النظام الإيراني بين مطرقة العقوبات الأمريكية وسندان الحراك الشعبي


تتسارع الأحداث في الشرق الأوسط وتدخل فيها أكثر اللاعبين شراسة في توسعيته وسعيه للسيطرة على أهم البلدان التي تصل به جغرافياً إلى البحر المتوسط، ولا نشك لحظة بأن نظام الملالي في طهران قد عمل كل ما في وسعه على مدى ثلاثة عقود لفرض هيمنته السياسية المباشرة على العراق واليمن وسوريا ولبنان، مستغلاً وجود الشيعة في العراق ولبنان وتحالف الحوثيين والسلطة الطغمة في سوريا.
وبكل الأحوال، يشكل هذا التوسع السريع للهيمنة الإيرانية تحدياً صارخاً وبكل المقاييس والمعايير لحقوق الشعوب في هذه البلدان كما يشكل على المستوى الدولي عودة لنظام الوصاية على أنظمة هذه البلدان وتدخلاً سافراً في شؤونها الداخلية إضافة إلى إنشاء دولة داخل الدولة كما حصل في لبنان وحزب الله واليمن والحوثيين والعراق والحشد الشعبي وبعض الميليشيا العراقية وحزب الله في سوريا.
ومع كل تلك التوسعية الإيرانية المحمومة كان لا بد من برنامج تسلح موازٍ لتلك التوسعية والطموح الجامح للهيمنة وقد تمثل بالبرنامج النووي الإيراني والذي حاولت إدارة الرئيس الأسبق أوباما احتواءه من خلال الاتفاق النووي الإيراني وبتوافق دولي كامل عليه، لكنه تحول بعد بضع سنوات- إلى وسيلة لابتزاز العالم والمنطقة وهراوة للتهديد بالعودة عنه عند كل خلاف مع الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة، إلى أن جاء إلغاء الاتفاق من قبل إدارة الرئيس الحالي ترامب، والعودة إلى سلسلة مشددة من العقوبات على نظام الملالي لإجبارهم على العودة إلى السلوك الطبيعي كدولة لها مصالحها الطبيعية في المنطقة.
تشكل انتفاضات الشعوب في العراق ولبنان وحتى في إيران نفسها تحدياً صارخاً لولاية الفقيه ولنظام الملالي الإسلامي الشيعي، لكنه يتخذ تعبيرات مختلفة في العراق عن لبنان كون الجسد الأساسي للانتفاضة العراقية من المكون الشيعي وقد يعتبره البعض وهو محق بأنه يصيب تلك السلطة في مقتل. أما العقوبات التي تشدد يومياً فإنها تطيح بما تبقى من مقومات صمود نظام الملالي في سعيه المحموم للبقاء في الساحات العراقية والسورية واللبنانية.
يشكل قانون قيصر أيضاً إضافة مهمة أخرى للحصار المفروض على نظام الملالي من ساحته السورية وسيضغط هذا القانون بشدة على الإيرانيين الذين يعانون أصلاً من حصار أمريكي خانق، لكنه سيضيف للحصار الأمريكي هذه المرة حصاراً أوربياً وربما آسيوياً مخافة العقوبات الأمريكية، وقد تشكل جملة العقوبات المشددة أداة ضغط على الأنظمة المتحالفة مع طهران، وخاصة من قبل الشارع المنتفض في جميع تلك العواصم.
يبقى أن نقول أن عملية قتل قائد فيلق القدس- الذراع العسكري الخارجي لإيران-  لا يخرج عن سياق ملاحقة رموز الإجرام في المنطقة وإظهار الأنياب في وجه الملالي للقول لهم بأن الولايات المتحدة جاهزة للعمل العسكري المحدود في حال عدم الانصياع لما تطلبه الولايات المتحدة والمجتمع الدولي ودول الخليج في منطقة الشرق الأوسط. ونحن ندرك جيداً أن السياسة الأمريكية وأوربا من خلفها كانت تفضل العمل السلمي على العسكري مؤخراً، لكن أنظمة شمولية من شاكلة نظام الملالي والنظام السوري لا تخضعه العقوبات فقط بل يحتاج أحياناً إلى ضربة عسكرية مباشرة وفي مواقع محددة لكي يرتدع.
إننا في تيار مواطنة معنيون بشدة بالتطورات التي تشهدها منطقتنا وخاصة من زاوية انعكاسها على الحالة السورية والضغط الذي تفرضه على السلطة الطغمة، كما أننا معنيون تماماً في انعكاسها على تطورات الحراك الشعبي في دول الجوار وفي بعض المناطق السورية في وجه النظام وأدواته كما في المناطق الخارجة عن سلطة النظام، ونشدد على أهمية هكذا حراك في تطوير حراك مدني مناهض لشمولية النظام وأشباهه من الأنظمة. وقد يطول الوقت قبل أن تشهد سورية انتفاضات مختلفة عما شهدته في السنوات السابقة، لكن أملنا أن الحراك القادم سيكون مختلفاً لجهة امتداده الأفقي وشموله الواسع ونوعية المطالب المباشرة والتي قد تعني انقلاباً كاملاً على الوضع الذي كان سائداً خلال العقد المنصرم.

تيار مواطنة
المكتب الإعلامي 13 كانون الثاني 2020

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة