خطاب حسن نصر الله ما بين الانتمائين الوطني والشيعي وتدمير إسرائيل


لا شكّ أن ما يحصل في سوريا أولاً وفي اليمن ثانياً- ناهيك عن العراق ولبنان- قد أصبح كاشفاً حتى العمق لخيارات القوى السياسية في الشرق الأوسط عامةً وفي منطقتنا الأصغر خاصة, وفي نفس السياق من الكشف والبيان فإن خيارات هذه القوى لم تعد تلميحاً ولا مداورة، بل في عمق المكاشفة والجرأة وحتى الوقاحة في بعض الأحيان. وإن كانت هذه المكاشفة قد بدأت على حياء قبل عقد من الزمن فإن الأزمات العميقة التي تعيشها منطقتنا قد أوصلت هذا البيان إلى خواتيمه من حيث هوية الانتماء والاصطفاف والرهان والعداوة.
ولإن كانت هذه الخيارات هي الأهم بالنسبة لنا كديمقراطيين علمانيين سوريين، خاصة في هذه المرحلة من تطور الحالة السورية والانقسام الحاصل وتشتت القوى وضياع الهوية السورية كهوية حاسمة، فإننا نناقش هذه الكشف أو البيان في أقوال قيادات بعض القوى الفاعلة في بلدانها وفي سوريا على حدّ سواء. وفي هذا السياق لا بدّ أن يلفت نظرنا خطاب السيد حسن نصر الله الأخير الموجه لإسرائيل والذي سبقه الكثير من الخطابات بنفس الإطار والمحتوى، لكن بوقاحة أقل تجاه مسألة الانتماء وحسمها باتجاه هوية “شيعية” متجاوزة للوطنية اللبنانية وللقومية العربية وللانتماءات الأخرى الأقل من الانتماء الوطني. وقد يكون من المحزن أكثر أن هذا الخطاب الصفيق للسيد نصر الله يلقى صدى إيجابياً عند الغالبية الشيعية في أربعة بلدان تنتمي قومياً إلى القومية العربية (العراق وسورية واليمن ولبنان)، فقد حصر هذا التوجه انتماء قسم كبير من سكان هذه البلدان إلى منظومة خارجية ومعادية بسلوكها وبتوجهها السياسي وبالتالي بتعايشها مع غالبية شعوب المنطقة المنتمية إلى العديد من القوميات والأديان والمذاهب المختلفة، فهل وضعت إيران الخمينية نفسها في مواجهة عامة مع الجميع؟
وإن كنا نناقش خيارات السيد نصر الله فإننا نناقشها من الزاوية الوطنية حصراً كما ناقشنا، من قبل، خيارات جبهة النصرة وغيرها من الإسلام السني السياسي ودعوته لإقامة دولة دينية أو دولة دستورها “الشرع الإسلامي”، كما سنناقش كلً قوة سياسية تحاول وضع سوريا أو غيرها من الدول في بوتقة الدولة الدينية أياً يكن هذا الدين. فنقاشنا هنا يخص تجاوز الأوطان إلى دول دينية أو أنظمة طائفية أو منظومات شمولية بدون الاقتراب من “العقيدة” أياً تكن لأنها حق مقدس لكل فرد في المعمورة. وسنعمل في الافتتاحية القادمة على نقاش التعارض بين الانتماء القومي والهوية الوطنية أو كما وصفتها الأدبيات القومية لعقود طويلة بالنزعة القطرية.
وفي سياق هذا النقاش فإننا في تيار مواطنة نجرؤ على القول بأن خيارات السيد نصر الله ومن خلفه القيادات الإيرانية تؤسس لحروب دائمة، لا بل تشكل دعوة فاضحة لاستمرار الانقسام المذهبي والحروب المذهبية في عالمنا الإسلامي وحتى خارجه إلى ماشاء الله، فهل سنرى يوماً ما تلك الدعوات التوحيدية على أسس وطنية في صفوف هذه الجماهير التي تموت ليحيى نظام الملالي؟
في نقاشنا للسيد نصر الله لفت نظرنا استعداده لتدمير إسرائيل في حال شنت حرباً ضد إيران، ولعل السؤال المباشر الذي يشغل أدمغة السامعين: أليس من الواجب الآن وفوراً يا سيد نصر الله أن تقوموا بتدمير هذا الكيان الغاصب وأن تريحوا كل هذه الأنظمة والشعوب التي ترزخ تحت نيرها من هذا الكيان؟ أليس من واجبكم حقاً أن تجنبوا دول المنطقة مؤامرات هذا الكيان وتدخله في شؤون هذه البلدان؟
نحن لا نشك برغبتكم في تدميرها، لكنكم تعدون حتى النهاية قبل إطلاق رصاصة واحدة باتجاهها، لأنكم في هذه النقطة حكماء بما فيه الكفاية وتعلمون جيداً أن حكام إسرائيل يفهمون هذا الخطاب المكرر حتى الملل عن تدمير إسرائيل، ويدركون تماماً أن جميع القوى الفاعلة في الحالات السورية والعراقية واليمينة واللبنانية ستقضي أولاً على المختلفين في دولهم قبل أن تفكر في فتح معركة مع إسرائيل، وربما ينقضي قرون طوال قبل أن تستطيع أي قوة سنية أو شيعية أو ما شابههما أن تصل إلى مبتغاها، ولذلك نقول بأن حروب الإلغاء غير ممكنة وندعوكم كما غيركم إلى قبول الآخر وووضع السلاح بيد الدولة والاحتكام إلى قوانين وضعية من صنع البشر والنزول إلى مرتبتهم.

تيار مواطنة
المكتب الإعلامي 16 أيلول 2019

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة