الهجوم التركي الجديد.. الاسوأ والأخطر

الافتتاحية 0 admin

الهجوم التركي الجديد.. الاسوأ والأخطر

ندرك أننا بصدد هجوم تركي محتمل على بعض المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية والمرجح أن تكون تل رفعت ومنبج هي الأكثر عرضة لهذا الهجوم المحتمل، وهنا ندرك أن المشكلة الأكبر هي في الهجوم التركي وليست في مكان آخر، لذلك فإن موضوع النقاش هو هذا الهجوم، الأمر الذي لا يعني بطبيعة الحال عدم الاهتمام بتصريحات قائد “قسد” السيد “مظلوم عبدي” أو رئيس “مسد” المشترك السيد “رياض درار“.

مع أن تركيا، منذ نشوئها وإلى هذه اللحظة، تنظر إلى الكرد بوصفهم خطراً وجودياً على كيان الدولة التركية، إلا أن الخطر التركي وإحياء أمجاد الإمبراطورية العثمانية على يد زعيم حزب العدالة والتنمية “أردوغان” لا يقتصر على الكرد ومناطقهم فهو قد شمل سابقاً ويشمل حالياً الجغرافية السورية بأكملها، فقضية لواء اسكندرون لا تغيب عن بال السوريين، وفي وقتنا الحاضر تشكل تركيا لاعباً هاماً في الوضع السوري من خلال العمليات التي شنتها تركيا على المناطق السورية المختلفة شرق وغرب الفرات بدءأ من عملية درع الفرات في آب 2016، والتي سيطرت بموجبها على بلدات جرابلس والراعي والباب، ومروراً بعملية غصن الزيتون في كانون الثاني 2018 والتي احتلت من خلالها منطقة عفرين، وانتهاءً بعملية نبع السلام في أكتوبر 2019 والتي سيطرت من خلالها على رأس العين وتل ابيض.

كانت تركيا قد قضمت من خلال العمليات الثلاثة مساحات واسعة من الأرض السورية ووضعت عليها ولاة ترك، وعممت مناهج تركية في مدارسها، وهي تفرض سيادة قوانينها ومحاكمها، وتتصرف فيها وكأنها مناطق تركية، مطلقة يد فصائل إسلامية تشكل مرتعاً للتطرف ، فبهذه العقلية تشكل خطراً على مضمون الثلاثية التي نعتقد يأنها ركائز بناء وطن حر كريم: العلمانية والديمقراطية والمواطنة.

منذ 2015 وإلى هذه اللحظة لم تتوقف تركيا عن تهديد المناطق الخاضعة لسلطة الإدارة الذاتية الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية التي تتبع فعلياً لحزب الاتحاد الديمقراطي “PYD”  بعد ان عاشت هذه الإدارة منذ تأسيسها في كانون الثاني 2014 التي كانت آنذاك  في بقعة جغرافية أصغر مما هي عليه الآن، فترة استرخاء مع تركيا لمدة تجاوزت عام ونصف حيث زار تركيا حينها السيد ”صالح مسلم“ والعديد من مسؤولي هذه الإدارة وجلسوا على طاولة الحوار وأشادوا بضرورة علاقات حسن الجوار مع الترك.

 الجديد في هذا التهديد أنه، من جهة، يأتي في لحظة انشغال العالم بالغزو الروسي لأوكرانيا والحرب التي تبعته، ومن جهة أخرى يرتبط بالوضع الداخلي التركي بما يعانيه من أزمة اقتصادية تركية ومواجهة الاستحقاق الانتخابي القادم وسعي أردوغان وحزبه لكسب معركته الانتخابية المقبلة في حزيران 2023.

وحتى تكتمل الصورة فإننا لن نهمل دور الخدمات المجانية التي تقدمها بعض الرؤوس الحامية في الإدارة الذاتية إلى الساسة الترك، رغم أن هذه الخدمات ليست العنصر الحاسم أو المحدد في السياسات التركية، كما حصل قبل أيام في مدينة كوباني/عين العرب عندما رفع انصار PYD صور السيد أوجلان وأعلام حزب العمال الكردستاني.

إننا نعتقد أنه من الصعب فصل نضالات الأحزاب الكردية في أجزاء كردستان عن بعضها لمسائل خارج نطاق افتتاحيتنا هذه، والتي تتمحور حول البعد القومي للكرد السوريين وتداخل وتشابك نضالاتهم مع أكراد العراق وتركيا والتي يمكن اختصارها ب (تداخل النضالين القومي والوطني)، رغم أننا نقرأ بعض المؤشرات الإيجابية أحياناً كتصريح السيد “مراد قره يلان” الأخير حيث دعى الكرد السوريين إلى عدم رفع شعارات ورايات حزب العمال الكردستاني”PKK”، الأمر الذي قد يشي بمزيد من التمييز أو الفصل بين المسارين الكردي السوري والكردي التركي وربما إلى حالة شبيهة بوضع حزب الشعوب الديمقراطي في تركيا المندرج في الحياة العامة وحتى تعارضه في بعض الحالات مع قرارات قنديل، معقل العمال الكردستاني.

إن أي عاقل يدرك صعوبة خيارات ”قسد“ وأن عبدي لا يملك ترف الخيارات المثلى بطبيعة الحال فهو يقف بين خيار التنسيق مع النظام أو قبول الاحتلال التركي، الذي نعتقد أنه الأخطر والأسوأ

لا جديد في رد فعل قوات سوريا الديمقراطية “قسد” فقد أعلن قائدها “مظلوم عبدي” لوسائل الإعلام عن مطالبته النظام السوري حماية حدود البلاد واستخدام الدفاعات الجوية لردع الاجتياح التركي و دون وجود قوات برية على الأرض. تصريحات عبدي لم تأتِ بجديد فهو قد صرّح سابقاً، في أعوام 2016 و2018 و2019، بضرورة التنسيق مع النظام، ونسّق معه فعلياً على الأرض في توزيع بعض وحدات من جيش النظام على طول الشريط الحدودي.

إن أي عاقل يدرك صعوبة خيارات ”قسد“ وأن عبدي لا يملك ترف الخيارات المثلى بطبيعة الحال فهو يقف بين خيار التنسيق مع النظام أو قبول الاحتلال التركي، الذي نعتقد أنه الأخطر والأسوأ، ويمسي ذلك التنسيق ضرورة قصوى في حال رفع الأمريكي يده عن شرق الفرات وهذا مايتمناه التركي ويسعى إليه، ولإدراكنا بأهمية وثقل شرق الفرات في منع انتصار الثورة المضادة بشقيها الاسدي والاسلاموي وفي تحقيق الانتقال السياسي بالتالي من خلال القرارات الأممية وخاصة 2254، وحيث يشكل الدعم الأمريكي لمنطقة شرق الفرات عنصراً أساسياً، وبناءً عليه يمكن القول: لن تتدخل السلطة السورية في الجزيرة دون ثمن باهظ قد يطلب في نهاية المطاف رأس ”قسد” وتجربة شرق الفرات، وقد تكون حسابات السلطة السورية الفعلية غير متوافقة أبداً مع ضجيج خطابها الوطني، وبهذا المعنى قد تفضل هذه السلطة ترك تركيا تصفي حساباتها مع الإدارة الذاتية أملاً بأن تكون هي الرابح في النهاية، باعتبار أن جميع التصورات الإقليمية والدولية لا تزال تقر بوحدة الأراضي السورية، وحتى بعدم إسقاط الشرعية الدولية للنظام السوري.

ليس لدى السيد ”عبدي” ولا أي عاقل سوري اعتقاد في أن أمريكا كلية القدرة ولا بأنها جمعية خيرية لديها ما تتصدق بها على أحد، فهي مثل جميع الدول تحكمها مصالح واستراتيجيات و مؤسسات، ومصلحة أمريكا تقتضي بالضرورة وقوفها إلى جانب هذه الادارة

ليس لدى السيد ”عبدي” ولا أي عاقل سوري اعتقاد في أن أمريكا كلية القدرة ولا بأنها جمعية خيرية لديها ما تتصدق بها على أحد، فهي مثل جميع الدول تحكمها مصالح واستراتيجيات و مؤسسات، ومصلحة أمريكا تقتضي بالضرورة وقوفها إلى جانب هذه الادارة ، خاصة بعد الحرب الأوكرانيه وعودة الأهمية للجغرافية السياسية، أما إذا رفعت اليد الأمريكية عن الجزيرة السورية -وطالما أننا لا نريد أن تذهب الجزيرة السورية إلى تركياـ فليست لدينا مشكلة في تنسيق ”قسد“ العسكري مع النظام لمنع ذلك، هكذا بوضوح ، ولنترك لأصحاب القرار هناك أن يلعبوا على توازنات الدول الرئيسة في هذه البقعة السورية عساهم يتجاوزون وقوع هذه الكارثة.

نقول للسيد “عبدي” أننا نتمنى أن يصطدم الترك مع النظام في الجزيرة، وهي فرصة عظيمة لتصادم النظام الديكتاتوري والظهير الإسلامي (الترك)، ولكننا لا نعتقد أن النظام السوري من الغباء أو إلى هذا الحد من السذاجة ليكون أداة طيّعة بيدكم يتدخل بشروطكم وتوقيتكم دون مقابل؟ ألا يقّدر النظام إمكاناته الفعلية عسكرياَ في مواجهة دولة عسكرية متطورة كتركيا، وخاصة في سلاح الجو؟ ولنفترض جدلاً أن النظام اشترط أن يترافق مساهمته بالدفاعات الجوية بالتدخل البري ماذا سيكون موقفك؟ نعتقد أن هذا الخيار الافتراضي لن يكون مناسباً وربما الرهان لا يزال معقوداً على الأمريكي، فعبدي لم يفقد بعد الأمل في تجنب هذه الخيارات السيئة فكلنا يدرك أن شروط النظام ستكون باهظة الثمن وهي سيادة النظام على كل سنتمتر مربع من الأرض السورية على الأرض وتجريد قوات عبدي من القوة الفعلية وإبعادها عن المحور الأمريكي ويحبط “المشروع الديمقراطي السوري“.

قلنا أن السلطة/الطغمة هي الأخطر لحظة غياب إمكانية قيام الأسوأ ”دولة إسلامية“ ولكن عندما تدخل تركيا ستتحول إلى الأخطر والأسوأ معاً في هذه البقعة من الأرض السورية، لأنه يعيد الإمكانية لقيام الأسوأ فضلاً عن قيامها بعمليات تغيير ديمغرافي وستخلق كوارث جديدة على الساحة السورية فضلاً عن الموجودة

نحن ندرك طبيعة الخلافات بين قسد والسلطة السورية والتي يمكن تلخيصها في: رفض هذه الطغمة على الإطلاق لأي اعتراف قانوني بهذه الإدارة وإعطاء الأكراد أي حقوق غير الحقوق الثقافية. فالطغمة ترفض إعطاء الإدارة أي وضع قانوني سياسي، وهي ما تزال تصف “قسد” بالعصابات الإنفصالية، بناءً عليه ليست هناك إمكانية حقيقية لعلاقة ما بين قسد وهذه الطغمة.

إذا كنا لا نريد لا تركيا ولا النظام أن يسيطرا على الجزيرة السورية؟ فليس إلا الإدارة الامريكية القادرة على ضمان استقرار الإدارة الذاتية ومنع التدخل التركي. ولكن ماذا إذا لم يقم الأمريكان بما يجب لردع الثنائي القذر؟ هنا يصبح العدو الأول هو التركي ومن معه ويتأخر دور النظام ….لأن الأتراك هم من سيقومون بشن الهجوم وليس ذلك النظام. ونعتقد أن درس ”عفرين” كان قاسياً بما يكفي للإدارة عندما رفضت العرض الروسي بدخول النظام لمنع التدخل التركي، فذهبت عفرين محتلة وتتالت سلسلة الانتهاكات بحقها.

التركيز على الخطر القادم من الشمال وهو الخطر التركي الذي يهدد فضلاً عن الوجود الكردي القضية الوطنية السورية والقضية الديمقراطية.

قلنا أن السلطة/الطغمة هي الأخطر لحظة غياب إمكانية قيام الأسوأ ”دولة إسلامية“ ولكن عندما تدخل تركيا ستتحول إلى الأخطر والأسوأ معاً في هذه البقعة من الأرض السورية، لأنه يعيد الإمكانية لقيام الأسوأ فضلاً عن قيامها بعمليات تغيير ديمغرافي وستخلق كوارث جديدة على الساحة السورية فضلاً عن الموجودة.

 قلنا ومازلنا على قولنا: بأن الأرض السورية الحاملة للصيرورة ولاحتمال التغيير الديمقراطي في هذه اللحظة هي شرق الفرات وليس غيرها و على كل القوى الديمقراطية أن تجد طريقها إلى الجزيرة وأن تعمل على جعل الجزيرة السورية منصة لاستعادة حلم السوريين بالحياة الديمقراطية بعيداً عن الاستبداد والظلاميات.

ختاماً: إذا تبدى لنا أن الجزيرة السورية قد تحتلها تركيا فعلى “قسد” أن تنسق ولو مع الشياطين من أجل منع ذلك.

مكتب الاعلام في تيار مواطنة – نواة وطن

١٢-٦-٢٠٢٢

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة