النظام السوري بين مطالب الأصدقاء وفقر الحال
ليست المرة الأولى التي يعاني فيها النظام السوري من فقر الحال الشديد، لكنها المرة الأولى التي يعاني فيها من إفلاس سياسي واقتصادي عام، فالبلد معطل والمساعدات الخارجية متوقفة تقريباً بحكم فقر حال الحلفاء الإيرانيين، كما أن الأصدقاء الروس يقدمون المساعدات السياسية والعسكرية، لكنهم لا يدفعون، ويبدو أن الموارد التي تركها النظام لمواجهة هذه الحالات قد اُستهلكت و تسرب قسم منها إلى خارج سوريا عبر مسارب تعرفها السلطة جيداً.
ومما لا شك فيه أن الحالة التي وصل لها النظام السوري، دولة وسلطة، قد أربكت أقرب داعميه الروس، مما قد يجعلهم يطالبون بفواتير “محقة ربما” ويبدو أنها كبيرة جداً مما يجعل النظام عاجزاً عن سدادها إذا لم يلجأ إلى إعادة بعض الثروات التي هيمن عليها رموز الواجهة الاقتصادية للنظام رامي مخلوف وسامر فوز وأمثالهما والذين، على ما يبدو، يظنون أنهم أكثر من واجهات اقتصادية للدائرة الضيقة من السلطة. كما يبدو أنهم يظنون أن دورهم الاقتصادي يرشحهم للانتماء إلى (الأوليغارشيا) أي الدائرة الضيقة الأعلى من صنّاع القرار السياسي في سوريا، وينسون أن هذه الدائرة ومنذ نسجها الأسد الأب ببراعة هي حكراً على بضعة أفراد ولا يمكن اختراقها حتى من قبل أقرب الناس له إلا بمشيئته، وحكاية شقيقه رفعت الأسد مازالت حاضرة في الأذهان.
من المرجح أن لا يخطئ النظام في حساباته تجاه المطالب الروسية، ويبقى المرجح أكثر أن تطورات الانهيار المالي وارتفاع قيمة الفاتورة قد تجاوزت قدرات هذا النظام.
وإذا أضفنا إلى الفاتورة المطلوبة روسياً الانهيار الاقتصادي العام في الاقتصاد السوري بسبب طول الأزمة والدمار والحصار نجد أن العجز عن تأمين الفاتورة الداخلية قد تفاقم بحدة خلال العامين الأخيرين. وإذا وافقنا جدلاً أن الدولة لا تحسب حساب الشعب المقيم في مناطق سيطرتها، لكننا نؤكد على أن فاتورة الإدارة العامة يجب أن تدفعها هذه الدولة لأنها- في حال كفت عن دفعها- تكف عن أن تكون دولة، وهذا يعني سقوطها المدوي، وقد يجادل البعض أن رأس السلطة لا تهمّه الدولة بل السلطة، لكن وعبر التاريخ لا يمكن أن توجد سلطة على دولة بدون الدولة بكل مؤسساتها.
وقد تكون إيران الحليف الأفضل للسلطة السورية والداعم الأهم مالياً وعسكرياً، لكن إيران نفسها عاجزة الآن عن سداد فواتير ضخمة جداً، كما أنها تعاني من أزمة داخلية حادة دفعت بالرئيس الأسبق محمد خاتمي إلى الخروج على الإعلام مطالباً السلطة الإيرانية بتحسين الشروط المعيشية وبالإصلاح الاقتصادي وبالمصالحة الوطنية بين المعارضة والسلطة مخافة الذهاب إلى حرب أهلية بسبب الأوضاع الراهنة المتفاقمة.
يرى البعض أن السلطة الطغمة استطاعت الصمود عقداً في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، لا بل يمكنها أن تعيش سنوات أخرى في ظل اقتصاد الحرب، لكن التطورات الأخيرة على المستويين السياسي والاقتصادي لداعمي السلطة الروس والإيرانيين وعجزهم الاقتصادي عن متابعة هذا الدعم- كما كان في السابق- خاصة بعد أزمة كوفيد- 19 وآثاره السلبية على الاقتصادين الروسي والإيراني، هذا عدا عن المطالبات الملحة للمجتمع الدولي لإيجاد حلول للانتقال السياسي والوضع الإنساني في سوريا عبر مسار جنيف. كما أن الحصار الاقتصادي الذي تضيق أنشوطته على السلطة وحلفائها يوماً بعد يوم وخاصة باقتراب تطبيق قانون قيصر سيدفع روسيا بالتأكيد إلى المطالبة الجدية والضغط على السلطة الطغمة من أجل القبول بتسوية رابحة من وجهة نظر الروس ويبقى أن تقبل السلطة بهذه التسوية. وعبر مسيرتها في حكم سوريا لم تُبدِ هذه السلطة أي مرونة في التغيير السياسي ونحن نرجح أنها لن تقبل هذا التغيير حتى ولو بدا للروس أنها مناسبة وأنها تحافظ على استمرارية السلطة وترضي المعارضة وداعميها الإقليميين والدوليين إذا كان ذلك ممكناً.
قصارى القول، لن تقبل السلطة بمشاركة سياسية، وجلّ ما تقبل به مشاركة هزيلة للمعارضة مشروطة ببقاء رأس السلطة وحاشيته كحاكم وحيد للمجال السياسي للدولة المقبلة، وهذا ما تجاهد إيران من أجله أيضاً، وهو ما يبدو لنا أنه استمرار لنظام السلطة الطغمة ونسخة رديئة لتجربة “الجبهة الوطنية التقدمية” سيئة الصيت بعد كل التضحيات التي قدمها الشعب السوري.
الأيام القادمة حبلى بالمتغيرات، لذلك يجب رص الصفوف لجميع القوى الديمقراطية بغرض ملاقاة ضغوط المجتمع الدولي ممثلاُ بالمجموعة المصغرة وخطتها، وبغرض زيادة هذه الضغوط التي تصب في مصلحة التغيير السياسي والانتقال إلى سوريا جديدة. وقد لا تجدي الجهود الحثيثة للروس لتحييد مسار جنيف مرة أخرى بعد فشل مسار سوتشي- أستانة، وقد يكون التوافق الأمريكي التركي هو المرجح والأقرب في المرحلة القريبة القادمة والذي سيجعل الروس ينضمون إلى هذه الدائرة المقررة لشكل التسوية المقبلة، فلن تقبل روسيا أن تخرج من دائرة القرار كي لا يخرجوا “من المولد بلا حمّص”، كما لا يبدو بعيداً ذلك اليوم الذي ستخرج فيه إيران من سوريا بسبب الضربات الإسرائيلية والأمريكية، ويبقى- إن صحّ توقعنا السابق- أن ينتقل الروس إلى نادي الدول الرافضة للنفوذ الإيراني-وبذلك يخسر النظام أهم داعميه- حتى تكتمل الدائرة وندخل في مسار الحل السياسي الفعلي هذه المرة.
تيار مواطنة
المكتب الإعلامي 12 أيار/ مايو 2020