التقرير السياسي الصادر عن المؤتمر العادي السابع لتيار مواطنة 21 ت1-1 ت2 2020

التقرير السياسي الصادر عن المؤتمر العادي السابع لتيار مواطنة:

 

من الممكن أن تكون المراجعة السريعة التي قدمناها حتى الآن صالحة لتكون بوصلة الفعل السياسي القادم، وفي هذه الحال قد يقول بعضهم: ما الحاجة إذن إلى تقرير سياسي أو ما شابه؟

والجواب هو: إننا نعتقد أن المراجعة- بما هي عليه أو في حال تم بسطها أو تعميقها، أو تعديلها أو التوسع في بعض فقراتها- صالحة لتكون أرضيّة يمكن البناء عليها بالتأكيد، لكن هذه الأرضية بحاجة من أجل ذلك البناء إلى معالجة المتغيرات التي حصلت أو هي قيد الحصول وبخاصة في الشهور الأخيرة على الأقل، مع الاهتمام بما حصل بين المؤتمرين بغض النظر عن الشهور في حال كان هنالك متغيرات بعيدة في الزمن الى الوراء ما دامت آثارها قائمة حتى الآن وفي المستقبل على قاعدة القول العربي المأثور: “هذا يومٌ له ما بعده”.

والمقصود بيوم هنا ليس الزمن المعروف بل الفعل الذي حدث فيه عندما يتحكم هذا الفعل في المسار اللاحق للأحداث، ولأن العرب يقصدون في الغالب باليوم حرباً أو معركة ما فإنه من المفهوم تماماً أن يقال المثل مع إضافة أنه يتضمن ليس معركة فحسب بل كل فعل نوعي يتحكم فيما يليه والآن ما أهم المتغيرات التي حصلت باختصار شديد.

على الصعيد الدولي والإقليمي:

لقد تناقص الاهتمام الشديد بالساحة السورية لأسباب ذكرت غير مرّة ولكن الأهم في ذلك هو اشتعال ساحات أخرى في المنطقة، ووجود أخرى على وشك الاشتعال أو ثالثة على وشك إيجاد الحلول، بدءاً من أفغانستان وحتى المغرب مروراً بإيران والعراق واليمن ولبنان والسودان وليبيا وشرق البحر الأبيض المتوسط والقفقاس الجنوبي وفي تونس والجزائر بحدود معينة، ناهيك بالطبع عن مشكلة مياه النيل بين إثيوبيا والسودان ومصر، وجائحة كورونا وتطبيع بعض الدول العربية مع “إسرائيل” والبلطجة التركية الأردوغانية وفي دائرة أبعد هنالك تفاقم الخلافات بين أوروبا وتركيا مع انضمام مصر والإمارات إلى أوروبا في ذلك، كما أن الخلافات بين أوروبا وروسيا في حالة من التصاعد بحيث تكفي حادثة تسميم المعارض الروسي “نافالني” لفرض عقوبات على شخصيات روسية لصيقة بسيد الكرملين. والآثار العميقة التي يبدو أن جائحة كورونا يمكن أن تتركها على أوروبا والعالم بما في ذلك النزوع الشعبوي والانعزالي، ويزداد الأمر سوءاً عندما نصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي يمكن القول دون استسهال: إنها تمر بفترة من الاضطراب الاجتماعي والثقافي والسياسي والانتخابي يمكن أن تمتد آثارها حتى إلى ما بعد الانتخابات. بما في ذلك استثمار جائحة كورونا سياسياً وأخلاقياً وانسانياً من قبل جميع الأطراف المتنافسة.

وإذا كان من الصحيح أن المتغيرات السابقة تركت وسوف تترك آثارها اليوم وفي المستقبل فإن من الضروري التركيز على بعضها لما لها من آثار قد تكون أهم وبخاصة على الساحة السورية ومستقبلها ومن بينها:

١– الصراع الامريكي الإيراني:

الذي تفاقم الى حد كبير عبر الحصار الاقتصادي والعقوبات الشديدة على هذا الصعيد وصولاً إلى اغتيال “قاسم سليماني” ومعاني هذا الاغتيال الرمزية والعملية والسياسية، مروراً بانعكاس هذا الصراع ليس في إيران وحدها بل في الخليج واليمن والعراق ولبنان وسورية والبحر الأحمر وحتى وصولاً إلى بعض الساحات في أفريقيا، ومن المعتقد أن الخناق يضيق شيئاً فشيئاً على إيران وأذرعها في هذه الساحات وعلى الأرجح بما يضعفها ويضعف أذرعها، بحيث يمكن أن تندفع نحو مغامرات محسوبة أو غير محسوبة لعكس المسار التراجعي أو على النقيض من ذلك يمكن أن تبحث عن تسويات تحفظ شيئاً من النفوذ وماء الوجه.

من الضروري القول هنا: إن الانتخابات الأمريكية ستكون حاسمة إلى حد بعيد فالأطراف جميعاً تنتظر نتائجها، منهم من يعول على انتصار “ترامب” واستمرار الحصار والتضييق بالوسائل كافة على الطرف الإيراني وأذرعه في المنطقة، وبين من يعوّل على نجاح “بايدن” والعودة الى مسار “أوباما”.

إن تيار مواطنة يعتقد مثله في ذلك مثل كثيرين أن نجاح “ترامب” سيدفع بالسياسة الأمريكية القائمة اليوم في الاستمرار إن لم نقل الى التصعيد على الأرجح. كما يعتقد بالمقابل أن نجاح “بايدن” لا يعني العودة الى مسار “أوباما” تماماً لا في الساحة الإيرانية ولا في الشرق أوسطية ولا في ساحات أخرى في العالم، ولابد من أن هنالك متغيرات في سياسة “بايدن” هي في جوهرها درجة من تصلب الحزب الديمقراطي مختلفة عن المرونة السابقة في عهد الرئيس أوباما مع كل من إيران ومع السلطة السورية وروسيا والصين مع درجة من العودة إلى التحالفات القديمة وبخاصة مع الاتحاد الأوربي والأمر نفسه مع قضايا المناخ والتجارة العالمية وحلف شمال الأطلسي.

وإذا صح ما سبق فإن إيران سوف يضيق عليها الخناق في سورية من قبل التحالف الغربي ومن قبل “إسرائيل” ومن قبل الدول العربية وبخاصة بلدان الخليج عدا قطر وعُمان ليس في سورية فحسب بل في المنطقة ككل بشكل عام وبخاصة في العراق ولبنان. وبهذا المعنى أيضاً فإن المستفيد هو الشعب السوري، وذلك للتحالف الوثيق بين السلطة – الطغمة وإيران الذي كان أحد أهم أسباب استمرار هذه السلطة واستمرار جرائمها.

٢– التفاهم التركي – الروسي:

من المعتقد أن هذا التفاهم سوف يتعرض للاهتزاز الفعلي الذي بدأت تباشيره في كل مكان في المنطقة وفي سورية بالذات في إدلب وغيرها والسبب الفعلي في ذلك هو مغامرات “أردوغان” الذي طاب له اللعب والابتزاز كثيراً في الملعب الدولي والإقليمي بين أمريكا وروسيا، ولكن دخول أردوغان على خط الصراع في أذربيجان سوف تكون له آثار  سلبية على التفاهم المذكور ، ولعل من الدلائل على ذلك التعبير عن قلق الكرملين غير مرة من السلوك التركي  هناك، وبخاصة فيما يتعلق بنقل المقاتلين الإسلاميين السوريين للقتال إلى جانب أذربيجان، ومن المفترض أن أردوغان يعرف جيداً أن اللعب بين العملاقين شي وإن الوصول إلى حدود الأمن القومي الروسي في القفقاس شيء آخر.

فإذا أضفنا إلى ذلك عدم تنفيذ أردوغان تعهداته في إدلب-ويبدو أنه سوف يستمر في المماطلة حتى إشعار آخر- وسلوكه في شرق البحر الأبيض المتوسط، وبدرجة ما في اليمن، فإن التفاهم الروسي – التركي مرشح للدخول في سياق مباين إلى حد ملموس، ومن الممكن اعتبار تصريح لافروف في تاريخ 16/10/2020م دليلاً على ذلك، حيث أكد أنه ليس هنالك تحالف بين روسيا وتركيا أبداً بل شراكة، ومن المهم هنا التركيز على كلمة “أبداً” القاطعة.

إن تيار مواطنة يعتقد أن تراجع التفاهم التركي- الروسي سوف يترك آثاره على الجميع، على السلطة – الطغمة وعلى المعارضة الوطنية والإسلامية والعسكرية وعلى الكرد وعلى كل الوضع في سورية، وقد يفتح الطريق أمام متغيرات ليست وحيدة الاتجاه هذه المرة كما في الصراع الإيراني- الأمريكي، بمعنى أن يكون لصالح طرف فقط دون الآخر. لأن السلطة – الطغمة  نفسها تتطلع إلى تقليص هذا التفاهم، بل إلى نسفه، اعتقادا منها أنها في هذه الحال سوف تكون حرة في القيام بعملية عسكرية تخطط لها منذ شهور لاستعادة السيطرة على إدلب، والدخول في مواجهة مع الفصائل العسكرية الأخرى في ريف حلب المدعومة تركيا، وذلك بدعم قوي من الروس  في حال تعرض التفاهم المذكور إلى الاهتزاز- إن لم نقل الموت- وهو ما لا يريده أردوغان  حتى الآن على الأقل، لأنه يضعه وجها لوجه ضد السلطة السورية المدعومة روسياً، وضد الروس بشكل أو بآخر في هذه الحال، وهو الأمر الذي  يصعب الذهاب إليه من قبله بدون ترتيب الوضع مع أمريكا.

وعندئذ يكون أردوغان قد فقد ميزة اللعب والابتزاز والبلطجة في الملعب الممتد بين روسيا وأمريكا وهو ما لا يريده أيضاً، لأنه سيضطر في هذه الحال إلى العودة إلى نقطة البداية إلى ما كان عليه الوضع مع أمريكا وأوروبا والأطلسي وهو ما لا يريده أيضاً، لتناقضه الشديد مع مشروعه القومي والديني الامبراطوري.

ولأن الأمر على هذه الدرجة من الأهمية فمن  المفترض متابعة العلاقة بين روسيا وأردوغان بيقظة تامة  وبخاصة للآثار المتعلقة بالساحة السورية والشعب السوري والمعارضة بشكل عام وليس بأردوغان وتركيا فقط، وعلى هذا الصعيد  من المعتقد  أن تؤدي  المعركة التي ترغب السلطة السورية فيها- إذا حصلت- إلى  تفاهم أمريكي – تركي قد يغير كثيراً من المعادلات  القائمة في مناطق النفوذ أجمعها في سورية، بما في ذلك بالطبع إدخال تعديلات ملموسة على الاصطفاف السياسي وسلوك جميع الأطراف  المنخرطة في الصراع في سورية وعلى سورية، بما في ذلك الإدارة الذاتية وقسد، ناهيك عن الآثار التي سوف تتركها المواجهة المذكورة- إذا حصلت- على أستانة وسوتشي والأطراف الثلاثة الصانعة لها (إيران – تركيا- روسيا) وعلى المفاوضات وهيئتها واللجنة الدستورية و…إلخ.

3- العلاقة التركية- الأمريكية:

يصح القول: إنها ليست في أحسن حالاتها- إن لم نقل غير ذلك- وهي تعاني من الاعتلال بسبب عدد من الملفات بدءاً من مسألة فتح الله غولن وانتهاء بمسألة صواريخ (S400) الروسية التي ابتاعتها تركيا، مروراً بالمسألة الكردية في سورية والتي هي من العُقد الحقيقية في هذه العلاقة، أضف إلى ذلك قضايا أخرى تتعلق بالوضع في البحر الأبيض المتوسط وليبيا وأذربيجان وحتى فيما يتعلق بملفات عديدة في الداخل التركي من مثل تلك المتعلقة بالحريات والصحافة وحقوق الإنسان، وهذه قضايا يعمل عليها   الكونغرس الأمريكي بشكل خاص.

وعلى الرغم من اعتلال العلاقة المذكورة فإن التغطية التي يشكلها ترامب لأردوغان تبقي جذوة الحياة حيّة، وبخاصة عندما نتذكر الرغبة في عدم دفع تركيا أردوغان أكثر نحو الروس، وهو الأمر الذي يوفر أرضاً مشتركة بين أمريكا وأردوغان في سورية ضد السلطة والروس، بالطبع باستثناء القضية الكردية.

انطلاقاً مما سبق  فإن خسارة ترامب  للانتخابات الرئاسية خسارة صافية لأردوغان، فترامب الذي لا تهمه كثيراً مسائل الديمقراطية وحقوق الإنسان بل  الذي لا يُخفي إعجابه ببعض المستبدين في العالم من أمثال أردوغان والزعيم الصيني شي جين بينغ، بل وحتى كيم جونغ أون الزعيم الكوري الشمالي، والذي قد يكون في قرارة نفسه راغباً أن يحكم بطريقتهم في أمريكا لكنه لا يستطيع بالتأكيد، نقول: إن ترامب في حال خسارته  وانتصار جو بايدن  سوف يضع المستقبل السياسي لأردوغان على سكة صعبة “مرتين” مرة لأنه خسر الغطاء حتى لو كان رقيقاً، ومرة لأن بايدن سوف يضع مسائل الخلاف مع تركيا وعلى رأسها العلاقة مع الروس والوجود في سورية ومسائل الحريات قيد التفعيل، الأمر الذي سمح لكثير من المراقبين داخل وخارج تركيا أن يقولوا: ” إن الانتخابات التركية التي موعدها عام 2023م سوف تبدأ في تركيا في 3 تشرين الثاني في عام 2020 م   أي يوم الانتخابات الرئاسية ولواحقها  في أمريكا، بل إن بعضهم  يصل إلى حد القول: “إنها ستحسم في هذا اليوم ليس في أمريكا بل في تركيا أيضاً”،  بغض النظر عن صواب أو خطأ هذا القول.

4- العلاقة الأمريكية- الكردية في سورية:

على النقيض تماما مع ما سبق فإن انتصار “بايدن” سوف يضعها على سكة إيجابية إن يكن في تعزيز الوجود الأمريكي في الجزيرة السورية أو (دعم قسد) سياسياً وعسكرياً في مواجهة تركيا والسلطة السورية معاً، ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى مزيد من سوء العلاقة مع أردوغان، وسوف يكون الوجود التركي في الجزيرة السورية موضوع صراع مع الإدارة الأمريكية الجديدة، بدل أن يكون موضع تفاهم قلق كما هو الحال الآن.

وفي السياق نفسه يمكن “لبايدن” أن يدفع بالكرد والعرب وسائر المكونات في الجزيرة إلى تفاهم وشراكة قادرة على الوقوف على رجليها بما يقلص إلى حد كبير حاجة الكرد وقسد إلى استمرار اللعب الانتهازي مع الروس والسلطة السورية خوفاً من خذلان جديد كما حصل في عفرين والرقعة الممتدة بين رأس العين وتل أبيض، وفي هذه الحال يمكن للمرء أن يأمل في تحول الجزيرة السورية لمنطقة ضغط حقيقي على السلطة-الطغمة سياسياً واجتماعياً وعسكرياً، وهو أمر ضروري سواءً أَتجهت الأمور نحو التسوية السياسية أم ذهبت في اتجاه آخر.

أما إذا انتصر ترامب فإن من المرجح بقاء الوضع الراهن على ما هو عليه مع احتمالات-يصعب ترجيح أحدها- قد تذهب في اتجاهات متناقضة من إمكانية تعزيز الوجود إلى حد أكبر قليلاً مما هو قائم أو الذهاب باتجاه الانسحاب، وسوف يكون للموقف من تركيا وإيران بشكل خاص دور كبير في اتجاه الحضور الأمريكي.

وعلى سبيل الخلاصة المكثفة للفقرات السابقة، نقول: إن ما يجمع تركيا وروسيا وإيران والصين- نترك الآن دولاً أخرى كدول بريكس- هو العداء الشديد للغرب، ورفض العالم الذي انبثق عن سقوط الاتحاد السوفيتي، والنزوع الإمبراطوري الجارف، والرغبة الشديدة في إعادة التموضع في العالم على حساب الغرب بعامة والولايات المتحدة الأمريكية بخاصة.

5- قضايا دولية أخرى:

لا بد أن هناك قضايا أخرى على الصعيد الدولي يمكن أن تترك آثارها على المنطقة بالتفاعل مع القضايا الإقليمية، بدءاً من أفغانستان وانتهاءً بالمغرب مروراً بخاصة بإيران والعراق والخليج واليمن وسوريا ولبنان والبحر المتوسط وليبيا والسودان.

وبخاصة في حال انتصار بايدن حيث من المتوقع أن تكون هناك درجة من التصلب مع الروس والصين، ودرجة من المرونة- لا تصل إلى حدود مرونة أوباما أبداً- فيما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران ولا حاجة هنا لإعادة الكلام الذي ذكرناه عن تركيا، لكن من المعتقد أن الوضع في اليمن والعراق وسورية ولبنان لن يتأثر إلى حدّ كبير بالإدارة الجديدة، ومن الصعب أن يقول المرء بثقة كيف ستتطور الأمور في هذه البلدان على الرغم من توقع أن مسألة الحريات وحقوق الإنسان قد تعود إلى جدول الأعمال إلى هذه الدرجة أو تلك، وليس بالضرورة أن تنعكس المرونة في الاتفاق النووي الإيراني  بمرونة على أذرع إيران وحلفائها كحزب الله وسوريا والميليشيا الشيعية في العراق والحوثي في اليمن. وسوف تكون بلدان الخليج العربي وعلى رأسها السعودية أمام واقع جديد في علاقتها مع أمريكا، ومع ذلك ثمة شيء واحد مؤكد هو استمرار التحالف القائم باعتباره تحالفاً يخترق ويتجاوز أي إدارة أمريكية لأنه قائم على مصالح الدول العميقة أكثر بكثير مما هو قائم على اتجاه الإدارات المختلفة.

لن نحاول تقديم إحاطة كاملة عن الوضع الدولي، بل اكتفينا وسنكتفي بتلك التي لها آثار فعلية على المنطقة وعلى سوريا بشكل خاص، ولذلك فإننا نعتقد أن القضايا المتفجرة في الإقليم لها الأولوية وعليه نقول: إن الاتجاه الذي سوف تحسم فيه الأمور في ليبيا إن سِلماً أم حرباً سوف تترك آثارها علينا في سوريا لأن الطرفين الدوليين الكبيرين روسيا وتركيا منخرطان في صراع متعاكس هناك، وأياً يكن الحال فإنه سوف يترك بصماته على السلطة- الطغمة والمعارضة والموالاة في سوريا التي هي الأخرى منخرطة في الصراع الليبي إلى حدّ كبير، والأمر نفسه فيما يتعلق بالحلول في شرق البحر الأبيض المتوسط وقد يكون الأهم على هذا الصعيد الوقوف ضد البلطجة التركية وحزم الاتحاد الأوربي وأمريكا أمرهما في هذه الاتجاه، ومن المرجح أن تفعل أمريكا ذلك ولكن الاتحاد الأوروبي ليس من المؤكد أنه سيفعل وإن كان من المحتمل أن يتبع السياسة الأمريكية على هذا الصعيد.

وعلى الصعيد الإقليمي العربي من المهم جداً ما يجري في العراق ولبنان، وتجب الإشارة إلى ملاحظة هامة هي أن ثمة فروق عديدة بين الوضع في العراق ونظيره اللبناني وإمكانية التطور المستقبلي وآثاره على المنطقة بشكل عام وعلى سوريا بشكل خاص، سلطة ومعارضة، ومن الممكن القول: إن من أهم الفروق بين الساحتين أن الأكثرية الشيعية في العراق هي التي تحرك الميادين من أجل تغيير حقيقي يعيد للعراق وحدته الوطنية وطابعه العربي، ولأن الأمر كذلك فإن الصراع موجه من الناحية الرئيسية ضد الميليشيات الشيعية المسلحة التي بدأت تفقد شيئاً فشيئاً حاضنتها الاجتماعية كما هو موجه ضد ظهيرها الإيراني بشكل مباشر وغير مباشر وهذا يبشر بالخير، في حين أن الأمر في لبنان ه و بخلاف ذلك، فالثنائي الشيعي- حركة أمل وحزب الله المسلح حتى أسنانه- ضد التغيير وهذا مفهوم ولكن المشكلة لا تقف عند هذا الحدّ لأن الثنائي المذكور لايزال يستند إلى حاضنته الاجتماعية التي لم تنفك عنه، ويبدو أن من الصعوبة بمكان أن نشهد هذا الانفكاك في المدى المنظور، على الرغم من بعض المؤشرات وحتى في حال كان هنالك بعض الأصوات أو الفئات ضد هذا الثنائي فإن العمل يجري على قدم وساق لإعادتها إلى بيت الطاعة الطائفية. ولأن الأمر كذلك فإن التغيير المنشود هو من الصعوبة بمكان إلى درجة فائقة مما يزيد من خطورة وتعقيد الوضع في لبنان، بل وقد يدفع الأمور إلى صدام أهلي لا يعرف أحد كيف سيكون ومدى آثاره الكارثية على كيان لبنان وشعبه. إن أي تغيير سيكون على الأرجح في مواجهة التيار الإسلامي الشيعي في البلدين المذكورين وسوف يكون في هذه الحال نحو الأفضل بالنسبة للشعوب العربية وبخاصة للشعوب الثلاثة العراقي واللبناني والسوري. إن إضعاف التيار الإسلامي بشكل عام والشيعي منه بشكل خاص في هذه البلدان سوف يصب في مصلحة الشعوب وضد قوى الأمر الواقع المهيمنة كما حصل في السودان في مواجهة الإسلام السياسي. والأمر نفسه وإن يكن بأشكال مختلفة في مواجهة حركة النهضة في تونس التي يبدو أنها بدأت تنزل عن السلّم الذي صعدته منذ انتصار الثورة، بل بدأت تعاني من صراع داخلي حقيقي يبشر بالخير، ناهيك عن وجود كتلة شعبية سياسية مدنية قوية في مواجهتها اليوم.

6- صراع الحكومات ذات النزوع الامبراطوري:

إن هذه المسألة من الأهمية بمكان لأن الكثير من التطورات في الإقليم سوف تترتب عليها، وهي كذلك إلى حدّ ما منذ الآن، ونقصد بالحكومات؛ الثلاثي الذي أتينا على ذكره غير مرة، حكومة الملالي في إيران، حكومة أردوغان في تركيا([1])، “إسرائيل” أو بشكل أدق اليمين الإسرائيلي ممثلاُ بحكومة نتنياهو، ولما كنا نعتقد أن هذا الصراع سيبقى محتدماً من الناحية الرئيسية- حتى لو أخذ استراحات أو حتى بعض التفاهمات بين طرفين؛ من مثل بعض التفاهم الإيراني التركي- فإن الواجب يقتضي أن نعالج بعض الأفكار في هذا السياق.

أ- السبب الأهم في هذا الصراع ليس النزوع الامبراطوري فحسب بل هو وجود رجل مريض يشكل غنيمة هائلة للفائز أو حتى حصة من الفوز على الأقل، وهذا المريض اليوم هو العالم العربي كما ذكرنا في سياق المراجعة وبخاصة المشرق العربي.

ب- انجدال الدين مع القومية في هذا النزوع بشكل سافر وبخاصة لدى الملالي وأردوغان الأمر الذي يزيد من تعقيد الوضع وبناء استراتيجية المواجهة.

جـ- ثمة فارق بين الأطراف الثلاثة يقوم على أن كلاً من إيران وتركيا يمكن اعتبارهما انطلاقاً من أذرعهما طرفين داخليين وليسا خارجيين وهذا أسوأ ما في الأمر لأنه يعني ببساطة تقسيماً كارثياً للمجتمعات العربية ليس هذا فحسب، بل إنهما الظهيران الحقيقيان للتيار الإسلامي السياسي والعسكري بشقيه السني والشيعي بكل المخاطر التي يجلبها هذا التيار على شعوب المنطقة، في حين لا تستطيع إسرائيل أن تكون كذلك على الإطلاق فهي  خارج مهما تحاول العمل على عكس ذلك، وفي هذه الحال من حقنا القول: إن ملالي إيران، وأردوغان تركيا أخطر من “إسرائيل” عندما يتعلق الأمر ليس بالاحتلال بل في تفتيت الشعوب.

د- ثمة فارق ثانٍ بين الأطراف المذكورة يمكن أن يعبر عنه على الشكل التالي: لدى إيران الملالي وتركيا أردوغان نزوعان امبراطوريان صاعدان- حتى الآن على الأقل- في حين إن “إسرائيل” مهما تمارس من احتلال وعدوان واستيطان هي امبراطورية في طور النزول حتى وهي تضم القدس والجولان والمستوطنات، ويكفي أن نفهم المعنى الحقيقي للجدار الذي تبنيه حولنا حتى نكون قريبين من تقدير صحيح للأمور.

7- التطبيع:

لقد تركنا هذا الخذلان المعاصر الجديد للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة إنسانياً وعربياً وفلسطينياُ إلى هذا الموقع من التحليل وذلك لأننا نعتقد أن من بين أسباب عديدة للتطبيع العربي- الإمارات، البحرين، وربما غداً السودان- يحتل الصراع المذكور أعلاه السبب الأهم بحيث يمكن القول موضوعياً إن ملالي إيران وحكومة أردوغان- حتى لو كانا عدوين لدودين لإسرائيل- يدفعان العرب دفعاً إلى التطبيع معها والالتفات إلى مواجهة العدوين المذكورين، وعلى الرغم من ذلك فإننا نرفض بشكل قاطع هذا التطبيع لا لأنه يخذل الشعب الفلسطيني ويضعفه إلى حدّ كبير ويشجع الآخرين على التطبيع فحسب، بل لأننا نعتقد أن بالإمكان مواجهة الملالي وأردوغان بالاستناد إلى قوانا الشعبية مع إقامة تحالف متين مع أطراف دولية غير إسرائيل، وهي موجودة بالتأكيد ولا حاجة للهلع ناهيك عن أن هذا التطبيع يصب شعبياً ومعنوياً وسياسياً في طاحونة الممانعة لأنه يقدم هدية لا تقدر بثمن لمصداقيتها وخذلان ما تسميه الرجعية وحلفاء أمريكا والصهيونية. أضف إلى ذلك ليس هنالك من سبب جغرافي أو عسكري يدفع للتطبيع هذا، وإذا كان من المفهوم أن تعقد دول الجوار وحتى القيادة الفلسطينية مفاوضات مع إسرائيل (القيادة الفلسطينية، مصر، الأردن) فإن الدول المطبِّعة اليوم ليست على حدود إسرائيل، ولم تكن في حالة حرب خاسرة، فلماذا-والحال هذه- هذا التهافت؟ يبدو كما ذكرنا إنه الخوف من إيران الملالي وأذرعها الشيعية، ومن تركيا الإسلامية وحليفها الإسلام السياسي السني وعلى رأسه الإخوان المسلمون. ان تيار مواطنة يتفهم- بغض النظر عن درجة الرفض أو القبول- التطبيع الذي تقوم به دول الطوق التي تجاور إسرائيل خصوصاً بعد اتفاقات أوسلو بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل خاصة اذا كان مقابل استعادة بعض الأراضي المحتلة أو تحقيق جزء من حقوق الشعب الفلسطيني كتنفيذ للقرار 194 بما يعني عودة اللاجئين وإقامة الدولة الفلسطينية وإخلاء المستوطنات، أما أن يكون مجانياً ومع دول لا حرب بينها وبين إسرائيل ولا حدود مشتركة معها فهذا ما لا يمكن القبول به.

وفي سياق الحديث عن التطبيع هل لنا الحق بالتساؤل عن دلالة الاتفاق على مفاوضات من أجل ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و”إسرائيل” وملابسات هذا الاتفاق السياسي والاجتماعي والوطني؟

إن تيار مواطنة لا يريد استباق الأحداث على هذا الصعيد ولذلك فإنه يكتفي بالقول: إن الأمر يتعلق بشكل محدد بالحدود ومن المفترض أن ينتهي مع الانتهاء من ترسيمها، ومع ذلك الاتفاق المذكور يعتبر خطوة- مهما تكن محدودة جداً- في سياق العلاقة مع إسرائيل خطوة لافتة للنظر حتى لو لم تتبعها أية خطوة على صعيد التطبيع وأيا تكن دوافعها الحقيقة بدءاً من التعويل على إقلاع اقتصادي ولو بعد حين أو رشوة المجتمع الدولي بديلاً من تسهيل تشكيل الحكومة أو استرضاء للقاعدة الاجتماعية لعون أو مواجهة التذمر الاجتماعي والشعبي والسياسي، ومما يلفت النظر في هذا التطبيع موقف الجمهور العربي والإسلامي الباهت بالقياس إلى الماضي، الأمر الذي يعني أن الاهتمام القديم الشديد بدأ يتبدد عملياً وإن يكن حاضراً لفظياً، وقد يكون من الدلائل على ذلك الربيع العربي حيث لم تحتل المسألة الفلسطينية اهتماماً حقيقياً يبنى عليه، بل إن ربيعاً جديداً في السودان يبدو أنه قد لا يصارع كثيراً ضد التطبيع- إن لم نقل غير ذلك- وفي كل الأحوال فإن الأمور سائرة نحو الوضوح في قادم الأيام.

وما دمنا بصدد التطبيع- بغض النظر عن رفضنا له أو قبول آخرين به- فإن انتقال التركيز على الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان والتقدم التاريخي بشكل عام إذا حصل وأخذ المساحة التي يستحقها فإن لكل حادث حديث، وسيكون التطبيع أو عدمه في هذه الحال قضية شعب حر سيد نفسه ومصيره وليس قضية حكومات أو أحزاب قومية وإسلامية، أو ميدان تجارة بالبقرة الحلوب- فلسطين.

بقي أن نقول إن ثمة تطبيع آخر يشق طريقه الآن وهو التطبيع مع السلطة- الطغمة في دمشق الذي بدأته الإمارات العربية بشكل غير ناجز بعد، في حين اندفعت عُمان إلى تنفيذه المباشر كذلك الأمر في حكومة شرق ليبيا أو حفتر على الأقل.

إن في هذا التطبيع شيئا من المفارقة- باستثناء عُمان- إذا حصل وهي أن الدافع إليه هو الصراع نفسه ضد النزوع الإمبراطوري الذي أشرنا إليه في سياق سابق وهذه المرة فإن تركيا أردوغان والإسلام السياسي والعسكري وراء ذلك بالدرجة الأولى في حين تأتي إيران ثانياً، أما بالحالة الأولى- التطبيع مع إسرائيل- فقد كانت إيران أولاً وتركيا أردوغان ثانياً. والآن علينا أن نفتح عيوننا وعقولنا جيداً على المآلات التي يأخذنا إليها الإسلام المذكور وظهيره الإقليمي ليس على صعيد كل بلد بمفرده ومنها سورية بالتأكيد بل على صعيد المنطقة بشكل عام واستخلاص العبر من ذلك وبناء الموقف عليه.

8-الروس والسلطة-الطغمة والكرد:

من المفيد أن نتخلى عن الديماغوجيا السياسية والإعلامية هنا، ونعترف أن العلاقة بين الروس والسلطة ليست على أفضل ما يرام في عدد من الملفات وعلى رأسها مسألة التسوية السياسية واللجنة الدستورية والحل العسكري و..إلخ، ومن شأن التباينات في هذه المسائل أن تنعكس في السياسة وعلى الأرض وهذا واضح إلى حد ما للجميع تقريباً، ويشكل التباين- إن لم نقل الخلاف- بين روسيا وإيران على مستقبل سورية عاملاً ذا قيمة في العلاقة  بين روسيا والسلطة السورية، كما يشكل تباين الموقفين من قضية الكرد في الجزيرة السورية عنصراً على درجة من الأهمية، إن يكن في مسألة المفاوضات أو الحوار أو الدستور أو الحلول المقترحة، و في كل الأحوال  تحاول روسيا جادة استخدام الورقة الكردية إذا استطاعت ضد أمريكا وبدرجة ما ضد تركيا، وأخيراً بوصفها ورقة ضاغطة نسبياً على الأقل على السلطة في مسألة التسوية السياسية للقضية الكردية.

إن ما سبق لا يعني بأي حال من الأحوال أن الدعم الروسي متعدد الأشكال ليس قائماً إلى حد يفقأ العين، كما لا يعني أبداً أن الروس يقفون في صف الكرد ضد السلطة، بل بالعكس فالروس يريدون استعادة كل شبر من سورية للسلطة السورية، ولكن بوسائل ربما تكون مختلفة عن وسائل السلطة إلى هذا الحد أو ذاك بالنسبة إلى ما تبقى من جغرافيا خارج السيطرة السلطوية.

9- مسألة الهوية:

بدءاً من الشعار ” الشعب السوري واحد” والذي قلنا إنه يعني الرغبة الحقيقة في ذلك وليس الواقع الفعلي، وانتهاءً بحضور هذه المسألة في معظم المبادرات السياسية، فمن المرجح أنها تحتل مكانة مركزية في هذه المرحلة من تاريخ سورية، وإلا لما كان التركيز عليها بالشكل المذكور وهذا اعتراف بحد ذاته ولو جاء متأخراً بالافتقار إلى الهوية الجامعة، هذا الافتقار الذي يطرح مسألة وحدة الشعب والمصير على بساط البحث والجدل بصرف النظر عما يريده كل طرف من هذه الهوية.

من الضروري في هذه الحال أن يبادر تيار مواطنة للإدلاء برأيه في هذه المسألة  وبناء الموقف منها، ومن المرجح أن يكون الأساس في هذا الموقف الانطلاق من سورية سايكس-بيكو أي سورية الواقعية كما كان عليه الحال في عام 1920م عند مناقشة الدستور السوري آنذاك، بمعنى أن سوريا هي في كل الأحوال لجميع مكوناتها، إلا أن من الضروري أيضاً التأكيد على أنها أي سورية جزء حقيقي فاعل من العالم العربي بصرف النظر عما إذا كان ذلك عالماً عربياً كما ذكرنا أم وطناً عربياً، شعوباً عربية أم شعباً عربياً، أمة عربية أم أمماً عربية ، فذلك كله متروك للمستقبل والتطورات والحوار الهادئ الرصين.

بقي أن نقول للذين لا يأبهون كثيرا بالعروبة سواء أكانت اجتماعية أم سياسية أم حتى ثقافية: إن الجامعة العربية التي نشأت في 22 آذار 1945م، لم تكن من فراغ حتى لو لم تفعل أي شيء عربي يستحق اسمه على الإطلاق، وهي ليست كذلك.

10-مسألة الاحتلالات:

لقد تكاثرت في الآونة الأخيرة نغمة إخراج الاحتلالات وإنهاء مناطق النفوذ واستعادة الوطن والسيادة والمصير و. إلخ.

إن تيار مواطنة يرى أنه ليس هنالك من وطني عاقل يطالب ببقاء الاحتلال من حيث المبدأ، ناهيك عن أنها زائلة بالتأكيد في نهاية المطاف.

لكن هذا الموقف المبدئي لا يستغرق الموضوع لأن المطلوب معالجة ذلك عملياً، وبخاصة لأن الغالبية من المنادين بخروج الاحتلالات يطرحون الانتقال السياسي في هذا السياق دون أن يكون هنالك وضوح كافٍ فيما إذا كان الانتقال سيسبق طرد الاحتلالات أم يتزامن معه أم يليه، ولكل من الاحتمالات الثلاثة ربها الخاص.

فإذا كان المقصود أن يكون خروج الاحتلالات أولاً، فالسؤال المطروح كيف الوصول إلى الانتقال السياسي في هذه الحال؟ لأن تيار مواطنة يعتقد أن السلطة – الطغمة ستكون السيدة المطلقة في سورية آنذاك، وأن المعارضة المسلحة وغير المسلحة الإسلامية ستهزم هزيمة منكرة وعندئذ كيف يمكن الحديث عن انتقال سياسي؟ وما الذي يجبر السلطة عليه، وهي في الأصل رافضة دون لبس لأي انتقال سياسي يأخذ منها ولو النزر اليسير من هيمنتها السلطوية؟

ليس هذا فحسب، بل إن الأنكى من ذلك أن دعاة إخراج الاحتلالات يطرحون شكلاً من أشكال المقاومة والحرب الشعبية في حال رفضت الاحتلالات الخروج، وعندئذ سنكون في الحقيقة أمام وضع يدعو إلى الرثاء!!

هل هنالك حقاً إمكانية لذلك في الأصل، وهل يمكن مواجهة القوى المحتلة مجتمعة أم بالمفرق، وأين يصبح النضال ضد السلطة- الطغمة في هذه الحال؟ ومن المؤكد أنه ليس من عاقل يجرؤ على القول: ستكون هنالك مواجهة السلطة والاحتلالات معاً، لأننا عاجزون عن مواجهة السلطة، فكيف الحال إذا جمعنا إليها الاحتلالات؟

خلاصة القول إن الطرح السابق لا علاقة له بالواقع والعقل.

أما في حال قُدِّم فيه هذا الشعار بالتزامن مع الحل السياسي فإن الأخير لن يكتب له الوجود، لأن السلطة سوف تكون في وضع أفضل مما هي عليه اليوم، ولن تقدم على أية خطوة على طريق الحل السياسي، وربّ قائل في هذا السياق إن العمل يجب أن يقوم على قدمين، فبقدر ما يكون هنالك تقدم في الحل السياسي بقد ما يكون هنالك انسحاب للاحتلالات، وعندئذ فمن الواضح تماماً، أننا لسنا أمام مقاومة أو حرب شعبية  أو ما شابه، بل أمام شيء مختلف كلياً يقوم على التفاهم والاتفاق والتراضي، ولكن حتى في هذه الحال فإن السلطة ستبقى الأقوى والأقدر على تحديد مصير سورية وشعبها ومعارضتها، نقول هذا على الرغم من قناعتنا بأن هذا السيناريو لن تقوم له قائمة، إذا كان المقصود الوصول إلى حل سياسي يحقق الحد الأدنى من مطالب الشعب  الذي خرج من أجلها.

بقي أن نقول: إن من العقل والواقعية أن نطالب جميع القوى النافذة وبخاصة تلك التي تقف مع مطالب شعبنا بالعمل لتحقيق شكل من أشكال الحل والانتقال السياسي أولاً وقبل كل شيء، وبقاء القوى المحتلة حتى يقف هذا الحل على قدميه ويعاد فيه هيكلة أجهزة الأمن والجيش والإدارة في سورية بشكل يضمن له البقاء والاستمرار، ثم يكون خروج الاحتلالات تحصيل حاصل.

قد يجادل بعضهم بأن الحل السابق لن يكون منسجماً مع حقوق شعبنا وإرادته، ونحن نقول حتى لو كان الأمر كذلك فهو انتقالي وسيقرر شعبنا مصيره بشكل تام بعد انتهاء المرحلة الانتقالية.

11-موقف السلطة- الطغمة من كل ما سبق:

إن السلطة- الطغمة ترغب بالتأكيد في خروج الاحتلالات جميعاً، وقد بيّنا أعلاه السبب في ذلك وهو قدرتها على السيطرة في ضوء الوضع الراهن وما يحبل به المستقبل إلا إذا كانت هنالك متغيرات نوعية لصالح الشعب والمعارضة، وهي لا تلوح في الأفق بما فيه الكفاية، وفي حال حدث ذلك فلكل حادث حديث. ناهيك عن أن السلطة السورية لا تريد أن تقوم بأي فعل على صعيد الحل السياسي كما قلنا سابقاً، ونضيف هنا إنها لم تقم بذلك حتى عندما كانت في أضعف حالاتها وعندما كانت موشكة على السقوط، وفضلت الاستنجاد بالخارج على تقديم أي تنازل، فكيف يمكن توقع التنازل منها وهي اليوم أفضل عسكرياً على الأقل بالقياس إلى ما سبق؟

لكل ما سبق ولغيره فإن تيار مواطنة يعتقد أن التسوية السياسية أو الانتقال السياسي بحاجة إلى ضغط شديد بكل السبل بما في ذلك القوة العسكرية إذا أريد لأي حلّ سياسي أن يقف على قدميه، ولأن الداخل لا يبدو أنه قادر على ذلك حتى إشعار آخر، فلا بدّ والحال هذه من أن يأتي الضغط المذكور من المجتمع الدولي وبخاصة من أولئك الذين يزعمون أنهم أصدقاء أو حلفاء للشعب السوري. ولأن ذلك ليس في متناول اليد اليوم فإننا سوف نبقى على الأرجح في المستنقع الراهن وفي مناطق النفوذ القائمة، وإن كان من المرجح أن استمرار الحال هذه سيتعرض في مستقبل غير بعيد إلى متغيرات ينبغي للمعارضة الوطنية والديمقراطية أن تكون على استعداد لملاقاتها بالشكل المناسب سياسياً وإعلامياً وتنظيمياً.

12- مهام مستقبلية:

بعد هذا التقرير السياسي والمراجعة النقدية الأولية والخلاصات التي ترتبت عليهما، وبعد المرور السريع على المتغيرات فإن بوسع القارئ أن يستنتج المهام المطلوبة ولا حاجة لذكرها بالتفصيل هنا لأنها مذكورة بشكل أو بآخر في سياق المراجعة وفي كل فقرة منها ومع ذلك يمكن الإشارة بعمومية شديدة إلى أهمها:

أ- على الصعيد الدولي: الاندراج النقدي في سياسة التحالف الدولي دون لبس لأنه الطرف الوحيد- خارج المعارضة الوطنية- الذي يدفع إلى حلّ مقبول يستجيب للحد الأدنى من مطالب الشعب السوري والذي هو الحل المترتب على القرار الأممي (2254) والتأكيد في كل مرة على الانتقال السياسي وصيغة هذا الانتقال بدلاً من الذهاب إلى الفروع كاللجنة الدستورية أو غيرها لأن في ذلك مضيعة للوقت الضائع في الأصل.

ب- على الصعيد الإقليمي: الانفكاك عن محور قطر وتركيا دون لبس أيضاً بما في ذلك أستانا وسوتشي ولواحقهما والمفاوضات الجارية بين الثلاثي روسيا وإيران وتركيا، ومن الصعب على هذا الصعيد وجود حليف إقليمي حقيقي يمكن الاستقواء به دون ارتهان أو تبعية من أي نوع كان وفي حال لاح في الأفق مثل هذا الأمر ينبغي عدم التفريط به.

جـ- على الصعيد المحلي: استمرار التركيز على السلطة- الطغمة بوصفها اليوم العائق الرئيسي أمام أي حلّ وباعتبارها الأقوى والأخطر- إن لم تكن الأسوأ- على مصالح الشعب السوري وحقوقه.

من الضروري جنباً إلى جنب مع ما سبق الانفكاك التام- لمن لايزال مرتبطاً بشكل أو بآخر- عن الإسلام السياسي والعسكري والتعامل معه بوصفه العدو الأسوأ- وإن لم يكن الأخطر- وقد بينا ذلك في سياق هذه المراجعة ولا داعي لتكرار الأمر. ومن الضروري عدم الاكتفاء بالمواجهة الفكرية والسياسية والإعلامية- بل العملية إن أمكن- مع داعش والنصرة وسائر التنظيمات الإرهابية، بل وشمول هذه المواجهة بشكل أو بآخر الإسلام السياسي والعسكري المتطرف والذي يسيطر اليوم بالاستناد إلى ظهيره التركي والقطري على الأرض وفي السياسة وفي توجهات الائتلاف وهيئة المفاوضات والعديد من القوى السياسية السورية المعارضة.

د- إن الانفكاك المذكور يشمل حلفاء هذه القوى إقليمياً ودولياً كما يشمل حلفاء السلطة- الطغمة من الروس والإيرانيين وأذرع إيران وتركيا وقطر، ومراقبة الدول والقوى ذات المواقف الملتبسة وبناء الموقف المناسب من كل طرف، وفي كل ظرف، وفي السياق المحلي المذكور يجب إيجاد طريقة للتعامل مع القوى المحلية وفي مقدمتها هيئة التنسيق وكل قوة تغادر المنطقة الرمادية وحاضنة السلطة- الطغمة.

هـ- إيلاء الجزيرة السورية الأهمية التي تستحق وبخاصة إذا كانت هنالك مبادرات سياسية وعملية حقيقية من قبل الإدارة الذاتية وقسد تستجيب للمطالب الضرورية التي أكدنا عليها غير مرة. وتزداد أهمية هذه المنطقة طرداً بمقدار تعزيز الوجود الأمريكي فيها، وبمقدار ما يدفع هذا الوجود الكرد والعرب وسائر المكونات- من آشوريين وسريان وتركمان- إلى حوار حقيقي لإيجاد الحلول للمشكلات المطروحة وبخاصة مشاركة العرب الحقيقية في القرار السياسي والعسكري والاقتصادي والإداري والثقافي، أضف إلى ذلك إمكانية نشوء وتطور الخلاف بين أمريكا وتركيا من طرف، وروسيا وتركيا أيضاً من طرف آخر، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالموقف بين الكرد وروسيا والسلطة السورية من طرف ثالث.

وفي كل الأحوال يجب العمل بعقلانية وصدق وشجاعة من أجل أن تكون الجزيرة منصة معارضة حقيقية للسلطة قادرة على لعب دور حقيقي وفاعل إن يكن على صعيد الضغط العسكري أو على صعيد التسوية والحل السياسي.

20 تشرين الأول/ أكتوبر 2020

 

[1].  من أجل فهم أفضل قدم الصديق بكر صدقي ورقة مفصلة عن الوضع الداخلي التركي مرفقة مع أوراق المؤتمر.

من أجل العودة إلى وثائق المؤتمر انقر هنا.

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة