مدنيو سوريا إما وسط الحرب أو أداة لها
مدنيو سوريا
إما وسط الحرب أو أداة لها
تزداد الحرب السورية شراسة، إذ تتعرض منطقة ادلب وريفها وريف حلب الغربي لحرب ضروس يشنها عليها النظام السوري وداعموه، وهي منطقة مكتظة بالسكان، إذ تفيد التقديرات ان عدد سكانها يتجاوز ثلاثة ملايين، بين أهل المنطقة والوافدين اليها عبر التهجير الذي تم مع المصالحات المجحفة، تلك المصالحات التي تمت فرضاً عبر اتفاقات استانة، وعبر الحصار وحرب الأرض المحروقة، والتي كان أحد شروطها التهجير عبر الباصات باتجاه ادلب.
منذ تحول الثورة السورية إلى حرب بدأها النظام ضد شعبه، واستمرت بين النظام والفصائل الإسلامية والتنظيمات الإرهابية، سجلت المأساة السورية أكبر مشكلة نزوح ولجوء منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إذ تجاوز عدد اللاجئين السوريين في بلدان العالم الستة ملايين، بينما يصل عدد النازحين داخل حدود سوريا لسبعة ملايين. يعيش أغلب اللاجئين في دول الجوار في مخيمات تفتقر إلى مقومات الحياة، فهي تفتقر الى التدفئة شتاء، والى المياه الكافية، مما يجعل الحياة فيها صعبة.
في السنين الأخيرة تم اغلاق الحدود مع سوريا بشكل كلي تقريباً، وصار من الصعب جداً الهرب خارج سوريا عبر الحدود، واللجوء الى الدول المجاورة، بما فيها تركيا التي أغلقت حدودها أيضاً، بل وإنها قد أطلقت النار على الهاربين عبر حدودها، وبنت جدار فصل بيتوني لتحمي هذه الحدود، وفي السنة الأخيرة أو ربما السنتين الآخرتين تم إعادة بعض اللاجئين من لبنان ومن تركيا بحجج مختلفة.
النزوح الداخلي كان إما طوعياً، هربا من مناطق القتال وبحثاً عن منطقة عيش أكثر اماناً، أو عبر التهجير القسري والذي تم في العديد من المناطق السورية، إن أكبر تهجير سوري كان باتجاه ادلب، وهكذا اكتظت المنطقة كما ذكرنا سابقاً. وقد أتت الحرب الأخيرة لتخلق موجة نزوح جديدة، ولكن هذه المرة لا مكان للنزوح، فالحدود مغلقة، والمنطقة ضيقة وتضيق أكثر. حوالي المليون ينزحون الآن ضمن منطقة محدودة، يهربون من مكان لآخر، يلتصقون بجدار الفصل التركي بحثاً عن أمان مفقود، ينام الكثيرون منهم في العراء، حتى التظلل بشجرة زيتون يكلف الكثير من الأموال، قد لا يمتلكها معظمهم. كل ذلك وسط ظروف استجابة إغاثية سيئة وغير كافية، فالغلاء يأكل ما يملكون من أموال، ولا وصول للمنظمات الدولية والاممية، ولمنظمات المجتمع المدني إليهم، في ظروف صحية وحياتية سيئة، وفي وسط طقس الشتاء البارد. يتكرر هربهم ونزوحهم أكثر من مرة ومن مكان لآخر، فهم لا يستطيعون تحديد أي المناطق ستكون بمنجاة من الحرب، وأيها ستكون التالية وستغزوها الطائرات لتقصفها.
في ظل إصرار النظام على استعادة كامل التراب السوري، واصراره مرحلياً على فتح الطرق الدولية م٤ , م٥، وكعادته وعدم اهتمامه بمصلحة شعبه وبالمدنيين، وبحربه الشعواء الممنهجة ضد المناطق التي تخرج عن سيطرته، فقد شن حربه الأخيرة والتي أدت لموجة النزوح هذه. ولكن في الأسبوع الأخير بدأت تختلف الأمور على الأرض، فقد قرر الأتراك الرد، بعد أن شعروا أن الروس قد خدعوهم في استانة، وأن الأمور بدأت تخرج عن السيطرة وستخرجهم خاليي الوفاض، فأعلنوا عملية “درع الربيع” العسكرية ضد النظام السوري بقيادتهم واشتراك الفصائل العسكرية السورية المعارضة، طالبين من الروس والإيرانيين الابتعاد عن طريقهم والوقوف جانباً، كما طلبوا الدعم من حلف الناتو.
استطاع الأتراك في مدة قصيرة إصابة النظام السوري بخسائر نوعية، فأسقطوا له طائرتي سوخوي، كما حدّوا من قدرته على استخدام الطيران، وأصبحت الحرب بين كر وفر على الأرض وبالقوات البرية، فهل انعكس ذلك على المدنيين وخفف عنهم ويلات الحرب؟
حتى الآن لم ينعكس الرد التركي بشكل إيجابي على المدنيين، فمازالت الحدود مغلقة، ومازالوا عالقين وسط ساحة الحرب، ينزحون من مكان لآخر، في ظروف سيئة، وإن يكن هذا الرد قد احيا فيهم الأمل بعودة -قد تكون ممكنة- الى أماكن سكناهم التي نزحوا عنها مؤخراً نتيجة تقدم قوات النظام.
في مقلب آخر، وكضغط من تركيا على اوربا وحلف الناتو، أعلن اردوغان أنه سيفتح حدوده للاجئين باتجاه اوربا، ونقل الراغبين بالباصات الى الحدود، ليلقي بهم هناك، في حين أبقت اليونان حدودها مغلقة بوجههم، أصبحوا أيضاً في العراء بدون أي رعاية، يحاولون خرق الحدود ويواجهون حرسها، فيطلق عليهم الحرس غازات مسيلة للدموع حيناً، والرصاص أحياناً، وقد سقط أول الضحايا بالرصاص وهو لاجئ سوري.
القرار الأوربي بدعم اليونان وعدم فتح الحدود واضح واكيد، وقد أعلنه العديد من الزعماء الاوربيين، فاوربا لا تستطيع تحمل موجة لجوء جديدة كالتي حصلت عام ٢٠١٥، فموجة اللجوء الأخيرة جعلت اليمين الشعبي يتصاعد فيها، مما هدد ديمقراطيتها، وبالتالي هي تقع بين خيارين صعبين، إما الالتزام بالقيم الإنسانية التي انتجتها الإنسانية عبر العصور، وكرستها في اتفاقات دولية، ولطالما نادت بها الدول الاوربية، وهذا ما قد يجعل هذه الدول تواجه تصاعد اليمين، الذي يهدد أسسها الديمقراطية التي قامت عليها خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية، أو حماية ديمقراطيتها بإدارة الظهر للقيم الإنسانية، وترك اللاجئين على الحدود ومنعم من الدخول، ويبدو أنها قد حسمت خيارها باتجاه الخيار الثاني، وإن تكن تسعى لتخفيف الضغط عليها بعدة طرق، فقد تعود لدفع الأموال التي تم الاتفاق عليها مع تركيا في الاتفاقية الأخيرة بينهما والتي تقضي بأن تقوم تركيا من منع اللاجئين بالتوجه لاوربا وتقدم اوربا دعما مالياً لتركيا لإعانتها على استيعابهم، أو تقوم بالضغط على روسيا لتضغط على النظام السوري لوقف الحرب والاتجاه للحل السياسي، مما يخفف الضغط على تركيا التي لا تستطيع أيضاً موجة لجوء جديدة.
نحن في تيار مواطنة طالما طالبنا بتدخل اممي لحماية المدنيين، وتجنيبهم ويلات الحرب، وضمان بقاءهم في مدنهم وقراهم، وضمان أمنهم، وضمان منع من يسيطر على المنطقة من خلال الحرب- وأهمهم النظام السوري- من الانتقام من المدنيين واعتقالهم، والجدير هنا التذكير بالمعتقلين في درعا الذين قضوا تحت التعذيب بعد أن قاموا بتوقيع المصالحات. هذا الطلب الذي وجدت الآن الدول الاوربية أهميته بعد أن هددت موجات اللجوء أمنها المجتمعي، والذي تنادي فيه هذه الدول عبر تصريحات زعمائها، ولكن دون جدوى حتى الآن.
ما زال مدنيي سوريا وسط حرب طاحنة، يدفعون فيها الثمن الأكبر دون أية حماية، وأصبحوا أيضا احدى ادواتها، فصاروا ورقة ضغط وتهديد، للحصول على التنازلات السياسية أو المساعدات المالية، ونحن في تيار مواطنة مازلنا نؤكد أن حماية المدنيين لا يمكن أن تكون إلا عبر حماية دولية وأممية لهم. وذلك لتحييدهم وضمان أمنهم وتأمين شروط الحد الادنى لحياة لائقة بهم.
تيار مواطنة – مكتب الاعلام
٣-٣-٢٠٢٠