القمة الروسية – التركية
القمة الروسية – التركية
ماذا كان يؤّمل من هذه القمة أكثر مما جاء فيها؟!
انتهت في الخامس من شهر آذار الجاري قمة جمعت كلاً من الرئيسين الروسي بوتين والتركي أردوغان، جاءت هذه القمة بعد مقتل 33جندي تركي في إدلب نتيجة قصف قوات النظام السوري الذي استهدف مناطق المعارضة واستمر اللقاء أكثر من 6 ساعات متواصلة لمناقشة المسألة ومصير إدلب.
لم تضف هذ القمة جديدا بالنسبة للسوريين, على الرغم من أن كثير منهم كانوا يتطلعون إلى نتائجها بترقب, ولاسيما بعد عمليات عسكرية تركية نوعية ضد قوات النظام السوري رداً على مقتل الجنود الأتراك، وكان من أهم نتائجها ”إعلان وقف العمليات العسكرية” دون أن يكلل هذا الإعلان -كما كان قد توّعد أردوغان- بعودة قوات النظام إلى خطوط سوتشي، فما حدث واقعياً هو تثبيت تواجد السلطة في المناطق التي خسرتها المعارضة مؤخراً, بعد العملية العسكرية المشتركة الروسية – السلطوية على ريف إدلب في كانون الأول، يضاف إلى ذلك إقرار القمة بإنشاء ممر آمن في مساحات محددة على جانبي طريق M4 بعمق 6كم وبدء تسيير دوريات مشتركة روسية – تركية على الطريق M4 اعتبار من 15 آذار الجاري، مع تأكيد الاستمرار بـ”محاربة الإرهاب” .
لاشك أن إعلان وقف العمليات العسكرية يشكل أمراً مهماً بالنسبة لسكان إدلب ومدنييها المنكوبين، ويعدُّ متنفساً ضيقاً لهم ولاسيما بعد اضطرار ما يقارب مليون سوري للنزوح شمالاً نحو الحدود التركية تحت وطأة القصف، حيث راهن الكثيرون على المستوى الشعبي على هذه القمة, ولاسيما بعد تهديد ووعيد أردوغان المعلن بالزام النظام على العودة الى حدود سوتشي (ما وراء نقاط المراقبة التركية)، حتى أنه كان قد حدد موعداً لهذا الرجوع وهو نهاية شباط، وبهذا المعنى أحدثت نتائج القمة صدمةً حقيقيةً لجمهور كبير في الشمال السوري خاصة النازحين والمهجرين الجدد منهم, وهم الذين راهنوا على العودة إلى بيوتهم وممتلكاتهم قبل أن تسارع مليشيا النظام إلى تعفيشها وانتهاكها كعادتها، ولكن تلك الامال قد تعذّر حصولها.
و يبقى السؤال أيضاً عن مدى قدرة هذا الاتفاق/التفاهم على الصمود لوقت طويل, ولاسيما أن ما سمي بمناطق “خفض التصعيد“ وفق تفاهمات أستانة قد انتهت جميعها من خلال سياسة القضم المتتالي التي اتبعها النظام والروس على معظم المناطق والتي سلبت من المعارضة معظم أوراقها، الأمر الذي لا يستبعد استمرار حصوله لبقية مناطق إدلب في وقت لاحق وربما ليس ببعيد.
ولكن مع بدء تنفيذ “وقف العمليات العسكرية” استمرَّ الأتراك باستقدام المزيد من التعزيزات العسكرية إلى إدلب وإلى خطوط التماس، وكذلك الأمر بالنسبة إلى قوات النظام السوري، الأمر الذي يثير التساؤلات عن مصير هذا الاتفاق وهذه التعزيزات ولاسيما التركية منها، وعن مصير نقاط المراقبة التركية ودورها وتحديداً في المرحلة القريبة القادمة.
هذه القمة الروسية–التركية والتي كان قد دعا إليها الأتراك بعد تفاقم الأزمة الإنسانية في إدلب وتصاعد العمليات العسكرية الشهر الماضي، والتي تردد الروس لعقدها, كما نوه وزير خارجيتها ”سيرغي لافروف قبيلها ”بأنها لن تتم لأن الرئيس ”فلاديمير بوتين“ منشغل باجتماعات أخرى، ولكنها عقدت على أي حال، وحضرها الأتراك بأوراق سياسية ضعيفة، سواء على الأرض أو بسبب غياب دعم الناتو الصريح، فعلى الأرض تتالت خسارات المعارضة السورية وتقزّمت مناطق سيطرتها، كما أن الأتراك الضامنين وفق ”سوتشي“ على إنهاء الفصائل المتطرفة المتمثلة بجبهة النصرة والمسماة اليوم هيئة تحرير الشام لم يحققوا هذا الشرط، مما عزّز ذرائع النظام وحجج الروس في العمليات العسكرية بريف إدلب وريف حلب الجنوبي، أما على الصعيد الدولي فتعذر الدعم الحقيقي من حلف الناتو وحظيت نشاطات الترك بدعم معنوي فقط إذ صرّح الناتو أن “تركيا موجودة في سوريا من دون موافقته“، كما ترافق ذلك بتوتر العلاقة مع أوروبا إثر عملية فتح الحدود للاجئين بالعبور إليها، في ابتزاز رخيص ومسعى بائس لدعم الموقف التركي وهو الأمر الذي تكلل بالفشل هذه المرة، يضاف لها الموقف الأمريكي الرخو، كما لا يمكن نكران دور المعارضة التركية الداخلية للسياسة الأردوغانية في سوريا والعملية العسكرية.
وبناء على ذلك، ماذا كان يؤّمل من هذه القمة أكثر مما جاء منها؟
بالواقع لم تعرف خفايا الاتفاق الروسي – التركي والذي كان قد كتب باللغات التركية والروسية والإنكليزية، دون العربية، فجاء بمثابة تفاهم بين بلدين عن بلد ثالث لا علاقة له بالأمر سواء أكان النظام أم المعارضة، والتي تلقت مخرجاتها كغيرها من الدول والحكومات, في إعلان مقتضب لوزيري الخارجية التركي والروسي، بينما قام بوتن بتبليغ رأس السلطة هاتفياً بمخرجاته، هذه التفاهمات التي أعاقت الولايات المتحدة صدور بيان في الأمم المتحدة لدعمها والاعتراف بها كاتفاق, والتصريح أن “الوقت ما زال مبكرا لذلك“، مما يعكس أن ثمة بنوداً خفية لم تعلن، وأن أمريكا –التي لن تسمح أن ينتصر الروس في سوريا– ستعيق أي تقارب روسي/تركي، هذا التقارب الذي ثابر على إضعاف الدور التركي في سوريا وحتى في حلف الناتو، حيث يمكن للدور الامريكي والغربي أن يجعل طموحات بوتين -الراغبة في بسط سلطته على إدلب- لقمة غير سائغة وأكثر تعقيداً مما هو متوقع، فالمحور الأمريكي الأوربي لا يريد على المدى المتوسط للروس والسلطة أن يبسطا سلطته على إدلب لأنه يبتغي عودة الجميع إلى طاولة الحوار في جنيف، الامر الذي ترفضه كلا من السلطة – الطغمة والروس.
لقد بدأت مرحلة وقف إطلاق النار، ومن المؤكد أنها لن تستمر، وها هو الواقع يثبت ذلك حيث شهدت المنطقة خلال اليومين الفائتين وقف الطلعات الجوية فقط مع استمرار القصف المدفعي، واستمرار التحشيد من الطرفين.
أما عن تجنيب إدلب المزيد من المجازر والتهجير بالأيام القادمة فسيكون ذلك مقروناً بفاعلية تركيا وجديتها في القضاء على هيئة تحرير الشام –الأمر المستبعد والذي تنصلت منه على مدار عام كامل- ومدى اندراجها بسياسة الناتو ومقدار تفاهمها مع الامريكان. وإلى ذلك الحين وعلى المدى البعيد سيظل مصير إدلب وريف حلب الجنوبي على حافة البركان، بانتظار أن ينقض عليها الروس والنظام أو أن نشهد دفعاً في العملية السياسية المتوقفة منذ أشهر، الأمر الذي قد يفرض شروطاً وتوازنات سياسية جديدة.
تيار مواطنة – مكتب الاعلام
١٠-٣-٢٠٢٠