هل سنعود إلى ثورة لكل السوريين؟

جاءت احتجاجات السويداء، مع تفاقم أزمة سلطة الأسد، يزيدها تطبيق “قانون قيصر” تفاقماً، ومع تزايد التّصدعات الدّاخلية لاسباب اقتصادية وغيرها من غير المحتمل أن يعالج قرار رأس السلطة بإقالة رئيس وزرائه عماد خميس هذه الازمة ليتأكد عمق الانهيار الاقتصادي القائم, وعليه يعد ظهور معارضة صريحة من نوع مختلف قد يشكل تحدٍ جديد لسلطة الاسد الابن.

لقد استطاع بشار الاسد سحق المعارضة عسكرياً بنيران قصفه وتماسك حلفائه بمناطق عدة في البلاد، وسيبقى قرار منع سقوط ادلب بيده مجدداً مرتبطاً بالموقف الغربي والتفاهمات الخارجية الدولية والاقليمية، زما تزال الأسباب التي دفعت بانتفاضة ٢٠١١ راهنة اليوم ان لم نقل تضاعفت, حيث تفاقمت الانتهاكات والمساوئ وازدادات الدوافع للثورة, إلا أن الواقع المعيشي الضاغط واستمرار نهج الاعتقال والتصفية وتبدل شرائح نشطاء ثورة ٢٠١١ قد يفسد هذا الاحتمال, ويبقى أن المفاجآت قد تحمل حراك جيل جديد بأساليب جديدة ومناطق جديدة منها ما تعتبر تحت سلطة الاسد  أيضاً احتمالاً ممكناً.

بدأت سلسلة الوقفات الاحتجاجية الصامتة في السويداء، في أيام الآحاد، وتطورت لتتحوّل الى مظاهرات مئات النشطاء في مطلع حزيران الجاري جابت شوارع المدينة تخلّلتها شعارات سياسية وهتافات طالت رأس السلطة، والوضع الاقتصادي المعيشي، واهمال مؤسسات الدولة بالتعاطي مع حرائق المحاصيل التي اجتاحت اراضي أهالي المحافظة الزراعية،

لاشك أن الحراك السلمي في السويداء على صغر رقعته قد احرج السلطة كعادته، فلا إرهابيين في هذا الحراك ولا إسلاميين، ولا حتى متعصّبين قوميين يسعون لتفتيت البلاد فيه، بل جاءت شعارات المحتجين لتؤكد على وطنية سورية ذكّرتنا بهتافات حناجر المنتفضين في حمص ودرعا والمدن السورية المطالبة بالحرية ورحيل الاسد عام ٢٠١١ وما بعدها.

و كما هو متوقع لم يتأخر الرد الأمني بتفعيل زر كتائب البعث والشبيحة والاعتقال لمواجه الحراك قبل أن يكتمل توسعه أفقياً، فعاجلته باعتقال الشاب رائد الخطيب أحد أبرز نشطاء الحراك، أعقبه الدفع بمسيرة تأييد قاد اليها النظام ازلامه والموظفين والطلاب تحت وقع تهديد علني للمستنكفين وفق التسجيل الصوتي  لرئيسة اتحاد طلبة السلطة بالسويداء مالبث باليوم التالي ١٥٦٢٠٠ أن حشد اعتداءاً على مظاهرة المحتجين بساحة الكرامة وبأيدي كتائب البعث هذه المرة, الذين حضروا الى المكان بتنسيق أمني سري مسبق حيث تكفلت قوى الامن باعتقال عشرة من النشطاء, ثلاثة منهم قياديون بالحراك في مسعى لإيقاف سلسلة الاحتجاجات, ونجحت الاعتقالات نسبياً بفرملة تواتر ذلك الحراك, مع توَعد نشطاء عبر التغريدات والمنشورات عبر وسائل التواصل بالعودة الى الشارع, وسعي نشطاء في دول الشتات لدعم انطلاق موجة ربيع سوري ثانٍ.

السويداء التي رفضت ارسال أبنائها خلال سنوات الحرب التسع الى مقتلة الاسد المُشرعة, فتخلّف أغلب أبناء الجبل عن الخدمة الالزامية, كانت قد وضعت بصمتها في تاريخ الثورة السورية, وان يكن على طريقة مجتمع جبل حوران كأقليّة يهمها الوطنية السورية بالتحديد كمظلة تحقق للمواطنة، وبرغم خوفها على مصيرها كأقلية اثنية في بحر الصراع المعلن بين المحورين السنّي الشّيعي حافظت على مسافة دقيقة بينهما، و لم يمنع القلق والمخاوف من الرايات الجهادية السوداء في ثورة٢٠١١ التي ابتليت فيها, لم يمنع من رؤية فظاعات ووحشية سلطة الاسد الاب والابن لدى شريحة واسعة من ابناء الجبل وبالتالي جاء فهم المشهد السوري من مقاربة سورية القادمة للجميع وليس لفئة أن تستبد بالآخرين.

لاشك أن مرحلة الترقب وتوقف التظاهر بانتظار جلاء قضية الافراج عن المعتقلين الجدد, أضعفت من زخم الحراك, مع توعد النشطاء بالمثابرة, فلن يعود الشارع عن مطالبه وتعبيراته السلمية وان بأشكال مختلفة, ويبقى الافراج عن معتقلي الرأي مطلباً راهناً, رفعته لافتات العديد من الوقفات والاعتصامات في مدن الشتات السوري, وربما كان لضغط جهات دولية كالفاتيكان لاطلاق سراح من اعتقل في واقعة ١٥٦٢٠٢٠  أن بدأت السلطة بالافراج عنهم على دفعات, وسجل تحرير  ثلاثة من النشطاء المعتقلين ومن ثم اثنان وتسليم حركة رجال الكرامة المفرج عنهم في ترتيب لرأس السلطة الامنية بالجنوب كفاح الملحم اضافة لدوره الامني المركزي مع قائد الحركة يحيى الحجار ضمن تجاذبات استقطاب الحركة لصالح الجناح الاسدي الايراني على حساب الولاء الروسي الذي يسعى للتأثير القوي على فصائل الجنوب ومنها حركة رجال الكرامة الفصيل الابرز في جبل حوران.

سُجلَ في متابعة هذا الحراك عيب باد تجلى بنقص التضامن مع المنتفضين بالسويداء, بل راحت بعض الاصوات الى التندر منها واتهامها بنقص الكرامة وثورة جياع، ولا ضرورة للتذكير بالنهج العروبي والسوري لدى ابناء جبل العرب منذ مشاركاتهم بالثورة العربية ١٩١٦ومن ثم ثورة ١٩٢٥ بمواجهة المحتل الفرنسي, وكان أن تمردت السويداء على سلطة الاستبداد في الجبل عام ٢٠٠٠ سرعان ما أُخمدت السلطة تمردها بالقوة العارية, وكان لظهور صيغ تضامن من مناطق بدرعا وإدلب ولقليل من تعليقات فردية عبر الميديا لنشطاء حول العالم وقع البلسم لمشاعر العزلة التي قد تعتري حراك السويداء، صحيح أنّ الناس قد تعبوا وافقروا وجاعوا لكن أن تترك السويداء وحيدة فهو مؤشر على حدة الانقسام العمودي الذي وصلت اليه البلاد وحجم نجاح وحشية واساليب قمع السلطة وأثر خطاب الاسلمة والانتقام بالضفة الاخرى على تصعيد تشظي الحالة السورية بالعموم والاحباط واليأس واللاجدوى التي يشعر بها الجمهور العام، أما مناطق سيطرة النصرة وغصن الزيتون ودرع الفرات ونبع السلام، لم تُقدّم على أي حراك مستدام بالتوازي مع حراك السّويداء، كما تأكد حجم الاستبداد في مناطق الجّزيرة السّورية حيث قسد التي غاب عنها أي حراك أو ملمح تضامني جدّي أيضاً، ولكن غطت العديد من قنوات الاعلام المحلية موجة الحراك وتداعيات الاعتقالات في السويداء ومجرياته.

إن تجدد روح الثورة بالتحدي السلمي لسلطة غاشمة ورفع شعارات وطنية جامعة، قد تعيد الأمل للسوريين -على اختلافاتهم وتنوعهم- في موجة سلمية جديدة خارج محاور العنف والتطرف، وبدت تأثيرات ملموسة على حراك موازي -وان كان قليل العدد-  لنشطاء في دول ومدن الشتات وساهم نشر تقارير لبعض الفضائيات الاوربية واصدار بيانات قوى سياسية ديمقراطية, ليترك أثره بعودة الروح.

نحن في تيار مواطنة لطالما اعتبرنا أنفسنا جزءاً من كل حراك سلمي وطني ونضع أنفسنا في خدمة كل حراك تواق للحرية والانعتاق من الاستبداد بكل أشكاله.

تحية للمتظاهرين ضد الاستبداد والظلاميات! و الحرية فوراً لمعتقلي الرأي !

عاشت سورية وطناً لجميع أبنائها!

تيار مواطنة ٨ تموز ٢٠٢٠

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة