إدلب بين مطرقة السلطة وسندان النصرة

 

تتعرض إدلب منذ أشهر لحملة عسكرية شرسة، تتراجع حدتها في بعض الأحيان لتعود وتشتد في أحيان أخرى، وقد بلغت ذروتها في الأسابيع الأخيرة، على الرغم من أن إدلب هي المنطقة الأخيرة المشمولة باتفاقيات خفض التصعيد في أستانة.

ويقضم النظام السوري بالتعاون مع حلفائه أثناءها الأراضي التي كانت خارج سيطرته واحدة تلو الأخرى، من خان شيخون في مرحلة سابقة، إلى معرة النعمان مؤخراً والتي أصبحت والقرى المحيطة خالية من أهلها.

يترافق هذا التقدم بقصف عشوائي يطال الجميع، وذلك حسب سياسة الأرض المحروقة التي اتبعها النظام دوماً والتي يدفع ثمنها المدنيون، كضحايا أو مهجرين، فقد نزح في الفترة الأخيرة مئات الآلاف وأصبحوا في العراء، مما ينذر بكارثة إنسانية وخصوصاً أن الشتاء قد حلَّ.

كما يلاحظ انسحاب القوى المقاتلة علي الأرض وعدم دفاعها عن هذه المناطق وعن مدنييها، في ظل غموض يلفُّ ما تم الاتفاق عليه في أستانة، فلا أحد يعلن عمّا تم الاتفاق عليه فعلاً، وإذا كان الاتفاق كما هو متوقع أنه عودة الطرق الدولية  M4  و M5  لسيطرة النظام أو الروس بأفضل الأحوال، فلماذا لم يعلن ذلك؟ ولماذا لم يتم الانسحاب دون قصف؟ ووفر بالتالي على المنطقة الدمار الذي عانت منه؟

شكلت إدلب بوجود النصرةهيئة تحرير الشامفيها معضلة للحل السياسي السوري، وكان من الواضحكما نوهنا لذلك سابقاً في افتتاحياتناأن تركيا لا ترغبحتى الآن على الأقلبحل معضلة جبهة النصرة، وهي تستخدمها كورقة ضغط لتحقيق مصالحها، والتي منها تحقق المنطقة الآمنة التي تضمن ابتعاد الكرد عن حدودها مثلاً. ولكن في طريق تنفيذ هذه المصالح، تبدي تركيا بعض التنازلات هنا أو هناك، لتسير العملية بالشكل الذي يخدم هذه المصالح، فكانت معرة النعمان والطرق الدولية اليوم آخر هذه التنازلات والتي لن تكون نهايتها. إذ مازلنا نرى نقاط المراقبة التركية قائمة ولكنها لا تقدم أي حماية أو خدمة للمدنيين الهاربين على الأقل، عدا أنها لا تحمي المنطقة ولا تمنع دخول النظام إليها.

وفي ظل هذه الهجمة العسكرية الحالية على إدلب والطرق الدولية، انتشرت أخبار مفادها، ارسال الاتراك لمقاتلين سوريين برواتب عالية للمشاركة بالحرب خدمة لمصالحها في ليبيا، والذي يؤكد أكثر، أن كل القضية السّورية ليست الا مطيّة للضامن التركي لتحقيق غاياته من انتشار وهيمنة إقليمية، ذلك الحلم التركي الأردوغاني، الذي جعل تركيا أردوغان تغير تحالفاتها غير مرة، وتعقد اتفاقات مع روسيا حليفة النظام السوري ضد مصلحة الشعب السوري الثائر الذي طالما ادعت الوقوف إلى جانبه، عدا عن الأخبار التي تسربت حول لقاءات وتنسيقات مع النظام السوري نفسه. فهي اذاً ترعىالنصرةولا تريد انهاءها لخدمة مآربها والتي تضرُّ بمصلحة الشعب السوري كافة، وأهالي منطقة إدلب من أصليين أو نازحين على وجه الخصوص.
إذاً شكل وجودالنصرةوالتي أدرجت على قائمة الإرهاب، كأحد فروع تنظيم القاعدة، سبباً يتحجج فيه النظام السوري والروس لشن حربهم على المنطقة، ذلك النظام الذي قلنا مراراً أنه لن يألو جهداً في محاولة استعادة كامل التراب السوري تحت سيطرته، لنقل إذاَ كانتالنصرةحجّة بل حجّة مبررة عالمياً ومقبولة، فهي التي يشكل ارهابها خطراً على العالم أكثر من ارهاب النظام السوري الذي يطال مواطنيه فحسب، وأصبحت إدلب ومحيطها واقعة بين مطرقة النظام السوري وحربه عليها، وسندان النصرة التي تحتل جزءاً كبيراً منها وتخضع أهلها لنمط حياة تفرضه عليهم هي حسب قيمها الخاصة، وتتخذ منهم دروعاَ بشرية في حربها، وذلك بسب تواجدها وتغلغلها بينهم، وهم نفسهم الذين تتركهم ببساطة لمصيرهم عند تنفيذ اتفاقات تخدم الدول الداعمة لها.

في ظل هذا الاستعصاء الحاصل لحل إشكاليةالنصرة، ألا يمكن للمجتمع الدولي إيجاد طريقة لمحاربة الإرهاب دون أن يدفع المدنيون الثمن، وقد يكون هذا الحل في تدخل دولي وفرض سيطرة دولية على الطرق الدولية المراد إبعاد النصرة عنها؛ سيطرة دولية تضمن عدم تدخل النظام السوري الانتقامي كما عودتنا بنيته التاريخية، والذي بسبب بطشه وانتقامه يدفع حتى من هو ضد النصرة للهجرة بعيداً عند توليه الأمر، وليس بعيداً ما حصل من انتقام قام بهبعد وعود كاذبةفي كل مناطق المصالحات التي أجراها. إن ثقة الشعب السوري بهذا النظام ووعوده منعدمة، كما أن الضمانات التي يقدمها الضامنون سواءً الروس أو الاتراك اثبتت عدم جدواها، أما الإيرانيون فإنهم طائفيين منتقمين من ذات طبيعة النظام السوري أو قد يكون أشد. وعليه إن الحلول المطروحة من ضمان روسي أو نقاط مراقبة تركية لن تشكل رادعاً لهكذا نظام، والشعب السوري بحاجة لحل أكثر أماناً يضمن له سلامته وأمانه.

إننا في تيار مواطنة إذ ندرك أن الحل الذي طرحناه أعلاه، هو حل صعب التحقق ولكننا لا نرى حلاً واقعياً آخر يبعد الكارثة الإنسانية المتوقعة الحصول، وعليه نطالب المجتمع الدولي شعوباً وحكومات وعلى رأسهم الأمم المتحدة باتخاذ الإجراءات اللازمة لتدخل دولي يضمن إنهاء النصرة وحل مشكلة وجودها في كامل محافظة إدلب إما لجهة تفكيكها أو إدماجها أو إخراجها من سوريا وإنهاء مناطق نفوذها دون دخول النظام السوري والمليشيات التابعة له لهذه المناطق؛ حلاً يضمن بقاء المدنيين في بيوتهم ويجنبهم المزيد من النزوح والتشرد ويجنب سوريا المزيد من الدمار. ونضع المجتمع الدولي والأمم المتحدة أمام مسؤولياتهم هذه محملينهم نتائج تقاعسهم عن إيجاد حلول تحمي المدنيين السوريين وممتلكاتهم.

إن حل مشكلة وجودالنصرةفي إدلب وشمال البلاد هو خطوة في طريق حل سياسي سوري يسمح بتغيير ديمقراطي حقيقي في سوريا، يضمن تداولاً سلمياً للسلطة في دولة المواطنة الكاملة، وإن كانت حجة الإرهاب هي التي سببت صمت المجتمع الدولي عن بقاء الأسد حتى الآن، فإننا نعيد التأكيد أن بقاء الأسد هو أحد أسباب وجود هذا الإرهاب، وانه لا يمكن حل مشكلة الإرهاب الا بحل سياسي شامل يضمن للشعب السوري التغيير المنشود، وأن تدخلاً دولياً جدياً لتفكيكالنصرةوضمان حماية المدنيين هو الخطوة الأولى على هذا الطريق.

تيار مواطنة – المكتب الاعلامي

٣٠-١٢-٢٠١٩

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة