القضية السورية… مكانك راوح مؤقتاً
بعد تسع سنوات من حرب السلطة – الطغمة ضد الشعب السوري، وبعد سنوات طويلة من التجاذبات المحلية والإقليمية والدولية هل يمكننا القول: أن القضية السورية لم تعد طافية على السطح وأولوية؟
مع استكمال السلطة – الطغمة سيطرتها على ما يقارب 63 % من سوريا بمساندة الروس والإيرانيين والمليشيات الحليفة كحزب الله، ومع اقتصار مناطق “المعارضة السورية” وحليفها التركي على إدلب ومناطق درع الفرات، وسيطرة قوات سوريا الديمقراطية على مناطق شرق الفرات مع حليفها الأمريكي، ومع تواجد روسي – سلطوي شكلي، وسيطرة تركية على امتداد 100 كم وبعمق 30 كلم على الشريط الحدودي. لم ينته الصراع بالتأكيد على باقي سورية فما زالت إدلب على الأقل ورقة المناورة التركية الاساسية، فالترك وبعد عمليتهم العسكرية في إدلب في شباط الماضي تمكنوا من الوصول إلى تهدئة مع الروس في آذار الماضي عبر اتفاق على تثبيت نقاط المراقبة وتسيير دوريات مشتركة على طريق M4، وعليه يمكننا القول: إن شكل توزع القوى والهيمنة في سوريا أصبح أكثر وضوحاً وتمكناً.
الأمر الذي أدى إلى تراجع القضية السورية على طاولة الصراعات الدولية والتفاهمات لتبرز ملفات أكثر سخونة في المنطقة، كملف اخراج ايران من المنطقة وتحديداً من العراق وبدرجة ما من سوريا واليمن، إلى التصعيد الإسرائيلي مع حزب الله، إلى الملف الليبي الأكثر سخونة، فكل هذه الملفات سيكون لها انعكاساتها على القضية السورية وإن بدرجات مختلفة ولكنه بالتأكيد ستؤخر القضية السورية على سلّم الأولويات، وتؤخر بالتالي أي حل سياسي ومن ظهور أية بارقة أمل على المدى القريب، ولاسيما مع الأزمة السياسية المستمرة منذ 2011 -ونقصد هنا بالأزمة- ذلك الاستعصاء السياسي مع إصرار السلطة – الطغمة على الاستمرار بنفس النهج وبهذا يندرج اجراء انتخابات مجلس الشعب مؤخراً بمناطق السلطة التي ما زالت تستفيد من التجاذبات الدولية والإقليمية ومن عطالة الموقف الأوربي في إطالة عمرها واستمرار تعنتها وتمسكها بالحل على طريقتها.
كيف يمكن أن تؤثر هذه الملفات في الحالة السورية؟
– الملف الليبي والصراع الروسي / التركي:
في الوقت الذي نجح فيه الأتراك والروس في تجميد الصراع مؤقتاً في سورية يقف الفاعلان الأساسيان وعرَّابا الحلول في سورية -بعيدا عن مقررات جنيف- يقفان وجها لوجه في ليبيا، حيث يدعم المحور الروسي – الإماراتي – المصري والفرنسي الجيش الوطني بقيادة حفتر، فيما يدعم المحور التركي – القطري حكومة الوفاق -المعترف بها دولياً- بقيادة السراج عبر إرسال المعدات العسكرية والاستشاريين العسكريين الأتراك والمقاتلين بمن فيهم المرتزقة للقتال إلى جانبه، ومع انزياح الموقف الأمريكي غير الراضي عن الدور الروسي في ليبيا ولا عن السياسة التركية في المنطقة إلى دعم التهدئة والمطالبة بالحل ونزع السلاح ودمج المليشيات المتطرفة، وإخراج كل المرتزقة وإجراء انتخابات نزيهة وحل سياسي. يأتي هذا الموقف الأمريكي بعد التصعيد الأخير -ولاسيما المصري- إثر خسارة حفتر لطرابلس والحشد العسكري على أبواب سرت من قبل قوات حكومة الوفاق، الأمر الذي قد يؤدي إلى تصادم بين الطرفين – المحورين، وفي حال حدث التصادم فمن المرجح أن الطرفين -الرابح والخاسر- كليهما سيسعيان لتحقيق المزيد من المكاسب وتعزيز النفوذ في سوريا، سواء عبر السياسة أم عبر العمل العسكري، وبالتالي قد نشهد عملية عسكرية في إدلب يرتبط توقيتها بمدى تسارع الأحداث في ليبيا وإلى ما سينتهي إليه الصراع المسعور هناك، أما في حال نجح الطرفان وعبر المساعي الدولية في حل الأمور عبر التفاوض السياسي فقد نرى مزيداً من التقارب في سورية، ودفعاً نحو المزيد من الحلول حيال المناطق التي لاتزال خارج سيطرة السلطة والخاضعة لأشكال مختلفة من السلطات بما فيها تلك الخاضعة لمنظمات إرهابية ومتطرفة، لكنَّ ذلك لايسمح بتجاهل إمكانية القيام بعمل عسكري ما في تلك المناطق.
– في الملف الإيراني وهدف إخراج إيران من المنطقة:
تسارع إدارة ترامب -التي ستنتهي ولايتها قريباً- إلى إخراج إيران من المنطقة، وقد استطاعت عبر استهداف قاسم سليماني -الحاكم الفعلي للعراق وعرَّاب المليشيات في المنطقة- من تحرير رقبة العراق نسبياً من الهيمنة الإيرانية حيث تأكد سعي الكاظمي بالعودة إلى الحضن العربي ومحاولاته الحد من نفوذ المليشيات الحليفة لإيران في العراق، وزيارته المقترحة إلى السعودية قبل إيران -الأمر الذي تأجل بسبب عارض صحي للملك سلمان- وبالتالي فتحجيم دور إيران في المنطقة يصب تلقائياً في إضعاف السلطة الطغمة، فاضطرار إيران لسحب قواتها ومنع تمدد نفوذها في سوريا -الذي أصبح أمرا واقعا في الكثير من المناطق- وهذا ما يضعف قدرتها على تمويل الكثير من المليشيات الحليفة، حيث بات هدف إخراج إيران من المنطقة موضع التنفيذ عبر استهداف الطيران الإسرائيلي للقوات الإيرانية المتواجدة في سورية.
– التصعيد الإسرائيلي / حزب الله
هذا التصعيد ليس جديداً، فقد استهدفت إسرائيل منذ مدة قيادات لحزب الله في محيط دمشق، ولكنَّ الجديد هو التصعيد الذي حدث في الجنوب اللبناني مؤخراً حيث أعلنت إسرائيل أنها أفشلت محاولة تسلل عناصر لحزب الله قصد القيام بعمليه عسكرية، الأمر الذي أنكره حزب الله إنكاراً مطلقاً، فعلام يدل هذا الإنكار ؟! فإسرائيل التي ترغب في القضاء على حزب الله اليد الإيرانية الضاربة في الجنوب اللبناني، أعلنت أنها مستعدة لأي معركة مرتقبة، وعليه قد نشهد -خلال وقت ليس بعيد- عمليات إسرائيلية على مواقع تابعة لحزب الله في لبنان، الأمر الذي لن يتسبب فقط في فتح المنطقة على صراع ضارٍ، بل قد يقود إلى حرب لا تتحمل تبعاتها الحكومة اللبنانية، يكون لبنان فيها هو الخاسر الوحيد, الأمر الذي يدركه جيداً حزب الله والإيرانيون الحريصون على استمرار وجودهم في سورية ولبنان.
قد تدفع تلك الملفات الشائكة والمتشابكة بالقضية السورية الى الخلف، وتؤجل أي عملية سياسية متوقعة أو مرتقبة على المدى القريب كما تفتح نافذة للسلطة الطغمة بالاستمرار في سياستها، عبر المراوغة واللعب على التناقضات السياسية والزمن للتمسك بالسلطة، فإلى متى سيستمر اللعب على المتناقضات؟!
تيار مواطنة
المكتب الإعلامي 28 تموز/ يوليو 2020