من بغداد إلى بيروت.. ثورة حق مابيموت!

جاءت موجة الربيع العربي الأولى ضد أنظمة شمولية (تونسليبيامصراليمنسوريا…)، وأفرزت تحولات تصدرتها الحركات الإسلامية، سواء عبر صناديق الانتخابات أو في ميادين الصراعات المسلحة.. أما الموجة الثانية (السودانالجزائرلبنانالعراق…) فجاءت هبّة قويّة بمواجهة المرجعيات الدينيّة والحزبيّة عموماً والمرتكزة الى المحاصصة الطائفيّة في لبنان والعراق خصوصاً، كجزء من سيرورة مطالب إسقاط الأنظمة الفاسدة وتعبيراً عن انسداد أفق الأخيرة اقتصادياً واجتماعياً.

وإذ تنبعث الآمال مجدداً بانتصار او انجاز ما قد يسطره اللبنانيون أو العراقيون بعد توالي خيبات السوريين المنتفضين عبر سنين الثورة الثمانية المنقضية, فلبنان المحكوم تاريخياً بمحاصصة طائفية منذ ميثاقهم عقب الاستقلال ١٩٤٣ وتكرس باتفاق الطائف ١٩٨٩عقب الحرب الاهلية, فلم يتوقع أشد المتفائلين أن يخرج شعب لبنان على زعماءه بالسياسة والطوائف, كما يحصل اليوم وبخطاب لم تعهده الساحات العربية وشعارات تكفر بالخطب العصماء أو اللغة الخشبية والشعارات المدروسة فخرجت المظاهرات بهتافات فطرية, تلخص معانات الشارع بلغته الصريحة المباشرة دون رتوش أو فزلكة وتفوق شعار كلن يعني كلن برغم أن المقصود به بشكل أساسي حسن نصرلله وجبران باسيل وميشيل عون ونبيه بري قبل الآخرين.

ولكن بشائر الأمل تلك تأتي مسربلةً بجنازير الخوف والحذر من تدهور الموقف الامني في لبنان, حيث الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل ويلحق بهم تيار باسيل وعون كفاعل رئيس بالميدان, ورافض لحكومة التكنوقراط المطلوبة من الشارع بل شارك نصرلله كمجرم حرب بقمع الثورة السورية خارج وداخل لبنان, بالتالي لن يستمر حزبه ومليشياته بالوقوف مكتوفي الايدي طويلاً حيال انتفاضة نوعية تستهدف هذا العهد القوي الذي كان تعبيراً عن حلف الحريري ـ عون بتشكيل حكومة ورآسة معاً, والحقيقة أن الانتفاضة/الثورة اعلنتها مواجهة سلمية مفتوحة بوجه هؤلاء في المنطقة, ورفض دور وممارسات بل وجود كل البنى والمليشيات المدعومة من حكم ملالي طهران حزب الله ونظام بشار الكيماوي ومليشيات الحشد والحكم الطائفي بالعراق فكل أولئك مجرمون متوحشون ذوي عقيدة المزيد من العنف حين لا ينفع مستوى العنف الجاري في قمع المناهضين.
لبنان المجندل بالنفوذ الايراني المليشيوي والمقيّد بائتلاف زعماء الطوائف وتفاهمات الاحزاب الطائفية
, بل السجين بميثاق ١٩٤٣ واتفاق الطائف, لن يمر اصلاح النظام فيه بدون فتح معركة تاريخية مع البنى الاجتماعية الطائفية والثقافات التي حكمته, وعلى اللبنانيين حينها التصدي للمهمة الأعقد بعالمنا الاسلامي والمنطقة وهي حل معظلة الصراع الشيعي/السني الذي استمرت ايران الخمينية بنصب وتفجير ألغامه منذ ١٩٧٩, وعلى لبنان أيضاً مهمة رأب الصدع الاسلامي/المسيحي في شرق المتوسط واعادة بناء العلاقة مع كل الاقليات الاثنية والقومية على عقد جديد يُبنى على المواطنة, بعد كل الذي أصاب المنطقة من تهتك وتطرف ومع ارتفاع معدلات التخندق والكراهية التي تعصف بشرق المتوسط وربما تجتاح العالم.

فإذا استطاع العراقيون أو اللبنانيون المنتفضون تجاوز نظم الطائفية نحو المواطنة و الديمقراطية والمضي أيضاً باستعادة الشيعة العرب من حضن ملالي طهران، فإنهم بذلك سيكسرون الموازين القائمة ويفتحون أفقاً واسعاً من الأمل لكامل المنطقة.

حيث صدحت حناجر العراقيين الشّيعة بفضح دور الفساد ونظام الوصاية الايرانية المستحكم بالعراق منذ ٢٠١٣ بعد القضاء على الانتفاضة العراقية السنّية ودفعها لاحقاً للغرق بمستنقع الدعشنة والتطرف.

لقد استبشر السّوريون ضحايا وحشية سلطة الاسد والمليشيات التي تسييرها ايران بانطلاق هذين الحراكين المبشرين بأفول نجم النفوذ الايراني, فهتف العراقيون إيران برّا برّا … بغداد تبقى حرّة، باسم الدين باكونا الحرامية كما أحرقوا العلم الإيراني، ومزّقوا وداسوا بأقدامهم صور المرشد الإيراني علي خامنئي… وعليه بدا تراجع المد الايراني شبه مؤكد, ولعديد من الاسباب ليس أولها هذا الحراك الشعبي العظيم, ولن يكون آخرها الحصار الاقتصادي الامريكي والعقوبات المشهرة بوجه إيران وأزلامها بالمنطقة, مروراً باستمرار الرغبة الاقليمية والدولية في تحجيم نفوذ إيران وتدخلاتها في شؤون شعوب المنطقة ودولها. 
وبالوقت نفسه علينا كسوريين الاستفادة من التجربتين اللبنانية والعراقية
, اللتين تعلنان كل يوم فشل المراهنة على المحاصصة المذهبية والطائفية التي ظنها كثيرون حلاً لمعضلات المنطقة الاثنية والايديولوجية فمن الواضح أنهم قد ضاقوا ذراعاً بنظام المحاصصة الطائفية والحزبية الذي خلّفه الغزو الأميركي للعراق, وكرسه اتفاق الطائف لبنانياً، فخرجوا هذه المرة مطالبين لا بإصلاحه، بل بإسقاطه. وعليه شكّل هذا الحراك تمرّداً غير مسبوق على قداسة المرجعيات الدينية والحزبية.

اننا في تيار مواطنة كنشطاء انتمينا لثورة الشعب السوري منذ انطلاقتها في موجة الربيع العربي الاولى ٢٠١١, نجدد ايماننا بحق الحرية والكرامة ونراهن على التغيير والانتقال السياسي رغم ما أحاق بثورتنا من أسلمة وفصائلية وانزياحات, نكتب هذا اليوم للتأكيد على ضرورة اعادة انتاج ثورتنا بنسخة جديدة, مناهضة للارهاب والتطرف مثل مناهضتها للاستبداد والطائفية, ولنشق الطريق مجدداً في ركب الموجة الثانية للربيع العربي بمواجهة الطائفية وزعماءها ومليشياتها وعلى رأسهم سلطة بشار الاسد المتوحشة, ولنصرخ بحزم ضد الأسلمة واستخدام الدين كمطيّة سياسيّة دمرت الثورة وشتّت شمل نضالات شعبنا, لا بل واستعدت العالم وأفقدتنا تأييد معظم دول العالم الذي حازته ثورتنا في البدايات فأطالت بعمر السلطة الشمولية الدموية, ومازلنا نستلهم من حراك الشعوب العربية المنتفضة الدروس تلو الدروس, ولنبحث جميعاً عن فرص استعادة الثورة السورية لنفسها مجدداً.

تيار مواطنة مكتب الاعلام

١٣تشرين الثاني٢٠١٩

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

2 تعليق على “من بغداد إلى بيروت.. ثورة حق مابيموت!”

  1. لدي ملاحظتين : الأولى وضع أنظمة الحكم في تونس ومصر وسوريا واليمن في سلة واحدة واعتبارهم أنظمة شمولية .. أعتقد فيه مغالطة سياسية وتاريخية واضحة .. أعتقد أن نظام مصر واليمن وتونس لاينطبق عليهم هذا التوصيف السياسي كبأنظمة شولية بالمعنى التاريخي للكلمة على اعتبار أن هذه النظم لم تستطع أن تدمر المجتمع المدني وكانت تحتفظ ل شعوبها بهامش ولو صغير للحراك السياسي والمدني والدليل على ذلك.. عندما اندلعت الثورة في هذه البلدان .. الكثير من الأجهزة الأمنية والعسكرية رفضت قمع الثوار بشكل وحشي … لابل العديد منها وقف إلى جانبهم .. تونس المثال الفاقع أكثر من اليمن ومصر على صحة ماذكرته سابقاً …
    الملاحظة الثانية .. وضع السلطة الطغمة في سوريا معهم في نفس السلة أعتقد أنها مغالطة أكبر بالمعنى السياسي والتاريخي .. في سوريا سلطة شمولية طائفية بامتياز استطاعت تدمير وتحطيم المجتمع وتزريره عبر حوالي نصف قرن من الزمن .. وهذا من أهم الأسباب التي جعلت الثورة في سوريا تذهب مُبكرأ إلى خيار العسكرة والعنف ..

    شكراً لكم أنتم من القلائل في هذا الذي يسمى العالم العربي الذي يمتلك عقلاً تحليلاً ليبرالياً عميقاً وصادقاً … مرة ثانية شكراً لكم .

التعليقات مغلقة