الشعب السوري في ظل أزمة الكورونا
تحولت الكورونا الى جائحة عالمية بعد أن كانت وباءً، فقد انتشرت في أكثر من ١٦٥ دولة وتجاوز عدد المصابين حول العالم عتبة الأربعمائة ألف وتوفي بسببها أكثر من سبعة عشر الفاً حتى ساعة كتابة هذه الافتتاحية. ولكن بقيت دولاً عديدة لا تعلن عن الإصابات لديها ومنها كانت سوريا.
أعلن النظام أخيرا عن إصابة كورونا واحدة لديه لفتاة عائدة للبلد، وذلك بعد انكار طويل الأمد والإصرار ان لا إصابات في سوريا، وبعد أن أعلن وزير صحته في مقابلة تلفزيونية أن الجيش السوري قد طهر البلاد من الجراثيم، مشبهاً الشعب السوري المعارض بالجراثيم كما فعل رأس نظامه في بداية الحراك السوري، ومتجاهلاً قلق السوريين والعالم بأسره حول الأوضاع الصحية في سوريا وإمكانية انتشار المرض فيها.
كان النظام السوري وقبل أن يعلن عن الإصابة قد قام حقيقة ببعض الإجراءات الاحترازية، والتي هي على سبيل المثال إغلاق المدارس وتخفيف عدد العاملين في الدوائر الرسمية وأماكن العمل، وإغلاق الأسواق عدا محلات بيع الأطعمة والأدوية، فهل كان يعرف أن هناك إصابات في سوريا وينكرها؟ خصوصا أنه قد انتشرت إشاعات تفيد أن العديدين في سوريا قد توفوا بسبب إنتانات والتهابات رئوية، ولكن ذلك لم يشخص كورونا. وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية أكثر من مرة عن قلقها من دقة المعلومات التي تصلها من الشرق الأوسط، وأن بعض الأنظمة هناك لا تبلغ المنظمة بأي معلومات وطبعاً دون أن تسمي سوريا بالذات، فالأمر لا ينطبق على سوريا فقط، فهو حتماً ينطبق على كل الدول التي تعاني حروبا داخلية كاليمن وليبيا مثلاً، كما وينطبق على الكثير من حكومات المنطقة، الدكتاتورية منها والتي تفتقد للشفافية. لكن وبسبب غياب الشفافية لدى النظام السوري، وبسبب تعامله الدائم مع هذه الحالات من زاوية أمنية وليس من الزاوية الصحية، لا يستطيع الانسان الجزم، إن كان عدم الإعلان هذا نتيجة لكذب النظام السوري المعروف، أو نتيجة لنقص المواد اللازمة للفحص وتشخيص المرض، وكلتا الحالتين مصيبة فعلاً.
بعد أن أعلن عن الإصابة الوحيدة اليتيمة، قام النظام السوري بإجراءات حظر أشد، منها على سبيل المثال وقف المواصلات العامة بين المدن أو داخلها، والتعقيم في الاحياء، مما يوحي أن المخاوف أكبر فعلاً من إصابة وحيدة، وأن احتمال انتشار المرض قائماً.
لم يكن الوضع أحسن حالاً في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، اذ طالما أكدت الجهات المعنية فيها خلوها من الإصابات، على الرغم من إعلان دول الجوار لإصابات لديها، مما يفترض منطقياً وجود إصابات فيها أيضاً، واستمرت الحياة فيها بشكل عادي جداً، فقد رأينا المظاهرات والندوات التي أقيمت في ذكرى الثورة والتي كان فيها اجتماعات ممكن أن تكون بؤرة لنشر المرض. كانت منظمة الصحة العالمية قد أعلنت أن لا وصول لديها لإدلب ومحيطها، وأنها لا تستطيع التعامل معها لأنها ليست دولة وهي تتعامل مع دول، وأن على تركيا أن تقوم بفحص العينات وتشخيص الحالات – وقد عادت مؤخراً عن قرارها هذا وأعلنت انها ستقوم بإرسال مواد الفحص لإدلب-، منذ أيام أرسلت عينة مشكوك بها، وحتى وقت كتابة هذا النص لم نعرف أن رداً قد أتى لينفي أو يؤكد وجود إصابة.
في ظل الوضع الحالي للشعب السوري، فأكثر من نصفه نازح أو لاجئ، وأغلبه تحت خط الفقر، ويعيش الكثيرون منه في خيم، وفي اكتظاظ سكاني رهيب، كما الحال في ادلب وريفها، كيف يمكن الحفاظ على شروط النظافة والصحة؟ فشروط الوقاية تتطلب تباعد اجتماعي لا يستطعه من لا يملك بيتاً، أو من يسكن الخيام، وقد انتشرت صور الأطفال الذين يحملون لافتةً تقول، “أتمنى لو استطيع أن ابقى في البيت“، كما تتطلب نظافة تحتاج لحمامات نظيفة ولمياه نظيفة وهو ما لا تملكه المخيمات على سبيل المثال، وتتطلب قدرة على الرعاية الصحية، وهو ما لا تملكه قطعاً المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، بسبب قيام هذا الأخير بقصف المشافي فيها، ولكن المناطق التي تخضع لسيطرته او لسيطرة قوات قسد أيضاً لا تملكه بشكلٍ كافٍ ايضاً، ويبقى أن التباعد والحجر الصحي سيتطلب توقف الاعمال، وفي ظل أن اغلب الشعب السوري يقبع تحت خط الفقر، فهو لن يكون قادراً على تغطية تكاليف الحياة إن توقف عن العمل، وهو بهذا لن يلتزم بالحجر الصحي وسيغادر لأعماله، لان هذا الحجر سيجعله يموت جوعاً.
صرحت منظمة الصحة العالمية مؤخراً عن قلقها من انتشار الوباء في سوريا، وأن سوريا ستكون بؤرة انتشار سيئة في حال حصول ذلك، فسوريا كم ذكرنا تعاني من حرب افقرت شعبها، وتعاني من نقص شديد في البنية التحتية الطبية اما بسبب الحرب او بسب الفساد، ولكن حتى الآن لم يتخذ العالم أي إجراءات تساعد الشعب السوري في مواجهة هذا الوباء. إن أهم الدروس التي يجب أن تتعلمها البشرية من هذا الوباء هو أن لا نجاة فردية أو على مستوى الدول، وأن النجاة من هذه الجائحة لن تكون الا على مستوى العالم قاطبة، وعليه فإن المجتمع الدولي ومؤسساته تحمل مسؤولية تجاه العالم وليس اتجاه الشعب السوري فقط، في مساعدته بمواجهة هذا الوباء، عبر تأمين المساعدات الطبية اللازمة، وعبر الاشراف على توزيع إغاثة تصل لمستحقيها فعلا، تساعدهم على تطبيق الحجر الصحي.
يبقى الموضوع الأكثر إيلاماً في الوضع السوري هو موضوع المعتقلين والمغيبين قسرياً والمخطوفين، إذ يعيشون في اكتظاظ رهيب وضمن ظروف صحية سيئة، ولا يتمتعون بالمناعة الكافية لمقاومة الامراض، إذ طالما قضى الكثيرون منهم نحبهم في السجون السورية نتيجة الامراض وشروط الحياة السيئة إضافة للتعذيب، مما يجعل السجون في سوريا البؤرة الأكبر لانتشار المرض. وإن يكن النظام السوري قد أعلن مؤخراً عن عفو قضائي، وأطلق ايضاً بعض المعتقلين السياسين من السجون السورية، ولكن ذلك غير كاف، ونحن لا نعرف حقيقة الوضع الصحي للمفرج عنهم، إذ قد يقبع بعضهم تحت الإقامة الجبرية التي لم نستطع معرفة أسبابها وهل هي إقامة اجبارية لاستمرار اعتقالهم في بيوتهم، أم حجر منزلي صحي، وإن كان صحيحا أو لا. إن هذه الخطوة غير كافية، ويجب إطلاق كل المعتقلين والتصريح عن مصير المغيبين قسرياً، والسماح للمنظمات الدولية للوصول الى كافة مناطق الاعتقال، المعلن عنها في السجون، أو المخفية ضمن الفروع الأمنية ومراكز الاعتقال غير النظامية.
إن السجون لدى الأطراف الأخرى ليست أفضل حالاً، وهي تعاني نفس الظروف من الاكتظاظ والشروط الصحية السيئة، ولا يمكن الوصول اليها ايضاً الا ما ندر، وهذا يجعل كل المعتقلين والمخطوفين والمغيبين قسريا في خطر.
نحن في تيار مواطنة نطالب المجتمع الدولي ومؤسساته وعلى رأسها الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، إيلاء الشعب السوري الاهتمام اللازم لمساعدته على تجنب انفجار انتشار الوباء، وتقديم المساعدات اللازمة الطبية أو الإغاثية. كما نطالب بالضغط لإيقاف الحرب، والإفراج عن كل المعتقلين والمخطوفين والمغيبين قسرياً عند الجميع وخصوصاً النظام السوري، الذي يعتقل أكبر الاعداد. فالبشرية في مواجهة الأوبئة لن تنجو إلا معاً.
تيار مواطنة – مكتب الاعلام
٢٥-٣-٢٠٢٠