جيوش وجيوش! 15-04-2019
كيف تُصنع الجيوش في الأنظمة الديمقراطية ويُعاد تجميع صف العسكر في الانظمة الاستبدادية؟ وكما تظهر التجربة التاريخية في مجموعة بلدان “الربيع العربي” ومقابلتها بالأنظمة الديمقراطية يشكل الجيش مؤسسة سيادية كسائر مؤسسات الدولة الديمقراطية وتتمتع بالاستقلال والحياد تجاه النظام السياسي القائم، هذا النظام الذي لايعرف انقلابات ولا طريقاً للسلطة إلا صناديق الاقتراع، بحيث تكون وظيفة الجيش فيه الدفاع عن سيادة الدولة تجاه الخارج وعن سيادة القانون في الداخل. أما في الأنظمة الاستبدادية- وما يعنينا هنا انظمتنا العربية- فالجيش يفتقر إلى توجه فكري يبني اتجاهاته وطبيعة مهامه بحيث يلتبس فيه العسكري بالسياسي بعلاقة شاذة تقلب مفهوم الجيش ودوره ومهمته، وكثيراً ما انتجت حالات سيطرة متبادلة بين السياسي والعسكري وانحصر دور الجيش فيه في مهمة محددة هي “حماية الزعيم” لا الوطن.
من أهم ما أثار الربيع العربي ذلك الجدل حول دور الجيوش العربية في تحديد آفاق الثورة ورسم نهاياتها وكيف أسهمت المؤسسة العسكرية في تحديد أو تغيير مسار الثورات، ولماذا اختلف موقف المؤسسة العسكرية في الانتفاضات الشعبية بين بلد وآخر, على الرغم من أنها جميعاً نتاج أنظمة الاستبداد. ولماذا الجيش السوداني مثلاً في الخندق الشعبي والجيش السوري في خندق معادٍ للشعب السوري.
هل هي طبيعة العلاقة بين هذه الجيوش ومؤسسة الحكم أم هي طبيعة تنشئة هذه الجيوش التي اتسمت بسمات ضباطها؟
في بانوراما سريعة للمشهد في ثورات الربيع العربي وموقف الجيش في كل منها نرى:
– في الحالة التونسية: والتي يعتبر جيشها أكثر الجيوش العربية عراقة والذي لم يطل الأمر به مراقباً لما يحدث في الشارع وبعد بطش قوات الأمن بالمتظاهرين حسم أمره وانحاز للشارع الثائر من دون مخاوف لدى الشارع التونسي من استيلاء الجيش على الحكم.
– في الحالة المصرية: شكل الجيش في الذاكرة الشعبية صورة لجيش الوطن الذي خاض حرب اكتوبر وحرر سيناء والذي بقي بعيداً عن التحزب السياسي ورغم ارتباطه بالنظام انحاز للشعب الثائر وحول آلياته إلى دمى يلتقط المنتفضون الصور على متنها بعد أن اتخذ موقفاً محايداً في المرحلة الأولى من الثورة, ولكن مع اتساع الانتفاضة وحالة الانفلات الأمني تدخل لحماية المنشآت العامة وملأ الفراغ الأمني واصطف إلى جانب الشعب الأمر الذي أدى إلى الإسراع بتنحي مبارك وعاد وانقلب على الشرعية بعد احتجاجات “30 يوليو ” وصدر بيان القوات المسلحة الذي أمهل القوى السياسية مدة 48 ساعة لتنحي مرسي وساندته وزارة الداخلية ليعود العسكر إلى حكم مصر.
– في الجزائر: الجيش الجزائري والذي صنف من أقوى الجيوش العربية وهو ركيزة اساسية في الدولة يقول “أنا مع الدستور مهمتي حماية الوطن والشعب”.
– في اليمن انقسم الجيش الى قسمين بعد ثورة 2011 قسم انحاز الى صفوف الثوار وقسم بقي على ولائه لعلي عبد الله صالح ولمصالح قيادته، هذا القسم الذي كان على رأسه عائلة صالح وحاشيته.
– في ليبيا لم يختلف الوضع كثيراً عنه في اليمن فالجيش النظامي ضعيف ومهمل إلى جانب جيش موازي اسسه القذافي بقيادات من القذاذفة وهو الذي دافع عنه حتى الرمق الأخير.
– وتأتي ثورة الشعب السوداني لتستثمر حصيلة تجارب شقيقاتها في ثوراتها وليأتي تلاحم المتظاهرين والجيش، ينتفض الشعب السوداني والجيش معه ويؤازره، ويحميه أمام مقر القيادة العامة من محاولات الشرطة استخدام القوة .
الجيش السوداني عرف بخبرته القتالية الطويلة بسبب الحروب الأهلية التي أكسبته الخبرة والانضباط وقدرة تحمل هائلة، وكان قد استولى على السلطة أربع مرات بنجاح والخامسة والأخيرة كانت ٢٠١٩/٤/١١.
لماذا وقف الجيش السوداني إلى جانب شعبه؟
يقيناً أن الجيش السوداني بتركيبته المؤسساتية مختلف تماماً عن الجيوش العقائدية وقد ظهر ذلك سابقاً بتجربة 1986 “سوار الذهب” حيث قام بتسليم القيادة للمدنيين حينها، والآن يقدم الجيش وعوداً بإعادة القيادة للسلطة الجديدة المنتخبة وهذا ما يجب أن تستمر المعارضة الديمقراطية السلمية في المطالبة به والعمل عليه.
لماذا اتخذ “حماة الديار” في سوريا القرار في حرق الدار منذ اندلاع الشرارة الأولى للثورة؟ وصار الجيش الوحيد الذي حاز على امتياز حفاظه على معدلات قتل يومي للعشرات وقدم أسوأ مثال في تجارب الجيوش في العالم.
هنا يحضرنا سؤال لعالم الاجتماع ” ادوارد شيلز” يقول:
” لماذا يحكم العسكر مجتمعات لم تشكل فيها العسكرية والنجاحات في الحروب قيمة عليا وتحتفظ فيها الجيوش بميزانيات كبيرة دون ان تخوض حروبا؟”
لا نضيف جديداً بالقول أن الجيش السوري بتركيبته الطائفية مستعيناً بحلفائه الروس والإيرانيين والميليشيات الطائفية الشيعية والرديفة مازال يمتلك القدرات على حماية سلطة الأسد من السقوط وهو المحمل ببروباغاندا مواجهة المؤامرة الكونية والإرهاب الداعشي والقاعدي وهي الفرصة الكبرى التي أتاحها له تغول فصائل التطرف والإرهاب على المشهد النقيض الذي اختطف الثورة السورية وحرف بوصلتها. بالتالي يمكن القول بان أي ثورة بحاجة لجيش يدعمها- أو على الأقل لا يقف ضدها- حتى تستطيع إنجاز التغيير السياسي المطلوب، وفي جميع الحالات التي حدث فيها هذا التصادم بين الثائرين والجيش فقد تحولت “الثورة” إلى “حرب اهلية” أو انهزمت منذ بداياتها الأولى.
إذن, لابد لنا من إعادة تأصيل أهداف الثورة ورفض الإرهاب وتعريته بالوقت نفسه مع مواجهة الأسد والسلطة الطغمة عبر انتقال سياسي حقيقي مدعوم ومتوافق عليه دولياً ووطنياً بعد سنوات من الحرب الأهلية، يحفظ لسورية وجودها، وطناً لكل السوريين بلا استبداد ولا ظلاميين.
تيار مواطنة
المكتب الإعلامي 15 نيسان 2019