إنها الثورات المضادة! 18-06-2019

مارست أنظمة القهر والاستبداد العربية دوماً في ردها على انتفاضة شعوبها تلك المفاضلة ما بينها وبين حكم المتطرفين الإسلاميين، حيث يجري تسويق هذه المقولة على الداخل بأقلياته ومنظماته المدنية المرعوبة من الظلامية والإسلاموية التي يبثها إعلام هؤلاء، وتسويق هذه المقولة إلى المجتمع الدولي الخاضع لإرهاب القاعدة والميديا المشبعة بالإسلاموفوبيا.
ولا زالت الأنظمة العسكرية تشن حملات تفتيت وقهر كل التيارات السياسية الرافضة لهذين الخيارين (الاستبدادي والظلامي) وتتعاون في هذا -ولو بدون تنسيق مسبق- مع المتطرفن الإسلاميين في مواجهة تلك التيارات الداعية للحداثة والديمقراطية والمواطنة.

ولعلّ تجربة سوريا والجزائر خلال العقود المنصرمة والمصرية والليبية اليوم تقدم أمثلة صريحة للمعادلة العادمة لأفق التغيير الوطني الديمقراطي لعقود خلت.
ولكن، مع الربيع العربي وما جاءت به انتخابات تونس ومن ثم مصر التي أفصحت عن أن التيار الإخواني هو الأكثر تنظيماً وتعبئةً وقدرة على الفوز وفق صناديق الاقتراع، ومع ميل ذلك التيار للاستئثار بالسلطة وكأن صناديق الاقتراع كانت مجرد وسيلة للوصول إلى السلطة والمباشرة بأسلمة الدولة، مما أعطى الأطراف الإقليمية والقوى المعارضة الداخلية الحجة القوية للانقلاب على تلك الانتخابات ونتائجها عبر منظمة الجيش في مصر ٢٠١٣ حيث جرى الانقلاب العسكري ضد الرئيس الإخواني المنتخب ديمقراطياً ليزج به في السجن مع معظم قيادات الإخوان وليقضي خلال محاكمته.
ومع مأسسة ودعم تلك الانقلابات تارة من الإمارات والسعودية بوجه الإخوان، وطوراً من قطر وتركيا الإخوانيتين في وجه التطور المدني الديمقراطي وتثبيت أركان الإسلام السياسي ظهرت مشكلة الثورة المضادة التي تستثمر في الثورة لصالح برنامج سياسي معادي لأهداف الثورة الأم، ففي مصر ثبت السيسي سلطة دكتانورية وفي ليبيا وسورية واليمن مازالت الحرب مشتعلة بين قوى الاستبداد العسكري والإسلامي وبدعم من تلك القوى الإسلامية، وكل الخوف أن تؤدي التدخلات الإقليمية المتناقضة إلى حرب أهلية في السودان.

ومع انتفاضة شعب السودان والجزائر، يعود العسكر في البلدين لتصدر المشهد، إذ يجبر الجيش في الجزائر الرئيس على سحب ترشحه ويجري بعض الإصلاحات لتهدئة الحراك الملاييني، كما يقوم الجيش بالسودان بالتحرك لعزل البشير وسجنه لاستيعاب الهبة الشعبية ومحاولة قطع الطريق على التغيير المدني الجدي، مع بوادر قمع يتصاعد، كمجزرة الجنجويد التي سقط فيها عشرات المعتصمين وأُلقيت جثث عديد منهم في النيل.
بالطبع مع تسجيل أن الحكم السوداني البائد كان مؤسساً من تحالف العسكر والإخوان بفرعيهم ”المؤتمر الوطني“ و”المؤتمر الشعبي“ منذ استيلاء البشير عليها العام ١٩٨٩ بشكل مختلف عن الأنظمة القمعية العربية الأخرى.
لكننا ندرك أن العسكر في سورية لم يشبههم أحدٌ من جيوش البلدان العربية، لا بحجم وحشيتهم ولا بحجم طائفية قادة ”جيش العروبة العقائدي“ المتورطين وتشكيلاتهم الامنية ومليشياتهم الرديفة بجرائم ضد الانسانية ومذابح وتدمير للمناطق المنتفضة ستترك آثارها طويلا في التاريخ والجغرافية السورية، وحيث نجحت السلطة الطغمة باستثمار الارهاب وانحرافات ثورة السوريين، وحيث عجزت المعارضة عن التقاط اللحظة التاريخية عندما اعترف بها ١٣٨ دولة بالعالم وعندما عرض عليها مواجهة الارهاب الداعشي القاعدي حيث كان من الممكن شغل المناطق التي سيسيطر عليها بعد دحره، الأمر الذي اعتمدته ونجحت به ”قوات سورية الديمقراطية“.
ويستمر اليوم الجدل في أوساط المعارضات السورية حول جدوى الدور التركي وحدود خدمته للقضية السورية وجدوى بقاء المناطق المحررة من النظام تحت رهينة النصرة وأشباهها، في الوقت الذي تتأكد به انعدام فرص الدعم الدولي لأي مشروع إسلامي ان لم نقل مواجهته.
ولا شيء يعد سورياً بزوال الطاغية، او بوقف الثورات المضادة عن حروبها المفتوحة دون أي حساب لمصالح السوريين الذين أرهقتهم حرب السلطة والصراع عليها من الجميع، ولا يجدون واقعياً الا المطالبة الغربية بالانتقال السياسي في سورية بينما يستمر جميع المدججين بالسلاح في إعلان بقاء المقتلة السورية، ونؤكد أنه قد آن الأوان للانفتاح على هذه المطالبة بدور غربي فاعل ينهي هذه المجزرة ويفضي إلى انتقال سياسي.

تيار مواطنة

المكتب الاعلامي 18 حزيران 2019

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة