حماة -إدلب غيرنيكا السورية-11-5-2019

ليس من مجانبة الصواب القول: أن سير المعارك في جنوبي إدلب – شمالي حماة – وبخاصة البرية منها- يعبر إلى حد كبير عما قاله العجوز كلاوس فيتز عن الحرب “بما هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى.” نقول يعبر إلى حد كبير عن المسار السياسي – الدبلوماسي الروسي- التركي بشكل عام، وفي منطقة خفض التصعيد الرابعة بشكل خاص، كما يعبر عن العلاقة بين الفصائل الإسلامية المسلحة هناك وبخاصة بين هيئة تحرير الشام – النصرة – وسائر الفصائل الأخرى وعن علاقتها مجتمعة ومنفردة مع الظهير التركي، ومن الملاحظ أن سير المعارك في البداية في الجو وعلى الأرض كانت تعبيراً عن محاولة تركية لاحتواء الهجوم الروسي -السوري عبر الانسحاب من بعض المناطق الهامة المتاخمة للأطراف المتصارعة، إلا أن الصراع ما لبث أن احتدم ليس في الجو، بل على الأرض بشكل خاص، الأمر الذي يوحي بتعقد المسار السياسي – الدبلوماسي وضرورة تعديله بتغيير الوقائع على الأرض ولا أدل على ذلك من الهجوم المعاكس الذي شنته الفصائل الإسلامية المسلحة المحسوبة على تركيا والمدعومة من قبلها، هذه المرة بالمزيد من السلاح النوعي إلى حد كبير، ومن المعتقد أن ذلك يحظى أيضاً بنوع من القبول الأمريكي، الأمر الذي يرجح استمرار هذا الصراع بين الطرفين على الأرض السلطة -الطغمة بظهيرها الروسي، والفصائل الإسلامية المسلحة بظهيرها التركي، حتى يتوصل الطرفان الروسي والتركي إلى تفاهم يعيد التموضع السياسي والعسكري على قواعد قديمة – جديدة لايمكن معرفة متى وأين وكيف سيحصل ذلك، وأياً يكن الأمر فإن من المتوقع أن يتراجع الدور الحاسم للطيران الروسي والسوري قليلاً مادام الاشتباك قائما على الأرض، مع استمر ار هذا الطيران وبخاصة السوري في قصفه الوحشي على مناطق شمالي حماة – جنوبي إدلب الذي يطال المدنيين من الناحية الرئيسة وهو ما سمح لنا أن نشبهه في العنوان بما حصل للمدينة الصغيرة – غرنيكا – أثناء الحرب الأهلية الإسبانية عندما قام الطيران الألماني النازي الداعم لمجرم الحرب فرانكو بقصف المدينة المذكورة عام 1937م ما أودى بحياة ألفي شخص، وهي المجزرة التي خلدها بيكاسو في لوحته الشهيرة  “غيرنيكا”.
إن القصف السوري والروسي ليس وليد اليوم بكل جرائمه ومجازره ووسائله، فالروسي منه يكاد عمره يقارب الأربع سنوات، في حين السوري عمره على الأقل ثمانية أعوام لم يدخر خلالها أية وسيلة وعلى رأسها البراميل المتفجرة والصواريخ البالستية والغازات السامة لقتل المدينين وإرعابهم وتركيعهم وتجويعهم وتهجيرهم وتدمير كل شيء بما في ذلك البنى التحتية والمشافي المدارس والمنازل ووسائل العيش ….إلخ، والجديد القديم اليوم أن السلوك البهيمي تفاقم حتى فاق كل توقع مهما يكن سلبياً، مع ذلك نلاحظ بعض الأمور التي تبعث على الأسى والتساؤل والاستنكار إن لم نقل أكثر من ذلك من بينها :
1- غياب أي فعل تضامني حقيقي عربي أو إسلامي سواء أكان على صعيد الشعوب أو الحكومات مع الشعب الذي يقتل وتدمر وسائل حياته، بما في ذلك التسبب في حرق المحاصيل الزراعية الخصبة هذا العام – وهو ما أدانته هيئة الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى – وكأن ما يجري هو في كوكب آخر.
2- -غياب أشكال التضامن الجمعي السوري، إن يكن داخل البلاد أم في المنافي، وهو الامر الذي لا يلفت النظر فحسب بل هو مدعاة للتفكير بشكل عميق في كل شيء وبخاصة بمسؤوليتنا عن ذلك أمام العالم كله على الصعد كافة بدءاً من الإعلام وانتهاء بالسياسة.
3-غياب أي فعل دولي حقيقي، إن يكن في الأمم المتحدة أو خارجها قادر على إيقاف مجزرة الغرنيكا السورية والاكتفاء بالإدانات الحقيقية أو الخجولة -على أهميتها- من بعض الأطراف الفاعلة.
4- عجز مجلس الأمن عن إصدار حتى بيان إدانة بسب الفيتو الصيني والروسي الذي مازال يسجل العار تلو العار على أصحابه دون أي ذرة من الحياء.
5-التزام العديد من الدول الهامة وغير الهامة في العالم بالصمت بل إن بعضها بما في ذلك روسيا والصين يقلب الأمور رأساً على عقب ويحاول أن يلصق المسؤولية بالضحايا.
6-وعلى النقيض مما سبق تستحق المنظمات الإنسانية غير الحكومية على اختلاف مسمياتها وطبيعتها الكثير من الشكر على مواقفها الإنسانية النبيلة، مع كامل الأسف لأنها لا تملك الوسائل الضرورية لتغيير ما يجري.
والآن وبالعودة إلى ما ذكرناه قبل قليل، وإلى ما يمكن ان يحصل نقول: إننا نعتقد أن الأمر سيحسم في نهاية المطاف مالم تكن هناك مفاجآت -وهي غير مستبعدة كلياً- عبر مزيج مركب من دبلوماسية الغرف المغلقة، ودبلوماسية المعركة المفتوحة الدائرة على الأرض بين الأطراف المذكورة سابقاً جميعاً. ومن المرجح أن يكون مضمون هذا المزيج هو إعادة إنتاج تفاهم حول منطقة خفض التصعيد الرابعة المذكورة بما يتفق مع نتائج المعركة، والحاجة الروسية التركية المتبادلة، لأنه من الصعب توقع أن تكون المعركة -وحتى إشعار آخر- معركة كسر عظم لطرف على حساب طرف آخر، ومن المرجح أيضاً في هذه الحال أن يكون هذا التفاهم جزءاً من الحل العام في سوريا، وليس حلاً منفرداً كما حصل في مناطق أخرى، كما ليس من المستبعد أن تؤثر هذه المعركة التي تصاعدت خلال الأيام الأخيرة سلباً على شهر العسل القلق بين تركيا وروسيا، وإن غداً لناظره قريب.

وفي كل الأحوال فإن الذي دفع الثمن الباهظ، والذي سيظل يدفعه هو الشعب السوري، واليوم شعب إدلب وحماة، هذا الثمن الذي يبدأ بالموت الجماعي الفظيع، ولا ينتهي بالهجرة مروراً بالدمار الساحق.
ولن يغير في هذا كثيرا حدوث بعض التغيرات على الأرض أو في السياسة مالم يترجم ذلك في حل سياسي يستحق اسمه، تكون هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية في مركزه، وفيما عدا ذلك فإن انتصار أي طرف، وهزيمة أي طرف آخر، أو استنقاع الوضع، أو التفاهم على حلول وسط، أو إعادة تنفيذ اتفاق سوتشي 17أيلول 2018 م، أو أي شيء آخر من هذا القبيل لن يكون انتصارا للشعب السوري.
وحتى قيام الحل المنشود فإن الضمير العالمي والعربي والإسلامي وسائر المؤسسات الأممية والإقليمية والشعوب والدول كلها مطالبة بوقف المجزرة الوحشية، وحماية المدنيين قولاً وفعلاً بما في ذلك حماية كل ما يمت بصلة إليهم من وسائل الحياة بالمعنى المطلق للكلمة.

تيار مواطنة

مكتب الإعلام 11 حزيران 2019

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة