مجزرة التضامن فضيحة جديدة للاستبداد الأسدي…الافتتاحية

تم الكشف في الأسبوع المنصرم عن ما تم تسميته مجزرة حي التضامن التي يعود تاريخها إلى 16 نيسان من عام 2013، وقد أثار نشر المعلومات المرتبطة بهذا الموضوع من قبل صحيفة الغارديان البريطانية، الكثير من النقاشات المكررة في أوساط السوريين، النقاشات التي تعبر عن تعقيدات الوضع السورية التي سرعان ما تطفو على السطح  بسبب حدث ما.و قد كان لافتاً صدور مرسوم جديد للعفو عن الجرائم الإرهابية بعد ثلاثة أيام من نشر قصة مجزرة التضامن دون وجود ارتباط أكيد بين الحدثين.

وقد يعود جزء من الإثارة أو الاهتمام الزائد في التعامل مع الحدث، هذه المرة، إلى الطريقة الخاصة التي تم بها الكشف عن المجزرة، كونها كانت نتاج متابعة باحثَين من مركز الهولوكوست والإبادة في جامعة أمستردام الهولندية، أحدهما كردي- تركي والأخرى سورية بعد عمل لمدة ثلاث سنوات. وفي حين أن تاريخ الثورة شهد الكثير من المجازر والتي كان ضحاياها ربما أكبر عدداً، لكننا هنا أمام حالة جديدة تتميز بتحديد واضح للمجرم  و بعض مساعديه، وربما الأهم من ذلك تحديد الفرع الأمني الذي ينتمي إليه، والأكثر أهمية هو تواصل أحد الباحثَين  بشكل مباشر مع المجرم والحصول على معلومات مباشرة منه، أي أننا هنا لسنا أمام معلومات تقدمها معارضة ما عن نظام وتحمل بالتالي شبهة الانحياز والترويج الإعلامي.

رغم أن عناصر جريمة الحرب متوفرة حيث الضحايا، كما في أغلب المجازر، مدنيون وبينهم نساء وأطفال، ورغم سعي بعض الجهات الحقوقية إلى توصيل المعلومات إلى المدعين العامين في ثلاثة دول تقر بالولاية القضائية العالمية هي ألمانيا وفرنسا وهولندا، فإن النتائج المترتبة على ذلك ستكون على الأغلب محدودة بسبب المناخ الدولي السائد، وأيضاً لأن النظام السوري لا يمكن أن يسلم المجرمين لأي محكمة دولية. لكن بالمقابل هناك أهمية سياسية لمتابعة الموضوع بسبب التحديد الواضح للأشخاص المتورطين وللجهة الأمنية التي يتبعون لها.

وقد شهدت القضية عدة مقاربات أو مقارنات غير موفقة برأينا منها مثلاً التذكير بجرائم داعش أو الفصائل الأخرى، وهي جرائم تستحق بدورها الملاحقة والإحالة على محاكم عادلة، حتى لو كان ضحاياها أقل عدداً من ضحايا مجازر النظام، لكن الخطورة في الجرائم التي يرتكبها النظام، بواسطة أدواته المتنوعة، كونها صادرة عن نظام سياسي معترف به عالمياً، وليس عن ميليشيات لا تمثل كياناً حقوقياً شرعياً، وبعضها مصنف على أنه إرهابي.

ولأن معظم المجرمين من طائفة محددة والضحايا من طائفة أخرى فمن جديد تطل  أيضاً القضية الطائفية كمرجع في نقاشات السوريين عبر وسائل التواصل، إن الإقرار باعتبار الطائفية أحد المرتكزات التي تؤمن للنظام عصبية هامة لتماسكه لا يجب أن يدفع لاعتبار الطائفة العلوية كتلة صلبة وراء النظام وتحميلها مسؤولية المجازر، لأنها ليست كذلك فعلاً، وليس فقط لوجود عناصر من الطوائف الأخرى استخدمها النظام في عمليات القمع والإبادة الجماعية التي يقوم بها، إن تسعير الخطاب الطائفي، المرفوض أصلاً، واعتماده من جديد كأساس في مواجهة النظام لن يخدم أبداً السعي لاستعادة ولملمة سورية المبعثرة لتعود وطناً لكل السوريين على أساس مبدأ المواطنة المتساوية، وبالعكس فإن ترويج الخطاب الطائفي يخدم النظام من جهة وأصحاب المشاريع المتطرفة من جهة أخرى.

من خلال الفيديو المسرب تم حتى الآن التعرف على بعض الضحايا وهم من الفلسطينيين السوريين، ومن المعروف أن المجزرة جرت في حي “التضامن” في دمشق وهذا الحي ملاصق لمخيم اليرموك الفلسطيني، ورغم أن معظم القيادات الفلسطينية انحازت للنظام السوري منذ بدء الثورة السورية، فقد دفع الفلسطينيون من سكان المخيم ثمناً باهظاً في الصراع مع النظام، ومن المؤسف أن بعض السوريين لا يقدرون هذه الحقيقة قدرها، أو يستخدمون أحياناً بعض عبارات الشماتة أو التشفي غير المتناسبة مع عمق وخصوصية العلاقة السورية الفلسطينية تاريخياً.

أخيراً، ورغم أن هذه المجزرة لم تحظ بالاهتمام السياسي الكافي عالمياً، فلابد من الاستفادة من كل مجالات العمل السياسية والحقوقية لإبقاء النظام في موقع المعزول والمحاصر وغير القابل لإعادة التأهيل، ولتحقيق ذلك فإننا بحاجة أولاً إلى تبني الخطاب الذي يقر بسورية المستقبل دولة المواطنة الديموقراطية التي تقر بالحقوق الأساسية لمواطنيها كأفراد وبالحقوق الجماعية لمكوناتها القومية والثقافية، ثم علينا العمل من أجل إقامة جبهة ديموقراطية عريضة تناضل من أجل تحقيق الإنتقال السياسي في سورية.

2 ايار 2022

تيار مواطنة-نواة وطن

مكتب الاعلام

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة