هل يلتقي شرق الفرات بغربه؟ 27-5-2019
حطمت آلة الحرب الهمجية التي أطلقها الأسد وحلفاؤه على السوريين معظم جسور نهر الفرات العظيم، ومازالت المعارضات السورية عاجزة عن مد جسورها البينية بل تفوقت على الاسد في تحطيم ما تبقى من جسور..!
ودارت دورة الحرب السورية من حروب السلطة على شعبها إلى الحرب على الإرهاب إلى صراعات الأخوة الأعداء التي لم يستطيعوا تجنبها ويبدو أنه كان من العسير تجنبها أصلاً بسبب بنيتهم ومشغّليهم، فارتموا بأحضان الخارج وإراداته بأوهامهم وتبعيتهم، جماعات وفرادى وانحطّوا بالثّورة السّورية إلى الحضيض ولم تسقط السلطة بعد.
والآن بعد العديد من جولات التفاوض وبعدما تراجعنا الى صيغة (جنيف ٢٢٥٤) الممكنة والأقل بؤساً لم نحافظ عليها، بل شارفنا على فقدان هذه العتبة التي جاءت -على الرغم من تبجحات الكثيرين- بدعم دولي لقضية الشعب السوري المنتفض، وما يزال الرهان على هذا الدعم الدولي اليوم -على الرغم من كل ما يقال- لأن سلطة مارقة كسلطة الأسد لن تذعن إلى القرارات التفاوضية بل دخلت المفاوضات أصلاً لتعيد تأبيد نفسها ولم تقتنع يوماً -ولن تقتنع- بتسليم سلطتها أو الاعتراف بمطالب شعبها ”المتآمر والخائن لقيادته الحكيمة“ حسب فهمها لما جرى.
نقول أمام هذا النوع من تغوّل السّلطة وعنادها السّافر: لا يمكننا إلا المحافظة على ألق التضحيات الجسام التي بذلها شعبنا على مذبح الحرية وبالاستفادة من الدعم الدولي المتاح -في حده الأدنى الآن على الأقل- في نزع السلطة الأبدية والاستبدادية عن الجغرافيا والتاريخ السّوري، ولكن هذا الدعم الدولي الذي اصطدم بتخلف الفصائل المعارضة وتطرفها بل وجهادية وارهابية بعضها تردد وتريث كثيراً ولم يجد إلا قوات سورية الديمقراطية حليفاً على الأرض لدحر داعش، وكان هذا الدرس الأول الذي أخفقت المعارضة الرسمّية والفصائل به حين خسرت التحالف الغربي وخسرت تأييد المجتمع الدولي (١٣٤ دولة من اصدقاء الشعب السوري) حين لم تتحد لمواجهة داعش والإرهاب، لا بل تغذت منه -جزئياً على الأقل- في شعبوية إسلاموية انتهازية شوهت تطلعات الشعب السوري وحولت الثورة الوطنية للحرية والكرامة الى ”ثورة اسلامية“ -بمعنى ثورة مضادة- لا أفق لها في ظل المعادلات الدّولية الرّاهنة.
اليوم وبينما العالم يفكر بمبادرة مثل ”الرياض- ٣“ تتجدد الفرصة أمام المعارضات السورية شرق الفرات وغربه، كي يظهروا حدّاً معقولاً من المسؤولية الوطنية ويشكلوا فريقاً تفاوضياً موحداً يجمع العرب والكورد وكل أطياف السوريين ومن خلفهم كل العالم الحر وأغلبية المسلمين ليلجموا سلطة الأسد وحلفائه الإيرانيين والروس، ولتعد صيحة حناجر السوريين المنتفضين بآذار ٢٠١١ ”من القامشلي الى السويداء ثورة سورية واحدة لكل السوريين“.
ان تيار مواطنة في الوقت الذي لا يعلق فيه أي آمال على قيام تعاون بين قوات سورية الديمقراطية والفصائل المسلحة غرب الفرات انطلاقاً من بنيتهما ومن اعتباراتهما العدو الرئيسي في هذه المرحلة – حيث يعتبر كل منهما الآخر وظهيره الإقليمي أو الدولي هو العدو الرئيسي- نحن نقول إننا نتحدث بالحقيقة عن المعارضات العربية السياسية الرسمية وغير الرسمية.
في نهاية الشوط، كما من المتوقع أن يتفق الأتراك والكورد على حلٍ وسط ترعاه وتضغط من أجله أمريكا، كما من المتوقع أن لا يطول شهر العسل التركي الروسي وقد بدأت مؤشراته في الظهور منذ بدء المعارك في شمال حماه وجنوب إدلب، وثمة ارادة دولية غربية وتركية مشتركة بمنع سقوط إدلب في هذه المرحلة، تلك الارادة التي مازالت تراهن على استعادة المعارضة السورية لرشدها في وجه صلف الأسد الكيماوي وترفض سقوط السوريين مجدداً تحت محور إيران – الأسد – نصرالله بعد الخلاص العسكري من الدولة الإسلامية (داعش) والمضي في تحجيم قدرات الإرهاب بشقيه الداعشي والإيراني.
وفي حال الوصول الى حل تركي كردي بالجزيرة وبحال صمود إدلب المتوقع، الأمر الذي يسمح بتعليق الأمل جدياً على حصول تفاهم ذي معنى بين شرق الفرات وغربه، يشدُّ “قسد” إلى صفوف المعارضة ويحسم ترددها وانخراطها في المشروع الوطني السوري المناهض للأسد وهذا بالضبط ما نحتاجه اليوم.
أما التردد واستمرار اللهجة العدائية التي يثابر الائتلاف والفصائل على تردادها فلن تقدم شيئاً وقد تأتي أوامر تركية بتغييرها -بعد المساعي الامريكية المتوقعة في الجزيرة وإمكانية ظهور المنطقة الآمنة- ما لم تدرك ذلك من تلقاء نفسها.
إننا في تيار مواطنة نشير إلى أهمية أن تشكل المعارضات السورية وفداً موحداً يجمع شرق الفرات وغربه بوجه الغطرسة الأسدية ويقطع الطريق على استفراده بمفاوضات خاصة مع الإدارة الذاتية، أو الفصائل وليشكل ذلك درعاً حقيقياً بوجه التطرف والإرهاب والسلطة الاستبدادية ويعيد الأمل بسورية القادمة لكل السوريين.
تيار مواطنة
المكتب الإعلامي 27 أيار 2019