التغيير المنشود بين الحقائق والإشاعة
تمثل الإشاعة في زمن الأزمات واحدة من أهم مصادر المعلومات الزائفة، لأنها مبنية أساساً على وقائع إما متخيلة أو مزعومة، بحيث يكون أساس هذه الوقائع افتراضات ما يجب أن يكون أو ما يريده مطلق الإشاعة أن يكون وفي أحسن الأحوال يمكن أن يكون تحليلاً رديئاً للوضع القائم ألبسه مطلقه صفة الواقعة التي حدثت بالفعل. وفي كل الأحوال لا تعدو الإشاعة أن تكون خبراً كاذباً في معظمه وإن صحّ قسم منه فللصدفة فيه النصيب الأكبر. ولا يختلف اثنان على أن التكتم الشديد والسياسات المغلقة وحصر المعلومات بين جدران الدول واستخباراتها هي أهم أسباب إطلاق الشائعات، ولا يقل السبب الثاني أهمية عن الأول عندما تعمد الحكومات والسلطات وأجهزتها الأمنية إلى إطلاق شائعات بعينها، غالباً ما يكون الغرض منها تفتيت صفوف المعارضة أو تمرير سياسة حكومية.
في هذه المرحلة من انعدام المعلومات الموثوقة عن سياسات الدول الكبرى ودول الجوار السوري كثرت الشائعات عن نهاية رأس السلطة على يد حلفائه الروس وبعض رموز نظامه الأمنيين، وتصور هذه الشائعات أن اتصالات بعض شخصيات المعارضة هي السبب الأساس في اقتناع إسرائيل وروسيا بضرورة استبدال رأس السلطة. ويجب أن يصدق الجمهور أيضاً أن إسرائيل وروسيا لا تملكان بما يكفي من المعلومات عن سلوك السلطة وإخفائها جزءاً من ترسانتها الكيماوية وقصفها المتكرر لمواقع المعارضة بتلك الأسلحة وبأنهما- أي الدولتين- بحاجة لمن يقنعهما بأن الأسد أصل الشرور وبأن الحل السياسي الذي يفضي لانتقال سياسي هو أفضل الحلول لسوريا وللمنطقة وللعالم أجمع.
كما ينسى مطلقو هذه الشائعة من مدراء مكاتب أبحاث وبعض شخوص المعارضة أن الولايات المتحدة قد أصدرت حكمها بضرورة الانتقال السياسي في سوريا، منذ اليوم الأول للانتفاضة/ الثورة وقد ينسون أيضاً ما ينتظره النظام وحلفاؤه في حزيران المقبل مع بدء تطبيق قانون قيصر، ويعزون الضغوطات التي بدأت ملامحها بالظهور- مع نقص المعلومات المؤكدة عن تحركات الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين- إلى “خبريات” فلان وعلان للإسرائيليين، وكأن إسرائيل كانت بانتظار خبرياتهم لتقصف كل يوم تقريباً وتغتال قادة حزب الله والحشد الشعبي والحرس الثوري في سوريا ولبنان وحتى في العراق.
وما يزيد في الطين بلّة التكتم التركي- الروسي الشديد حيال التفاهمات التي اتفق الجانبان حولها في قمة اسطنبول الأخيرة والتي قد تعني تثبيت وقف إطلاق النار في إدلب وفتح طريقي إم 4 وإم 5 وتسيير دوريات مشتركة وحل جبهة النصرة والحزب التركستاني وتنظيم حراس الدين، والضغط الكبير الذي تواجهه حكومة أردوغان للعودة إلى مسار جنيف بما تمثله هذه العودة من التخلي عن مسار أستانة- سوتشي والعودة للجهود الدولية بقيادة الولايات المتحدة. بالرغم من هذا التكتم، يكفي ما تسرب من مسؤولين أتراك وروس وغربيين للقول بان العودة إلى جنيف باتت مسألة وقت، وقد يكون كوفيد-19 السبب في تأخر انطلاق اللجنة الدستورية ثانية في 23 آذار/ مارس الفائت في جنيف.
وقد يكون من المفيد التأكيد على أن الضغط الإسرائيلي على الروس من أجل إخراج إيران من سوريا مسألة لا يجب أن تخضع لمنطق الإشاعات والتنبؤات والتخمينات، فالقصف والاغتيالات تجري يومياً أمام أعيننا. وقد يكون من الباعث على السخرية استعمال تعبير “ماس كهربائي” الذي أطلقه النظام على أسباب الانفجارات والحرائق إثر عمليات استهداف المواقع التابعة لإيران في سورية منذ ما يزيد عن أربع سنوات. وإسرائيل التي تريد تحجيم الدور الإيراني في سوريا والمنطقة تدرك جيداً أن هذا الدور سيبقى تهديداً جدياً لأمنها في المنطقة ما لم تحجمه وتقطع عليه الطريق من طهران إلى بيروت مروراً ببغداد ومشق.
مرة أخرى، ينسى مطلقو الإشاعات أن تقرير لجنة التحقيق في القصف الذي طال مناطق المعارضة -اللطامنة 25-27-28 آذار 2017- قد خرج إلى النور رغم أنف الروس والسلطة والإيرانيين وأن هذا التقرير لا يأخذ بخبريات من أي طرف بل من وقائع جمعتها هذه اللجنة وقدمتها للأمم المتحدة وأقرّت المسؤولية الجرمية للسّلطة- الطّغمة، ومرة أخرى تحاول روسيا التّشكيك في صحة الإجراء الأممي برمته، بدءاً من تشكيل اللّجنة إلى آليات جمع العينات مروراً بعضويتها.. الخ فهل خبرياتكم يا “سادة الشائعات” هي الأصل الذي أدى إلى سعي غربي محموم للوصول إلى حقيقة القصف بالسّارين للطامنة مع وقوع أكثر من 125 ضحيّة في الهجمات الثّلاث؟!
ويجب التّشديد على أن هذا القرار من الأمم المتّحدة لا يسقط بالتقادم وسيبقى سيفاً مسلطاً على رقاب المسؤولين في السّلطة السّورية عن هذه العمليات، كما يشكل في اللحظة الراهنة سدّاً كتيماً أمام محاولات الرّوس وحلفاء السّلطة من تطبيع علاقاته الخارجيّة أو تلميع صورته الملوثة بدماء السّوريين، أو حتى محاولة إطالة عمر النّظام المأزوم ريثما يجد هؤلاء الفرصة المؤاتية لعودة السّلطة إلى المجتمع الدوليّ وتناسي تلك الجرائم. وقد تخدم لعبة إضاعة الوقت والمطمطة والتّسويف السلطة وحلفائها، كما خدمته وخدمت أبيه من قبله، لكنها ستبقى محكومة، هذه المرّة، بأحكام قاسية لا يمكن لهكذا سلطة القفز عنها أو بالأصح، لا يمكن للمجتمع الدولي محوها ببساطة لأنها تشكل أولاً خرقاً لقرار تسليم ترسانة النّظام الكيماوية وثانياً لأنها مؤيدة بأدلة دامغة من قبل لجان مختصة ومحايدة وتابعة لهيئة الأمم المتّحدة وجميعها تثبت أن النّظام السّوري لم يسلّم كامل ترسانته الكيماوية وأنه أعاد قصف مناطق المعارضة بهذه الأسلحة.
ونحن في تيار مواطنة نكرر قولنا أن الحل السّياسي وضرورته لا تنبع من حاجة السوريين للسلام وللعيش بكرامة في ظل نظام جديد يحترم ويلبي كل احتياجاتهم فحسب، بل أيضاً من ضرورة أن تعيش منطقتنا والعالم بهدوء وسلام بعد كل المآسي والكوارث التي جلبها الحلف الإيراني-الأسدي-الروسي على سوريا وعلى المنطقة، وجعل من أولويات الدول العظمى منع انتشار الفوضى والإرهاب إلى الجوار السوري وإلى العالم. ومن الثابت أن بؤرة الإنتان لا تعني مرض الجهاز المصاب فقط، بل وحتماً كل الجسم الإنساني سيعاني من هذه البؤرة الإنتانية، تماماً كما يعاني العالم اليوم من فيروس كورونا ومن تكتم أنظمة لا تهمها الإنسانية ولا صحة الناس كالصين وإيران وبالتالي يصبح القضاء على الفيروس قضية إنسانية عامة.
فلتحيا الحقيقة ولتسقط الإشاعة ومطلقيها!
تيار مواطنة
مكتب الإعلام 14 نيسان/إبريل 2020