هل يمكن خلق بديل للائتلاف؟

كانت مشكلة القيادة السياسية، ولا تزال، من أهم مشاكل الثورة السورية التي انطلقت عام 2011، حيث إن الطبيعة العفوية للثورة كامتداد وتواصل لموجة الربيع العربي، التي انطلقت من تونس، تعتبر عمقاً لهذه المشكلة، وإذ توصلت بعض الثورات العفوية إلى إسقاط أنظمة بلدانها، دون وجود تنظيم أو ائتلاف سياسي قائد، بدعم خارجي كما حصل في ليبيا، أو بدونه كتونس ومصر بغض النظر عن التطورات اللاحقة، فإن تعقيدات الوضع السوري، بشكل خاص تبرز أهمية دور القيادة السياسية في توظيف أشكال النضال المناسبة، وتثمير النضالات العفوية، والتخفيف من خسائر المواجهة مع نظام دموي، وفي بناء علاقات دولية وإقليمية قادرة على السير على ذلك الحبل الرفيع الذي يفصل بين الارتهان للحليف أو الصديق، وبين توظيف تقاطع المصالح لصالح الثورة والتغيير في سورية، وكل ذلك انطلاقاً من نظرة شاملة وعميقة لتكوين طبيعة المجتمع السوري وعلى كامل الجغرافية السورية.

إذا كان عدم وجود قيادة مفهوماً عند انطلاق الثورة العفوية فإن طريقة تشكيل الهيئة القيادية الأولى- المجلس الوطني- وشرعية تمثيلها ومن ثم عجزها يحتاج إلى نقاش آخر، وبالمثل فإن الهيئة القيادية التالية- الائتلاف الوطني- آلت شيئاً فشيئاً إلى حالة عجز رغم وجود الدعم الدولي في البداية، ورغم توسيع التمثيل السياسي، ورغم اكتساب شرعية التمثيل الشعبي الذي عبر عنه المتظاهرون. بالنتيجة تحول الائتلاف إلى كيان مستمر واقعياً، بقوة بعض الإرادات الإقليمية، أكثر من أي اعتبار آخر، وبرغبة دولية بسبب الحاجة إلى كيان يمثل المعارضة عندما يتم تحريك الملف السوري، ذلك رغم ضعفه وانفضاض الكثيرين عنه، ورغم وصمه بالخيانة، خاصة بعد تشكيل الهيئة العليا للانتخابات، رغم التراجع اللاحق والإعلان عن الالتزام بضرورة المرحلة الانتقالية وخاصة القرار 2254، لكن تشكيل بديل للائتلاف لا يزال يشكل تحدياً ربما لم تنضج الظروف الموضوعية المناسبة لتحقيقه، وفورة البيانات والإعلانات والاتهامات لم تلبث أن فترت.

نعتقد أن جوهر موضوع نزع الشرعية وتكوين شرعية بديلة هو أولاً وقبل كل شيء موضوع البرنامج، وفي سورية فإن أي عمل حزبي أو تحالفي يجب يقوم على أساس أن مستقبل سورية هو النظام الديموقراطي الذي يعتمد دولة المواطنة التي تلغي أي تمييز ديني أو طائفي أو عرقي أو جنسي.

ولضرورة إدراك خصوصية تنوع التركيب الإثني في سورية يجب أن يأخذ النظام الديموقراطي بالاعتبار إعطاء جميع الهويات الموجودة، بغض النظر عن حجمها العددي، كل ما يشعرها بتحقيق خصوصيتها القومية وحل كل نزاع ينشأ بين الهويات المتعددة بأساليب ديموقراطية وباعتبار مرجعية المواثيق الدولية أساساً في إرساء الحقوق والواجبات.

بعد اعتماد البرنامج أعلاه يجب العمل على تحقيق جبهة عريضة مع جميع القوى التي تؤمن به، وتحقيق أفضل علاقة ممكنة مع القوى التي تختلف معه لكنها لا ترفضه. وفي حين يبدو هذا الهدف واضحاً نظرياً فإنه، في المدى المنظور وما لم تحصل تدخلات دولية حاسمة، لن يكون قادراً على توحيد جميع أو معظم الأحزاب والكيانات السورية، فالأحزاب أو التنظيمات ذات التوجه القومي العربي وعموما الشارع العربي أيضاً، لا تزال لديها حساسية في التعامل مع قضايا الأقليات القومية، وهناك خطاب شائع حتى بين المثقفين يعتبر أن دولة المواطنة المتساوية كفيلة بإعطاء الحقوق للجميع، أو أن النظام الديموقراطي يضمن حقوق الجميع. كما أن نمط الخطاب الإسلامي والشارع الإسلامي، حتى عندما يرفض التطرف أو يكون على خلاف معه، فهو لا يقبل الطبيعة العلمانية للدولة الديموقراطية المقبلة.

إن الخلافات في هذه التوجهات البرنامجية العامة، والتي ليست الوحيدة، توضح لماذا لا يمكن قيام ائتلاف عريض على أساس هذا البرنامج لمستقبل سورية، كما توضح الصعوبات المتوقعة أمام منعطفات التغيير المحتملة.

وإذا انتقلنا للأساليب النضالية، هل يمكن الاتفاق على اعتبار الأساليب السلمية هي الأساس في عملنا من أجل تحقيق برنامجنا؟ أولاً النظام، مدعوماً بحلفائه، لا يزال يرجح مبدأ القوة العسكرية أو قوة الأمر الواقع، وهذا يقطع الطريق أمام الاتفاق على السلمية، ليس فقط من قبل التنظيمات المصنفة إرهابياً بل أيضاً من قبل التنظيمات المسلحة سواءً تلك المرتبطة بتركيا أو الموجودة في شرق الفرات، فكل من يمتلك قوة مسلحة لا يمكنه التخلي عنها دون أن يكون ذلك في سياق حل سياسي شامل لجميع سلال المرحلة الانتقالية، وربما بالنسبة لبعض التنظيمات لن تسلم سلاحها إلا مرغمة .

من حيث المبدأ فإن موضوع انتزاع الشرعية ليس كميا أو عددياً، وأي ادعاء جديد بالشرعية لا يستطيع الوصول إلى حجم من التأييد ذي أهمية، سيفقد اعتباره بعد فترة، طالما لم يصبح فاعلاً ومؤثراً، حتى لو امتلك برنامجاً متضمناً ما ذكرناه سابقاًً.

ومن حيث الممارسة السياسية فإن أي تحالف جديد سيواجه اختبار المواجهة مع الوقائع، وإذا لم يمتلك ما يكفي من القوة، وهنا نستثني القوة العسكرية، قوة التمثيل الشعبي على مستوى الوطن، فلن يكون قادراً على تحقيق معادلة الاستقلالية الصعبة، فالمسألة ليست براعة أو نزاهة أفراد في موقع القيادة، مع عدم نكران أهمية ذلك، فالأفراد غير المناسبين، من حيث درجة استقلاليتهم، يمكن تنحيتهم بسهولة طالما هم ضعفاء من حيث تمثيلهم.

يجب النظر إلى عملية تشكل البديل بصفتها صيرورة دون أن نعفي أنفسنا من البدء بتشكيل الجبهات أو التحالفات على الأسس البرنامجية التي نؤمن بها، ومتابعة تطورات الأحداث وتغيرات الأدوار الإقليمية والدولية للاستفادة من اللحظة المناسبة لتوسيع هذه الأطر، التي ستكون ضيقة ومحدودة في البداية، إلى إطار أوسع، قد لا يكون هو القائد لعملية التغيير، لكننا نراهن على قدرته على التأثير في مجريات التغيير ومرحلة الانتقال السياسي وفيما بعد في ترسيخ وتعزيز النظام الديموقراطي.

تيار مواطنة

المكتب الإعلامي 7 كانون الأول/ ديسمبر 2020

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة