انتخابات مجلس الشعب السوري 2020 ورسائلها الفظة

واقعياً، ليست كل انتخابات في عالمنا المعاصر ديمقراطية، فهناك الكثير من الأنظمة غير الديمقراطية تُجري انتخابات تكون بعيدة عن الوظائف والمتطلبات التي يراد أن تحققها الانتخابات الديمقراطية في التعبير عن مبدأ سيادة الشعب كمصدر السلطات، وهذا يعني بالضرورة أن جميع الهيئات التشريعية (برلمانات) أو التنفيذية (حكومية او رئاسية)، المُشكلة من تلك الانتخابات بحاجة إلى عنصر التفويض الشعبي.
وعبر تاريخها، استطاعت تلك الأنظمة بشكل مستمر تطوير أساليب عدة للتلاعب في الانتخابات وذلك بغية تحقيق أهداف هي أبعد ما تكون عن تلك التي يرتجى من انتخابات ديمقراطية تحقيقها.
الحكم ليس حقاً إلهياً كما في النظم الثيوقراطية، وليس وراثياً كما هو في النظم الوراثية ، ولا يتم من خلال القهر والغلبة كما هو الحال في النظم السلطانية، ويعتبر النظام السوري إذا صح الوصف مزيجاً من كل ما ذكر سابقا من أشكال حكم الشمولية، حيث استطاع – ومن خلال سنوات حكمه الطويلة، منذ سلطة الأسد الأب مروراً بالابن، وعلى مدى أكثر من نصف قرن – أن يستخدم ويوظف آيديولوجيا قومية اشتراكية شعبوية في سبيل توطيد نظام حكمه وضمان استمراريته الأبدية.
وغير بعيداً عن هذا السياق فقد شهدت سوريا في التاسع عشر من شهر تموز الجاري انتخابات مجلس الشعب، وذلك بعد أن تم تأجيلها من رأس نظام الطغمة لمرتين متتاليتين بسبب جائحة كورونا التي يشهدها العالم في هذه الأثناء.
لم تسجل انتخابات مجلس الشعب السوري أي استثناءات تذكر في طريقة الإعداد والتحضير والممارسة، بحيث استمرت نفس العقلية التي لطالما استخدمها نظام الأسد في السابق، وان عملية الاستئناس الحزبي الشكلية- والتي لا معنى لها حقيقي- التي أُلزم بها البعثيين هي الاستثناء الوحيد في ظل واقع سوري أقل ما يمكننا القول به إنه كارثي بامتياز.

ليس مجرد إجراء انتخابات في بلد ما هو دليل على خروج نظام الحكم فيه من مصاف الدول التسلطية القمعية أو الشمولية ليصبح نظاماً ديمقراطياً، حيث إن الانتخابات الديمقراطية يجب أن تستند إلى دستور ديمقراطي يضع المبادئ الرئيسية للديمقراطية موضع التطبيق، فبغض النظر عن وجود قوانين تنص على حرية التصويت أو وجود برامج وبدائل متعددة أو مرشحين متعددين وقت الانتخابات؛ فالعبرة كذلك ليست بالنصوص والنوايا فحسب، وهي منقوصة جداً في الدستور السوري، وإنما العبرة بالتطبيق الفعلي لتلك النصوص، بما يضمن انتخابات فعالة، حرة ونزيهة.

تحتاج الحكومات إلى الشرعية الشعبية سواء أكانت تلك المنتخبة حديثاً أم تلك التي تريد تجديد شرعيتها، التي تكون قد فقدتها نتيجة لمرور الوقت، أو لأحداث تشعر الحاكم بأن شرعيته أصبحت بمهب الريح، والمطلوب إعادة تأكيدها من جديد، وغالباً ما يكون ذلك عن طريق إجراء انتخابات مبكرة، حيث أنه -بلا شك- هناك حاجة لكل نظم الحكم إلى قدر معين من الشرعية الشعبية، وهذا ما يدفع الحكام غير الديمقراطيين إلى اللجوء إلى الانتخابات للحصول على قدر من الشرعية لدى شعوبهم.
في ظل ما تقدم وبالعودة لانتخابات مجلس الشعب في سورية، يصبح من نافل القول إن تلك الانتخابات مطعون بشرعيتها، ليس فقط لأنها تفتقد لابسط قواعد ومبادئ الانتخابات الديمقراطية، وإنما أيضا لأنها جرت في ظل أزمة تعصف في البلاد منذ أكثر من تسع سنوات، حيث كانت ثورة الشعب السوري عام ٢٠١١ على نظام الطغمة المستبدة القابع في دمشق، من أجل الحرية والكرامة والتغيير الديمقراطي أساساً. ونحن نعتقد بأن هذه الانتخابات قد جاءت كرسالة متعددة المتلقين، وقد يكون أهمهم هم أهل سوريا نفسهم معارضة وموالاة بأن لا شيء يتغير إلا بمشيئة الطغمة، وقد يكون ثاني المتلقين هم حلفاء الطغمة لتقول لهم بأن لا شيء يمكن فرضه عليها، والمتلقي الأخير هم أعداء الطغمة الأمريكان والاوربيين والإسرائيليين والتي تقول لهم بأن أي حلّ يستغني عن الطغمة ملغى من قاموسها، وبالطبع فإن الشرعية التي تستند إليها هذه الرسالة هو اعتراف الأمم المتحدة بالسلطة في دمشق والتي فشل المجتمع الدولي والمعارضة في نزعها عن الطغمة حتى الآن.
لكل ذلك، نحن في تيار مواطنة نعتبر انتخابات مجلس الشعب التي جرت في التاسع عشر من شهر تموز الجاري، ليست فقط غير ديمقراطية ولا تحقق أبسط متطلبات الانتخابات الديمقراطية الحقة، وإنما أيضا غير شرعية، وذلك بسبب حدوثها في ظل النزاع الدائر في سورية وعدم القدرة على تأمين البيئة الملائمة للانتخابات التي تسمح للمواطن بالتعبير عن رأيه بحرية، وكذلك غياب وعدم مشاركة أكثر من نصف الشعب في عملية الترشيح والانتخاب، وأيضا في ظل وجود صراع دولي يستخدم جزء من الجغرافية السورية في هذا الصراع، وما يستتبع ذلك في السياسة من تأثير وخرق للسيادة الوطنية، والأهم من ذلك كله ما اعتمدته الطغمة كطريقة للتعاطي مع مطالب الشعب في عام ٢٠١١ وما استتبع ذلك من نتائج كارثية على سورية والسوريين.
إننا نرى إن الازمة المتفاقمة في سورية لا تحتاج إلى انتخابات تشريعية فاقدة سلفاً للشرعية وإنما تحتاج من تلك السلطة الغاشمة أن تتخلى عن غطرستها وعنجهيتها وتقتنع وتقر بأنه ليس هناك من سبيل للحل إلا الامتثال للإرادة الدولية والسير بالحل السلمي وفق قرارات الشرعية الدولية، المتمثل بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وعلى رأسها القرار رقم ٢٢٥٤ الذي يضمن آلية دولية موضوعية وقابلة للتطبيق، وتحقق درجة مقبولة بعضاً من حقوق السوريين، وتضمن حلاً دولياً متوازناً يقطع مع الاستبداد والتطرف في آن معاً.

تيار مواطنة
المكتب الإعلامي 21 تموز/ يوليو 2020

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة