النسوية بين الكوتا السياسية والواقع؟
هل يمكن القول: إن النسوية السورية سقطت في فخ التّحزب للمصالح السياسية الضيقة والفردية على حساب قضية المرأة، بوصفها القضية الجوهرية؟
مارست القوى المتصارعة على الأرض السورية كل أشكال الانتهاك والعنف ضد المرأة، بدءاً من انتهاكات النظام ومروراً بانتهاكات داعش وانتهاءاً بباقي الفصائل العسكرية، كما لم يخل الأمر من أن بعض المنظمات الإغاثية إذ مارست سياسية التمييز تجاه النساء وفي بعض الأحيان الابتزاز الجنسي لهن مقابل الغذاء والمساعدات.
وفي خضم هذا الصراع الدموي، الذي اعتقلت فيه النساء وقتلت وهجرّت وحرمت، ظهرت العديد من الحركات والتجمعات والمنظمات النسوية التي تنادي بالمساواة وإلغاء التمييز ضد المرأة، ولاسيما في الجانب السياسي وضرورة مشاركتها فيه وتفعيل دورها، وتبنت القوانين الدولية في خطابها ونظمها وعلى رأسها القانون الدولي لحقوق الانسان واتفاقية سيداو واتفاقية بكين، وأجرت هذه الحركات والمنظمات عشرات بل مئات الورش التدريبية للنساء في هذه القوانين بغية تمكين المرأة والدعوة لمشاركتها سياسيا في كافة المحافل والحقول.
في تاريخ 12 تشرين الأول 2019، تم استهداف الأمين العام المشترك لحزب سوريا المستقبل (هفرين خلف) من قبل “أحرار الشرقية” الفصيل العسكري المشارك في عملية “نبع السلام” والمدعوم تركياً، ولم يتوقف مستهدفوها عند قتلها بل تعدوا ذلك إلى التمثيل والتنكيل بجثتها، على مرأى من العالم، وفي الوقت الذي لم تكتف المنظمات الدولية باستنكاره وإدانته، مرت تلك الجريمة مرور الكرام على جميع الحركات النسوية السورية المعارضة وغير المعارضة, الرسمية وغير الرسمية وكذلك ناشطات المجتمع المدني ومنظماته التي تنادي بحقوق الانسان، باستثناء بعض المواد الاعلامية الخجولة لبعض هذه الجمعيات والتي يمكن الإشارة إليها بالإصبع، أما العدد الكبير من الإدانة والتنديد بهذه الجريمة فقد اقتصر على قوى سياسية ومدنية ذات لون واحد (كردي) فقط أو تم الاكتفاء بإشارات فردية إلى هذه الجريمة على صفحات فيسبوكية.
إن العمل السياسي يحتم احترام الخصوم السياسيين بعيداً عن توجههم السياسي طالما أنهم ليسوا عسكراً ولا مقاتلين، غير أن هذه المنظمات وجدت حجة في توجه هفرين السياسي لرفض إدانة تلك الجريمة. ألم تكن الراحلة هفرين تمارس نشاطها السياسي على الأرض في منطقتها حين اغتيالها؟ ألم يكن وجودها ذو أثر بالنساء المحيطات بها؟ ألم تكن مشاركتها –سواء اتفقنا مع توجهها أم لا- تمثيلاً ومشاركةً سياسيةً للمرأة؟ بلى، بالتأكيد كان كذلك.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، ما هو دور النسوية بحد ذاتها؟ وهل يمكن لها أن تنحاز في لحظة ضد قضية المرأة من أجل اصطفاف ما سواء أكان سياسياً أو قومياً أو طائفياً؟ وهل تتعامل النسوية مع قضية المرأة انطلاقاً من المصلحة الخاصة للتوجه أو انطلاقاً من قضية المرأة السورية ككل؟
يقول ميلز: “كل السياسات صراع حول السلطة، والعنف هو الشكل الأخير للسلطة“، وبالتالي قضية النسوية ليست مجرد كوتا، فالكوتا هي وسيلة للوصول إلى مساواة بين النساء والرجال، وبالتالي إن قضيتها –أي النسوية- تكمن في تحليل السلطة ورفضها أياً تكن جهتها، ولاسيما الآن في ظل الانتهاكات المرتكبة والمستمرة بحق النساء السوريات على الأرض. وباعتقادنا في ظل التشرذم الواقع والانقسام المجتمعي يمكن للنسوية أن تلعب دوراً أكبر في تغيير هذا الواقع –إذا تم وضعها في سياقها الحر- كما أنه من أدوارها أن تكون الصوت الحقيقي للنساء في تمثيلهن وحشدهن للمطالبة بحقوقهن ليكنّ فاعلات في وقف العنف أياً يكن مصدره.
إن عدم إستنكار هذه الجريمة -اغتيال (هفرين خلف)- وإدانتها، يمثل بشكل أو بآخر انحيازاً لسلطة العنف وانحرافاً عن القضية النسوية بل يعدّ اختزالاً لها بتمثيل شكلي، لا بل يمثل طعنةً كبيرةً في عمق النسوية، تفصلها في لحظة واحدة عن قيمها –إذا ما أعطيت هذه الجريمة بعدها الحقيقي- كرسالة رعب للنساء الأخريات لمنعهنّ من الخروج من منازلهنّ ومن ممارسة العمل السّياسي أو الاجتماعي وغيره، مثلها كمثل التّجارب السّابقة التي كانت تحاول المرأة فيها دفع قضيتها إلى الأمام فتقابل بالسحب خلفاً.
اعتدنا على مدى السنوات الطويلة وجود تلك الفجوة الكبيرة بين النسويات الفاعلات بالشأن العام والنساء السوريات، حيث جرى قصر هذه العلاقة على القضايا النظرية، ولذلك ينبغي اليوم على النسوية السورية أن تعيد النظر تماماً في دورها والعودة إلى صف النساء السوريات لا الانخراط السياسي على الطريقة التي يمارسها الذكور عادة ً في الأروقة السياسية المختلفة وفي تياراتهم لتحصيل المكاسب الشكلية.
وأخيرا، يجب ألا تمر هذه الجريمة أو أية جريمة أخرى بحق النساء مروراً عابراً أو تذهب طي النسيان، حيث يجب المطالبة بالكشف عن مرتكبي عملية الإعدام، ومحاكمتهم بوصفهم مرتكبي جرائم حرب ولاسيما أن الكثير من تفاصيل الجريمة متاح لمن يهمه الأمر.
الخلود للشهيدة هفرين خلف، والعار للقتلة.
تيار مواطنة
المكتب الإعلامي 22 تشرين الأول 2019