مراجعة نقدية أولية- الجزء الرابع والأخير
13-حول التحالفات
يمكن القول إن التحالفات كانت حكاية إخفاق مرير سواءً أتعلق الأمر بالكيانات التي تنطحت لتمثيل الشعب السوري كالمجلس الوطني والائتلاف وهيئة المفاوضات أم كان ذلك على أصعدة أضيق وأكثر تعددا من مثل التجمعات المتكاثرة كالفطر دون أي تقدم فعلي.
فيما يخصنا نحن في تيار مواطنة يمكن القول: إن جميع المحاولات التي بذلناها وجميع التجمعات والتحالفات أو الائتلافات التي خضناها آلت إلى الإخفاق أو في طريقها إلى ذلك بدءاً من ائتلاف وطن في بداية الانتفاضة والذي ضم (16) منظمة صغيرة متعددة المشارب، ولكنها في الاتجاه العام كانت ذات طبيعة وطنية ديمقراطية أو علمانية أو ما يقارب ذلك ولكنها سرعان ما ذهبت في مهب الريح السورية العاصفة، وكذلك الأمر مع ائتلاف القوى العلمانية والتجمع العلماني الديموقراطي، واللقاء السوري الديمقراطي، وليس من الواضح اليوم المسار الذي سوف تتخذه بعض محاولاتنا مع حركات تشبهنا من مثل نواة لمستقبل سورية أو الحركة الديمقراطية الوطنية في إدلب أو حوارنا الذي يمكن أن ينطلق مع اللجنة التحضيرية لمؤتمر القوى الوطنية والديمقراطية السورية وبعيداً عن التشاؤم وإقراراً بالواقع العنيد يمكن أن يكون من الصعوبة الوصول إلى الغاية المنشودة حتى إشعار آخر، على الرغم من ضرورة الاستمرار في بذل الجهود المطلوبة وعدم الاستسلام للجانب الأسود في الواقع، إذ نعتقد بأن الحوار- أي حوار- هو مهم جداً حتى لو لم يصل إلى النتيجة المرجوة منه.
إن الأمر على الصعيد العام لا يختلف كثيراً عما قلناه على الصعيد المصغّر والفرعي، فالإشارة السابقة أعلاه تبقى صحيحة وفي الحالتين نحن أبعد ما نكون عن جلد الذات، بل على النقيض من ذلك- كما يلاحظ القارئ- كان تركيزنا الأساسي على الظروف الموضوعية والتعقيدات الرئيسية على الساحة السورية وتفاعلاتها وصيرورتها اللاحقة. ولأن الأمر كذلك فإننا سنتابع التركيز على هذه الظروف التي نعتقد أنها الأساس في حكاية الإخفاق المذكور.
لقد أدى الانقسام العمودي في المجتمع السوري وعقابيله المأساوية واصطفاف الأقليات الدينية والطائفية مع السلطة وفي المنطقة الرمادية والتفاف اليسار العالمي والإقليمي والعربي وبعض اليسار المحلي والقوميين العرب والقوى الفلسطينية من اليسار إلى اليمين إلى الوسط والشعب الفلسطيني بشكل عام، ومن بين أمور أخرى أهمها الذهاب إلى العسكرة فالأسلمة فالطائفية وخطابها القبيح بما في ذلك الظهير الإقليمي والعربي لها- بل وكذلك الدولي- إلى انقسامات سرطانية في جسم المعارضة السورية بشكل عام وفي الجسم الوطني– الديمقراطي– العلماني- الليبرالي- القومي اليساري ..إلخ أيضاً بحيث صار بوسعك أن تعدّ عشرات الكيانات السياسية والمدنية في مناطق سيطرة السلطة- الطغمة والمناطق منزوعة السيطرة السلطوية وفي الخارج، والحق بوسع المرء أن يقول : إن عددها بالمئات بحيث تتشكل المجاميع السياسية والمدنية من بضعة أفراد أحياناً ومن عشرات أحياناً أخرى، ومن مئات في أحيان ثالثة، ونادراً ما تكون بالآلاف– هذا إذا وجدت مثل هذه المجاميع- وعندئذ من أين للتحالفات الحقيقية أن تحصل؟
من الضروري في هذا السياق الإشارة إلى الفرق بين تقاطع المصالح الموضوعي الذي يجعل من إمكانية وجود علاقة على أساسها دون الدخول في أي تحالف ذاتي، وبين هذا الأخير الذي لا يقوم على تقاطع المصالح فحسب بل وعلى مشتركات أصيلة ذات طابع استراتيجي وتكتيكي معا يمكّنها أن تكون على قاعدة صلبة لتحالف سياسي أو مدني أو هما معاً. ولقد عرفنا
هذين النوعين بقدر من الغموض والوضوح في آن معاً فيما يخص كل حالة منهما وبعضها لا يزال قائما حتى اليوم وأخرى قد تنشأ في المستقبل ومن الضروري أن يتحقق ذلك.
تذهب الغالبية العظمى من الأفراد والقوى السياسية والمدنية إلى اعتبار أن السمات الشخصية والحزبية والأخلاقية هي السبب وراء هذا الانقسام العميق، ويبدأ الهجاء السياسي المنفلت من كل عقال باحتلال المساحة الكبرى من التحليل والتعليل وتبادل الاتهامات بالجملة والمفرق.
إن تيار مواطنة– كما قلنا غير مرة- لا يتجاهل أبداً الآثار الضارة والعقبات الكأداء التي تصنعها الأنانية والفردية والانتهازية والمصالح الشخصية والبنية الأخلاقية والخيارات الخاصة في وجه التحالف الجبهوي، ولكنه يعتقد أن ذلك كله مجتمعاً لا يشكل الأساس للوضع المزري الذي نعيشه اليوم.
إن نظرة عميقة إلى قلب الأمور تسمح بالقول: إن الواقع الموضوعي وتعقيده والانتماء العقيدي والسياسي والانحيازات الحقيقة والخيارات المفضلة والحلول الممكنة والأساليب والطرائق الضرورية وأمور أخرى كثيرة هي السبب الأساسي في هذا التشظي المديد وليس من شأن الأمور المذكورة أعلاه إلا أن تزيد الوضع سوءاً وتزيد من صعوبة الحلول.
قد يقول قائل هنا: إن النظرة السابقة غير مطابقة للواقع المعيش والدليل أنه قامت في سورية جبهات وتحالفات وائتلافات عديدة؛ وهذا القول يبدو ظاهرياً صحيحاً. وإذا كان بعضها ينطبق عليه القول المذكور فإن الائتلافات الأساسية وبخاصة في المعارضة التي نقصدها دائما نشأت على قاعدة الإرادات الدولية بدءاً من المجلس الوطني وانتهاء بهيئة المفاوضات، بل وصلت هذه الإرادات في الأخيرة إلى المحاصصة الواضحة، وعندئذ لابد من الاعتراف أن الإرادات الذاتية على حضورها لم تكن هي الأساس، بل كانت تابعة إلى حد كبير.
ومادمنا قد وصلنا إلى التبعية والارتهان لا بد من بضع كلمات في هذا الصدد، لأنه هنا أيضاً ينبري متبادلو الاتهامات ليجعلوا الأسباب الذاتية السلبية هي الأساس، في حين يعتقد تيار مواطنة أن السبب الرئيسي على قاعدة الظرف الموضوعي هو القناعات السياسية العميقة والتطابق في العقيدة الدينية والسياسية والتقاطع الموضوعي في المصالح- أو على الأقل الفهم المبني على ذلك بصرف النظر عن صوابه أو خطئه من الزاوية المعرفية والسياسية- ولنضرب على ذلك مثلا هو الارتهان لتركيا وقطر، هل يكفي تفسير ذلك على قاعدة الانتهازية والأنانية والأسباب الأخلاقية أم أن هنالك أسباباً أعمق بكثير بدءاً من وحدة العقيدة وصولاً إلى طبيعة النظام القادم مروراً بالظروف الضاغطة للضرورات اللوجستية ولمن يرفض ذلك يمكن أن يحال إلى المقاتلين السوريين الذين يقاتلون من أذربيجان إلى ليبيا مروراً بسورية مع تركيا أردوغان، بل ينبري سهيل أبو التاو( مقاتل إسلامي مشهور باستخدام صواريخ التاو ضد الدبابات السلطوية) لتطوعه للحرب مع تركيا المذكورة ضد اليونان في البحر الأبيض المتوسط.
هل هؤلاء المقاتلون مجرد مرتزقة؟! بينهم أناس كذلك بالتأكيد، ولكنهم من الناحية الرئيسية هم مقاتلون إسلاميون يعتبرون معركتهم واحدة في كل مكان في العالم، وزعيمهم أردوغان يأمر فيطاع، وعدم رؤية ذلك لا يعني أنه غير موجود، ولا ندري كم يصح ذلك على أولئك المقاتلين- المرتزقة- الذين يقاتلون في ليبيا مع الطرف الآخر المعادي للسرّاج وتركيا، أليس بينهم أحد يرى المعركة بالإضافة إلى الارتزاق ضد عدوه الحقيقي.
نترك الآن الأسباب الفعلية للتشرذم السوري المعارض، وننطلق إلى محاولة تقدير الأوضاع التي يمكن أن تدفع نحو التقارب وصولاً إلى التحالف في جبهة تستحق اسمها.
يعتقد تيار مواطنة مرة أخرى أن الظروف الموضوعية على الأرض وفي المجتمع هي التي يمكن أن تؤسس لذلك الأمر، والذي يعني أنه لابد من متغيرات حقيقية على الأرض وفي المجتمع، بمعنى أن يستعيد الشعب السوري- أو بعضه على الأقل- إرادته في النضال عملياً وليس نظرياً، ولأن الشعوب لا تتحرك بكبسة زر ولأنها تتعب وتحبط وتخرج من الميادين حتى إشعار آخر، نقول لذلك فإن من أهم المتغيرات التي يمكن أن تسمح باستعادة الروح هو الوصول إلى تسوية بين الثورتين المضادتين المتصارعتين؛ السلطة الطغمة وحلفائها والفصائل العسكرية الإسلامية المتطرفة وحلفائها لأنه باستثناء الكرد ليس على الأرض بندقية غير سلطوية وغير إسلامية، ومن الممكن في سياق آخر أفضل أن تكون عودة الروح قائمة على تسوية دولية وفق قرار الأمم المتحدة (2254) أو تسوية أخرى أقل من ذلك بقليل أو كثير.
وفي هذا السياق فإن أي تسوية في سورية قائمة من حيث الأساس على اتفاق بين الثلاثي روسيا، تركيا، أمريكا، وكل ما عدا ذلك هو مسائل ثانوية تعزز أو تعيق سياق الثلاثي هذا.
إن رفع البندقية عن رقاب الشعب السوري قد يكون المقدمة لعودته إلى الفعل وبدون هذه العودة من الصعب تصور جبهة حقيقية، ولا معنى في هذا الصدد للأناشيد الثورية التي تتحدث عن الشعب الواقف على المتراس ولا يقبل بأقل من تحقيق مصيره وإرادته في الحرية والكرامة والعدالة، لأن هذا الخطاب لا علاقة له بالأرض والشعب والوقائع وقد صار وراءنا إلى حد بعيد ومنذ زمن بعيد، والشعب اليوم على استعداد لقبول الحد الأدنى من حقوقه التي انتفض من أجلها، وهذا ما يدور في الأصل في ردهات المفاوضات منذ عام 2014م وحتى الآن.
إذا صح ما سبق فهل يعني أن علينا انتظار “غودو” وعدم القيام بأي فعل يستحق اسمه؟
بالتأكيد لا، إذ من الضروري العمل الدؤوب- بدون أوهام- من أجل جبهة وطنية- ديمقراطية عريضة من القوى السياسية المتقاربة ببرنامج وطني حقيقي يطفئ الخطاب القائم وبخاصة في صيغته الطائفية البغيضة حتى لو لم يكن لهذه الجبهة أي وزن فاعل اليوم، وحتى إشعار آخر، وبهذا المعنى فإننا نخالف المثل العامي القائل:” لنشوف الصبي منصلي على النبي” ونعمل على أساس المثل القائل:” نهيئ السرج للحصان قبل أن يولد”، بمعنى ضرورة وجود الجبهة المذكورة ليكون بإمكانها أن تسرج على المتغيرات عندما تولد من رحم الأحداث والمتغيرات القادمة بالتأكيد.
إن ولادة الجبهة المنشودة حتى لو كانت في البداية نواة صغيرة يتوقف ليس على ما سبق فحسب، بل على المآل الذي سوف تتخذه مناطق النفوذ في سورية محلياً وإقليمياً ودولياً التي تبدو اليوم مستقرة إلى حد ملموس ولكنها حبلى بالمتغيرات لعجزها عن الاستمرار كذلك إلى الأبد وسيتوقف الكثير على موازين القوى اللاحق بين مناطق النفوذ، ومع ذلك يبقى أن نشير إلى أننا نتوقع أن تأخذ الجزيرة السورية دوراً فاعلاً على هذا الصعيد، ومن الممكن أيضاً أن يكون للجنوب السوري دور ملموس هو الآخر، بقي أن نقول: يجب ألا تقع الجبهة المنشودة في مطب التنافس مع الكيانات القائمة على شرعية تمثيل الشعب السوري على الأقل في البداية وحتى يقوى عودها، وتصبح قادرة على الاستقطاب الحقيقي والفعلي على الأرض وفي السياسة.
ثمة إضافة قد تكون ضرورية إلى ما سبق، تقوم على قاعدة الوضع السوري المعقد الذي يجعل من مسألة الجبهة والتحالفات مسألة أبعد ما تكون عن البساطة التي تطرح فيها في كثير من الأحيان، وسنحاول فيما يلي أن نقدم باختصار شديد بعض مرتكزات هذه المسألة:
نظرياً: يجب الاتفاق- حتى تقوم جبهة استراتيجية- على عدة مشتركات أساسية منها:
- الاتفاق على الهدف بالمعنين السلبي والإيجابي – أي بمعنى الهدم وبناء البديل الديمقراطي وليس الهدف السلبي فقط الهدم، الإطاحة، الإسقاط إلخ.
- الحامل أو الحوامل الاجتماعية للهدف المذكور.
- الوسائل والأساليب والطرائق سلمية أم عنفية أم هما معاً.
- الحلفاء الخارجيون والأصدقاء في حال وجودهم وطبيعة العلاقة معهم وحدود هذه العلاقة.
- إلا أن الأمر في الوضع السوري لا يقف عند هذه المقدمات بل يتعداها إلى قضايا أخرى انطلاقاً من التعقيدات الشديدة التي ذكرت غير مرة، في حين أن هذه القضايا نادراً ما تطرح في أوضاع أخرى من العالم، وذلك من مثل مسألتين في غاية الأهمية وهما الهوية وطبيعة الدولة وبنيتها وشكلها ونظامها السياسي، ولهذا السبب ولأسباب أخرى، فإن تيار مواطنة يعتقد أن مسألة الجبهة والتحالفات تمر بثلاث دوائر على الأقل، وبناء هذه الدوائر يتوقف على تطور الظروف التي نعيشها وبخاصة في الحقلين العسكري والسياسي، كما يتوقف على ما قبل الحل السياسي وفي سياقه وما بعده، هذا إذا حصل مثل هذا الحل، أو استمر الوضع في الاستنقاع، أو تمت محاولة كسر كل ذلك في سياق عمل عسكري داخلي أو خارجي أو بهما معاً.
انطلاقاً مما سبق فإننا نعتقد أن مسألة التحالفات يمكن أن تنشأ على وفي سياق ضرورة بناء:
- نواة صلبة مهما تكن صغيرة في البدء تتفق من الناحية الرئيسية على الهوية التاريخية الراهنة لسورية وشعبها، وعلى طبيعة الدولة وشكلها ونظامها السياسي، وعلى الهدف السياسي بجانبيه السلبي والإيجابي، الهدم وبناء البديل وعلى سائر القضايا الأخرى المذكورة أعلاه، وهي الدائرة الصغرى التي يجب التركيز الدائم عليها.
- دائرة تقوم على الاتفاق على الهدف بجانبيه السلبي والإيجابي بما في ذلك الوسائل والأساليب والحلفاء…إلخ مع الانفتاح على طبيعة الهوية الراهنة وبنية الدولة، وهي الدائرة الوسطى.
- دائرة كبرى تتعلق بالهدف الرئيس الذي هو الإطاحة- التغيير الجذري كما يفضل البعض- دون الاتفاق بالضرورة على طبيعة الدولة والهوية والأساليب و.. إلخ، وهذه هي الدائرة الكبرى.
من الطبيعي في هذه الحال أن تكون الدائرة الصغرى هي الدائرة الاستراتيجية والتي لها درجة كبيرة من العمق والاستمرار ويتوقف اتساعها ونموها على التغيرات على طرفي الصراع وبخاصة لأن الكتلة الموالية أو المحايدة أو الصامتة تشكل قاعدة اجتماعية حقيقية للنواة الأولى عندما يتعلق الأمر بالعلمانية والديمقراطية والهوية السورية، وهي النواة التي يمتد زمنها مما قبل الحل السياسي وأثنائه وبعده حتى تترسخ سورية المنشودة من قبلها (أي من قبل هذه النواة الصلبة).
أما الدائرة الوسطى- بسماتها التي ذكرناها- فإن زمانها الفعلي في حال قيامها هو ما قبل الحل السياسي أو كسر العظم في الصراع القائم وقد تستمر في سياقه إلى ما قبل الانتخابات اللاحقة- هذا في حال حصولها- وهي دائرة ينبغي العمل عليها جنباً إلى جنب مع الدائرة الصغرى- النواة الصلبة.
أما الدائرة الكبرى فهي الشورباء القائمة اليوم بشكل أو بآخر عفوياً أو تنظيمياً عبر الكيانات التي مثلت أو ادعت تمثيل الشعب السوري كالمجلس الوطني والائتلاف وهيئة المفاوضات، وهي في كل الأحوال كيانات تكتيكية مؤقتة، وهذا يعني أن من الصعب أن تولد الدائرة الكبرى بصفتها كياناً مستقراً حتى لو كان مؤقتاً.
إن ما سبق يقوم كما ذكرنا على الصعيد النظري، أما على الصعيد العملي اليوم في سورية فإننا نرجح استمرار الأشكال الهلامية للدائرة الثالثة الكبرى حتى إشعار آخر، لأننا نعتقد- ومن خلال التجربة- أن الظروف الموضوعية والذاتية القائمة عليها لا تساعد كثيراً في قيام الدائرتين الصغرى والوسطى على الرغم من كل الدعوات والمبادرات والندوات والحوارات وحتى قيام بعض الأشكال من التحالفات والتجمعات واللقاءات على الصعيدين المذكورين.
وعلى الرغم من ذلك ومن إيلاء تيار مواطنة الأولوية للظروف الموضوعية فإنه قد دعا ويدعو وسيظل يدعو إلى قيام النواة الصلبة والدائرة الوسطى، بل هو على استعداد لما هو أبعد من ذلك إلى الاندماج الفوري مع القوى التي تشاركه الفهم السابق وهي غير قليلة بصرف النظر عن الحجوم الصغيرة.
إن تيار مواطنة إذ يتفهم التشظي المرضي للمعارضة الوطنية والديمقراطية السورية يعتقد أن الغالبية العظمى فيها قد وصل إلى طريق مسدود وإلى تقبل فكرة ضرورة الاتحاد أو التحالف أو الائتلاف و…إلخ، لقد قيل سابقا آلاف المرات: إن أهم ما يدفع إلى التحالفات هو اكتشاف الأطراف عجزها المطلق عن تحقيق المهمة المطلوبة على انفراد أو الاستمرار في الحال المرضي الذي هي عليه- وكلنا في هذا السياق في الهوا سوا.
14- حول ما سمّي المعارضة الوطنية الداخلية:
لقد أشرنا في سياق هذه المراجعة إلى أننا سنعالج هذه المسألة في الوقت المناسب، وها قد حان الوقت، وبخاصة لأننا وقفنا على مسألة التحالفات وهي تحيلنا إلى هذه المعارضة بخط مستقيم، إلا أننا سنكتفي هنا بمثال أساسي وهو هيئة التنسيق تاركين الآن القوى الأخرى التي تندرج بين هذه الهيئة وبين السلطة السورية، وصولاً إلى حاضنته الأخيرة.
لقد اخترنا هيئة التنسيق للعديد من الأسباب منها: أننا نعتبرها وطنية بحق وأنها معارضة بالتأكيد على نقيض ما تقوله بعض القوى التي تسمى معارضة الخارج، وكذلك الأمر بالسقف الممكن الوصول إليه عندما يكون الموقف محكوماً بالوجود في الداخل.. إلخ، ولكن من أهم الأمور التي دفعتنا إلى هذا الاختيار أمران:
أ- الأول، كون هذا الوجود بما له وما عليه دليلاً فاقعاً على ما ذهبنا إليه من أن الانقسام والتشظي قائم على أرضية الوضع شديد التعقيد في سورية، وهو الأمر الذي أكدنا عليه غير مرة على كل الصعد في سياق هذه المراجعة، ولا حاجة لنا لاستعادة الكلام من جديد هنا والآن.
ب- إن لاءات هيئة التنسيق الثلاث (لا للعنف، لا للطائفية، لا للتدخل الخارجي) مهمة في ذاتها، ومهمة في إحالتها إلى أشكال النضال والتحالفات، وهو ما كنا بصدده قبل قليل، وما سنحاول تسليط الضوء عليه في سياق هذه المراجعة.
ج – المآل الذي آلت إليه هيئة التنسيق والصيرورة التي عبرت خلالها إلى اليوم باختصار شديد.
نقول إننا سنركز على العنصر (ب) وهو المتعلق باللاءات الثلاث وعلاقة ذلك بأشكال النضال في الوضع السوري الملموس، وفي السياق التاريخي للنضال السلمي بشكل عام، وإلى حد ما على العنصر(ج).
نتفهم جيدا (لا للطائفية)، وهو موقف وطني وسياسي وأخلاقي وإنساني محترم لن نزيد عليه، كما نتفهم بالقدر نفسه (لا للتدخل الخارجي) وهو موقف ينسجم مع التاريخ الفكري والسياسي لمكونات الهيئة، وهو موقف محترم وإن يكن بحاجة لنقاش عميق فيما يتعلق بجوهره في الأصل، وفيما يتعلق بالوضع العياني الملموس، بقي أن نقول إن (لا للعنف) هي التي ستكون مدار الحوار هنا.
من حيث المبدأ من الصعب وجود عاقل يرفض النضال السلمي، ولكن الأمر لا يقف عند حدود المبدأ، وقبل الدخول في الوضع العياني السوري نود أن نشير إلى بعض الأفكار والممارسات التاريخية وقد يكون من المناسب القول:
إن كتاب “جين شارب” في وسائل النضال السلمي السلبي (الامتناع عن فعل شيء ما) والإيجابي (فعل شيء ما) قد يكون مرجعاً أساسياً في هذا الميدان، إلا أننا نعتقد أنه على الصعيد العملي في كل زمان ومكان يحتاج النضال السلمي ضد الديكتاتورية بشكل عام، والشمولية منها بشكل خاص إلى أرضية وإلى هوامش وثغرات ممكنة في الجدار الديكتاتوري، فكيف إذا كان الأمر ديكتاتورية وشمولية وطائفية وفاسدة معاً كما هو الحال في سورية؟
لنأخذ الآن مثال المجر 1956م أو تشيكوسلوفاكيا 1969م أو إسبانيا بين 1949م – 1955م أو أمريكا اللاتينية أو الصين نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وبولندا الثمانينيات، وإيران على مدى عقود، وكوريا الشمالية وسورية والعراق وليبيا و.. إلخ تاركين الآن الاستبداد الكلاسيكي الملكي أو الأميري أو المشيخي أو الجمهوري.
لقد سُحق النضال السلمي في المجر وتشيكوسلوفاكيا وإسبانيا والصين وفي معظم الأمكنة من العالم، ولكنه انتصر في أماكن أخرى قليلة وبقي معلقاً في أماكن أقل.
لقد انتصر في الهند إلا أن الناس نسوا الذي قاله غاندي آنذاك: ” لولا شرف شرطة الإمبراطورية البريطانية العظمى ما كان للنضال السلمي في الهند أن ينتصر”. والأمر نفسه في كوريا الجنوبية، وفي سياق تدريجي مديد- فلماذا والحال هذه-يبدو الأفق مغلقاً بإحكام في الجارة كوريا الشمالية؟ والجواب بسيط، وهو ذلك المتعلق بوجود هامش ما، ومن الجنون القول: إن هناك هامشاً اليوم في كوريا الشمالية، حتى لو كان ثقب إبرة.
وبالعودة إلى الوراء أيضاً يمكن ضرب المثال الجنوب الإفريقي، الذي على الرغم من القمع الدامي في البداية والذي دفع إلى الكفاح المسلح مع دوافع أخرى (تشكيل منظمة رمح الأمة بقيادة مانديلا) انتهى إلى مصالحة تاريخية رائعة عندما توفر الهامش الذي هو تحول السلطة على يد الإصلاحي فريدريك دوكليرك، والمثال البولوني الذي أُغلق في النصف الأول من الثمانينيات انفتح لاحقاً بعد انفتاح غورباتشوف في الاتحاد السوفيتي وتقليده في كل مكان تقريباً من أوروبا الشرقية عدا رومانيا، ومن الإنصاف القول: إن انفتاح القيادة البولونية تزامن- بل قد يكون سبق قليلاً- انفتاح غورباتشوف، وذلك انطلاقاً من نهج ياروزلسكي والأمر نفسه بأشكال أخرى في إسبانيا وتشيلي والأرجنتين والبرازيل وأوروغواي وإلى آخر السلسلة.
إن ما سبق يسمح لنا بأبداًء الملاحظات التالية:
- إن نضال الشعوب هو أولاً وأخيراً نضال متموج، يصعد ويهبط وينام ويستيقظ بوتائر متباعدة في الأغلب الأعم ولا علاقة له بنضال الخط المستقيم.
- يحتاج النضال السلمي إلى هوامش فعلية مهما تكن صغيرة حتى يثمر، وهذه الهوامش طبقاً لكل ظرف وحالة عيانية من الأوضاع التالية:
- السماح من قبل السلطة بهوامش يمكن استثمارها لأسباب كثيرة لسنا بصددها الآن بدءاً من ضعفها وانتهاءً بقوّتها.
- نشوء مراكز قوى داخل السلطة وصراعها ومحاولة استقوائها بالمجتمع وضعف قبضتها نتاجاً لذلك.
- تآكل شرعية السلطة عبر زمن طويل ونخرها من الداخل وصولاً إلى مآلها الأخير، وهو ما حصل في أمريكا اللاتينية.
- ضغط المثال الخارجي على السلطات المحلية، وهو ما حصل في الكتلة الاشتراكية الأوروبية وهو ضغط معاكس لما حصل في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين.
- الهامش الذي يمكن أن يُفتح بضغط الخارج متعدد الأشكال فكرياً ومعنوياً وسياسياً واقتصادياً… إلخ.
- صعود موجة تاريخية جديدة لجميع الأسباب السابقة ولغيرها من الأسباب، وهكذا موجة تفوق كل ما سبق أهمية، وللذين يهمهم الأمر نذكر بالموجات الديمقراطية في العالم، بين الحربين العالميتين، وبعد الحرب العالمية الثانية، وفي العقود الثلاثة من القرن العشرين التي بدأت بثورة القرنفل في البرتغال عام 1974م وحتى اليوم مع بعض الانتكاسات المعاكسة لهذه الموجة والمحدودة الأثر.
والآن أين سورية من كل ما سبق؟
ألم يكن هنالك نضال سلمي (فكري- سياسي- مدني) في بداية هذا القرن دون أي ظل للعنف وتدخل الخارج والطائفية- نقصد على صعيد المجتمع وليس السلطة- ألم يتجسد ذلك في المنتديات والندوات وبعض أشكال الاحتجاج والاعتصام والتظاهرات الصغيرة؟
نعم لقد جاء ذلك في سياق ربيع دمشق وسورية الحقيقي، ولكن ألم تجهضه السلطة المستبدة بالقمع متعدد الأشكال وصولاً إلى الاعتقال المباشر، وألم يتوقف هذا الربيع عن الإزهار حتى ربيع عام 2011م؟
ولأن ذلك كذلك من حقنا أن نسأل السؤال التالي:
إذا كان الاعتقال لعدة أشخاص والخوف الناشئ عن ذلك كافياً لوقف مؤقت لربيع دمشق إن لم نقل إخماده، فكيف سيكون الحال عندما تستخدم السلطة القمع الدموي والقتل والاعتقال…إلخ في سياق الانتفاضة التي انتشرت بعد آذار 2011م؟
لقد وضع هذا القمع المتظاهرين أمام خيارات حادة أحلاها شديد المرارة وهي:
- إما العودة إلى البيت بعد هذه المغامرة، وهو ما كانت الجماهير الإيرانية تفعله كل مرة منذ سنوات طويلة، حيث تنتفض وتواجه بالقمع وتستمر بضعة أيام أو أسابيع ثم تستسلم عائدة إلى بيوتها.
- وإما متابعة المغامرة ومواجهة الرصاص بصدور عارية والذهاب إلى الموت دون التأكد من أن ذلك سيأخذنا إلى النصر في النهاية، ومن الصعب أخلاقياً وإنسانياً وعملياً الدعوة إلى هذا الخيار.
- أو مواجهة العنف العاري بالعنف المضاد، وهو الأمر الذي تجسد في التاريخ مراراً وتكراراً حتى لا يكون الموت مجانياً، وحتى يدعم الأمل بالقوة بصرف النظر عن موازين القوى و…إلخ وهو الأمر الذي حصل في سورية، وأماكن أخرى من العالم للأسباب السابقة.
- ولأن القاعدة تقول: في الأغلب الأعم تفرض السلطات الديكتاتورية والشمولية منها بخاصة أساليب الصراع لأنها الأقوى بالأحوال الطبيعية، وهذا ما حصل في سورية بشكل شبه حرفي تقريباً من العنف وحتى الإعلام مروراً بالسياسة، بقي أن نضيف أن هنالك أسباباً أخرى لما حصل جئنا على ذكرها سابقاً وهي استعداد الجسم الرئيس في الانتفاضة للذهاب إلى العنف على قاعدة الوضع المعقد في سورية.
لقد قلنا إن مسألة النضال السلمي والعنفي تطرح على قاعدة إنسانية وأخلاقية وفلسفية وتاريخية وليس على القاعدة السياسية فقط، وعندئذ هل كان دعاة النضال السلمي قادرين على أن يطلبوا من الجمهور الاستمرار في التظاهر والموت إلى ما لانهاية؟ من الصعب تصور ذلك ومع ذلك فإن هذا هو الذي حصل لأن أحداً لم يتجرأ على القول عودوا أيها الناس إلى بيوتكم- كما في إيران- حتى إشعار آخر لأن هذه السلطة القائمة على الاستبداد والعنف والشمولية والعصبية السلطوية الطائفية لا يمكن ان ترحل سلمياً أبداً على الأقل في السياق الراهن وهي على استعداد لفعل أي شيء حتى لا تقوم بذلك.
من الإنصاف القول: لا أحد طالب الناس بالموت في الشوارع مجاناً عبر مواجهة القمع والرصاص بالصدور العارية، ولمّا لم يطالبهم أحد أيضاً بالعودة إلى بيوتهم فإن الخيار الذي تُرك لهم هو إما الاستمرار في المغامرة وإما الذهاب إلى السلاح وهو ما حصل ولا حاجة بنا الآن لتكرار الأسباب التي أدت إلى ذلك.
وأما فيما يتعلق بالعنصر(ج) وهو الصيرورة التي عاشتها هيئة التنسيق ومآلها الراهن فبوسعنا القول: إن اللاءات الثلاث دخل عليها بعض التعديل الفكري أولاً، والسياسي ثانياً، وحتى لا يكون كلامنا على بياض نقول: يمكن العودة إلى التقرير الهام الذي صدر عن المجلس المركزي لهيئة التنسيق في آخر شهر آذار لعام 2012م والذي أشار من بين كثير من المسائل الهامة إلى ما يلي:
- تحذير السلطة من أن الاستمرار في العنف والقمع الدموي يدفع الهيئة أو يمكن أن يدفعها إلى الاستقواء بالخارج، لإنقاذ الموقف ومن الواضح أن هذا يعني فيما يعنيه مواجهة العنف بالعنف وإن يكن بشكل غير مباشر.
- الحديث عن برلمان بغرفتين واحدة عامة تقوم على قاعدة الانتخاب العام المباشر كما هو قائم في كل بلدان العام- وفي سورية شكلياً- وأخرى تمثل فيها المكونات السورية كما لو أنها مجلس شيوخ أو ما شابه، وعندئذ نكون قد فكرنا بحل لمشكلة المكونات هذه، تقترب بشكل أو بآخر من معالجتها بهذا القدر أو ذاك عبر إدخال بعض التعديل على (اللا للطائفية)، وفكرة الغرفتين هذه تذكرنا- حتى لو ادعى أصحابها أنها جغرافية- إقليمية- فقط- بمشروع الدستور السوري الذي قدمه الروس والذي تحدث عن جمعية المناطق.
وفي هذه الحال من الصواب القول: إن الاستعداد لإدخال تعديلات على لاءات هيئة التنسيق كان واضحا في التقرير المذكور حتى لو لم يتحقق ذلك، والسبب الأساسي هو قمع السلطة الوحشي والاعتراف المضمر بالمكونات بل وبدرجة ما بالانقسام العمودي والطائفية في السلطة والمجتمع.
- ثمة أمور أخرى في تقرير المجلس المركزي المذكور، ولكننا نكتفي بما ذكرناه أعلاه وننتقل إلى السلوك السياسي اللاحق لهيئة التنسيق.
كان من الواضح لكل ذي عين- وليس لذي عقل فقط- الخصومة العنيدة بين المجلس الوطني والهيئة، وأن كل الحوارات التي دارت في القاهرة وأوروبا إما أخفقت أو تم التراجع عنها بطريقة أو بأخرى من قبل الطرف الآخر، وبخاصة المجلس الوطني، ولكن من الواضح أيضاً أن الحوار كان يدور بين طرف مستميت على التدخل الخارجي- المجلس الوطني ولاحقاً الائتلاف- إن يكن بشكل مباشر أو غير مباشر وبين الهيئة التي ترفع (لا للتدخل الخارجي) عالياً، بل إن الأمر قد يكون أوضح في مكان آخر لقد ذهبت الهيئة إلى هيئة المفاوضات الراهنة- وربما إلى التي ما قبلها- وهي تعرف جيداً أن هذه الهيئات هي رهينة بشكل أو بآخر لقطر وتركيا والسعودية ومصر وروسيا و.. إلخ وكلها خارج، وكلها من منظور هيئة التنسيق لا تكنُّ الخير للشعب السوري إن لم نقل إنها لا وطنية ورجعية وطائفية بشكل أو بآخر، وعند هذا المفصل يمكن القول: إن اللاءات الثلاث قد فقدت الكثير من معناها، إن لم نقل ذهبت في مهب الريح وإن الهيئة اضطرت- وهذا مفهوم- للتعاطي مع الأجسام والوقائع السياسية القائمة على كل الصعد وفي كل الحقول، وقولنا هذا لا يعني بالضرورة أننا ضد هذا الفعل بل يعني شيئا آخر هو: نحن اليوم لسنا على ما كنا عليه في نهاية حزيران عام 2011م.
إن تيار مواطنة ليس ضد الحوار مع الخصوم أبداً، وبخاصة إذا كان هنالك أفق إيجابي وهو يشجع على ذلك مادام مثل هذا الأفق قائماً وقد انخرط هو نفسه في التيار السائد وأجسامه الممثلة بالائتلاف على سبيل المثال، ولكنه جاء على مناقشة تطور هيئة التنسيق على قاعدة الواقع الفعلي على الأرض وفي السياسة، وعلى ضرورة إعادة النظر من قبل الجميع في الكثير من المقدمات والمسلمات والمواقف.
قد يجادل بعضهم بالقول إن المآل السوري ذهب حتى اليوم على الأقل إلى وضع سقفه هو القرار الأممي (2254) وهو قريب مما كانت تسميه هيئة التنسيق بالتغيير الجذري أو ما شابه ذلك، وقد يضيف: ألم يكن من الأفضل إذن للمعارضة السورية أن تتبنى ذلك الشعار وأن تعمل على أساسه وأن تستلهم اللاءات الثلاث، وأن توفر على الشعب السوري كل هذا الخراب والموت واللجوء و… إلخ؟
والجواب على ذلك جاء في جزء منه في السياق السابق حول صيرورة هيئة التنسيق نفسها وفي معالجة مسألة أساليب النضال بشكل عام وبخاصة السلمية منها في العالم وعندنا، ومع ذلك يمكن أن نضيف بعض الأفكار الأخرى في سياق الرد على التساؤل أعلاه.
من السهل جداً الحديث عن التاريخ وتحليله وتفسيره بعد أن يكون قد مضى لأن المرء ليس بحاجة في هذه الحال إلا إلى ربط النتائج بالأسباب منطقياً، بحيث تفضي الثانية إلى الأولى بخط مستقيم وينبثق الحاضر من رحم الماضي كما ينبثق الجنين من رحم الأم بسلاسة أو بصعوبة نسبية أو بعملية قيصرية. والحال كلها احتمالات في الصيرورة المؤدية إلى المآل الذي تؤول إليه بعد أن تكون الولادة قد تمت. وقد علق على ذلك ماركس ساخراً ذات مرة عندما قال:” من السهل الحديث عن صنع التاريخ وتفسيره منطقياً وعملياً بعد أن يتم، ولكن الأمر يختلف عندما نكون أمام صنعه والاحتمالات الممكنة والإرادة البشرية وأفق النضال و.. إلخ”
والحال إن هذا ينطبق على الوضع السوري تمام الانطباق، ولدينا مثال عمره حوالي ثمانية عقود كنا في قلبه يمكن أن يكون هو الآخر دليلاً تاريخياً على الجدال المذكور أعلاه وهو القضية الفلسطينية.
كثر هم اليوم من يجادلون بالقول: لو قبل الفلسطينيون والعرب بقرار التقسيم رقم (181) عام 1947م لما وصلنا إلى حرب 1948م وهدنة رودوس عام 1949م والتي كرست النكبة الفلسطينية، ولو قبلنا بنتائج تلك الحرب لما وصلنا إلى هزيمة حزيران 1967م ولو، ولو و.. إلخ.
من السهل قول ذلك اليوم بصرف النظر عن صوابه أو خطئه أو المسؤول عن ذلك أو، أو.. إلخ ولكن التاريخ لا يصنع مما آل إليه بل يصنع مما كان عليه، وليس هذا فحسب بل إن الظروف والأوضاع التي كانت قائمة قبل ثمانية عقود لم تكن لتذهب في الاتجاه الذي ذهبت إليه بالضرورة، وكانت هنالك احتمالات أخرى ممكنة أقل أو أكثر في سياق تفاعل الظروف التاريخية وصيرورتها اللاحقة وإلا فإننا نغامر بالقول: إن الذي حصل هو الاحتمال والإمكان الوحيد بحيث يصح القول الشهير والذي هو موضوع جدل أبدي:” ليس بالإمكان أحسن مما كان”، وهذا يفترض أننا لو كنا نمتلك ما يكفي من الوعي والحكمة لما سلكنا الدروب الأخرى التي سلكناها، إن ما حصل في فلسطين لم يكن حتمياً أبداً، ناهيك عن أن المآل لم يصل إلى نهاياته بعد ولا يزال مفتوحاً على غير احتمال ما دام كل شيء في حالة صيرورة حتى لو توقع كثيرون أنها نحو الأسوأ.
هل من حقنا أن نقول: من الصعب جداً أن يقطع المرء بأن المآل الراهن كان حتمياً وأن درجة كافية من الوعي والنزاهة كانت كافية لاكتشافه سواء أتعلق الأمر بالوضع المحلي أم الدولي فمن كان يعرف أن روسيا سوف تتدخل لإنقاذ السلطة عام 2015م أو حتى يحدس بذلك، وأن تركيا سوف تحتل جزءاً من سوريا وأمريكا كذلك.. إلخ، إن الأمر الذي كان بالإمكان توقعه أو ترجيح حصوله هو ما بيناه سابقا وهو ذهاب الأمر نحو الأسلمة والعسكرة والطائفية محلياً دون أن يعني ذلك بالضرورة حصول ما حصل دولياً، وعربياً وحتى إقليمياً، أما وأننا أمام ما حصل ولماذا حصل بعد أن تم ذلك- وليس قبله- وأننا أمام القبول بالحد الأدنى من حقوق الشعب السوري الذي انتفض من أجلها مع رفضها من الطرف الآخر فإن المآل لا يزال مفتوحاً، وليس من المرجح في ظل تعنت السلطة تحقيق تسوية سياسية أو هيئة حكم انتقالي أو حسم عسكري نهائي للسلطة- الطغمة مع عجز الطرف الآخر عن ذلك ومن الصعب معرفة إلى أين ستؤول الأمور بعد الاستنقاع الراهن بما في ذلك التثبيت- النسبي على الأقل- لمناطق النفوذ المختلفة والمتصارعة.
15– خلاصة مكثفة جداً (استنتاجات):
أ- إن ما حدث في سوريا هو انفجار عاصف، وانتفاضة شعبية عارمة بهدف انتزاع الحرية أولاً وقبل كل شيء، وصولاً إلى الكرامة والعدالة عبر إسقاط هذه السلطة- الطغمة المستبدة والفاسدة.
ب- كان من العسير جداً- إن لم نقل من المحال – التحول إلى ثورة وطنية حقيقية للأسباب التي أوردناها في سياق هذه المراجعة وعلى رأسها الانقسام العمودي للمجتمع السوري والرعب الحقيقي والوهمي الذي أصاب عصبية السلطة الطائفية من الناحية الرئيسية وسائر الأقليات الديموغرافية بدرجات مختلفة، وقد جاءت الأحداث في هذا السياق.
جـ- للأسباب ذاتها ولطبيعة السلطة- الطغمة كان من الضروري عدم توقع تقديم تنازلات حقيقية منها للوصول إلى حلّ وسط، ناهيك عن أي تفكير عن إعادة السلطة إلى صاحبها الشرعي- الشعب السوري- وقد برهنت الأحداث على ذلك من خلال استعداد السلطة- الطغمة لتدمير البلد وحرقه عن بكرة أبيه للبقاء في الكرسي مهما يكن الثمن.
د- كان من الطبيعي والحال ما ذكر في المراجعة انزياح الانتفاضة نحو الأسلمة والعسكرة والطائفية ولو بعد فترة لم تكن طويلة كما يعتقد بعضنا عن حق أو باطل.
هـ- وفي السياق نفسه كانت التحالفات الإقليمية والعربية والدولية لطرفي الصراع مفهومة ومنسجمة إلى حدّ كبير مع طبيعة الطرفين المتصارعين، وكانت الأطراف المذكورة واضحة في اصطفافها إلى حدّ كبير بما هي دول وحكومات مع الأخذ بعين الاعتبار الكثير أو القليل من الالتباس أو الرمادية أو عدم التطابق بين الأقوال والأفعال أو.. الخ، وهذا ينطبق على بعض الدول ونكتفي هنا بمثال ساطع والذي هو دولة الإمارات العربية المتحدة، التي من الواضح أنها في النهاية أصبحت سنداً للسلطة- الطغمة.
و- ثمة خلاف بين موقف بعض الحكومات وموقف المجتمع- بل ربما تناقض فعلي- ولنأخذ على سبيل المثال السعودية التي تعلن ليل نهار مواجهتها للإسلام السياسي وعلى رأسه الإخوان المسلمون والجهاديون والإرهابيون في تناقض مع ماضيها، وبين التيارات الاجتماعية والدينية السائدة- الجمعيات الخيرية الدينية- التي تدعم بقوة التيارات الإسلامية السلفية والجهادية بالمال والفكر والفعل وعلى سبيل المثال الدعم الذي كان يصل إلى جيش الإسلام في الغوطة من المجتمع السعودي. وهذا الأمر لا ينطبق على المجتمع السعودي فحسب، بل إن هناك العديد من المجتمعات العربية والإسلامية التي يمكن العثور فيها على ما ذكرناه أعلاه، ولكننا اخترنا المثال السعودي لأسباب لا يجهلها أحد من بينها على الأقل، كثرة المال وقوة التيار السلفي وهو الامر الذي ينطبق بشكل عام على بلدان الخليج وإن يكن بدرجات مختلفة بحيث يمكن أن نضيف الكويت وقطر مع الأخذ بعين الاعتبار أن قطر فيها تناغم شبه مطلق بين الحكومة وأمثال الجمعيات المذكورة، وحتى بعض الأمراء ورجال الأعمال.
ز- ثمة نتائج سلبية كارثية ترتبت على دعم الخليج العربي إن يكن على الصعيد الحكومي أو الاجتماعي للتيارات السلفية والجهادية والإخوان المسلمين في سوريا وبخاصة قطر حكومة ومجتمعاً، بالإضافة بالطبع إلى الدعم الحكومي التركي الذي أخذ أبعاداً خطيرة للغاية للتيارات المذكورة بما في ذلك حتى الإرهابية منها وعلى رأسها داعش والنصرة وهو ما أدى بين أسباب أخرى إلى ما نحن عليه اليوم.
حـ- إن انزياح الانتفاضة إلى المآل الذي آلت إليه لا يعود إلى شيطنة وبراعة الإخوان المسلمين والإسلام السياسي والعسكري بشكل عام، ولا إلى الدعم الخارجي الذي تحدثنا عنه ولا إلى الاستعداد والتنظيم عالي الدقة الذي تمتع به الاخوان المسلمون بحيث كانوا قادرين على السيطرة على الساحة بشكل عام من الإغاثة حتى العسكر مروراً بالطبع بالحكومة المؤقتة والكيانات السياسية التي تنطحت لتمثيل الشعب السوري، ولا إلى النفوذ الفكري والسياسي الذي يحوز عليه لوبي الإخوان المسلمين في أمريكا، ولا إلى.. الخ فحسب. بل إنه يعود إلى كل ذلك بالتأكيد ولكن قد يكون السبب الذي يعادل كل ما سبق- إن لم نقل إنه الأقوى- هو الانقسام العمودي للمجتمع السوري الذي جعل بيئة الإسلام السياسي الاجتماعية هي حامل الانتفاضة بشكل رئيسي، ومن الطبيعي في هذه الحال أن يتصدر الإخوان المسلمون المشهد اجتماعياً وسياسياً وعسكرياً إلى حدّ بدا فيه الأمر وكأن الميدان والسياسة والعمل حكرٌ على الإسلام السياسي والعسكري فقط وعلى رأسه الإخوان المسلمون.
ط- إن كل ما سبق لا ينفي أبداً مسؤولية المعارضة الوطنية الديمقراطية و.. الخ ولكنه يضع هذه المسؤولية في سياقها الحقيقي موضوعياً وذاتياً، بما في ذلك ضرورة أخذ العبرة والبناء عليها اليوم وفي المستقبل في الفكر والسياسة والتنظيم والعمل، وبخاصة فيما يتعلق بطبيعة العلاقة مع التيارات السائدة في الساحة السورية- والتي هي إسلامية بالتأكيد- ومع العالم الخارجي بما في ذلك ضرورة بناء الجبهة الديمقراطية السورية دون تأخير مع الاعتراف كما مر معنا في سياق هذه المراجعة بأهمية الظرف الموضوعي والمتغيرات التي يمكن أن تحدث جنباً إلى جنب مع الأوضاع الذاتية للمعارضة المذكورة.
ي- ثمة بعض الأفكار التي يمكن إضافتها إلى موضوع الوطنية والعمالة ومسألة التركيز الخاطئة عليها في حين ينبغي أن ينصب على الاستبداد والفساد والطائفية السلطوية والسلوك الدموي. ومن الأمثلة التاريخية التي يمكن إيرادها على هذه المسألة المذكورة مسألة الموقف من السلطة الطغمة من قبل القوى السياسية في عام 1970م. هل من يذكر أن معظم القوى السياسية في حينه -عدا الإخوان المسلمين- انخرطت مجتمعة أو أجزاء منها في الحوار مع ما أسمته “النظام الوطني التقدمي” من أجل بناء جبهة، لا بل وصل الأمر ببعض القوى إلى القول: إن حركة 16 تشرين الثاني عام 1970م دقت آخر مسمار في نعش الانفصال.
وهل من يذكر أن هذه القوى انخرطت في جبهة معه فعلاً ولايزال بعضها منخرطاً معه حتى الآن في حين انسحب آخرون منها مبكراً احتجاجاً على المادة (8) من دستور “الحركة التصحيحية” والتي تجعل قيادة المجتمع والدولة حكراً على حزب البعث. وبقي آخرون لفترة ما بين التاريخين المذكورين وقد يكون الأهم أن الجبهة المذكورة أدت إلى انقسام جميع القوى في حينه تقريباً. هل من المعقول والحال هذه أن يتم نسيان ذلك التاريخ وعودة حليمة إلى عادتها القديمة في التركيز هذه المرة على المسألة ذاتها الوطنية والتقدمية ولكن هذه المرة في اتجاه معاكس لما كان عليه في البدء. هل سمع أحدنا بنقد ذاتي للموقف القديم وتعليل الموقف الجديد على قاعدة حدوث متغيرات نوعية تشكل أساس هذه العودة المعاكسة
وفي تاريخ أقرب بكثير في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، هل من يتذكر موقف الإخوان المسلمين من هذه السلطة أثناء المعركة التي شنتها “إسرائيل” على قطاع غزة في العام 2008م، ألم يجمّد الإخوان المسلمون معارضتهم انطلاقاً من أن السلطة تدعم حماس والجهاد والفصائل الفلسطينية جميعاً في مواجهة إسرائيل على الرغم من كل المجازر التي قامت بها السلطة- الطغمة ضد الإخوان والطليعة الإسلامية المقاتلة والشعب السوري في الثمانينيات من القرن المنصرم.
والآن ما الذي تغير نوعياً على الصعيد المذكور كي نسمع الخطاب الذي نسمعه من المعارضة اليوم على صعيد الوطنية والعمالة، وبخاصة لأن هناك تطورات كارثية على الوطنية على الأقل بدلالة الداخل. وكي لا يكون هناك أي فهم مغلوط لما قلناه نقول:
إن كل ما ذكر لا يعطي أبداً شهادة حسن سلوك للسلطة بالوطنية لا بدلالة الخارج ولا بدلالة الداخل وبشكل خاص بدلالة الأخيرة، لأن هذا هو همنا الأساسي نظراً للوضع السوري المعقد اليوم وانحطاط السلطة- الطغمة الوحشية على كل الصعد وفي كل الحقول الوطنية والشعبية والديمقراطية والأخلاقية.
إن ما يهم تيار مواطنة على هذا الصعيد هو ضرورة وجود حدّ أدنى للانسجام، وضرورة أخذ العبرة من الماضي وضرورة التركيز- وعلى طول الخط- على الجانب الديمقراطي بكل أسسه النقيضة للاستبداد والفساد والطائفية والوحشية، وحتى لو افترضنا أن المعارضة كانت على الجانب الصائب منذ انقلاب آذار1963 فإنها لم تكن بريئة فيما يتعلق بالتركيز على المسألة الوطنية والعمالة، والسبب بسيط بساطة الماء وبجملة واحدة:
إنه العقل السياسي العربي والإسلامي الذي كان من الصعب الإفلات منه والذي لانزال ننهل منه بكثافة وجمود.
ك- ثمة آثار كارثية نتجت عن الدعم المعنوي والسياسي وبعض السلاح غير النوعي، وعن الحديث عن لا شرعية السلطة وقرب سقوطها و.. الخ وذلك للآمال الكبيرة التي ولّدها هذا النوع من الدعم. لقد كانت النوايا الطيبة- على الأقل في البدايات- والترجمة العسكرية المحدودة لها وبالاً على الشعب السوري وقضيته، لأن مسألة إسقاط هذه السلطة- الطغمة ووضعها الفعلي أعقد بكثير مما قيل وفُعل من أجل ذلك من قبل العالم الحر أياً تكن الأسباب التي جعلته يقف عند الحدود التي وقف عندها، حتى لو كان بعضها مفهوماً ومسوغاً، لأنه كان من الضروري في كل مرحلة أن تكون هنالك شفافية وأشكال دعم مناسبة ووافية بالغرض بما في ذلك حتى لو كان الغرض هو التسوية السياسية في نهاية المطاف.
على الصعيد الخارجي نفسه كان هنالك خطأ قاتل هو رفض المعارضة السورية والفصائل المسلحة الاقتراح الامريكي وأولوية محاربة داعش في أواخر عام ٢٠١٤م بذرائع لم يُعمل بها أبداً على أرض الواقع، بخاصة ذريعة محاربة السلطة وداعش معاً، حيث لم تكن هناك معركة هجومية ضد داعش أبداً، بل معارك دفاع عن النفس خاسرة سلفاً، ليس لأن داعش كان لديها المزيد من السلاح كما يقال فحسب بل لأنها كانت تقاتل على قاعدة عقيدة متماسكة جداً تمنح أصحابها ما يكفي من القوة والرضا عن الذات، ناهيك عن أن عناصر الفصائل المذكورة لم ترغب قط في قتال داعش- لإسلاميتها وعقيدتها الصارمة- بل كانت تلتحق بها في الكثير من الحالات وهذا مفهوم جداً بصرف النظر عن قبوله أو رفضه.
وعلى صعيد القتال ضد السلطة الطغمة فإنه لم يكن في أحسن حال أبداً إن لم نقل غير ذلك.
وحتى يكتمل هذا الاستنتاج يجب التأكيد على أن رفض الاقتراح الأمريكي جاء نتيجة لرفض تركيا بشكل خاص، وعندئذ من السهل إدراك الكارثة التي ألحقتها حكومة أردوغان بالشعب السوري عبر ارتهان الفصائل العسكرية لها.
وعلى الرغم من أن القول (لو) ليس له معنى عملي لا لأنه يفتح الباب على عمل الشيطان كما يقول المؤمنون، بل لأنه لا يمكن إعادة التاريخ إلى الوراء، ومع ذلك ليس من الخطأ أن نقول (لو) لأخذ العبرة ومعرفة أين كان الصواب. وعلى هذا الأساس نقول: لنا أن نتصور اليوم ما الذي كان سيحصل لو تمت الموافقة على الاقتراح الأمريكي: أولاً كانت داعش سوف تهزم بالتأكيد- وقد هزمت بدون مشاركة هذه الفصائل في الأصل فكيف لو شاركت؟ وثانياً كانت كل الأرض التي سيطرت عليها داعش أصبحت في حوزة المعارضة، وليس في حوزة السلطة السورية والروس والإيرانيين والإدارة الذاتية فقط، ولنا أن نتصور في هذه الحال ميزان القوى الميداني بين السلطة الطغمة والمعارضة السياسية والمسلحة. وثالثاً ما كنا على ما نحن عليه من العجز في الجزيرة السورية بل كانت المشاركة العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية التي نطالب بها اليوم واقعاً حياً بكل ما يترتب عليه بما في ذلك طبيعة العلاقة بين الكرد والعرب وسائر المكونات الأخرى.
باختصار كان الوضع بعد الانتصار على داعش لصالح المعارضة بكل أجنحتها، وهو الأمر الذي كان البناء عليه ممكناً سواء أتعلق الأمر بالانتقال السياسي أم بالتسوية السياسية أم بالاستمرار في الضغط العسكري الذي سوف ينطلق في هذه الحال من مواقع أقوى بكثير من مواقع السلطة– الطغمة، ومما كان عليه الحال قبل هزيمة داعش إن يكن على الأرض أو في السياسة أو في المجتمع.
من المفترض أن هنالك إمكانية لاستنتاجات أخرى من مراجعتنا هذه ومن الأوضاع التي نشأت بين المؤتمرين الأخيرين (الخامس والسادس) والقادم القريب (السابع) وهذا بانتظار المساهمة الرفاقية والصداقية لبلورتها ووضعها في المكان الصحيح إن يكن في منشئها أو في تطورها أو في آثارها على الوضع بشكل عام لإغناء التحليل والممارسة في المرحلة القادمة التي ستعقب المؤتمر المنتظر.
***
انتهت في 20 تشريت الأول/ أكتوبر 2020
من أجل قراءة التقرير السياسي انقر هنا.