التطبيع العربي- الإسرائيلي بوصفه استقواءً!

إن الصراع العربي – الإسرائيلي القائم في منطقتنا منذ ما يقارب ثمانين عاما، والذي نتج عنه العديد من الحروب والويلات والانكسارات والخيبات والهزائم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من جهة ، ومن جهة أخرى خسارة للأرض وتسلط الأنظمة الديكتاتورية على شعوبها وممارسة الإفقار والقمع والمعاناة على كل الأصعدة على شعوب المنطقة العربية من خلال القضية الفلسطينية التي تشكل وجدان هذه الشعوب، والتي أصبحت القضية المركزية لها والتي اعتبرت كل مفرط بالمعركة مع إسرائيل خائنا وعميلا، وعلى الرغم من أن العرب لم يجنوا من هذه الحروب غير الخسائر ، لم يوجد أي رأي عام وجمهور يؤيد السلام إلا في العقد الأخير. وفي السنوات الأخيرة تحولت القضية الفلسطينية من قضية مركزية للعرب – وهي قضية عادلة – إلى أصل تجاري للكثير من القوى باسم الحق المقدس وكل طارق للسلام فهو مفرط ولربّما كان هناك من يذكر دعوة الحبيب بورقيبة للقبول بالتسوية على أساس قرار التقسيم، و تخوين السادات، وكيف تعرَّض ياسر عرفات للتنكيل والتخوين حتى أنه مات محاصرا ولم يتم السماح له بحضور القمة العربية في بيروت، ولاحقا كيف تشكلت جبهة الصمود والتصدي والتي انتهت أغلب دولها إلى الخراب ولاسيما بعد الزلزال السياسي نتيجة ثورات الربيع العربي وتحوّل أغلبها الى حرب مفتوحة وطاحنة وكيف تم شن حرب شاملة من بعض هذه الأنظمة -التي تدعي أنها حاملة للقضية الفلسطينية- على شعوبها، فتحولت القضية الفلسطينية إلى مرتبة تكاد تكون ثانوية خاصة بعد اتساع دائرة الصراع وانتهاء واضمحلال دور دول مهمة ومؤثرة في المنطقة، وهذا الفراغ الذي أصبحت تديره دول وقوى إقليمية ذات أطماع معلنة في المنطقة وبخاصة تركيا وإيران ومن يدور في فلكهما من أنظمة وتنظيمات، كما برز دور لبعض الدول الصغيرة بمقوماتها وحجمها لكنها كبيرة بوظيفتها ودورها في تعقيدات العلاقات الدولية على من أنها تفتقد لمقومات الدولة لتلعب دورا يعوض هذا النقص ومنها قطر على سبيل المثال. التطبيع الإماراتي – الإسرائيلي:
أعلنت الإمارات توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل مؤخرا وليست الدولة العربية الأولى في هذا فقد سبقتها في ذلك كل من مصر والأردن وموريتانيا والسلطة الفلسطينية كما أنها لن تكون آخرها. وحاولت – الإمارات – عبر تصريحاتها السياسية على تقديمه بوصفه سلاما تاريخيا وأنه أوقف ضم الأراضي وإقامة الدولتين، هذا التصريح الذي لم يرقَ إلى موقف الاتحاد الأوربي الذي صرّح :” نرحب بالتطبيع بين الامارات وإسرائيل ولكن نأمل أن يكون وقف الضم نهائيا والسلام لا يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولتين “، أما الموقف الأمريكي الحليف الأكبر لإسرائيل والراعي لهذا السلام فقد عبر عنه ترامب بوصفه “باللحظة التاريخية” وتوقع أن دولا عربية وإسلامية ستسير في ركب السلام، فيما نددت كل من تركيا وقطر وشجبت هذا الاتفاق كنوع من المتاجرة السياسة لا كمبدأ، اما محور الممانعة والمقاومة بدوله وتنظيماته فهو الخاسر الأكبر كون إسرائيل أصبحت على حدود ايران وقد وصل خطابها درجة التهديد والوعيد وكذلك تصريحات حماس وحزب الله باستثناء السلطة السورية التي التزمت الصمت حرصا على علاقاتها غير المعلنة مع الامارات، أما السلطة الفلسطينية فقد صرحت أن هذه خيانة وطعنة في الظهر وأنه يتنافى مع المبادرة العربية والاجماع العربي والحقيقة أن المعاهدة تضعف موقفها التفاوضي وتجعلها عارية بدون أي ظهير. وبعيدا عن التصريحات والمواقف المتعددة حول هذا التطبيع يظل السؤال الأكثر أهمية هو :ما الأسباب التي دفعت الإمارات إلى هذا التطبيع؟ بالنظر إلى المنطقة اليوم وما يحدث فيها من صراعات وتدخلات دولية وإقليمية يمكننا القول أن ثمة انزياحا وانتقالا للصراع والعداوات ليس في الإمارات وحدها بل في المنطقة بأكملها، فلم يعد العداء في المنطقة محوره إسرائيل بل تحول إلى الخوف والعداء مع إيران بالدرجة الأولى وبدرجة أقل من تركيا يليهما الخوف من الإخوان المسلمين. أما السبب الثاني فيكمن في رغبة الإمارات في الحصول على سلاح متطور جدا لتعزيز موقعها في مواجهة إيران ورأس الحربة قطر ومن خلفها الظهير التركي في حال حدث شيء مستقبلا، ومن أجل حماية نفسها من أيه تهديدات قد تأتي ودليل ذلك حديثهم – الإماراتيين – عن رغبتهم في امتلاك طائرات F35. والسبب الثالث يكمن في الاقتصاد النامي ، فمن المعروف أنه عندما يكون هناك اقتصاد نامٍ يحتاج عندها البلد للسلام ، هذه الأسباب كلها دفعت الإمارات للسلم وتعزيز موقعها.
في الخاتمة: السلام قيمه اجتماعية ومادية وإنسانية لا يعرفها إلّا من عاش ويلات الحروب وقذاراتها، وقد حظي السلام باهتمام عالمي و لاسيما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية فتشكلت بعد الأولى عصبة الأمم ، بينما نشأ عن الثانية هيئة الأمم المتحدة ومجلسها لحفظ الأمن والسلم العالمي ونوه ميثاق الأمم المتحدة أنها قامت لحفظ الأمن ولإنقاذ الأجيال المتعاقبة. وعلى الرغم من إيماننا بعدالة السلام وأهميته وقيمه الإنسانية، إلا أننا نرى أن كل محاولة للتطبيع مع إسرائيل وكل تقدم باتجاهها هو إضعاف للفلسطينيين و لأي حق يمكن أن يحصلوا عليه ، وأما السلام الذي نريده فهو السلام القائم بين دولتين قائمتين على أرض واحدة اسمها فلسطين مع توقف إسرائيل عن ضم الأراضي وانسحابها كما انسحبت من سيناء وغزة ووادي عربة ومن مثلث إربد والجولان، كما أننا نرفض التطبيع إلا إذا تم الاعتراف بالحقوق الفلسطينية وتجسيد حقيقي وفعلي لهذه الحقوق في دولة أو في أي شكل آخر من دولتين أو كونفدرالية أو فدرالية أو دولة واحدة قائمة على المواطنة المتساوية بين العرب والإسرائيليين. تيار مواطنة
المكتب الإعلامي ٢٨ آب/ أغسطس ٢٠٢٠

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة