الكورونا… هل نحن بحاجة لثقافة عالمية مختلفة؟!
ليس الغرض من هذه المادة نقاش مخاطر كورونا ولا المعلومات الطبية المتعلقة بهذا الفيروس، بل إلقاء الضوء على ظاهرتي التعامل العقلاني والتعامل الماورائي أو الشوفيني مع هذه الظاهرة.
ورغم أن جميع العقائد الدينية تحض على التداوي وترفع من قيمة الأطباء (الحكماء) في المجتمع، نجد أن كثير من الخرافة المرتبطة بالدين (أي دين) تعزو أسباب هذه الأوبئة والأمراض للابتلاء والمعصية والبعد عن الدين القويم. وتتعمق المصيبة عندما تصبح هذه الخرافات مرتبطة بشخصيات سياسية أو نافذة أو صاحبة الكلمة العليا في الدول والمجتمعات لتحل الخرافة محل العلم والطب ولتصبح كلمات هؤلاء “القادة“ مرجعية شعبية عامة، لا تنزل كلمتهم إلى الأرض. وليصبح العلم الوضعي بما فيه من حقائق دامغة حول الأمراض والأوبئة محط سخرية هذه العقائد.
ولسنا بحاجة هنا إلى إيراد مئات الشواهد على التعامل الوظيفي مع وباء كورونا المستجد من قبل عشرات الأئمة والسياسيين والزعماء، بل سنقتصر على إيراد بضعة شواهد من رموز دينية/سياسية مع هذا الوباء وتوظيفه لخدمة سياسات بعينها تتعلق بالدعوة الدينية الخالصة, كما جاء على لسان إمام الحرم المكي السابق ” عادل الكلباني“ في تغريدة مقتضبة قال فيها عن فيروس كورونا الجديد أو كوفيد-19 “إن هو إلا نذير“.. وإذا قبلنا أن الدعوة إلى الدين مقبولة عموماً، فهل نقبلها الآن كطريقة لمواجهة الجائحة..! ولا تقف الأمور هنا فلنتابع المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإمام ”علي خامنئي“ بقوله: “الأميركيون متهمون بصنع ونشر فيروس كورونا، ولذلك لا يمكن الوثوق بهم“. والرسالة هنا واضحة وتحمل وجهين؛ الأول أن الفيروس صناعة بشرية، مع ما تضمر هذه النظرية من تحميل مسؤولية مواجهة الكارثة للصانع وحده والاكتفاء بانتظار الصانع ليحل المشكلة، والثاني تحويل الآخر إلى شيطان وبالتالي تقسيم العالم إلى فئتين من الأخيار والأشرار، لا يمكن أن يعملا مع بعض في مواجهة هذه الجائحة.
ولا يبتعد دعاة القومية الشوفينية كثيراً في مقاربتهم لجائحة كورونا وأمثالها من الكوارث التي تحل بالإنسانية بشكل واسع. وتبقى مقاربتهم محصورة في ثنائية التفوق/الدونية والشيطان/الملاك، وبالتالي محاولة إخفاء أسباب الجائحة الحقيقة وأعداد المصابين والتظاهر بأن هذه البلدان خارج النسق العالمي/الإنساني ومن ثم إغلاق الجغرافية على هذا العنصر المتفوق أمام دخول الوباء من بلدان أخرى تمثل الشيطان. ويمكن هنا إيراد الكثير من الأمثلة لتعامل دول مثل الصين وسوريا وكوريا الشمالية وإلى حد ما روسيا مع جائحة كورونا.
وإذا كان هذا حال “علية القوم“ وهم غالباً الأكثر وعياً في مجتمعاتهم فما هو الحال مع “الرعية“ مع سيادة نسق الأفكار الشعبوية والمؤامرة والحماية الإلهية لفئة دينية أو عرقية بعينها!؟ قطعاً، سنواجه هذا الزحام في المساجد والكنائس وغيرها من أماكن الاجتماع من قبل تلك الجماهير التي تمتلك من اليقين ما يفوق قادتها بالرعاية الألهية أو العرقية بمواجهة الأوبئة فتذهب إلى المساجد كما في إدلب والنجف وقم كأمثلة مثبتة بالصور والأفلام.
ولا نبالغ إن قلنا أن من أهم عوامل انتشار الفيروس الحالي في العالم هو طريق التعامل الخاطئة للدولة الصينية ومن ثم إيران مع بداية انتشار الفيروس قبل تحوله إلى جائحة. كما لا حاجة هنا للتذكير الآن أن دولاً كسوريا والعراق واليمن وليبيا في تكتمها على المعلومات– سواء عن قصد أو عن جهل– وفي عدم توفير مستلزمات مواجهة الجائحة لعموم الشعب وللمعرضين أكثر من غيرهم للإصابة كالمعتقلين والسجناء والنازحين في المخيمات إنما تحضّر هذه البلدان لتكون بؤراً دائمة لانفجار الوباء ومستعصية على العلاج.
قد يتناسى بعض الأنظمة سالفة الذكر أن مكافحة الأوبئة والأمراض ومنذ نهاية الحرب الكونية الثانية صارت مشكلة إنسانية عامة، وأن جميع مراكز الأبحاث الكبرى منها والصغرى تحاول مع دولها– خاصة العظمى منها– تشكيل بنك معلومات دولي، الغرض منه جمع البيانات والمعلومات والإحصائيات الكاملة وطرق انتشار وعلاج هذه الأمراض والأوبئة، خاصة وأن تحول العالم إلى قرية عالمية كبيرة بفضل ثورة المواصلات والاتصالات والأعمال والمصالح قد حول هذا التعاون إلى مطالب إنسانية مشتركة لا تقف أمامها حواجز جمركية أو قومية أو لغوية أو دينية للحد من انتشار الجائحات والأوبئة. وقد يكون من المستغرب أن دولاً مثل الصين مسؤولة عن ربع التلوث العالمي ولا تساهم بأكثر من 2% في صناديق الأمم المتحدة لمكافحة الأمراض والتصحر ومشكلات التلوث والبيئة والتي بمجموعها قد تكون من أسباب بعض الأمراض والأوبئة على المستوى العالمي.
وقد يكون من المفيد التشديد على المطالب الإنسانية العامة والتي أثبتت جميع الدراسات المثبتة ضرورة توفرها على المستوى الدولي، وبالتالي ضرورة إجبار الدول التي ترفض الانصياع لهذه الإجراءات والتدابير من خلال الأمم المتحدة ومنظماتها الدولية المعنية بقضايا حقوق الإنسان والصحة وحقوق الملكية وبشكل خاص منظمة الصحة العالمية، وقد يكون من الضروري وضع منظومة الأمم المتحدة وهيئاتها الآن تحت المجهر والمطالبة بتغيير أهم منظماتها “مجلس الأمن الدولي“ الذي يشكل أكبر حاجز أمام التطور نحو أنسنة وعدالة القضايا الدولية بمنحه حصانة للدول المارقة كسوريا وكوريا الشمالية وغيرها تحت مسميات السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وغيرها من القضايا التي تمنح دولة عظمى كالاتحاد الروسي باستخدام الفيتو تعطيل العالم لعقود عن حل المشكلات الدولية تحت تلك اليافطات المعادية للإنسانية. ونحن إذ نشدد هنا بالأخص على ضرورة تقيّد الدول العظمى كالولايات المتحدة والصين للالتزام بهذه الاتفاقيات التي تلزم “الدول“ المارقة وغيرها من الدول المستفيدة من النظام الدولي البالي، ناتج ما بعد الحرب الكونية الثانية، فإننا نعتقد بأن هذا النظام الجديد يجب أن يحقق:
– مشاعية المعلومات والإحصائيات وطرق العلاج لجميع الأمراض والأوبئة حال توفرها. وإيداعها لدى منظمة الصحة العالمية كجهة صاحبة الاختصاص.
– مشاعية الصناعات الدوائية والعلاجية ومتتماتها، وإلغاء حقوق الملكية الفكرية في هذا المجال.
– دعم قطاعات الصناعة الطبية من خلال صندوق خاص من الأمم المتحدة لتوفير الدواء الناجع والرخيص لكل شعوب العالم.
– وأخيراً، إلزام الدول المارقة من خلال حزمة عقوبات أممية تلزمها بالانصياع لتلك المعايير والإجراءات، دون أن تجد سنداً من فيتو روسي أو صيني أو أمريكي ليسندها.
نحن في تيار مواطنة نشدد على أن هذه الأوبئة والأمراض هي مجال العلوم الطبية ومتعلقاتها وليست من شأن الخرافة أو العصبيات القومية والوطنية. ومثل جميع القضايا الإنسانية، قد يكون من المفيد للبشرية جمعاء إبعادها عن التأثيرات الضارة للسياسات الشعبوية والعنصرية بكل أشكالها. من هنا لا بد من جهة دولية، تملك جميع مقومات البحث والتقصي والابتكار وقوة الفرض على المستوى الدولي لتنفيذ هذه الإجراءات والخطط العامة ولجميع دول العالم، فصحة أي مواطن على الكرة الأرضية لم تعد شأناً قومياً أو دينياً بهذا المعنى، بل هي قضية إنسانية عامة وتهم جميع الشعوب والدول.
السلامة والصحة لشعوب العالم، والسلامة والصحة والحرية لشعبنا السوري!
تحية من القلب للكادر الطبي ولكل من يساعدهم في كل دول العالم على الجهود المضنية التي يبذلونها لإنقاذنا!
تيار مواطنة – مكتب الإعلام
31 آذار/ مارس 2020