قراءة سريعة في خطاب رأس السلطة
على النقيض من السنوات السابقة دأب رأس السّلطة في سوريّة على إجراء مقابلات عديدة في الأسبوعين الأخيرين لأسباب يمكن تقديرها بدون ادعاء الخطأ فيها، ولما كان من المحال تفكيك كل ما قاله في هذه المقابلات في افتتاحية واحدة فإننا سوف نسلط الضوء على بعض ما جاء في إحدى المقابلات مع وسيلة الاعلام الروسية RT بالإنكليزية مع بعض المقارنة مع أقوال سابقة عليها قديمة كانت أو حديثة.
ثمة عشرات القضايا التي يمكن – وقد يكون من الضروري- أن توضع على مشرحة التحليل، ولضيق المساحة سوف نكتفي بالقليل جدا ومن بينها:
- الهدف من هذه المقابلات:
من المعتقد أنه توجيه رسائل إلى العالم والإقليم والوضع المحلي وبخاصة لروسيا وأمريكا وتركيا و الكرد والموالاة والمعارضة … الخ على قاعدة الأوضاع المستجدة إن يكن في الميدان أو في السياسة، أو الاستحقاقات المطروحة، ونحن نرجح أن الرسالة الأهم كانت لروسيا بعد طرح العديد من الانتقادات للسلطة السورية ورأسها من بعض وسائل الإعلام الروسية غير الحكومية، وعلى الرغم من المحاباة والدبلوماسية الملموسة في حديثه عن الروس، إلا أنه من الواضح أيضاً أنه أكد على المصلحة الروسية الحكومية والشعبية في تدخلها الواسع في سوريا وبخاصة فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب وكأنه يقول: إن تدخلكم لم يكن لصالحنا فقط، بل هو من الناحية الرئيسة لصالحكم حكومةً وشعباً, لإعادة تموضعكم في العالم وفي المنطقة وإبعاد شبح ”الإرهاب“ عن بلدكم وشعبكم، ويقبع خلف هذا الهدف ضرورة الاستمرار والدعم غير المحدود من قبل روسيا للدفاع عن هذه المصالح وعدم الاستماع للانتقادات التي ذكرت في بعض الصحافة الروسية.
وفيما يتعلق بأمريكا وحلفها الدولي -وكل آخر غير روسيا والصين وايران ومن يدور في أفلاكهم– وجه خطاباً غير دبلوماسي مغلف بالوعيد بشكل أو بآخر، الامر نفسه فيما يتعلق بالحكومة التركية والكورد في الجزيرة، ومن الواضح أنه يريد بذلك شد العصب الموالي للسلطة والضغط إلى أقصى حد على الأطراف المذكورة وبخاصة على الكورد والمعارضة السورية، وفي هذا الإطار كانت الرسالة الأشد وهي قطع الطريق على أي حل سياسي يقتضي منه تقديم أي شكل من أشكال المساهمة في انهاء الصراع الضّاري المعمّر تحت يافطة مالم يؤخذ عسكرياً في الميدان لن يؤخذ أبداً في حقل السياسة، وكأن قضية حقوق الشعب السوري المشروعة هي مجرد مسألة موازين قوى عسكرية.
- في بنية الخطاب:
يمكن القول دون مجانبة الصواب إن الخطاب يقوم على شكلانية منطقية منفصلة بشكل شبه تام -ان لم نقل تام– عن الوقائع والمعطيات كما جرت وتجري فعلياً والمعروفة للجميع ولذلك فليس من المستغرب وقوع الخطاب في مطبات فاقعة من المغالطات والتذاكي والأكاذيب و والتي يمكن أن نشير إلى بعضها لاحقاًً.
- في تناقضات الخطاب:
من الطبيعي والحال كما ذكرنا أعلاه أن يقع الخطاب في تناقضات فاضحة وتذاك سخيف، ونأخذ على سبيل المثال مسألة المظاهرات السلمية حيث يؤكد ”أنها لم تكن سلمية قط منذ البداية وأنها قتلت بالسلاح 5 من عناصر الشرطة“ وأن الأخيرة لم تكن مسلحة لا بالبنادق ولا بالمسدسات.
ويقول في مكان آخر إن العمال سئلوا لماذا تركوا أعمالهم؟ فأجابوا لأنهم كانوا يستلمون من قطر وغيرها 50 دولاراً عن التظاهر ثم ارتفع المبلغ لاحقاً إلى ما هو أكثر من ذلك! هل معقول أن يصدر هذا كلام عن رأس سلطة مسؤول ما، ويضيف في مكان آخر ”إن المظاهرات تحركت تحت شعارات مختلفة وبتأثير ما حصل في بلدان أخرى“، و“بعض الشعارات كان يهدف إلى تحسين النظام السياسي“، وهذا صحيح بالتأكيد، كما يضيف في مكان آخر ”أن من كان يقود المظاهرات السلمية تراجع بعد تحولها إلى ما آلت إليه“.
إذاً ثمة مرحلة سلمية وقيادات سلمية وشعارات إيجابية. وفي سياق آخر سابق ذكر أن المظاهرات بقيت سلمية خمسة شهور أي حتى أواخر آب عام2011 م.
فإذا أضفنا إلى كل ذلك المظاهرات السلمية المؤلفة من مئات الألوف في عدد من المحافظات السورية وبخاصة في حماة ودير الزور والرقة والتي استمرت شهوراً طويلة حتى تم إنهاءها بقوة السلاح. ماذا يمكننا أن نقول في هذه الحال وكيف يمكن التعليق على مثل هذه التناقضات؟
- في التذاكي السخيف:
هنالك فيض من هذا الأسلوب ويكفي أن نأخذ على سبيل المثال مسألة القصف الكيماوي في الغوطة في 21 آب 2013، حيث يحاجج بأن لجنة المحققين كانت في دمشق عندها ومن غير المعقول أن يعمد إلى هكذا قصف في هذه الحال، بل ويذهب أبعد من ذلك بالقول إن الغرب ذهب إلى أن عدد القتلى هو 200، في حين أن هكذا قصف يمكن أن يودي بحياة الآلاف، ثم يصل إلى النتيجة الحاسمة إن الأمر كله لم يكن سوى فبركة في ذهن التحالف الغربي وأعداء سوريا… الخ، والحال إن القتلى زادوا عن الألف والمصابين عن الآلاف وهذا يعني ببساطة أننا أمام إنكار سافر, ناهيك عن الحجة المنطقية في مسألة القصف التي يمكن أن تكون على العكس تماماً، وفي السياق نفسه يدعي أن المحققين لم يأتوا بدليل واعترفوا بوجود ثغرات ولم يغلقوها بعد كل هذه السنين.
والحال إن المشكلة لا تكمن هنا بل في مكان آخر فاللجان لم يكن من صلاحيتها تحديد الجهة الفاعلة، والروس كانوا على المتراس لتكذيب كل اللجان ولمعارضة أي مهمة لها في تحديد الفاعل، والسبب لا يحتاج إلى برهان، فأي تحديد بسيط سيطال بالتأكيد السلطة السورية وقد طالها لاحقاً من قبل بعض اللجان، ولأن هكذا تحديد يدين الروس أنفسهم إدانةً قاطعةً بوصفهم العضو الدائم المسؤول في مجلس الأمن عن أمن العالم وسلامته، في حين أنهم يدعمون نظاماً يستخدم الأسلحة المحرمة ويهدد السلم العالمي، لا بل إن ذلك يطال الروس من ناحية أخرى تكشف عدم مصداقيتهم في قولهم إن السلطة السورية دمرت سلاحها الكيماوي كما وعدوا وقالوا بعد حادثة الغوطة، والأهم من كل ذلك إذا كان قول رأس السلطة صحيحاً وأنه لم يستخدم السلاح في الغوطة آنذاك فلماذا –والحال كذلك- وافق على الحل الروسي الذي اقتضي تدمير سلاحه الكيماوي؟ لتجنب الضربة الأمريكية العسكرية على قاعدة الاتفاق مع الروس، الأمر بالتأكيد لا يحتاج إلى الكثير من الشرح والتعليق لكشف التذاكي السخيف والتناقض والمغالطة.
وفي نطاق التذاكي القائم على قاعدة المنطقية الشكلانية يتحدث عن القصف وقتل المدنيين –نترك المقاتلين في الميدان من الطرفين– ليتهم الطرف الآخر مسمياً إياه بالإرهابي بأنه هو الذي قتل النّاس وهجّرهم، والحجّة في ذلك أن القوى تسعى في الحروب لكسب قلوب النّاس فلماذا والحال كذلك يمكن أن تقوم السلطة بالقصف؟! حجة منطقية بالتأكيد ولكن القاصي والداني يعرف أن المدنيين قتلوا بأسلحة السلطة وبخاصة البراميل إلى درجة استحق اسمه الذي ينطبق عليه ”نظام البراميل والكيماوي“، وصلت المغالطات الواقعية في هذا الصدد إلى درجة القول: إن الإرهابيين قَتلوا في شرقي حلب مئات الألوف والكل يعرف أن ذلك عار من الصحة تماماً، لا لأن المتطرفين لم يقتلوا أناساً بل لأن شرق حلب لم يقتل فيها أبداً مئات الألوف ولأن القتلى في كل سوريا هم مئات الألوف فقط ولأن ما لا يقل عن 90% منهم قتلوا بسبب قصف السلطة، والأمر نفسه فيما يخص اللاجئين والمهجرين من حيث يتهم الطرف الآخر بهم ويقول إنهم اتجهوا إلى مناطق السلطة، والحال إن بعض المهجرين فقط من المنطقة الشرقية على يد داعش وبسبب المعارك الدائرة بين السلطة والمسلحين هم الذين لجؤوا إلى مناطق السلطة، ولكن المهجرين أيضاً بنسبة تتجاوز 90% هم بسبب السلطة وهم هاجروا على النقيض مما يقول رأس السلطة إلى تركيا ولبنان والأردن ومصر وأربعة أطراف المعمورة وإلى المناطق الخارجة عن سيطرة السلطة في الأصل.
ومادام الحال كذلك كيف يمكن قراءة هكذا مغالطات فاضحة في خطاب رأس السلطة؟!
وفي السياق نفسه ينكر التعذيب وينكر وجود وحدات تعذيب مرة أخرى تحت حجة منطقية شكلانية تقول إن التعذيب يجري عادة لأسباب نفسية أو لانتزاع المعلومات، ولأن كل المعلومات لديه كما يقول ولأنه ليس لديه جلادون ”فإن التعذيب لم يحصل وهو مجرد مؤامرة وفبركة“ الخ.
ودون الدخول في جدال عقيم مع هكذا خطاب نكتفي بالقول: ماذا بشأن الـ 55 ألف صورة للمعتقلين والـ 11 ألف قتيل التي نشرها قيصر وهي نتاج التعذيب والجوع والمرض والاكتظاظ وأسباب أخرى الخ.
- في المغالطات:
يمكن الإتيان بأمثلة عديدة وكالعادة نكتفي ببعضها الأكثر دلالة على ما نريد، ثمة حديث عن أن الهدف هو مخاطبة الرأي العام في مقدمة خطابه الذي لا يعرف الحقائق، على الرغم من معرفة بعضها مؤخراً -والحال على العكس تماماً- إن الرأي العام الذي كان يقف مع الانتفاضة السورية في طورها السلمي وحتى في طورها العسكري الأول غير المتطرف وغير الإرهابي هو نفسه الذي تغير ليصبح ضد المآل الذي آلت اليه الانتفاضة السورية، ولينتقل إلى دعم السلطة في أسوأ الأحوال أو القبول بها أو إعادة تأهيلها أو القبول بأهون الشّرين في أحسن الأحوال إلخ.. بحيث يستقيم الحديث في هذه الحال على عكس ما يقول رأس السلطة وكما تشكو المعارضة أيضاً وأصدقاء الشعب السوري من انزياح الرأي العام لصالح السلطة بشكل عام وهو نقيض ما يقوله الخطاب في المقدمة وهو الأمر الذي دفع الغالبية العظمى من الشعب السوري وقواه المعارضة للحديث عن خذلان العالم ولا أخلاقه و… الخ..
وسيكون من المفارقة فعلاً أن السلطة السورية وحلفاءها والمعارضة السورية والقطاع الأوسع من الشعب السوري يتحدث عن المؤامرة الكونية وعن المتآمر الرئيسي الذي هو أمريكا والصهيونية، فكلا الخندقين يدّعي أن هذا المتآمر يتآمر عليه ويدعم عدوه ولنا في هذه الحال أن نشكو إلى الله ليحل لنا هذا اللغز العضال.
- في أمور أخرى:
منها على سبيل المثال القول: إن أمريكا تحكمها عصابة وإن بريطانيا غير مؤهلة إطلاقاً للحديث عن المسائل الإنسانية وإن الماضي التاريخي والاستعماري منه بشكل خاص إلخ، لا يستطيع أن يكون قاعدة لتأهيل هذه البلدان للحديث عن الأمور الإنسانية.
والحال إذا كان الأمر كذلك وإذا كان المرء يريد الاحتكام إلى الماضي التاريخي للبشر فليس هناك أحد على الإطلاق مؤهلا للحديث عن الإنسانية، والحال إن الحاضر يظهر تهافت هذا المنظور وعقمه العدمي، لأن أرقى دول العالم اليوم كان لها أسوأ ماض تاريخي، وقد قامت العديد منها على قتل القسم الأعظم من شعوب أخرى -ونحن ندين هذا الفعل بحزم- وعلى سبيل المثال كندا ونيوزلندا وأستراليا ومن لا يتذكر الفايكينغ والجرمان وهم غزاة الشمال الأوربي الوحشيون، واليوم تعد الدول الإسكندنافية مسقط رأس هؤلاء الغزاة من أرقى شعوب الأرض.
ما يهم أيها الخطيب “الإنساني” المفوه هو واقع الحال اليوم، وعند هذه النقطة فإنك أنت وليس من ذكرت هو غير المؤهل على الإطلاق للحديث عن الإنسانية والأخلاق وإطلاق هذه الأحكام المتهافتة.
في السياق نفسه يتم الحديث عن مقتل البغدادي وابن لادن وصدام حسين الخ، معتبراً أن مقتل الأوليّن كان خدعةً أمريكيةً لإظهار أنها ضد الإرهاب والحجة هنا عدم عرض الجثث والحجة الثانية هي أن صدام حسين قد تم اعتقاله وإعدامه على الملأ والخ.
والحال فيما يتعلق بصدام مفهوم لأنه ببساطة اعتقل حياً وحوكم وأعدم وأُظهر ذلك على شاشات التلفزة. أمّا الآخرين فإنهما لم يعتقلا وأحدهما فجر نفسه فتطايرت جثته قطعاً، والآخر قتل بهجوم جوي ولا أحد يعرف ما الذي حصل بجثته عدا دفنها في البحر، وموت بهذه البشاعة وتطاير الجثث نتيجة التفجير, هل يمكن عرضه حقيقةً من قبل وسائل إعلام تحترم الحد الأدنى من الحقوق الإنسانية وحقوق الأطفال وحقوق الناس الذين سيرون هكذا مشهد؟ لا علم لدينا بذلك ولكننا نعتقد أن هذا صعب، ولكن ليس هذا هو المهم لأننا بعد قليل سوف نكون في مقلب آخر من المنطق مقلب يقول: إن المذكورين -ابن لادن والبغدادي- كانا عميلين لأمريكا وقد انتهت صلاحية كل واحد منهما وتم التخلص من كل منهما كي لا يبوحا بسر تلك العمالة ويجري البحث الآن أو جرى سابقاً البحث عن خلف لكل منهما، والحال كان هنالك من الزمن ما يكفي لابن لادن والبغدادي ليبوحا بالسر لو كان هناك سر بالأصل، ناهيك عن أن هذه النتيجة تناقض تماماً ما قاله لاحقاً لأنه ذكر أنهما قتلا بعد انتهاء الصلاحية، فأين الانسجام في كل هذا الحديث؟
ومع ذلك يمكن الذهاب إلى ما هو أبعد حيث الحجة والدليل على أن القاعدة وداعش هما عملاء أمريكا ضد سوريا وإيران وروسيا …الخ هي أن البغدادي كان في سجن أمريكي في العراق وأطلق سراحه ليقوم بالدور المنوط به، نترك الآن الجانب الحقوقي في مسألة إطلاق السراح، والفروق بين السجون الأمريكية وسجون السلطة السورية لنصل إلى النهاية المأساوية لتهافت الحجج، فإذا كان اطلاق السراح هو دليل العمالة والدور القبيح، كيف يستقيم القول في هذه الحال إن السلطة السورية وسلطة المالكي في العراق أطلقتا أيضا المتطرفين الإسلاميين؟ الذين قادوا لاحقاً أو كانوا جزءاً من قيادة الجولاني والبغدادي وضدهما أحياناً، وهما أقوى الفصائل العسكرية الإسلامية في سوريا.
إذاً في هذه الحال إن جيش الإسلام وأحرار الشام وعتاة القاعدة وداعش السوريين أيضاً هم عملاء كذلك للسلطة السورية وللمالكي.
إذاً فالعمود الفقري للمسلحين هم عملاؤك!! والأصح حسب مجمل القول إنهم عملاؤك وعملاء أمريكا وتركيا لأن بينهم حسب قولك من كان وراءه أمريكا وبينهم من كانت وراءه تركيا وبينهم من كنت أنت وراءه، وعند إذ الله وحده يمكن أن يعرف لماذا هذه العداوة الضارية بينك وبين أمريكا وبينك وبين الحكومة التركية، ومادام الحال كذلك فإن الأمر بحاجة إلى القليل والقليل فقط من النزاهة والانسجام، ولكن من أين لك بذلك؟! ليس لأن الأمر ليس كذلك بل لأنه في الكثير من الأحوال إن لم نقل في أغلبها حتى لو كان هنالك منظمات عميله فإنهم لاحقاً ينقلبون ضد من صنعهم أو ضد من دعمهم، وأفااغانستان خير مثال على ذلك بما فيهم ابن لادن نفسه الذي يفتخر بتدمير برجي التجارة في أمريكا وهذا صحيح.
من باب الترجيح وليس القطع، إن الخطاب في جانب منه يقوم على ما يعتقده رأس السلطة من امتلاك القوة في الميدان، وتهافت الدعم الدولي للمعارضة -حتى الآن على الأقل- لذلك يتخذ الخطاب لهجة الغطرسة والوعيد وقطع الطريق، والاستخفاف التام بالأمم المتحدة وقراراتها بما في ذلك حتى فيما يتعلق باللجنة الدستورية، وينطبق هذا الأمر على الولايات المتحدة ومستقبلها في سوريا ،وتركيا مع الأخذ بعين الاعتبار تمييزه بين حكومة أردوغان وتركيا بوصفها دولة جارة مع تاريخ مشترك، والأسوأ على هذا الصعيد يخص المعارضة وأصدقاء الشعب السوري والطموح إلى حل سياسي يستحق اسمه، حيث يقول الخطاب بشكل مباشر أو غير مباشر: ”لا مكان للحل السياسي القائم على قرار 2254 وعلى مسار جنيف“، لا بل يذهب إلى أبعد من ذلك معتبراً أن وفده في اللجنة الدستورية لا يمثل الحكومة السورية، بل يحظى بدعمها فحسب، ويؤكد على أن الانتخابات إذا جرت لاحقا فإنها ستتم تحت الإشراف التام للحكومة السورية دون أي تدخل من ألف إلى الياء، وبكل الأحوال فإن الخطاب ينطوي في الأعم الأغلب فيه على هذا الجانب دون الدخول في التفاصيل.
أما على الجانب الآخر للخطاب فإنه يقوم على لهجة مختلفة كلياً في خطابه للروس وبخاصة بعد الانتقادات التي وجهت إلى السلطة السورية ورأسها من بعض الإعلام الروسي غير الحكومي، وهذه اللهجة تقوم على مديح بالغ للروس حكومةً وشعباً، لأن المتحدث يعرف جيدا أن وضعه اليوم يقوم من الناحية الرئيسة على الدعم السياسي والعسكري والمعنوي للحليف الروسي وأنه قد يبقى كذلك حتى في المستقبل.
ثمة جانب ثالث في الخطاب لا يظهر مباشرة بل هو مضمر فيه بشكل أو بآخر، على الرغم من كل مظاهر الغطرسة من طرف والدبلوماسية وشد العصب الموالي والحليف من طرف آخر، فإن هذا الجانب الثالث يفصح عن نفسه عبر إفصاحه عن مخاوف حقيقة من استحقاقات مستقبلية سياسية وغير سياسية بما في ذلك أولوية مصير السلطة الطغمة واستمرارها دون تنازل يذكر كما ترغب السلطة، والمخاوف هذه على اختلافها في المضمون تأتي عالمياً من الدولتين : الاتحاد الروسي والولايات المتحدة، وذلك من قبيل إمكانية استمرار أمريكا على الأرض السورية وتوظيف هذا البقاء في مستقبل الحل السياسي فيما يناقض رغبة السلطة جبهياً، وفيما يتعلق بالروس فإن المخوف الأساسي هو في مستوى ومحتوى درجة الضغط فيما يتعلق بالحل المذكور على الرغم من جهدهم الدؤوب في عودة كل شبر من سوريا للسلطة الطغمة في دمشق.
وعلى الصعيد الإقليمي لاتزال الحكومة التركية على الرغم من كل المتغيرات، تشكل سياسياً وميدانياً في سلوكها ما يكفي من المشكلات في وجه السلطة، وكذلك الأمر فيما يتعلق بإسرائيل وموقعها من الحليف الرئيسي إيران وأذرعها الميليشياوية وبخاصة حزب الله.
وعلى هذا الصعيد تشكل الانتفاضتان الشعبيتان في لبنان والعراق مأزقاً حقيقياً للسلطة الطغمة ولحلفائها جميعاً في المنطقة، ويتفاقم هذا المأزق اليوم بعد الخطاب – المقابلة بعد الحراك المجتمعي المعارض المتصاعد في إيران.
وعلى الصعيد المحلي من الصعب القول اليوم: إن السلطة – الطغمة مطمئنة تمام الاطمئنان للوضع في مناطقها، ناهيك بالطبع عن الوضع في إدلب والجزيرة السورية على الرغم من تقدم مواقعها الميدانية في الأخيرة.
وخلاصة القول إن المستقبل لا يبعث على الاطمئنان على جميع الصعد ولذلك يصح القول إن الخطاب هو مزيج من الغطرسة والعدوانية والدبلوماسية والمخاوف الحقيقية والإرباك والاضطراب والهروب من المسؤولية وإنكار الوقائع والشكلانية المنطقية بما يكفي إلى حد التخمة على غير صعيد بحيث جاء الإنشاء اللغوي والمغالطات والتناقضات العمود الفقري له.
ومن المفهوم بهذه الحال أن الأمر سيزداد سوءاً بشكل جذري بالنسبة للسلطة الطغمة إذا تمخضت الحركات الجمعية الثلاث في لبنان والعراق وإيران عن بعض الانتصار، فكيف الحال إذا كان النصر الحقيقي حليفها؟
إذاً من الضروري اليوم وغداً أخذ كل ما سبق بعين الاعتبار من قبل المعارضة على اختلاف برامجها وحضورها وممارستها، والعمل على زيادة الضغط الدولي والإقليمي والمحلي على السلطة المذكورة وعدم تقديم أي تنازل مجاني مهما يكن تحت أي ذريعة، والعمل على طول الخط على الصمود السياسي والمعنوي وبانتظار اتجاه الأحداث في المستقبل.
تيار مواطنة – المكتب الاعلامي
٢١-١١-٢٠١٩