المختلفة بالهويات الجزئية وفق تنافر الهويات الجزئية (قبوطنية) نفسها. وبدأت تمتد علاقات بين الأشخاص ليشكلوا بنيات – من بنية متعددة، وتجمعات متوائمة، مع هويتهم الجزئية القبوطنية. بدأت الكيانات العرقية تلتف حول هويتها العرقية. والعناصر الطائفية حول هويتها الطائفية، والتجمعات الجهوية المناطقية حول هويتها المناطقية، وغيرها من التجمعات حول هوياتها قبوطنية. شَرعت هذه العلاقات الرابطة بين العناصر المتحلقة حول هويتها الجزئية القبوطنية تتصلب قليلا قليلا لتبدأ بالانتقال من بنية إلى بواكير مؤسسات لها صفة متعالية عن الأشخاص أي تابو (بواكير قانون).
لكن هل سيدوم الأمر على هذه الحالة ماذا عندما تصبح القوة الجاذبة المركزية أقوى من القوة الانفجارية الدافعة ؟
الحركة العكسية :
إن الحركة العكسية نحو المركز (الهوية السورية المركزية) ستحصل بتسارع بعد هذا الحيز من السكون الذي تعادلت به القوتين (الدافعة والجاذبة المركزية). لن يتاح للكيانات الجزئية التي كانت في طور التشكيل في الحفاظ على تماسكها الكامل، ولن يتاح لها تشكيل مؤسسات قانونية مستقلة تماماً بسبب القوة الهائلة للهوية المركزية السورية، حيث ستقوم بجذب الكيانات القبوطنية، ولن تكون للقوى داخل الكيانات التي تتحلق حول هوياتها الجزئية أي دور في كبح قوة الجذب المركزية باتجاه الهوية.
وبناء على قوة وتماسك الكيانات الجزئية يتحدد شكلين محتملين من البنية الوطنية العامة:
الشكل الأول : ويتمثل بفطر قوة الجذب للهوية المركزية السورية الهويات الجزئية، مما ينتج عن ذلك البقاء على سمات عامة للهويات الجزئية مع فقدانها للكثير من التشريعات الجزئية. وعدم قدرتها لإنجازالقوامية الدستورية المستقلة. ما يتبقى منها فقط التشريعات التي تحفظ تمايزها الاختلافي. حيث ترفع هذه التشريعات إلى التابو والدستور العام لسوريا.
الشكل الثاني : أن تكون قوى التنافر بين الهويات القبوطنية الجزئية أقوى من القوة الجاذبة للهوية الوطنية الكلية. أو قوة التنافر بين الهوية الوطنية المركزية من جهة، وكم كبير من الهويات الجزئية من جهة أُخرى كبيرة وأقوى من القوة الجاذبه للهوية السورية المركزية. في هذا الشكل الاحتمالي هناك خطر من تشكل دولة ذات سيادة عامة ومن المحتمل وجود دويلات، أو فدراليات، بالتوازي مع وجود حكومة مركزية ليست كاملة السلطة، أي حكومة اتحادية.
معلوم ومجاهيل :
الشكل المستقبلي لسوريا في هذه الفترة هو من المجاهيل. وعموماً فإن هذا الشكل قد يمتد أو يتقلص يتغير حسب الاقتضاآت السياسية والاقتصادية والخارجية. قد يكون برلماني دستوري، أو اتحادي فدرالي، أو جمهوري موحد، أو طائفي تحاصصي، أو غير ذلك. المعلوم الوحيد والذي يمكن للإرادة (إرادة الناشطين) التأثير فيه هو المحتوى وليس الشكل.
هناك العديد من أشكال الحكم في العالم (الملكي، الملكي الدستوري، الجمهوري، البرلماني، الفيدرالي، الاتحادي، الإماراتي، البرلماني … الخ). هذا الشكل تحدده غالباً الثقافة العامة للبلد المعني وظروف خارجة عن سيطرة الإرادة. وبشكل أدق تحدده طبيعة الهويات الجزئية للطوائف والأعراق والجهويات وغيرها.
لكننا نلاحظ أن كثير من الأنظمة ذات الشكل الواحد تختلف بنسبة النمو، والكفاية، والأمان. فقد نجد نظام جمهوري مثلاً مزدهر بكل المجالات الثقافية، والاقتصادية، والمعاشية، والعلمية وغير ذلك. ونظام جمهوري متهالك بفعل الفساد، والفقر، والعوز والجهل. إذاً ليس شكل النظام هو الفيصل والمحدد لمعامل الازدهار بل محتوى النظام .
محتوى النظام بغض النظر عن شكله هو الذي يقع نسبياً تحت يد الإرادة الإنسانية الفاعلة، وهو الذي يمكن أن يتقهقر أو يزدهر أو يأخذ حال بينهما تبعا للنشاط الإنساني. في هذه الجزئية (النشاط الإنساني الفاعل) علينا أن نتبين ونحلل هذا المعطى الذي هو قبض اليد، والعامل المهم فعلياً بتوفير شروط حياة صحية للفرد والجماعات داخل النظام الجديد.
النشاط الإنساني الفاعل :
الواضح في الحالة السورية أن المجتمع غير قابل للنكوص إلى الدولة الشمولية، التحول تم، وهو غير عكوس. لكن المرحلة القادمة تحتمل أن يتحول ثوار الأمس إلى دكتاتوريي اليوم ليس على مستوى المجتمع بشكل عام، لكن على مستوى الكتل ما دون الوطنية (الأسرة، المنطقة، العائلة العشيرة وغيرها). هذه المرحلة الوسيطة تتكون عندما تبدأ قوتا الجذب للهوية المركزية السورية من جهة، وقوة الانفجار الأول الذي أحدثته الانتفاضة من جهة ثانية بالتعادل. في هذه المرحلة يتحلق الناس حول هويات ما دون الوطنية، يُنكس العلم الوطني، وتُرفع أعلام الطائفة والعشيرة والعائلة والإثنية. لأنه لا يمكن بحال من الأحوال وتحت أي ظرف أن تتواجد جماعة بشرية بحد أدنى من التنظيم، أي بدون هوية. فالجماعة البشرية دون هوية تتحلل وتتحول إلى مجموعة من البشر لا ينظمهم ناظم ولا يوحدهم ناموس.
إن هذه المرحلة (تعادل القوتين) مؤقتة، فما إن تبدأ قوة الجذب للهوية العامة تأخذ قيمة أعلى من قيمة القوة الانفجارية حتى تبدأ الحركة العكسية، فمع كل اقتراب من الهوية المركزية السورية يوازيه تخلي عن الهويات الجزئية المادون وطنية، ورصدنا شكلين محتملين للتشكل النهائي تبعاً للانتماء وقوة الهويات الجزئية مقارنة بقوة الهوية السورية المركزية.
تبقى القوى داخل كل هوية جزئية غير متأثرة كثيراً بقوتي الجذب الآنفتي الذكر، والأمر يشبه القوى داخل قطار يتحرك، فرفع الكأس أو المشي أو غيره من أفعال القوى لا تتأثر بحركة القطار. في هذا الحيز بالذات تكمن أهمية النشاط الإنساني الفاعل. بمعنى أوضح كل مجموعة بشرية متحلقة حول هوية جزئية ما دون وطنية يمكنها أن تقوم بتحويل هذا التجمع من تجمع غير منظم عبثي يجمعه الغريزة القطيعية حول أشخاص ومبادئ عنصرية (عنصرية الهوية الجزئية) إلى بنية أي مجموعة من الناس ينظمهم شكل فكري وعلاقات متوافقه مع متطلبات العيش والنماء. التجلي العملي لهذه البنية هي أن يصبح هناك تابوات (تشريعات) تنظم العلاقات في المجتمع وخدماته كالتعليم، والصحة، والشرطة، والقضاء، والكهرباء، والصرف الصحي، والتمثيل التشريعي، وغيرها من المتطلبات الخدماتية.
في هذه الحيزات ما دون الوطنية تبدأ الثيمات الأساسية للدولة بالبزوغ (كون الدولة هي روح الشعب وقد تجلى في كيان غير مادي معنوي، ومارس سلطته على الناس. الذين سيتحولون إلى شعب مع تقدم اكتمال الدولة).
وكما ذكرنا أن هذه المرحلة يدخل بها النشاط الإنساني كقوة أساسية في تسريع هذه العملية وإكساء التشريعات والأطر الناظمة لكل هذه النشاطات طابع حضاري سليم متسق متوافق مع احتياجات الناس في اطار الهويات الجزئية (ما دون وطنية).
حروب أهلية أم سلم اجتماعي :
وضحنا أن العلم الوطني ينسحب في إطار تقدم الأعلام الجزئية، في الحركة العكسية باتجاه المركز الوطني – الهوية الوطنية. تضطر الهويات الجزئية للتعرف على بعضها البعض. والأمر أن هذا امتحان لكل هوية جزئية امتحان لقبولها الآخر وتقبله، وكم تحتوي من العنصرية ووهم التفوق. هنا يمكن أيضاً للنشاط الإنساني العمل (يقضة الوطنيين والمثقفين السياسيين لهذه اللحظة التي من شأنها تخفيف حدة الصراع أو الخرب الأهلية بالتوازي مع تأسيسها لنظم عامة تظبط الاندفاعات العنصرية من الهويات الجزئية).
إن لحظة الجذب باتجاه الهوية المركزية الوطنية ستؤدي بالضرورة لاصطدام الهويات الجزئية ببعضها البعض وستجد نفسها مضطرة لفهم بعضها إن تحلت بالروح السلمية أو لمقاتلة بعضها إن تمسكت بالجانب العنصري من الهوية الجزئية. الأمر قد يأخذ أشهر وقد يمتد سنوات طويلة والأمر كما أسلفنا له علاقة بالنشاط الإنساني الواعي والفاعل في الحد من الجانب العنصري في الهويات الجزئية.
مجالين للنشاط الإنساني الفاعل:
عبر استعراض ما تم، ويتم، والتوقع لما سوف يحصل بناءاً على المسار العام ودراسة القوى الدافعة وجدنا أن هناك حقلين يمكن للنشاط الإنساني الفاعل أن يقوم بدور مقرر ومهم في وضع سوريا المستقبلي:
النشاط الأول :
وهو النشاط في داخل الهوية الجزئية. يتجه نحو تنظيم الحياة المدنية، والمرافق العامة، والتعليم، والصحة، والقضاء، وغيرها من الشؤون. هذا الجهد لكي يكون مكتمل ومستدام وثابت من المناسب أن يتم استعمال مؤسسات الدولة لهذه الغاية بالترافق مع النشاط الأهلي الفاعل.
وخير طريقة لتحقيق ذلك هو القيام بعزل البلديات عن السلطات المستبدة، وإيلاء إهتمام دقيق في تشكيل مجلس بلدة يعبر عن الأهالي بشكل صادق، ونزيه، ومنتمي للأهالي انتماء مطلق. القوامية على البلدية سيقود لقوامية على الشرطة، والقضاء، والتعليم، وكل مؤسسات الدولة المعنية. يجب أن تترافق هذه العملية مع تفعيل نظام ضريبي مدروس لإمداد البلدية بالأموال اللازمة للإنفاق. مال نظيف وطني. فمن الخطوات الأساسية التي يجب على البلدية العمل عليها هي حل مشكلة المسلحين من كتائب، وفصائل، وغيرها. يتم هذا الأمر عبر توظيف تلك العناصر عبر البلدية، وتقنين استخدامهم للأسلحة، وتحويل ولائهم للأهالي عبر المجلس البلدي بوساطة الرواتب الممنوحة لهم. بعد احتواء المسلحين يمكن تحويلهم لأعمال منتجة مختلفة كما يمكن مقايضة الأسلحة تباعاً إن وضعت الحرب إزارها بمعدات زراعية وغيرها من الأدوات الإنتاجية.
النشاط الإنساني الثاني:
وهو النشاط الذي يحد من اصطدام الهويات الجزئية،أو وقوع نزاع مسلح بين تلك الهويات. سيحمل المثقفين أغلب هذا العبء سواء أكانوا متدينين، أو غير متدينين، قومين، او شيوعيين، أو غير ذلك.
النشاط يأخذ جانبين اثنين أساسيين:
الجانب الأول:
نشاط توعوي. هدفه الحد من الجانب العنصري في الهوية الجزئية (سواء كانت طائفية أو عرقية أو مناطقية وغيرها).وهذا النشاط يستخدم الجوانب التي تحقق هذا الغرض من أدبيات الهوية الجزئية كتاريخها، ومصالحها، ومستقبلها.
الجانب الثاني:
نشاط تنسيقي، وتعريفي، وتشريعي يتم من خلال الناشطين في الهويات المتجاورة جغرافياً عبر العقود، والاتفاقيات التنظيمية، وغيرها من النشاطات الضامنة لعدم تسرب الجوانب العنصرية في كل هوية باتجاه الهويات القريبة جغرافياً (هذا التسرب الذي يعني حرفياً الحرب). ويمكن للنشطاء التقليديين المشاركة مع المثقفين في هذا النشاط من رجال دين، وزعامات اجتماعية وسياسية.
مشروع البلديات:
مقدمة:
من جهة يقدم مشروع البلديات نموذج مكتمل وطريقة عمل واضحة للفاعل الاجتماعي، ومن جهة أخرى تقدم الروحية العامة لنظام البلدية طريقة في تحليل الهدف الاجتماعي أو السياسي أو المدني وتزود الناشط بقدرة على تحويل الرؤيا العامة لبرنامج عمل مُمرحل وفق خط الزمن . لطالما نُظر للفدرالية أيديولوجياً نظرة الكره واعتبارها التقسيم بعينه وتبعثر البلد، وهذا ليس صحيح تماماً بالنظر لحيوية المجتمع وتنظيم إدارته ومرونة تشريعاتها ونمائها فيما يحقق المصلحة العامة هو المهم، فكل الدول الإسكندنافية عبارة عن فدراليات، إمريكا وكندا والهند والإمارات العربية المتحدة هم فدراليات. إن حتم الظرف التاريخي والسياسي علينا ذلك هذا لا يعني أنه نهاية الطريق، الروح الحرة لديها دوما ما تستطيع تثمينه في أي تشكيل وأي ظرف.
سنستعرض الطرق والأدوات اللازم لكي يحكم الشعب نفسه عبر نظام البلديات، هذا النظام لا يلغي الترابط الوطني العام، بل يحقق أعلى مستوى من الترابط بين كينونات ديمغرافية متعددة، فاعلة، مكتفية، حية، عاملة.
الدولة والسلطة:
الدولة بمؤسساتها يجب أن تكون هدف للنشاط من خلال:
– العمل على فصلها عن السلطة في مناطق سيطرة النظام.
– العمل على تنظيم عقود ضامنة لاستقلال الدولة ومؤسساتها عن الكتائب.
– العناية بأن يتم تفعيل نظام الإدارات المحلية وقاوميتها على البلديات.
– العمل ولو بنسب ومقادير معينة على إعطاء السلطة للبلديات التي يحكمها مجلس ادارة وطني سلطات على الشرطة، الكهرباء، البريد، ومؤسسات الدولة في المنطقة المعنية.
– الاحتفاظ وتكريم والعناية وتقديم كل سبل الدعم المادي والمعنوي للموظف النزيه.
– العمل على تشكيل مجلس أمناء في كل محافظة مهمته. تدوين انتهاكات الفساد. تدوين وحفظ مقدرات وموارد مؤسسات الدولة. إيلاء عناية خاصة بأملاك الدولة وحفظ مستنداتها من أرض مشاع ومباني ومعدات وموارد بشرية ومادية وعينية.
– بذل كل الجهود بهدف الحفاظ على الدولة بمؤسساتها وتحريرها من الفاسدين في البلد .
إن ضبط عمل البلديات ونظام الضرائب كفيل باستقطاب المسلحين لتكون رواتبهم من البلديات نفسها. هذه بداية ستمكن الأهالي عبر مجلس البلدة في السيطرة على المسلحين وتوجيههم بما يخدم.
– إن هذه العملية مهمة جدا في سحب القوة من المستغلين والمنتفعين من واقع الحرب سواء في داخل سوريا أو الدول والجهات الداعمه خارج سوريا.
– إن التدرج في إعطاء رواتب من البلديات ممثلة بمجلس البلدة سينمي الولاء عند العسكري للمدني.
– لا يمكن بحال من الأحوال القيام بهذا الأمر دون التمهيد بسحب الشرعية عن الأجهزة الأمنية في مناطق سيطرة النظام والشرعية من الكتائب المنفلتة في المناطق الأخرى.
– هذه العملية حتما تحتاج لتدرج ولجهد ثقافي – اجتماعي في المرحلة الأولى لتنضيج الفكرة واستقطاب مريدين لها.
– هذا التنضيج يمكن أن يترافق مع تشكيل جماعات تطوعية لحل ملفات محلية مثل ملف المياه، والتعليم، أو الخدمات.
– إن الخبرة الجماعية في هذه الملفات الصغيرة يمكن أن تكسب المجموعة تماسك وشعبية لا سيما أن هذه الملفات تمثل حاجة ماسة للناس.
– بخطوات متلاحقة من هذه المشاريع الجزئية وبالتنسيق مع البلدية ستصبح مجموعة العمل فاعلة، وستحييد تدريجياً سيطرة المفسدين. وصولا نحو تشكيل مجلس بلدي نزيه مستقل نسبياً عن المستغلين.
إن تحقيق هذا المطلب يستلزم كما ذكرنا تغير نوعي في شكل العمل الثوري هذه المرحلة. ما يجعل هذا العمل مثمراً مع إمكانية استقطابه لعدد وكم كبير من الناس غير الناشطة بسبب المصلحة المترتبة على هذا العمل والتي من شأنها تشكيل قوة دفع كبيرة لتحقيق الغاية النهائية وهي الحفاظ على الدولة بمؤسساتها واستعادة ملكيتها للشعب.
المرحلة الأولى:
العمل يمكن أن يبدأ بتشكيل خلايا مكونة من شخصين أو ثلاثة في كل قرية ومنطقة تابعة لبلدية يقومون بالنشاطات الخدمية آنفة الذكر. تشكيل من خلال تلك النشاطات فريق عمل أهلي متمايز، غيور على المصلحة العامة لديه القدرة الذاتية على التخطيط والتنفيذ. يضع خطة مكونة من مراحل لتمكين الشرفاء في كل منطقة من زمام البلديات بالتوازي مع عزل المستغلين.
المرحلة الثانية:
تتم إعادة تفعيل النظام الضريبي. وذلك عبر حملة توعوية، ونشاط اجتماعي مقرون بحماية الجهاز التنفيذي. عندما تمتلك البلدية رصيد معقول وحرية قرار تبدأ باستخدام المسلحين برواتب معلومة، وثابتة قدر المستطاع. وتكليف هؤلاء المسلحين بوظائف خدماتية تفيد في تنمية المنطقة. من الضروري أن يتم زيادة عدد المعينين مع ازدياد سلطة البلدية وإلا تم السيطرة عليها من قبل المسلحين بيسر وسهولة .
المرحلة الثالثة :
الدعوة من قبل البلدية لحملات أعمال تطوعية لتحسين المرافق، وزراعة الأشجار، وتنظيف الشوارع، وتوزيع مناشير دورية توعوية تحث على التعاون والتعاضد وتبين الحسنات الكبيرة من ذلك عبر الرفاه والتحسن المالي.
المرحلة الرابعة :
التواصل مع المغتربين عبر إحداث مشاريع آمنة ماديا وبضمانات عقارية للاستثمار وتشغيل الأيدي العاملة في المنطقة. هذا يحتاج لاقتصاديين وقانونيين يضمنون حسن سير العملية .
من الواجب عبر الوقت تعيين المسلحين بجهاز الشرطة عن طريق عقود مؤقتة سنوية، أو شهرية وعزل المخفر عن أي سلطة مستغلة خارج حدود المنطقة أو داخلها. وتحل نسبيا مشكلة السلاح إما من خلال شرائه من المسلحين، أو حجزه في الجهة الوظيفية وتسليمه عند الحاجة.
من الواحب أن يشعر المواطن العادي بالتغيرات المفيدة له بالنسبة للماء، الكهرباء، النظافة، التعليم وغير ذلك من الملفات الخدماتية .
تستطيع البلدية عبر مجلس البلدة التواصل مع البلديات في المناطق القريبة جغرافيا للتنسيق في مشاريع وتعاون مشترك. ويمكن عمل عقود لضمان وتوثيق تلك العهود والمواثيق.
تساهم البلديات في المناطق القريبة من المناطق المختلفة في عقد هدن، وعقود تضبط ما أمكن العمليات العسكرية عبر وسطاء من الطرفين أو بشكل مباشر أن أمكن .
تشكيل مجلس رقابة على المؤسسات الحكومية للحد من الرشاوي والأعمال التي تتنافى مع سلامة لوائح الأنظمة العامة.
تشكيل فرق لمتابعة الاتجار بالممنوعات وتزويد المستوصفات باختصاصيين مدربين للحد من الإدمان.
بالتنسيق مع المراكز الثقافية يتم اعداد دراسات علمية مبنية على استبيانات واضحة لرصد الأمراض السارية، ظواهر الطلاق، الإدمان، التسيب الدراسي، الهجرة، وغيرها من الدراسات الاستبيانية الدقيقة لتعتمد كأساس للخطط التنموية والاجتماعية.
جميع الأعمال المفيدة للمجتمع.
معيقات متوقعة :
من المؤكد أن هناك قوى متمثلة بأشخاص، وكتل، وكتائب، وأجهزة أمنية، و فاسدين من مستغلي الأزمة لن يسمحوا بتمرير هذه العملية. وقد نجد على الطريق عقبات أخرى أيضا.
من المهم تحديد تلك العقبات في البداية وتحديد مكامن القوة التي تمتلكها تلك العقبات، والعمل على استنباط الحلول المناسبة القابلة للتحقيق.
إن وضوح الرؤيا، والعمل الإيجابي الوطني الاجتماعي النزيه سيجرد هذه القوى من الكثير من أسلحتها. إن إكساب هذا الجهد معنى اجتماعي، وخدمي سيزود القائمين على هذه الجهود بتأييد اجتماعي (من المناسب عدم أي طرح سياسي أو أيديولوجي في هذه الجهود) إن الجهود الدعوية والتوعوية للعمل سيزيد حجم القبول والدعم الاجتماعي لفريق العمل. يمكن من خلال هذا الجهد الدعوي التوعوي بداية العمل أن يفضي لانخراط العديد من الشخصيات الاجتماعية في ذلك النشاط.
من الواحب عدم حشد كل العقبات معاً في البداية فالتوجه مثلا نحو حل مشكلة المياه (ما قبل الوصول لعزل البلديات عن السلطات المستغلة أو غير الكفوئين) سيؤلب الفاسدين المتعلقين بهذا الملف فقط، ولن يؤلب الفاسدين في باقي القطاعات، إن إنجاز ونجاح ملف كملف المياه سيجمع عدد أكبر من الناس حول الناشطين، ويزيد الكم العددي للمهتمين، وهذا يعطي دفع أقوى للبداية بالعمل لحل ملف جزئي ثاني.
إن هذه الجهود بتعاقبها، وتوسعها، واتساع الشريحة الاجتماعية الداعمة لها سيشكل لها قوة تستطيع من خلالها التوجه للبلديات والبدء بالعملية المهمة وهي استقلال البلديات عن السلطات الفاسدة. وهذا يوازي على مستوى وطني عزل الدولة عن السلطات الجائرة.
المعرفة الموضوعية:
ما ذكر سابقاً هو مثال، وباعتقادي أنه يصلح ليكون أيضاً برنامج عمل مهم لاستعدة الدولة المخطوفة.
لكن من المهم بكل الأحوال أن يتحلى الفاعل بمعرفة موضوعية للواقع. هذه المعرفة التي بيّنا في استهلال ومتن الدراسة جانب منها. وجانب من أدوات البحث أيضاً الملائمة لهذه المعرفة.
سنرى الآن بيسر أن كل الجهود التي بذلت في حالة الانفجار الأول نحو تنظيم الحراك كانت محكومة بالفشل لأن صفة الحركة كانت بالابتعاد عن أي شكل من أشكال الوصاية أو الجمعية. بحكم أن اللحظة السابقة للانفجار كانت لحظة التحكم الشمولي بالمجتمع.
إن الجهود الحثيثة والعنيدة لدى الحالمين والدنكشوتيين في معاندة الحركة العامة للواقع وقواه تشبه محاولة شخص أن يقف أمام قطار ضخم في محاولة منه لإيقافه وهو منطلق بسرعة كبيرة.
وفي مرحلة توازن القوتين الانفجارية والجاذبة المركزية بدأت الناس بالتحلق حول هوياتها الجزئية كما نوهنا. وبدأ بالتوازي مع ذلك بروز الأعلام المناطقية، والعائلية، والطائفية، والعرقية، وغيرها من الأعلام مقابل انحسار ظهور الهوية الوطنية المركزية بانحسار العلم السوري سواء العلم الخاص بالنظام أو العلم الخاص بالمعارضة.
أيضا كانت الجهود في هذه المرحلة التي تعلي من العلم الوطني محفوفة بالمخاطر، والتحجيم، وربما القتل بسبب طبيعة المرحلة.
ان الفكرة العامة من كل ذلك الاستعراض تتلخص بضرورة فهم الواقع، حركة القوى في الواقع مساره تمهيداً للقيام بفعل فعال مؤثر يقود للهدف الإنساني. ففهم الواقع فهماً موضوعياً ضرورة لإحداث تغير حقيقي وانساني فيه، وهذا ما كان غائباً عن المثقف السياسي الذي اكتفى بطرح المآل والهدف الأيديولوجي دون وضع برنامج يتوافق مع روح الواقع في لحظاته المتعاقبة.
الجهد المثمر :
بعد أن رأينا أن للواقع حركته الخاصة، التي تدفع بقوة لا يمكن للإرادة الذاتية تغييرها. بل إنها تحطم أي إرادة لا تتوافق معها. وجب علينا التفكير بالكيفية المجدية لكي تقوم الإرادة الذاتية في تغيير مسار الأحداث، ثم هل من الضروري القيام بذلك، أم أن كل الجهود الإراداوية الموجهة من قبل يوتوبيا ما لا حاجة لها. ثم هل فعلاً حرف الأحداث باتجاه يوتوبيا ما وتصور ذهني عن الأفضل هو فعلاً أفضل للناس؟
سأضع كل تلك الأسئلة المشروعة جانباً وأركز فقط على أمر مهني إجرائي يتلخص بالكيفية الممكنة لتدخل الإرادة الذاتية في تغيير مسار حركة واقعية ذاهبة باتجاه ما.
الحقيقة أن هذا التأثير ممكن، فكما سبق وقلنا ليس بمقدور شخص ايقاف قطار مندفع بسرعة، لكن يمكن ليد خبيرة تغيير مسار القطار بتغيير اتجاه سكته بالمكان والزمان المناسبين.
فالتحليل السابق أظهر أن مهما كان الشكل الخارجي للدولة السورية فإن عامل الازدهار هو مرهون بالجهد الإرادي. ومن الواضح أن أي إرادة يقبع خلفها فكر محرك وقصدية واضحة، لكن ما طبيعة هذا الفكر وما هو وما محاوره ومحتواه.
الفاعلية إزاء المحتوى :
لعل القارئ ينتظر سمات الفكر المخلص، هل هو اسلامي، هل هو قومي، هل هو شيوعي، انساني، ماسوني ، عائلي ؟ ؟….
الحقيقة ليس أي واحد من هذه التوجهات، وبنفس الوقت هو كل تلك التوجهات!!!!!
الفكر المحرك هو إطار فارغ يُملئ بأي فكر موجود على أن يتم تحوله لبرامج عمل وفاعلية يومية.
فصحة الجسد لا تعني صحة الجهاز الهضمي فقط، ولا الجهاز التنفسي فقط، أو الجهاز الدوري، إن صحة الجسد تعني صحة كل تلك الأجهزة بل هي الانتعاش والحيوية في الأنسجة جميعها والخلايا كلها.
ليس محتوى الفكر هو المهم الان, لكن ما هو مهم الفاعلية في هذا الفكر بغض النظر عن محتواه.
إن تفعيل الكتل والأحزاب والعشائر والطوائف والعائلات والهيئات وبث الحياة فيها هو الفكر المناسب (ذلك الفكر الفارغ إلا من الفاعلية) .
فعلياً هذه الكيانات جميعها تحتوي على مكون عنصري، هذا المكون هو الذي يمكن أن يمارس الإقصاء والإستبداد على المكونات الأخرى وقد يصل الأمر به إلى إشعال حروب بين هذه المكونات، غير أننا لو تأملنا الأمر جيداً نستطيع الوصول إلى نتيجة مفادها أن كل مكون جزئي من هذه الهويات إن كان في حالة من الازدهار والنشاط والقوة يضعف المكون العنصري لديه إلى أدنى الحدود، وفي حالة الضعف والوهن والتردي تزداد قوة المكون العنصري الخاص به، إذاً نستطيع وصف العلاقة بين الفاعلية والعنصرية في كل مكون أنهما على علاقة تناسب عكسية, قوة الأول تعني ضعف الثاني والعكس صحيح.
إن كل الجهود الرامية للي الواقع، وقطع قدميه لتناسب طول السرير محكومة بالفشل، أي جهد باتجاه قولبة الواقع بقوالب ذهنية أيديولوجية جهد ضائع. إن رفض الواقع وإخراجه من الرأس بحجة أنه فاسد يكافئ لفظ الواقع لك وإخراجك خارج الحياة.
هذا لا يعني بتاتا الاستسلام للواقع، وقبوله بشكل مطلق، ولكنه يعني تقبل الواقع وفرز الحقول التي لا يمكن للإرادة الذاتية العمل بها عن الحقول التي يمكن للإرادة والعمل الإنسانيين العمل بها والتأثير باتجاه استنهاض مكامن الحياة والنمو والازدهار والرفاه.
تناقضات زائفة:
في حالات وهن الهويات الجزئية تبرز العنصرية المتوارية في كل هوية، وما يحصل أن الاختلافات بين تلك الهويات تأخذ وضع التناقض التناحري، لإن الوهن والتقهقر يفرض على المنتمين لهوية حزئية ملاحظة ما هو سلبي فقط والتعامل معه على أنه تهديد مباشر، هذه التناقضات فعلياً ليس لها أساس من الصحة ولكنها مجرد اختلافات في الهوية والتكوين التاريخي الثقافي لكل هوية.
عند الوهن تبدو الاختلافات تناقضات حادة، فيُنظر إلى الطقوس الدينية والعرقية والمناطقية بنظرة المشمئز، ويُنظر إلى طريقة الحياة بنظرة الكره والاستغراب، وينظر إلى العبادات والمعاملات وغيرها على أنها بدع غريبة وتهدد المجتمع بالفساد.
الحقيقة كل هذه الاختلافات تكتسي أحاسيس مختلفة تماما في حال صحة الهوية الجزئية وتعافيها ونماءها إذ يتوارى الجانب العنصري في الهوية ويرى الأشخاص المنتمين لهذه الهوية الاختلاف (العبادات، المعاملات، طريقة الحياة، نمط التفكير) على أنه غنى في الهوية العامة السورية واختلاف محبب وليس تناقض تناحري بل اتساع في الحياة وتلون في الوجود.
إذاً تعافي الهويات الجزئية هو الكفيل بالإجهاز على التناقضات الزائفة.
من التجريد للتحديد :
القومية العربية إلتهمت وطمست الأردن و سوريا وليبيا والسعودية …..
الوطنية السورية إلتهمت وغيبت إدلب، حلب، القامشلي, السويداء، درعا …..
محافظة درعا إلتهمت وغيبت داعل، بصر الحرير، سملين، الغاريًة ……
ما المقصود بذلك؟
هناك نمط فكروي نشأ (وهو محايث لكل نظام شمولي استبدادي) بتصعيد الفكرة الواقعية والمطلب الواقعي لرمز ذهني متوافق بالمعنى مع دلالته مختلف في الكينونة مع دلالته.
هذا النمط الفكري أسس للسياسوية في تلك المجتمعات وعلقت كل الفاعليات المحتملة، وعطلت مشاريع العمل الجزئية من خلال التركيز الكبير على المقولات الذهنية الكبرى (القومية، الأمة الإسلامية، الوطن).
أقصي الواقع تماماً لصالح تصورات ذهنية تجريدية، وحُيّد العمل الفعّال (المتنوع والمتعدد في كل الملفات) لصالح التأسيس ثم التأسيس ثم التأسيس للفكرة العامة (القومية، الأمة، الوطن).
لقد كانت لهذا التجريد نتائجه الوخيمة وإن لاحقنا دوافعه الكامنه سنتبين أنه ليس إلا تعبير عن خوف وهروب من العمل الجزئي الفعال، المثمر.
الخروج من هذا المأزق يعني حرفياً الخروج من التجريد باتجاه التحديد، الخروج من الكلي باتجاه الجزئي، الخروج من الرمزية للواقع، الخروج من العطالة نحو الفعل، الخروج من العالم الافتراضي للعالم الواقعي الحي.
الجانب العنصري في الهوية الجزئية:
هو تلك الاعتقادات والممارسات التي تقود مجموعة ما للتعدي على مجموعة أخرى مستندة لمعتقدات عنصرية مفادها أنها تمتلك الحق في ذلك التعدي.
إن المعتقدات العنصرية تتحلق حول وهم التفوق للمجموعة إزاء أحساس بدونية المجموعات الأخرى.
لنلاحظ أن هناك تناسب عكسي بين وهن الهوية والمجموعة المعبرة عنها وقوة الجانب العنصري. فكلما ضعفت المجموعة قويت لديها العنصرية، وكلما قويت مجموعة وازدهرت ضعف لديها الجانب العنصري.
بكل الأحوال هذا يقودنا للنشاطين الذين تم استعراضهما سابقاً سعياً لحل هذه المشكلة .. فأي نشاط انساني يهدف إلى انعاش ورفاه وازدهار هوية جزئية يؤدي إلى قوتها وبالتالي ضعف الجانب العنصري لديها. وكل نشاط تعريفي اصلاحي بين الهويات المتجاورة جغرافياً يؤدي أيضاً لضعف الجانب العنصري لدى كلا الهويتين.
وعملياً هذان الجهدان المتاحان خلال هذه المرحلة بالذات، ضربنا مثالاً على الجهد الأول من خلال “نظام البلديات” بشكل تفصيلي مما يتيح تقوية البنية الداخلية للهوية الجزئية مما يفقد الجانب العنصري العدواني جزءاً ليس بالقليل من قوته. أما الجهد الثاني فهو الموجه للعلاقات البينية بين الهويات الجزئية المتجاورة، وقد بينا دور المثقفين الوطنيين ومن يكن بجانبهم من رجال دين وزعماء عشائر ووجهاء اجتماعيين في عقد الندوات والاجتماعات الأهلية لتطويق امتداد الجانب العنصري في الهويات الجزئية، أو تحولها لاشتباكات. وأود أن أضيف عامل لا يقل أهمية عن هذه الندوات والاجتماعات وهو التبادل التجاري والتعاون الزراعي، أن إدراج المصالح المالية للأهالي بشراكات وتبادلات مالية يجسر العلاقات الصالحة بين الهويات الجزئية ويمهد لوجود كتلة أهلية من كلا الهويتين ترفض أي حالة تعدي أو فوضى ناشئة عن التوجهات العنصرية العنفية.
إن التأسيس لعلاقات اقتصادية بين الهويات الجزئية المتجاورة جغرافياً تجسر العلاقات الاجتماعية، وتحشد بشكل طبيعي مجموعة ذات مصالح عينية تقف في وجه أي اضطراب في العلاقة، والطبيعة تساعد في هذا الجهد بشكل تلقائي فالمواد والصناعات والمنتجات الزراعية المتواجدة في منطقة ما غير متواجدة في منطقة أخرى، هذا يتيح طبيعياً لتقوية هذه الرابطة واتساعها، وهناك فائدة أخرى يمكن الاستفادة منها في الحد من الجانب العنصري في الهويتين الجزئيتين المتجاورتين جغرافياً وهي توظيف مجموعة من المسلحين في كلا الطرفين ليضمنوا حسن سير عمليات التبادل الاقتصادي. هذا التعاون بين المسلحين في كلا الجانبين إن تم تحت وصاية وقوامية الأهالي من التجار والفلاحين والصناعيين سيعمق من جهة القوامية الأهلية على جزء من المسلحين وهذا هدف مهم، وسيخلق نواظم غير مقننه ولكنها ثابته بحكم المراس لتعاطي المسلحين في كلا المجموعتين عهود تضمن مصالح الطرفين. وهذه العهود هي خطوة مهمة في الحد من غلو الجانب العنصري العدواني في الهويتين الجزئيتين المتجاورتين.
هذا النشاط الاقتصادي ونظام الحماية المرافق له إن دمج لاحقاً وأخذ شرعيته عبر نظام البلديات سيتحول مع الوقت لنظام مستقر ثابت يحقق الغايتين الاستراتيجيتين. قوامية المجتمع الأهلي على السلطات المعتمدة على القوة، وسيضمن التقارب التدريجي بين الهويات الجزئية المتجاورة وتحجيم الجانب العنصري في كلا الجانبين.
المال الوطني النظيف (نظام المقايضة مثالاً مفصلاً):
مقدمة :
لا شك أن أي نشاط سياسي أو إعلامي أو مدني يحتاج لمال ، إن ارتهان الناشطين للقوى الخارجية كان بشكل أساسي بسبب ندرة المال، وما رهن كل الكتل والأحزاب والهيئات السورية هو الحاجة للداعم المالي بشكل أساسي،
في ظل الفوبيا من انتقال الانتفاضة إلى الدول الإقليمية المتاخمة لسوريا جغرافياً أو قوميا استخدمت الرعاية والمال كسلاح لحرف الناشطين عن أهداف السوريين في حياة، كريمة حرة، عادلة.
والأمر أن المشكلة الأساسية كانت في الإدارة وليس التمويل، فالإدارة الجيدة تحصل على مال نظيف، والإدارة الفاشلة تحصل على مال مدمر للناس. إذاً عدنا نحو المربع الأول، نحو المرض العضال الذي تشكلت به النخبة السياسية السورية “اضمحلال الفكر العملي على حساب تضخم الفكر النظري”. الإدارة جزء من الفكر العملي. وهن التفكير العملي أدى لهزال في التشكل الإداري. هذا الهزال الذي جعل التعاطي مع تحصيل المال تعاطي أقل ما يقال عنه أنه مدمر.
مثال توضيحي :
تم توصيل فكرة لأحد شخوص المجلس الوطني مثلاً مفادها “السعي لتشكل مكاتب للمجلس في دول المهجر العربية وغيرها هدفها تنظيم عمليات المساعدة المالية والعينية للسوريين وهذه المكاتب تحقق اهداف كثيرة تخدم الدول الراعية منها الحد من اللصوصية باسم المساعدات، معرفة مآل تلك المساعدات وعدم استخدامها بما يضر مصالح تلك الدول الراعية، وأهداف أُخرى غير مناسب الآن ذكرها، ولكن من الأهداف المهمة سياسياً من هذا النشاط الإداري هو أن يتم تمويل المجلس الوطني بمال نظيف إما من السوريين المغتربين أو من أشخاص إنسانيين، أو جهات مدنية لا تحتوي اجندة سياسية.
أن تمويل المجلس آنذاك بالمال النظيف يكافئ استقلال القرار السياسي وعدم ارتهانه لممول متحكم. من المؤكد أن هناك عقبات في هذا الطريق، وتصور طريق دون عقبات ضرب من المثالية الساذجة، ومن هذه العقبات عدم سماح بعض الدول تشكيل هكذا مكاتب، وكان يمكن تذليل هذه العقبة بتشكيل المكاتب بشكل غير رسمي مع معرفة السلطات وإعطاء تلك السلطات ضمانات ما . لو تم هذا العمل الإداري كان يمكن لدولة واحدة أن تكسب المجلس الامويل اللازم لاختيار التواجد في دولة مناسبة واتخاذ الإجرآت الوطنية المناسبة، والحال لو أن عشرين دولة فقط تم فيها هذا الأمر من أصل دول العالم، ولو اعتمدوا على الأموال السورية فقط، لتغيرت المعادلة الوطنية بشكل كامل.
هذا التصور لم ينجز من قبل المجلس ولا من الائتلاف لاحقاً, ليس لسوء عام، ولكن بسبب جملة من الأمراض النفسمعرفية التي يعاني منها المثقف السياسي السوري وعدم قدرته بسببها على انتاج إطار برامجي قابل للتحقيق.
ما أردنا توضيحه بهذا المثال أن الإدارة الجيدة تستجلب مال نظيف. هذه القاعدة تصلح ابتداءً من الفرد فالأسرة فالقرية والمدينة والوطن.
إدارة القوى البشرية:
من المهم أن نعرف أن المال هو أحد الموارد من جملة كبيرة من الموارد، لطالما حصرت الموارد بالمال وهو ليس إلا وسيلة لربط المنتجات والنشاطات الفاعلة (العمل) ببعضها البعض. في هذا السياق سأتكلم عن مورد واحد من الموارد فقط وهو القوة الإنسانية. قد يكون الكلام التجريدي عصي وغير محبب للبعض لذلك سأتكلم بشكل واقعي مستعيناً بنظام البلديات المطروح سابقاً على سبيل المثال لتتضح الفكرة.
إن كان لدينا قرية تحتوي ١٠٠٠٠ مواطن. هذا يقابل وجود على الاقل حوالي ٢٠٠ موظف موزع بين المستوصفات والمدارس والكهرباء والهاتف والمحكمة والخدمات والبلدية.
واقع الأمر أن عدد ساعات العمل ثمان ساعات يومياً بينما العمل متوسط العمل الفعلي لكل موظف ساعة في اليوم او ساعتين على أقصى تقدير. هناك ست ساعات من العمل تقع تحت عنوان البطالة المقنعة. أي ٦ ضرب ٢٠٠ لدينا ١٢٠٠ ساعة عمل يومياً، ما يعادل ١٢٠٠ ضرب ٣٠ يساوي ٣٦٠٠٠ ساعة عمل شهريا مهدورة. ولو اعتبرنا أن متوسط ساعة العمل تقابل ١٠٠ ليرة فإن ٣٦٠٠٠ مضروبة ب ١٠٠ تقابل ٣٦٠٠٠٠٠ شهرياً. هذا يقابل ٤٣٣٠٠٠٠٠ سنوياً.
ان كان نصف هذا الإنتاج للموظفين المعنيين ٢٠٠ موظف يكون الزيادة في دخل الموظف سنوياً هو ٢١٦٠٠٠ ليرة. تم قياس اجرة ساعة العمل على راتب ٣٠ ألف ليرة شهريا بما يعادل ٣٦٠ ألف سنويا. بمعنى أن هناك زيادة شهرية على راتب الموظف تقدر ب ١٨٠٠٠ ليرة. بالمقابل فإن البلدية التي جهزت فرص العمل للموظفين ستحصل من كل موظف على ١٨ ألف شهرياً من قوة عمله أي يمكنها أن توظف من الفائظ ١٠٠ وظيفة جديدة أو مال كاف لفتح فرص عمل جديدة.
النشاط يحطم الرصيد :
من المناسب أن نوضح للقارئ الكريم مفهوم النشاط المالي أو ما يقال عنه السوق النشط. بمقابل الكساد أو بطئ الحركة في السوق. وسأبتعد أيضاً عن التجريد فقد يكون ملبكاً وسأعطي مثالاً:
حسن نجار خشب معه ١٠٠٠٠ ليرة ذهب للمعلم وأعطاه ١٠٠٠٠ لتعليم أبناءه، أخذ المعلم بنفس اليوم المبلغ وأعطاه للحداد ليفصل شباك الحداد أخذه للطبيب ليعالج ابنه الطبيب أخذه للمهندس لكي يعمل تصميم المهندس ذهب لحسن النجار ليفصل باب وأعاد المبلغ.
ما فعلته ال ١٠٠٠٠ التي عادت لحسن هي تعليم اطفال صناعة شباك تطبيب مريض تصميم هندسي أي قامت بما مقداره ٥٠ ألف ليرة.
قد تقوم ال ١٠٠٠٠ ليرة بأعمال يومية تعادل مئة ألف. وقد تكون قيمتها فقط عشرة آلاف هذا مرهون بالحركة والنشاط.
ما نستخلصه من هذا الاستعراض أن المهم بالاقتصاد هو الحركة وسرعة التبادل وليس قيمة الرصيد. تنشيط التبادل أمر إداري يمكن للنشاط البشري الدخول به يمكن لمشروع البلديات على سبيل المثال القيام بهذا النشاط بشكل مدروس ومنظم. كما يمكن بحالات معينة مقايضة الأعمال دون الحاجة أساساً للنقد من خلال ضمانات قانونية وإدارية واضحة.
نظام تبادل لا يحتاج لنقد:
وجدنا أن النقد يدخل كإنزيم يربط نشاط إنساني بآخر ويرحل لبناء ارتباط آخر. وفعلياً النقد هو بشكل من الأشكال قيمة عمل حتى لو كان سلعة ما فهو يعبر عن قيمة العمل التي أنتجت السلعة.
لنفكر بشكل مختلف قليلاً في حال ندرة النقد هل يمكن للإدارة الناجحة الاستغناء عنه ؟؟؟!!!
فعلياً يمكن ذلك ويمكن بالحد الأدنى التعويض عن ندرة النقد مستندين إلى أن النقد هو فقط إنزيم رابط بين نشاطين إنسانيين.
لنفترض أن ”حسن“ قدم عمل للبلدية أو قدم مبلغ وأخذ وصل من البلدية بقيمة هذا المبلغ. وعمل اتفاق مع المعلم على تدريس أولاده بقيمة من هذا المبلغ او بالمبلغ لسهولة شرح الفكرة العامة. وأخذ المعلم هذا الوصل الذي يحتوي مبلغ بقيمة العمل وذهب إلى الحداد وأعطاه الوصل، والحداد بدوره ذهب إلى الطبيب وسلمه الوصل بقيمة المبلغ. والطبيب استأجر حسن النجار وأعاد له الوصل وهكذا دواليك. فإننا في هذه الحالة سننشط العمل والسوق والقيمة التبادلية للنقد الافتراضي.
هل هذه العملية بهذه البساطة ؟ من المؤكد أن الجواب هو لا ليس بهذه البساطة فالأمر يحتاج لدراسة التفاصيل والضمانات ووجود آلية في البلدية محكمة وضامنة للحقوق.
من ناحية أخرى هذا لا يبطل التعامل النقدي الموجود في القرية. لكنه سييسر الأعمال وفق مبدأ المقايضة الذي كان معمول به قديماً، والذي تقوم به العديد من الشركات العابرة للقارات حالياً.
ما الفائدة التي يمكن أن تقدمه هذه الآلية للمجتمع؟
كثيراً ما تبادلنا الحديث وزملائنا الذين يعملون في الخليج العربي أنه لو أن عدد الساعات الفعلية للعمل الذي نقوم به هنا نفس ساعات العمل في سوريا لكان وضعنا المالي أفضل. وأعتقد أن القاطنين في الغرب يمكن أن يقولوا نفس الأمر.
البطالة المقنعة من جديد هي سبب التعثر المالي فالشخص الذي يعمل بشكل حر فعلياً نتيجة ندرة النقد يعمل ١٠ بالمئة فقط من وقته الحقيقي وهناك ٩٠ بالمئة من وقت العمل المتبقي لا يقوم بعمل حقيقي نتيجة ندرة النقد وبطء حركة التداول وكساد السوق. يستطيع الشخص أن يحافظ على عمله بنظام النقد العادي في العشرة بالمئة من وقته لكنه يستطيع بفضل نظام المقايضة المنظم من البلديات أن يفعل ٩٠ بالمئة من وقت عمله الحقيقي.
ان العمل وفق نظام المقايضة المنظم يساهم في إحداث ثورة في النمو والازدهار والبناء والتعليم وكل ما من شأنه رفع المستوى المعاشي للمجتمع.
حاجات أي مجتمع موجودة داخل المجتمع نفسه:
انظر حولك كل ما تحتاجه موجود في الأسواق، وموجود داخل مجتمعك البنًاء، الطبيب، المعلم، الحدّاد، بائع الخضروات، اللحوم،…. الخ.
ما تحتاجه يحتاجه كل فرد في المجتمع، إذاً الأمر منوط بالتبادل، أن تبادل قوة عملك المتبقية مع السلع، وقوة العمل لدى الآخرين. النظام النقدي يعمل بشكل تلقائي ولكن نظام المقايضة المنظمة داعم لعملك ولإستهلاكك. قد يحتج احد الأشخاص بأن السلع تحتاج لمال لأنها في المجتمع المحلي ليست مجرد قوة عمل يمكن مقايضتها. فبائع الألبسة مثلاً يحتاج للنقد لشراء الألبسة من تاجر الجملة. هذا صحيح تماماً ولكن لنتمعن في الأمر قليلاً، تاجر الألبسة لديه أرباح وهذه الأرباح سيستهلكها عن طريق المدرسين العمال الطعام البناء الخ. جزء من هذه الأرباح النقدية سيحتاجها لتدوير البضاعة أي شراء بضاعة وجزء سيحتاجه لاستهلاكه الشخصي . وهذا الجزء المتبقي يمكن للتاجر أن يقايض به سلعته . بمعنى أنه يبيع بشكل دائم وفق النظام النقدي، لكن لا ضير لو باع قسم من بضاعته المتبقية على شكل كوبونات عمل مصدقة من البلدية يستطيع مقايضتها بأي سلعة أو عمل يحتاجه. فنظام المقايضة لا يلغي النظام النقدي ولا يؤثر عليه سلباً ولكنه يكمله ويدعمه.
بالنهاية كل ما يحتاجه بائع الألبسة موجود في محيطه السكاني، وربما الجزء الأكبر من ارباحه ستصرف في هذا المجتمع بالذات، لكنه سيحقق مبيعات أكثر بفضل نظام المقايظة المنظم وسيساهم في تنشيط اقتصاد السوق وحجم التبادل وسرعته.
الرأسمال الفعال:
نلاحظ من كل ما سبق أن المعظلة المالية يمكن أن تحل، لكن كل ذلك يحتاج للرأسمال الفعل – الوعي، دون الوعي العملي كل تلك الأفكار في مهب الريح، الوعي العملي الممرحل الدقيق المنظم هو الضامن الوحيد لتحول تلك الأفكار لواقع ملموس. يجب أن تكون كل الأطراف رابحة ومستفيدة لأن غبن وظلم طرف من الأطراف يعني حرفياً سقوط كامل المنظومة، العدل مكون جوهري من مكونات هذا الفكر العملي بدونه لا يمكن للعملية أن تتم وتنمو، ماذا يعني هذا في مثالنا ؟ يعني أن يكون مقدم العمل أو السلعة مستفيد، يعني أن يكون مستهلك العمل أو السلعة مستفيد، والبلدية كجهة منظمة وراعية مستفيدة أيضاً، والمجتمع الحاضن لهذه العملية مستفيد. لا يمكن أن يستقيم الأمر ما لم يتم ذلك العدل بالربح، التضحية والإيثار وغيرها من المبادىء الأخلاقية مهمة في بدايات التشكيل لكن لا يمكن الركون إليها في استدامة المنظومة.
الوعي العملي بالتوصيف السابق يحتاج لفريق يمتلك مهارات خاصة مهمة للبدء في العملية مثل الإلمام والتمرس على الحوار الفعال المثمر، إدارة الخلاف، فن وأسس التفاوض، مبادئ تشكيل فريق عمل، التخطيط الجيد.
إن كل تلك المهارات هي رأسمال في مشروعنا هذا، وهو رأسمال عقلي بالدرجة الأولى. الإدارة الجيدة تجلب مالاً نظيفاً مستداماً أخلاقياً.
بداية نظام المقايضة:
تتم البداية من خلال شراء صكوك من البلدية بقيمة مالية متفق عليها. هذه الصكوك تقابل القيمة النقدية التي تدفع للبلدية. يمكن أيضاً لمن لا يمتلك نقد تقديم عمل أو سلعة بقيمة تعادل الصك.
تؤرشف هذه الصكوك بأرقام ضمن سجل خاص، يستطيع الإنسان الذي لا يمتلك نقد تقديم قوة عمله أو السلع المناسبة للحصول على مزيد من الصكوك.
كل عملية تبادل تتم بين شخصين عليهما مراجعة البلدية للتأكد من صدقية الصكوك وتأخذ البلدية نسبة ولنفترض ٢ بالمئة لقاء كل عملية تبادل جارية على صيغة نقد.
المفعول الذي يقوم به الصك هو نفس مفعول النقد بمعنى أنه يمكن مقايضته بأي سلعة أو قوة عمل ضمن الأشخاص المنتسبين لهذا النظام.
من المؤكد أن الشخص الأكثر عملاً سيحصل من باقي الأشخاص على صكوك أكثر. إن هذا النظام لا يلغي التداول النقدي أبداً ولا يؤثر عليه فمن الطبيعي أن يفضل صاحب السلعة أو قوة العمل مقايضة سلعته أو قوة عمله بالنقد، ولكن في الحالات المتبقية يكون نظام الصكوك داعم لحركة التبادل والنشاط الاقتصادي.
هذا النظام يسري على المتداولين بنظام الصكوك، فهو خاص بالشبكة التي تعمل به فحسب.
ليست المقايضة هي تبدل بين طرفين فقط. بل إن الصك الذي تحصل عليه مقابل سلعة أو عمل قدمته يمكن مقايضة قيمته بسلعة أو عمل من أي شخص ينتمي إلى الشبكة. وهذا يفضي إلى إمكانية التعدد والتنوع في الخيارات عند الرغبة بعملية التبادل، بالإضافة إن الشخص النشط الذي يقدم العديد من السلع وطاقة العمل سيتراكم لديه رصيد من الصكوك التي تخوله لمبادلتها بسلع ذات ثمن مرتفع أو عمل يحتاج لقيمة نقدية عالية.
ان استقطاع نسبة من عمليات التبادل من قبل البلدية يزيد في دخل البلدية. كما إن إعطاء صكوك في بداية النظام من قبل البلدية للأشخاص الراغبين في دخول الشبكة مقابل أعمال أو سلع يقدمونها ما لم يتوفر لديهم النقد يؤدي لانتعاش المنطقة وفتح مشاريع لا تحتاج إلى نقد تفيد المجتمع عبر البلدية. والحقيقة أن الصكوك المعطاة من قبل البلدية لهذه السلع أو الأعمال شرعية وقانونية لأنها تعبر عن صكوك يقدمها المجتمع المحلي نتيجة تلقيه خدمات.
الشبكة الممتدة :
في كل قرية أو منطقة يوجد فريق أو أكثر يقوم بأعمال تطوعية للمنطقة كزراعة الأشجار، أو تنظيف الطرق، أو صبغ المرافق، الأعمال التطوعية جيدة ولكنها غير مستدامة، ولا يمكن أن يكون المجتمع عادلاً إن تم إعطاء حقوق متساوية للذين يجلسون دون عمل تطوعي وبين العاملين في النشاطات التطوعية.
تستطيع البلدية تقدير القيمة المالية لهذه الأنشطة وإعطاء المتطوعين صكوك توازي العمل الذي يقدمونه كل شخص على حدى. هذه الصكوك يستطيع المتطوعون مبادلتها بأعمال بين بعضهم البعض، بهذا البرنامج سيشعر المتطوع أن المجتمع يقدّره من خلال البلدية. وسيكون بنفس الوقت هو وزملائه المتطوعين الخميرة الأساسية لانطلاق نظام المقايضة المنظم. هذه البداية للنظام مهمة عبر المتطوعين لأن المتطوع عموماً يمتلك من النزاهة والإيثار ما يؤهله للتعامل مع الصكوك المقدمة من البلدية بصدقية وأمانة، وهذه الصدقية والأمانة ستأسس لسنة وطريق يحتذي به المنتسبين الجدد لنظام المقايضة المنظم.
لكن قبل الشروع العملي في تفعيل النظام يجب القيام بسلسلة من المحاضرات التعريفية بالنظام في الأماكن المتاحة المراكز الثقافية، البيوت، البلدية. لكي تتشكل صورة واضحة عن الأمر برمته عند مجمل الناس.
هذا الجهد التعريفي مهم جداً ومهم أن يقوم به أشخاص معروفين بنزاهتهم وأخلاقهم و تثق بهم الناس, هذا من جهة ومن جهة أُخرى يجب أن يكونوا ملمين بتفاصيل العملية ولديهم قدرة جيدة للإجابة عن كل الأسئلة المحتملة.
في هذه الحالة سيشكل الفريق التطوعي بواكير الشبكة المحلية التي ستتوسع من خلال المنتسبين الجدد القادمين من المحاضرات التعريفية، وعندما تدور فضائل هذه الشبكة والتداول التقايضي على ألسنة الناس ستتوسع الشبكة أكثر من خلال المنتسبين الجدد إلى أن تغطي المنطقة برمتها.
ملاحظات في طريق تشكيل فريق العمل :
مقدمة :
علينا تحديد العقد التي تحول دون تشكل فريق عمل منظم، قادر على تطبيق برامج واقعية مثمرة، لا أدعي بأن هذه المعضلة تتكون من العقد التي سأستعرضها فقط، واقع الحال أن كل تجمع له عقباته المختلفة، ولكني سأركز على العقبات المتواترة والمشتركة التي تقف حجر عثرة في طريق تشكيل فريق عمل فعال، منسجم ، قادر على الوصول لمُخرجات تطابق الهدف المنشود.
نقمة الكمال :
العائق الأول الأكثر تواتراً في طريق تشكيل فريق عمل هو نقمة الكمال، والذي يسعى له الكثيرون تحت اسم نعمة الكمال، ويتلخص برغبة الشخص في أن يتم تبني وجهة نظره ١٠٠ ٪ . أو أن يتحقق ما يخطط له ١٠٠ ٪. وهذه استحالة.
يدخل الشخص في مجموعة أو يشكل مجموعة ما ظاناً أن رؤيته الصحيحة تماماً بالنسبة له ستتحقق ولا تلبث أن تبدأ حماسته بالخفوت والتراجع عندما تدخل تصورات الآخرين وإراداتهم في تغيير تلك الصورة التي بناها في مخيلته. يفتح هذا التغيير سلسلة من النقاشات والسجالات والحوارات ويركز كل طرف محاور على تصوره ورؤيته. وعادةً ما يتم تحلل المجموعة بسبب تعنت كل طرف يرغب بأن يطبق تصوره كاملاً غير منقوص.
كان يمكن للمركب أن يسير لو أن الأشخاص تفهموا استحالة تحقيق رؤية كل شخص كاملة، وتخلى كل شخص منهم عن بعض التفاصيل غير المهمة والجانبية للخلوص لرؤية مشتركة.
وهم العَقَبة:
في أي طريق يوجد عقبات، وهذا أمر طبيعي، لكن أن يتم اعتبار أن العقبة تعني الرجوع هو وهم العقبة، لطالما سمعنا عند طرح فكرة عمل ما الجملة التالية “صحيح يمكن، ولكن الأمر مستحيل لأن هناك عقبة تمنع تحقق ذلك”.
تخيل طريق بدون عقبات أمر مستحيل، وأن تكتشف كل العقبات قبل البدء بالعمل أيضاً أمر مستحيل، المناسب أن توضع العقبة تحت المجهر وتحلل ويتم إيجاد الحلول الممكنة، القابلة للتحقيق لتجاوز هذه العقبة.
لطالما فعل المحبطون فعلهم في تشتيت الجهود وحل فريق العمل عندما أصروا وألحوا على البحث عن عقبات وإكسائها صفة عدم الحل، وقاموا بتسفيه أي حل يُطرح ووصفه بأنه غير معقول أو مستحيل !!!
العقبة قدر في طريق أي عمل، تحليلها واستنباط الحلول المناسبة لتجاوزها هو الجهد الفعال، فطالما عيناك بين الكتاب والسحاب فمن الطبيعي أن تتعثر بحجارة الطريق.
القنبلة المتخفية :
العقبة الثالثة هي القنبلة المتخفية فما هي تلك القنبلة ولماذا هي متخفية؟ الحقيقة أنه في أي اجتماع عمل يضم فريق ستجد بعض الأشخاص لا يشاركون في الحديث ولا يعبرون عن آراءهم فقط يراقبون الحوار بصمت. ولا تستطيع تبين وجهة نظرهم، وإن أُحرجوا بمشاركة ما تكلموا عن موضوع جانبي لا يمت للموضوع الأساسي بصلة، قد وصف هؤلاء الأشخاص سابقاً الجاحظ وأطلق على الشخص الصامت بهذا المقام ” العي”، غالباً ما يكون هؤلاء الأشخاص يرصدون السلبيات والنقاط الإشكالية والهفوات ويخزنونها في داخلهم، ومتى امتلأت جعبتهم من الحنق والغضب بعد تراكم التصورات السلبية ينفجرون بشكل لحظي ليفتتوا المجموعة إلى أشلاء. أو قد يقسمون المجموعة إلى فرق متناحرة من الصعوبة عودتهم لفريق واحد. من المناسب دوماً أن يتم معرفة رأي الصامتين في كل قضية حتى لو أبدوا الحياد.
وبالمقابل على هؤلاء الأشخاص التعبير عن انزعاجهم من الأشياء التي يرونها غير منطقية قبل أن تتراكم تلك الملاحظات في خُلدهم وتنفجر دفعة واحدة.
الفكروية:
الفكروية هي تصعيد فكري مبالغ به في وضع يتطلب الإقدام على عمل، تداور الفكروية التفاصيل وتفاصيل التفاصيل وتقود فريق العمل من باب إلى باب ومن مسألة إلى مسألة، وتُعرف المجموعة بكمية من المعلومات والأفكار والتصورات والتساؤلات التي تتعلق بالموضوع تارةً ولا تتعلق بالموضوع أحياناً بحجة الوصول للأكمل. الفكروية نزوع نظري يستبدل الواقع بالخريطة، وبدل المسير في الواقع يبدأ المسير في الخريطة بشكل مبالغ، ويعتقد المحاور أن فوزه على العقبات في الخريطة هو فوزه على العقبات في الواقع، ووصوله للهدف في الخريطة هو وصوله للهدف في الواقع. إن النمط الفكروي يلغي الزمن الواقعي ولا يعترف به، كما يلغي مقدار القوة اللازمة لتحقيق هدف في الواقع، يضع قوى افتراضية وموارد افتراضية (لمجرد أنها ممكنة) ويبدأ المسير في الفكر.
جذر الفكروية هو العجز عن القيام بعمل حقيقي، الخوف من أن يدخل الإنسان في تجربة حقيقية، ومواجهة حقيقية، واستحقاقات حقيقية فتظهر الفكروية كحل وفرج تسكت نوبات تأنيب الضمير من جهة، وتشوه صورة الإنسان أمام نفسه. فتقوم بتعديل كلاهما فيرضى الإنسان عن نفسه.
جذر الفكروية الخوف وثمرتها الرضى الذاتي ونتيجتها عدم الفعل.
إن الوقت والجهد الذي تستهلكه الفكروية لتحقيق عمل أضعاف الوقت والجهد الذي يتطلبه العمل نفسه.
”نعم ولكن!“:
تكثر هذه الصيغة في الحوارات ” نعم ولكن” وهي تعتمد على أمر بسيط جداً مفاده أن أي نشاط دوماً لديه عقبات وسلبيات، فالمحاور المحبط يستخدم هذه الصيغة لتحبيط عمل ما من خلال التركيز المبالغ به على العقبات وتجميعها مع بعضها، أو التركيز على الجوانب السلبية من العمل والغرق فيها. نعم ولكن هي رفض للعمل مقنع بالمنطق والحجج والأدلة. وكان من المناسب أن يلغي المحاور ما بعد نعم ويبدأ بعد لكن وفي هذه الحالة يُبين عدم رغبته للعمل دون أن يحبط كامل عناصر الفريق.
من المؤكد أن هذه القاعدة ليست عامة ومطلقة ففي بعض الحالات النادرة تكون صيغة “نعم ولكن” تدلل على معنى حقيقي غير محبط غير أن أغلب مستخدمي هذه الصيغة يندرجون ضمن التوصيف آنف الذكر.
النزعة المعرفية في السياسة :
السياسة بمعناها العملي التطبيقي هي حقل الممكن، الممكن يعني المكان والزمان والظرف والموارد والقوى.
إن مناقشة قضية مطروحة للتطبيق يعني المناقشة المبنية على الأركان الخمسة آنفة الذكر. لكن عندما تناقش هذه القضية بشكلها المجرد والفكري تخرج من الأركان الخمسة وتخضع لمحددات من طبيعة فكرية الأكمل، الأفضل، تواشجها مع البنية الفكرية, علاقاتها المنطقية مع القضايا المحايدة. بهذا المعنى يصبح النقاش المعرفي هو العقبة باتجاه تحقيق الفكرة على الأرض.
لطالما يشكي العاملون في القضايا العامة من أصحاب هذا النمط عندما يسحبوا من أرضهم التي يأملون في عمرانها إلى افتراضات وأفكار تجريدية تبعدهم عن الواقع وتسحب من قلوبهم الحماسة والاندفاع للبناء.
حقل المعرفة مهم، ومهم جداً لكن امتزاجه في الفكر العملي لحظة الفعل له نتائج عكسية تماماً.
الإصغاء :
الإصغاء مهارة لا يمتلكها الكثيرون، وكثير من الأحيان ومهما كان الكلام بسيط فإن فهم ذلك الكلام يختلف اختلافً كبيراً لدى المستمعين !!!!
الحقيقة هذه مشكلة دائمة وسببها التالي:
كل شخص لديه قاموس لغوي خاص من حيث أن بعض الكلمات أو الفكر تكون مشحونه حسياً بشكل كبير (شحن ايجابي أو سلبي)، وبعض الكلمات أو الفكر تكون غير مشحونة بتاتاً، هذا الشحن يعود لأسباب شخصية أو فئوية أو طائفية أو أيديولوجية … الخ.
بالمحصلة فإن نفس الخُطاب عندما يعرض على عشر أشخاص من تكوينات مختلفة فالتجاوب وبالتالي الفهم يختلف من شخص لآخر. مثلاً كلمة كافر تثير عند بعض الفئات موجه من الحنق والتشنج، وعند فئات أُخرى لا تثير تلك الجلبة . وجملة ” انت غير وطني ” تثير عند بعض الفئات شحن حسي سلبي قوي، وعند فئات أُخرى لا تحرك ساكناً.
هل الأمر يتعلق بالأمثلة التي ذكرتها فقط ؟ بالتأكيد لا في تجربة بسؤال عدد من الحضور لدورة معينة ما معنى كلمة “نظام” لديك وماذا تحس عند لفظ هذه الكلمة؟
كانت الاجوبة مفاجئة بتعددها, منها:
الترتيب: شعور جميل
.شيء روتيني كريه.
الأناقة والتعامل الجميل .
القمع والإستبداد.
الحضارة والمجتمعات الراقية .
التربية الجيدة !!
بالمحصلة فإن كان الفهم يختلف كل ذلك الاختلاف من شخص لآخر بالنسبة لكلمة فما بالك بجملة أو نص كامل. الإصغاء مهارة تحتاج للخروج من الذات بكل مكوناتها والحياد الشعوري (تحييد المشاعر الذاتية) ومحاولة استيعاب ما يقوله الآخر بالضبط.
الأحكام المسبقة:
عادةً ما يكون داخل عقل كل فرد منا صناديق، كل صندوق يحتوي ما خزنه الشخص من معلومات عن شيء ما، ولايمكن أن يغُلق هذا الصندوق إلا إن تربع فوق كل هذه المعلومات حُكم.
إن صندوق يحتوي معلومات دون حُكم يشابه صندوق يحتوي خلية نحل مسعورة تشغل العقل كله. لذلك إطلاق حكم على الأشياء ضرورة عقلية تتم بشكل من الأشكال.
عندما يعرض هذا الشيء أمام الحواس يظهر الحكم مباشرة من العقل مترافق مع إحساس إما محبب أو غير محبب أو بينهما.
من الخطورة بالنسبة لفريق العمل أن نترك الأحكام المسبقة تعيث فساداً في القضايا المطروحة، لعل معلوماتنا عن القضية غير كاملة، أو غير دقيقة، أو مجرد انطباعات، أو مغلوطة بالأساس. كثيراً ما يلغي الحكم المسبق أي محاولة للبيان والتبيين وقد يحجب الكثير من المعلومات التي إن تم إدراجها في الصندوق لتغير الحكم بالتأكيد.
الأحكام المسبقة تحجب حاسة السمع، وأحياناً حاسة النظر، ودائماً تلغي ساعات كثيرة من الجهد الفكري.
تقديس الديمقراطية العددية :
بات المساس بهذه الأداة المقدسة عند الكثيرين كالمساس بالذات الإلهية عند الآخرين بفارق أن المقدسين للذات الإلهية لديهم وجه من الحق لأن الذات لديهم غاية بل غاية الغايات، لكن من قدس الوسيلة بأي وجه حق يدعم حجته !!!
الأداة لا تقدس، الأداة وسيلة لتحقيق غاية. تبطل صلاحية الأداة عندما لا تستطيع تحقيق الغاية التي وجدت من أجلها. لنلاحظ أنك إن استخدمت أداة المعول لغاية تصليح الأسنان ستكون مخبول. فلتصليح الأسنان أدوات دقيقة خاصة لذلك.
هل الأدوات دائماً مادية ؟
بالتأكيد لا هناك أدوات ووسائل معنوية.
لنمضي خطوة للأمام بعد أن عرفنا أن الغاية تصنع أداتها.
لكن ما هي الأدوات المعرفية، إنها لا تحصى ولكل غاية أدوات خاصة لإنجازها، وقد نحتاج أكثر من أداة حسب اقتضاء المرحلة لتحقيق غاية واحدة.
المشورة قد تكون وسيلة مناسبة في مرحلة من المراحل وغاية من الغايات.
والمبادرة قد تكون وسيلة مناسبة في أوقات ثانية.
والصمت قد يكون وسيلة مناسبة لحث الآخرين على المبادرة.
والديمقراطية العددية قد تكون مناسبة في غايات ما.
النقاش قد يكون وسيلة مهمة للوصول لغاية.
والنقاش نفسه قد يكون من أكبر المعيقات للوصول لغاية معينة.
إداً لا تقديس لوسيلة يا سادة.
خوفاً من :
إن هذا الفيروس الخطير يحرف عمل الجماعة نحو طريق عدمي عبثي “خوفاً من”. غالباً ما يسيطر فيروس “خوفاً من” على عقل فريق العمل فيقومون باتخاذ الإجراءات والاحتياطات والقرارات والآليات لكي لا يقولوا هؤلاء طائفيون، هم إقصائيون، يريدون الشهرة، لهم مصالح خاصة …. الخ
المناسب بالنسبة لطريق فريق العمل أن يُحدد ب ” الرغبة ب” وليس “الخوف من”، في الطريق الأول يكون الطريق عبارة عن أهداف تخدم هدف الفريق أهداف موضوعة على خط الزمن، يحتاج كل هدف منها إلى آليات مختلفة، بعض الأهداف تحتاج الى معالجة هذا المرض وطرد هذا الفيروس.
الخاتمة:
من المناسب التأكيد أن هذا الدليل للعمل لا يمكن أن يطبق بحرفيته في كل مناطق سوريا، ومهما أحاط الكاتب بالتفاصيل فإن للواقع طرقه الوعرة وغير النمطية، فكل منطقة في سوريا لها من الخصوصيات الثقافية والاقتصادية والديمغرافية، عملية توليف البرنامج مع الواقع يقع على مسؤولية فريق العمل من خلال الاجتماعات واللقآت للخلوص الى برامج عملية يمكن أن يكتب لها النجاح في كل من نظام البلديات ونظام المقايضة المنظمة أو من خلال برنامج آخر منبثق عن الروحية العامة للمشروع.
حدثت مستجدات عديدة منذ كتابة هذا الكتيّب – البرنامج لكنني أتصور أن هذه المستجدات لا تؤثر على صلاحية العمل بمقتضى التتابع البرامجي أو على البرنامج بشكله العام، فهذا البرنامج – المشروع يحتاج سنوات وربما عقود ليتجسد في الواقع العياني، وهو كما سبق ونوهنا قابل للحياة تحت ظل أي سلطة حاكمة في سورية سواء أكانت سلطة وطنية أو ديكتاتورية أو سلطة وصاية أو احتلال أو سلطات تقاسم نفوذ. إذاً هو برنامج اجتماعي اقتصادي اداري سيكون له مُخرجات سياسية وطنية بالضرورة في كل الحالات وتحت جميع المتغيرات السياسية.
لا يمكن أن يكتب للبرنامج النجاح في ظل وعي عبدي عند الناشطين يتمثل في المغالبة، ورغبة التسيّد، والغيرة، والنرجسية المفرطة، ومن المؤكد أنه سيثمر في ظل علاقات بين أحرار غيورين على المصلحة العامة متعاونين بمحبة وصداقة، متحررين من عقدة الغالب والمغلوب، القائد والتابعين. بهذا المعنى فلا فضل لموقع وظيفي على آخر فالمواقع تحددها المهارات الشخصية. سيكون المشروع ناجح لو كانت الروحية العامة للفاعلين تشبه روحية ما قاله ألبير كامو ” لا تطلب مني أن أكون في المقدمة فقد لا أقودك، ولا تطلب مني أن أكون في المؤخرة فقد لا أتبعك، امشي بجانبي وكن صديقي”.