العقوبات الاقتصادية سيف ذو حدين.. هل تسقط العقوبات الاقتصادية أنظمة؟

لطالما اعتمد المجتمع الدولي الحصار الاقتصادي في معاقبة الأنظمة المارقة، ففي الوقت الراهن على الاقل تتعرض الكثير من الأنظمة في العالم للحصار الاقتصادي وإن يكن بمستويات مختلفة، منها على سبيل المثال لا الحصر، روسيا التي تتعرض لحصار ليس شديدا، إلى إيران التي شدد عليها الحصار بعد العقوبات الامريكية الأخيرة، الى النظام السوري الذي يتعرض لعقوبات اقتصادية منذ سنين ويتوقع ان تكون أشد بعد توقيع قانون قيصر..
تاريخيا استخدمت العقوبات الاقتصادية لزيادة الضغط على بعض الأنظمة، وذلك بهدف تغيير سلوكها، ولكن لم يشهد التاريخ حتى الآن نجاح هذه الطريقة دائماً، فما زالت في الذاكرة العقوبات الشديدة التي تعرض لها نظام صدام حسين في العراق، العقوبات التي كانت مقرة من الامم المتحدة والتي اتخذت لها اسما “النفط مقابل الغذاء” والتي دفع ثمنها الشعب العراقي وأدت لوفيات بين الاطفال، ولكن النظام العراقي لم يسقط الا عسكريا وباجتياح أمريكي للعراق..
يتعرض النظام السوري منذ و بعيد انطلاق الثورة السورية الى عقوبات اقتصادية، طالت افرادا وكيانات، وتعددت انواعها بين عقوبات مصرفية، طالت حركة المال للأفراد والكيانات التابعة للنظام، مما ضيق قدرتهم على الاستثمار أو الاستيراد والتصدير، أو عقوبات تجارية منعت حركة البضائع باتجاه سوريا، وكان آخرها وأشدها قسوة القرار الامريكي بمنع النظام استيراد النفط، الأمر الذي عرّض السوريين لازمة وقود انعكست على حياتهم اليومية، فصار تقنين الكهرباء يمتد لساعات طويلة، أو لنقل صارت الكهرباء تصل المنازل لساعات قليلة يوميا قد لا تتجاوز الساعتين، كما فقد الغاز المنزلي والمازوت للتدفئة، وآخرها ازمة البنزين والمازوت والتي تنعكس على حركة السير في شوارع دمشق بل كامل مناطق سوريا المسيطر عليها من قبل النظام، والتي أدت لارتفاع أسعار البضائع بسبب صعوبة النقل.
حتى الآن لم تنعكس هذه العقوبات على حياة النظام وحاشيته والطبقة المتنفذة من أغنياء الحرب الذي ظهروا إبان الحرب الأخيرة، فقد سارع النظام على سبيل المثال لاستيراد النفط من لبنان وبيعه بسعر غال يبلغ ٦٠٠ ل س لليتر الواحد بحجة انه عال الأوكتان، وهو السعر الذي لا يستطيع دفعه المواطن العادي، بينما لا يشكل عبئا على الاغنياء الذين يدورون في فلك النظام، القدماء منهم والجدد، وهكذا بقي المواطن يقف في طوابير الكازيات لساعات طويلة ليستطيع التعبئة بالبطاقة الذكية، ودفع (أي المواطن العادي) ثمنا أعلى للبضائع بسبب كلفة النقل..
إن العقوبات الاقتصادية التي يتعرض لها النظام السوري وبعض الافراد والكيانات الداعمة له، هي عقوبات خارج الامم المتحدة، إذ أن الامم المتحدة وبسبب الفيتو الروسي والصيني فشلت في اتخذ هذا القرار مرارا. هذا يعني انها غير ملزمة لكل دول العالم، وبالتالي يستطيع النظام ايجاد مصادر أخرى للتهرب من هذه العقوبات، وهو لطالما فعل، وهذا ما جعل هذه العقوبات حتى الآن غير ضاغطة بشكل حقيقي عليه، ولكن قد تكون جعلته أكثر ارتهانا والتصاقا بهذه القنوات والتي على رأسها إيران.
قد تكون الاسباب التي اتخذت من أجلها الدول العقوبات على النظام السوري مختلفة من دولة لأخرى. إذ كانت بالنسبة للأوروبيين عقوبة للنظام الذي شن حربا ضروس على شعبه، واقترف فيها جرائم وصلت الى جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية. فهي بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية اضافة الى انها عقوبة، هي وسيلة ضغط لفك ارتباط النظام السوري بالنظام الايراني، ذلك الهدف الذي يعتبر محوريا لسياسة ترامب في مواجهة النظام الايراني، فقد تداول السوريين أخباراً تقول، أن سبب الازمة الاخيرة هو منع النظام المصري لسفن النفط الايرانية المتوجهة لسوريا عبور قناة السويس، وذلك بضغط أمريكي، ونحن نرى أن انفكاك العلاقة بين النظامين السوري والايراني هو في مصلحة سوريا المستقبل والشعب السوري.
إن كان ذلك صحيحا، فإن النظام يستطيع أن يتجه الى دول صديقة أخرى لحل المشكلة، وعلى رأسها روسيا، ولكن ظهرت تحليلات اقتصادية تفيد، أن ذلك مكلف وغير مجدي اقتصاديا، لنفاجئ بأن النظام قد أعطى الروس حق استثمار ميناء طرطوس لمدة ٥٠ عاما.
مما سبق كسورين علينا أن نرى مدى جدوى هذه العقوبات، وهل ستصب في مصلحة الشعب السوري؟، الذي يدفع الثمن دائما. فهو من دفع ثمن الحرب التي شنها عليه النظام، وهو من يدفع ثمن العقوبات التي تطبق عليه، وإذ نقول الشعب السوري، فإننا نقصد كل الشعب السوري أياً تكن اراءه السياسية وأماكن تواجده، ويجب ألا ننسى أنه ليس كل من هو في مناطق سيطرة النظام موال، وأن مكان التواجد لا يحدد الرأي السياسي، فهي بلدنا وحقنا التواجد فيها أيا كنا موالين أو معارضين.
إن كانت العقوبات على حركة أموال الافراد والكيانات ضرورية لمنع تأهيل النظام السوري، وعدم البدء بإعادة الاعمار التي تبتغيها روسيا لإعادة تأهيله، الا بعد البدء بعملية سياسية حقيقية على طريق الحل السياسي الشامل، فإن العقوبات الاخيرة يجب أن تطبق بشكل ذكي يضمن تخفيف نتائجها على الشعب، وعدم تهرب النظام وحاشيته من استحقاقاتها.
نحن في تيار مواطنة نرى أن الحل الجذري لمعاناة الشعب السوري هو في حل سياسي شامل وفق القرار ٢٢٥٤ وبيان جنيف والقرارات ذات الصلة، يضمن انتقال سياسي حقيقي نحو سوريا الديمقراطية، دولة المواطنة الكاملة. ونرى أن المسؤول الاساسي عن معاناة الشعب السوري هو نظام الاسد وحلوله الامنية، ورفضه الدائم للحل السياسي.

إننا نرى أنه حتى لا تكون هذه العقوبات وبالا فقط على الشعب السوري، وسعيا للوصول للحل المنشود، ينبغي الضغط على روسيا أيضا حتى تضغط على النظام السوري لتقديم تنازلات حقيقية على طريق الحل الشامل، بدلا من أن تستغل ذلك لزيادة هيمنتها على سوريا وتحقيق مكاسب اقتصادية لها، وهو ما نراه صعبا وبعيد المنال.
تيار مواطنة

المكتب الإعلامي  ٢٣/٤/١٩

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة