خلافات النظام السوري مع حليفه الروسي الى أين؟

ظهرت للسطح مؤخرا بعض الخلافات بين النظام السوري وداعمه الروسي، عبر تصريحات صحفية متبادلة، والتي أظهر فيها الطرفان انتقادات حادة لاتخلو من عدائية اتجاه بعضهما البعض، أو عبر الاستبيان الذي نشرته الصحف الروسية والذي بينت فيه انخفاض شعبية رأس النظام السوري.

قد يقول قائل إن هذه التصريحات هي تصريحات غير رسمية وليس لها دلالة حقيقية على سوء العلاقة بين النظامين، ولكن بملاحظة بسيطة حول طبيعة كل من النظامين التي لا تسمح بحرية صحافة خارج رأيهما وقراريهما، مع اختلاف هوامش الحرية الصحفية بينهما، وبملاحظة أن مطلقي التصريحات من الطرفين هم من المقربين للنظامين، يمكننا أن نعتبر أن هذه التصريحات تدل على طبيعة العلاقة بينهما فعلاً، فهل تنبئ هذه التصريحات بقطيعة أو سوء علاقةبالحد الأدنىبين النظامين؟

مع اقتراب موعد تطبيق قانون سيزر، القانون الأمريكي الذي يفرض عقوبات على النظام السوري ورموزه وداعميه، تسارع روسيا لترتيب وضعها بسوريا كي لا تنعكس هذه العقوبات عليها  وتدفع ثمن تدخلها، بدل أن تجني أرباحه  كما تأمل. لذلك نراها سارعت بإعطاء سفيرها بدمشق صفة ممثل شخصي لبوتين فيها وبدون ان تحدد صلاحياته مما يجعلنا نعتقد إنها مطلقة، كما نراها تصدر مراسيم حول بروتوكول تعاونعلى النظام السوري توقيعهو الذي يعطيها حقوق في البحر المتوسط بتوسيع قاعدة بحرية، وزيادة مهامها، كما يعطيها حق توسعة قاعدة حميميم. ونراها تسعى لتهيئة الوضع في سوريا لحل سياسي ما تقنع فيه المجتمع الدولي، يجعل هناك إمكانية للبدء بإعادة الاعمار واشراك هذا المجتمع فيه، ويجنبها العقوبات التي قد تطالها بسبب قانون سيزر، ويساعدها على قطف ثمار تدخلها وتخفيف ثمنه.

جواباً على سؤال ما نهاية هذه الخلافات وأين تمضي،؟ نجد أنفسنا معنيين بدراسة كل الاحتمالات الممكنة، فالتاريخ علمنا دوما أن لا شيء حتمي المصير، وأن هناك عدة احتمالات مختلفة لصراع ما.

من المعروف أن النظام السوري لا يرغب أبداً بتقديم أي تنازل، وأنه لن يقوم بذلك طالما استطاع لذلك سبيلاً، فما السيناريو المتوقع إذاً ؟ في حال عدم تقديم التنازل الذي يساعد في البدء بالحل السياسي، سيستنقع الوضع السوري، ضمن مناطق النفوذ الثلاث، وقد تنفجر حرباً ما هنا أو هناك، ومع العقوبات القادمة سينعكس الوضع أكثر على الشعب السوري في الداخل، وسيدفع ثمناً ليس بقليل، لأن هذا النظاموعلى عادتهسيحاول التهرب من تأثيرأي عقوبات عليه ليتحمل جلّها الشعب السوري. إن الاستنقاع الطويل سيزيد من ازمة هذا النظام التي بدأت ملامحها بالظهور في خلافاته الداخلية، وستصبح سورية دولةً فاشلةً أكثر مما هي عليه الآن، تقودها عصابة مافيوية ومليشيات عسكرية، قد تتناحر أحيانا بين بعضها البعض، مما يزيد ارتهان هذه البنية للداعمين العسكريين لها دون ان يجنبها هذا الارتهان مرارة التعفن والاستنقاع، ولن يكون الوضع أفضل في المناطق الخارجة عن سيطرتها.

ولكن من المحتملوان يكن احتمالاً بعيداًأيضاً أن تؤدي العقوبات وطول الزمن والاستنقاع، إلى ضغط شديد على روسيا، بحيث تجد نفسها غير قادرة على تحمل كلفة دعم هذا النظام العنيد اقتصادياً وسياسياً، وقد يدفعها لمغادرة سوريا خاسرة كما حدث معها في أفغانستان إبان سيطرة الاتحاد السوفيتي عليها، وبما أن ايران ستكون قد أضعفت نتيجة الضغط الأمريكي الإسرائيليالذي يريد الحد من نفوذها في المنطقةو العقوبات التي تطالها الآن والتي ستزيد عليها وعلى مليشياتها الموزعة في المنطقة (كحزب الله مثالاً) بعد تطبيق قانون سيزر، وبالتالي لن تكون قادرة على دعم النظام السوري بالشكل الكافي، وسيجد هذا النظام نفسه معزولابعد أن خسر الدعم المطلق،ويجد نفسه الى تعفن اكثر، محملاً الشعب السوري أثمان باهظة لذلك.

السيناريو الثاني المحتمل هو أن تضغط روسيا أكثر على هذا النظام كي لا تضطر لدفع الاثمان الناتجة عن تعنته، وترتب الوضع من اجل البدء بالحل السياسي، فهي لا تريد أن تصل سوريا لاستحقاق الانتخابات قبل كتابة دستور جديد، هذا الحل الذي سيكون فوق أستانة وتحت جنيف، عبر دعم اللجنة الدستورية لتغيير ولو شكلي بالدستور الحالي، يعطي الانتخابات القادمة شرعية عالمية ولو شكلية، مع رقابة دولية عبر الأمم المتحدة، تسعى روسيا جاهدة لتكون عبرها وبإشرافها، لتستطيع تمرير حل يناسب مصالحها ويضمن وجودها واستمراره، قد يكون هذا الحل بتغيير محدود في النظام  يطال رأسه، ولكن مع الحفاظ على بنيته، أو  بالحفاظ على رأسه شكلياً مع تحديد صلاحياته، أي تغيير قد يرضي المجتمع الدولي، ويوقف عقوبات قيصر، والتي نص قانونها على شروط محددة لإيقافها، ويطلقبناءً عليهاعادة الاعمار. سيقاوم هذا النظام المتعنت هذا الضغط قطعاً، ولكن قد تنجح روسيا باصرارها على الحصول على ما تريد، فيسقط بيده ويضطر للقبول تحت التهديد والضغط، وبعد خسارته لمركز قوته الآخر وهو الدعم الإيراني، والذيكما قلنا سابقاًسيضعف نتيجة للحرب المحدودة التي تشنها اسرائيل بالقصف على مراكزه في سوريا، ونتيجة للعقوبات والضغط الأمريكي.

خلال عشر سنوات من الحرب السورية باءت الكثير من التحليلات السياسية المنطقية بالفشل، وجاءت مفاجآت على أرض الواقع غير متوقعة، وهذا قد يحدث دوماً، فقد يجري سيناريو خارج كل الاحتمالات التي قرأناها والتي توقعناها، كأن يشن النظام حرباً عسكرية ما لخلط الأوراق، ولكن اذا سارت الأمور وفق المنطق الطبيعي للأمور، فإننا نرى أن السيناريو الثاني هو الأكثر احتمالاً، قد لا يكون هذا السيناريو هو الحل المنشود الذي يريده الشعب السوري، وهو قطعاً ليس ما انطلقت من أجله الثورة السورية، ولكنه قطعاً سيفتح آفاقاً جديدة للعمل السياسي وللنضال، وللعودة الى ما ابتدأنا به ثورتنا من سعي للتغير الديمقراطي المنشود في سوريا.

تيار مواطنة – المكتب الاعلامي

٣-٦-٢٠٢٠

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة