مستقبل الجزيرة السورية والاحتجاجات في ديرالزور

هل ما قيل سابقاً، في سياق النقد الحاد لممارسات PYD وإدارته لمنطقة الجزيرة السورية مجرد تجنّ على تلك الإدارة؟ أم أن ما قيل كان مجرد وصف لحال سيئ جداً يحكى عنه بلغة منمقة ومخففة قد تكون إدارة داعش أفضل منه؟

إذا أردنا الإنصاف فإن ما يجب أن يقال في وصف الحال يقع بين حدي النقد الموصوفين أعلاه؛ فلا الجزيرة أسوأ منطقة في سورية، بل قد تكون الآن أفضلها مقارنة بمناطق النظام وهيئة تحرير الشام، ولا هي جنة الله على الأرض. كما أن ممارسات قسد مدعاة للنقد الواضح والصريح، لكنها لا تقترب بدرجة السوء من ممارسات السلطة- الطغمة ولا من ممارسات هيئة تحرير الشام ولا من ممارسات داعش السابقة. لذلك كله يجب الحديث بتروٍ عن الجزيرة، وباعتبار أن تلك المنطقة تشكل الآن وفي المستقبل القريب إحدى الركائز الأهم للتغيير في سورية فإننا يجب أن نعالجها كما ينبغي، بحزم وبجدية وبأعلى درجة من الحرص والنقد والتفهم.

تقول الأخبار الواردة من ريفي ديرالزور الغربي والشرقي وحتى الشمالي أن الاحتجاجات على “قوات سوريا الديموقراطية” و”إدارتها الذاتية” المهيمنة على الجزيرة السورية قد أخذت بالاتساع. وبدأت شعارات المتظاهرين تصبح أكثر مباشرة وحدّة، بل وإنذاراً، لتبلغ حد مطالبة القوات الاميركية المتواجدة في المنطقة بالتحرك لوضع حد لتسلط كوادر “العمال الكردستاني” قبل فوات الأوان.”

وإذا كانت هذه الاحتجاجات قد بدأت بمطالب معيشية واقتصادية فقد تحولت إلى مطالب سياسية واضحة تعكس تبرم، لا بل رفض أهالي المنطقة لسيطرة العنصر “الكردي” وهامشية العنصر “العربي” ضمن قسد والإدارة الذاتية عموماً، وقد تصل هذه الاحتجاجات إلى مواجهات ليست في صالح المكونين الأساس للمنطقة، عرباً وكرداً، على اعتبار أن هذه المنطقة خاضعة بحدة لمحاولات التدخل السلطوي- الإيراني والتركي عبر بعض الزعامات العشائرية الموالية للطرفين.

وقد يشكل نجاح السلطة في استمالة طرف عربي في المنطقة أكبر المصائب المحتملة لتلك المنطقة، بالرغم من فشل محاولاته المتكررة للدخول عبر أعوانه وتشكيل قوة عسكرية تنفذ ما يطلب منها لإعادة المحافظة لسيطرته وخصوصاً أن حليفه الأقوى، إيران، تعبث بمنطقة البوكمال والميادين بكل معنى الكلمة عبر نشر منظماتها المدنية الشيعية وشراء الولائات والذمم من بعض الوجهاء والمتنفذين في تلك المنطقة.

أما على المقلب الكردي فإن نجاح تركيا في تشكيل ميليشيا معادية لقسد في دير الزور- وهذا ما تسعى له عبر تجنيد بعض النازحين إلى مناطق درع الفرات وغصن الزيتون- فسيعني حتماً حرباً مدمرة للعرب والكرد في الجزيرة السورية، وبالتالي لجوء الطرفين إلى تركيا والسلطة طلباً للحماية والاستقواء في هذه المعركة المحتملة.

ولتفادي هذه السيناريوهات المدمرة للجزيرة خاصة ولسورية عامة فإن من الحكمة السياسية والوطنية تلبية المطالب المحقة للأهالي وإشراكهم فعلياً في إدارة منطقتهم وكفّ يد المتنفذين من قسد عن العبث وإيقاف جميع السلوكات القمعية والانتهاكات وإشراك المكون العربي في الإدارة السياسية والمدنية لمناطقه، وكما تشير الأنباء إلى طلب المحتجين من الأمريكيين الضغط على قسد من أجل تحقيق مطالبهم الاقتصادية والسياسية فإن هذه الرغبة الظاهرية تعكس محاولة الاستفادة من الوجود الأمريكي وترفض إدخال السلطة والأتراك إلى المنطقة. نقول أنها رغبة ظاهرية ولا دليل، حتى الآن، على أنها سلوك مكين للمكون العربي للتعاطي الإيجابي مع الوجود الأمريكي وخطته في مكافحة داعش وإخراج إيران من المنطقة والضغط على السلطة من أجل الانخراط في عملية الانتقال السياسي. لكنه وبكل الأحوال يعكس درجة من البراغماتية السياسية المرغوبة، والتي يجب أن تعمل المعارضة الديمقراطية السياسية السورية على تعميقها وتكريسها كحل أوحد للخروج من مأزق السلطة والإرهاب والدخول إلى معترك الحل السياسي المقبول شعبياً ووطنياً وإنسانياً.

إننا في تيار مواطنة، وبقدر خوفنا من تحول هذه المواجهات السلمية حتى الآن إلى صدامات مسلحة، بقدر ما نطلب أن تقوم قوى المجتع المدني في الجزيرة بمواصلة هذه الاحتجاجات وتعميقها سياسياً ومطلبياً من أجل الضغط على قوى الأمر الواقع وعلى الإدارة الأمريكية من أجل إعادة النظر في توزيع السيطرة وشكل الإدارة المحلية ووقف التصرفات القمعية للـ PYD ومن أجل تأسيس قوة عسكرية “وطنية” يتشارك فيها جميع المكونات حسب حجمهم الفعلي في المنطقة وبدون هيمنة أي عنصر، لا سياسياً ولا اقتصادياً ولا عسكرياً. وقد يكون الدور الأمريكي بناءً بهذا الصدد لطالما سعى لمشاركة حقيقية للمكون العربي في تحقيق استراتيجيته السالفة الذكر.

وقد يكون من المبالغة تحميل الأنباء الواردة أكثر مما تحمل، لكن الحصافة السياسية تقتضي التنبيه إلى مخاطر تحول تلك الاحتجاجات المحقة إلى صراع مسلح مع ما سيستتبعه من الدخول السلطوي والتركي والإيراني لتلك المنطقة، وما سيحمله من دمار لكل مكوناتها من عرب وكرد وتركمان وسريان، كما أن تحول هذه الاحتجاجات إلى أداة لتصحيح العلاقة الخاطئة ممكن وهذا ما أردناه ونريده دائماً، فهل ستكون الجزيرة السورية حاملاً لتغيير ديمقراطي مطلوب في الجزيرة أولاً وفي سورية ثانياً؟ نأمل ذلك!

تيار مواطنة

المكتب الإعلامي  29 نيسان 2019

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة