ما بعد موت مبادرة ماكرون… لبنان الى البحر
فشلت مبادرة ماكرون رغم توافق السياسيين اللبنانيين شكلياً حولها، وإن كان ماكرون لا يزال يطمح أن يرى نتائجها خلال النصف الثاني من هذا الشهر، وهي المهلة التي أعطاها للسياسيين اللبنانيين، إلا أنه سيتوجب عليه على ما يبدو إعطاؤهم المزيد من المُهل في الأشهر القادمة، بانتظار أن تقول الولايات المتحدة كلمتها على لسان رئيسها الجديد المنتخب.
يبدو في الخطاب السياسي الفرنسي واللبناني أن لا أحد يرغب في نعيّ المبادرة علناً، لكن يمكن قراءة النعوّة في خطاب نبيه بري حول المفاوضات التي ستجري بين الجيش اللبناني والطرف الإسرائيلي لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، حيث غمز لماكرون طالباً منه التحدث مع شركة (توتال) الفرنسية للإسراع في التنقيب عن الغاز في البحر بلهجته الدبلوماسية الساخرة، هذا هو ربما الدور الوحيد الذي يستطيعه ماكرون لإنقاذ لبنان من الكارثة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي لم يشهدها منذ نهاية الحرب الأهلية في القرن الماضي.
فشلت مبادرة ماكرون لأسباب عديدة، أولها تعنت الفريقين الشيعيين اللبنانيين وإصرارهما على تسمية وزرائهما والتمسك بحقيبة وزارة المالية، والذي أدى إلى افشال تشكيل “حكومة توافقية”، وتقديم مصطفى أديب اعتذاره عن تشكيلها بعد أقل من شهر من توليه منصبه معلناً عدم إمكانية تحقيق ” التوافقية”.
وإن كان ماكرون يستبعد التدخل الإيراني في هذا الشأن، إلا أن إيران وحليفها حزب الله يراهنان على فشل ترامب في الانتخابات الأمريكية، ويلعبان في الوقت المستقطع حتى تتكشف السياسة الأمريكية الجديدة وموقفها من إيران.
لكن فشل المبادرة الفرنسية في الأساس يعود إلى جوهرها المبني أولاً على وهم كبير بالدور الفرنسي في لبنان، وعلى مخيال ماكرون في تأثيره السياسي واقعياً دون إدراك الحقائق الجديّة والجديدة على الأرض، ففرنسا لم تعد منذ عقود إلا صديقاً معنوياً للأطراف السياسية وصمام أمان وهمي للتوافقات الصورية المبنية في الأساس على مصالح الطوائف وزعمائها في لبنان.
إن الخلل البنيوي في التركيبة السياسية اللبنانية هو السبب الأهم في الموت السريع للمبادرة، فلا شروط ماكرون لنزع الفساد عن الطبقة السياسية الفاسدة ممكناً، ولا تلبيته للخطاب الشعبوي على الأرض بإعادة انتدابها، أو لعب دور في التحكم بالسياسية اللبنانية عاد ممكناً، فلبنان المنقسم والواهن هو اليوم أشد هشاشة في علاقته بالخارج، وهو عرضة للاستخدام كساحة صراع لقوى ولاعبين خارجيين، أخطرهم هو اللاعب الإيراني ومشروعه التوسعي واستماتة حزب الله في تنفيذ هذا المشروع على حساب المصالح الوطنية.
ستكون الأشهر القادمة قاسية على الشعب اللبناني، وخاصة الطبقات الفقيرة والمعدمة التي لم يعد يمثل مصالحها أيّ من الزعماء السياسيين الطائفيين، فالبلد أصبح على شفا هاوية قد لا يستطيع الخروج منها لعقود، والأزمة المالية الشديدة تدفع بالكثير من الفئات يومياً إلى تحت خط الفقر، فيما يجد الكثير من اللبنانيين وخاصة الفئة الشابة في الهروب من البلاد فرصة للنجاة، والحال إن إعادة إعمار المرفأ والمنطقة المنكوبة حوله يحتاج إلى مليارات الدولارات تضاف إلى مديونيات لبنان التي كانت قد وصلت قبل حادثة الانفجار إلى مئة مليار دولار.
ويبقى الحل الوحيد اليوم أمام السياسيين اللبنانيين هو البحر، وتبدو رسالة بري لشركة (توتال ) عبر ماكرون هي الحل الوحيد، والذي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع الجارة إسرائيل، وسيتوجب على الطرفين الشيعيين أن يقبلا بهذا الحل الإسعافي، أو أن يعطلاه من جديد، خاصة اذا تضمنت الاتفاقية أي شرط إسرائيلي من شأنه التقليل من تحكمهما بمفاصل الدولة وتغلغل حزب الله في جهاز الأمن ومفاصل الدولة الحيوية، أو أن يتضمن أي شرط معطل للمشروع الإيراني في المنطقة.
ستكون عيون اللبنانيين منصوبة على البحر، إما ليفيض بخيارات النفط والغاز ويحل مشكلاتهم، أو أن يكون طريقاً يعبرونه للتخلص من بلادهم ومشكلاتها، وأما أعين السياسيين فستكون على الانتخابات الأمريكية ونتائجها وموقف الإدارة الأمريكية من إيران وأذرعها في المنطقة، وبالمقابل ستكون أعيننا على الشارع اللبناني الذي نتمنى أن يطيح بالسياسيين اللبنانيين الطائفين ومشروع حزب الله ومن خلفه إيران ويرمي جميع مشاريعهم إلى البحر.
تيار مواطنة
المكتب الإعلامي 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2020