إدلب ودبيب النمل 30 تموز 2019
لطالما أطلق النظام السوري على عملياته العسكرية التي استعاد بها السيطرة على المناطق السورية، واحدة تلو الأخرى، اسم دبيب النمل، بطيء ولكن مثابر. فهو لم يقم أبداً بشن حرب واسعة، ولكن اختار أن تكون حربه في كل مرة ضيقة وتستهدف منطقة محددة، وبهذا فهو لا يخرق تفاهمات استانة بشكل واسع، ويحافظ على ماء الوجه للضامنين الثلاث، فمازالت التفاهمات قائمة في مكان آخر، ولكنه استطاع قضم هذه المناطق رويدا رويدا، واستعاد السيطرة على أغلب المناطق السورية، بقي هناك إدلب وريف حماة الشمالي وحلب الغربي، وبقيت مناطق الشمال الشرقي. والآن وصل النمل في دبيبه المنطقة الأخيرة التي تقع ضمن تفاهمات استانة،إدلب ومحيطها، فهل سيتابع قضمها كاملة، أم سيتوقف عند استعادة الطرق الرئيسية؟ ما يمكن قوله أن النظام السوري ما زال حتى الآن يتبع سياسته الناجحة حول الحرب الضيقة والتي تستهدف مناطق محددة، والتي يسمح بها لكي يتيح للضامنين عقد اجتماعات جديدة لاستانة، يتابعوا فيها تفاهماتهم واتفاقاتهم وكأن شيئا لم يحدث، وكأنه لم يتم خرق ما سبق من تفاهمات. فها هو يشن حرباً الآن وبدعم روسي على الطرق الدولية التي تصل حلب بدمشق وباللاذقية، تاركا للآخرين التكهن هل سيقف هنا أم سيستمر دبيب نمله حتى استعادة كامل منطقة ادلب، وتاركا للجميع التحليل حول مصير مقاتلي إدلب ومدنييها، والمناشدات لحماية المدنيين المقيمين في هذه المنطقة الضيقة، سواء أهلها الأصليين أو الذين رحلهم إليها دبيب النمل أثناء سيره الدؤوب. استطاع المقاتلون في إدلب ومحيطها، وقف تقدم النظام لفترة قصيرة، ليعود النظام من جديد وبدعم روسي ليشن حربا أعنف، ويستطيع استعادة ما خسره مثل (تل ملح) مستخدما كعادته سياسة الارض المحروقة، تلك السياسة التي يدفع ثمنها دائما المدنيون، سواءاً كعدد الضحايا، أو التهجير والنزوح لتشهد المنطقة موجة نزوح جديدة ولكن لا مكان للنزوح هذه المرة، فالمكان ضيق والحدود مغلقة، مما يجعل الأرض تضيق بهم أكثر، ويجعلهم يفترشون الأراضي تحت الزيتون، وكعادة الضامنين نرى صمتا عما يحدث، ولكن ما يهمنا هنا هو الضامن التركي، فإن كل المناطق التي تم قضمها سابقاً لم ترتبط به مباشرة، ولكن ادلب تقع تحت رعايته المباشرة، ولهذا سنحاول قراءة الموقف التركي من هذه الحرب التي يشنها النظام السوري وروسيا على ادلب ومحيطها. ضمن اتفاقات استانة كان على الضامن التركي أن يحل مشكلة جبهة تحرير الشام (النصرة سابقاً و لاحقاً)، ولكنه وللعديد من الاعتبارات لم يفعل، قد يكون منها عدم رغبته بذلك للاستفادة من وجودها، وقد تطرقنا لهذا الموضوع في افتتاحياتنا السابقة، ولكن الأتراك الآن لا يدافعوا حتى عن المدنيين الذين يتعرضون لابشع انواع القصف، تاركينهم لمصيرهم يواجهونه وحيدين، بل حتى أن الحدود مغلقة بجوههم، فلا يستطيعون دخول تركيا هربا من القصف. بل نرى أن الأتراك يرحلون إلى إدلب اللاجئين السوريين، ضمن حملة يشنونها في استانبول لترحيل المخالفين. مازال الاتراك حتى الآن في مرحلة تفاوض عسير مع الأمريكان، حول المنطقة الآمنة علي حدودهم وحجتهم إعادة اللاجئين اليها، ولكن ذلك طبعا خدمة لمصالحهم الخاصة، والتي تتمثل بإبعاد الكرد عن الحدود التركية، وما زالت المفاوضات متعثرة ولم تفض لنتيجة، ولا نعرف حقيقة إذا استطاع الاتراك تحقيق هذه المنطقة، هل سيسمح للهاربين من الحرب في إدلب الدخول اليها أم لا.
من المتوقع أن يحاول النظام استعادة كافة الاراضي السوورية، بما فيها كافة منطقة ادلب ومحيطها، ومنطقة الشمال الشرقي التي تخضع لسيطرة قسد بدعم التحالف الغربي، فهذه كانت رغبته الدائمة، ولكن هل تسمح له الاتفاقات الدولية للدول الضالعة بالشأن السوري بذلك. نعتقد أنه حتى الآن لا، وسنرى ذلك في اجتماع استانة (نور سلطان) المقبل في الشهر القادم بما يخص ادلب، نعتقد أنه وحتى تاريخ الاجتماع، المطلوب هو اعادة سيطرة النظام على الطرق الدولية، للجلوس في الاجتماع والتفاهم من جديد على ما تبقى. وهكذا سيقف النمل عن دبيبه قليلا، في انتظار لحظات قادمة لأجواء دولية تسمح له بمعاودة السير، هذه الاجواء التي قد تأتي وقد تتأخر وقد لا تأتي ابداً، مما يوحي بحالة عدم استقرار ستعيشها المنطقة وسوريا كاملة لفترة من الزمن. في ظل كل ما سبق يدفع المدنيون الثمن الباهظ، فهم يتشردون مرة أخرى وينزحون من جديد، للبعض قد تكون هذه المرة الثالثة أو الرابعة للنزوح المتواصل، دون أي حماية دولية، فكل الاتفاقات الدولية تتحدث عن حقوق اللاجئين وهم تعريفا من غادر حدود بلاده، ولا شيء يحمي النازح داخل سوريا.
نحن في تيار مواطنة، نطالب الامم المتحدة والمجتمع الدول وجميع الدول الضالعة بالشأن السوري وعلى رأسهم الضامنين الثلاث، برعاية حقوق المدنيين وحمايتهم، وتحييدهم عن هذه الحرب، وتأمين مستلزمات الحياة لهم، واولها حق الحياة بمكان آمن مع اطفالهم.
تيار مواطنة
المكتب الإعلامي 30 تموز 2019