السوريون في لبنان؛ بين حق اللجوء والتهديد بالطرد

 

سورية هي واحدة من خمسة بلدان من البلدان التي تشكل بلدان المصدر لحوالي 70% من اللاجئين في العالم، وفي عام 2017 كان عدد اللاجئين القادمين من سورية يشكل حوالي ثلث إجمالي اللاجئين في العالم. ووفق آخر إحصاء لمديرية الأمن العام في لبنان بلغ عدد السوريين اللاجئين في لبنان حوالي 1 مليون وثلاث مائة ألف، وهم الذين ينطبق عليهم التعريف النموذجي للاجئ من حيث احتمال تعرضه للاضطهاد بسبب العرق أو الدين أو الجنس أو الانتماء إلى فئة اجتماعية معينة أو بسبب الآراء السياسية التي يحملها، وهؤلاء اللاجئون غير قادرين على، أو ليست لديهم الرغبة، في الاستفادة من “حماية” بلدهم الأصلي ويخافون العودة تجنباً للاضطها، وبالرغم من ذلك فإن 90% منهم ليس لديهم صفة لاجئ كون لبنان من الدول التي لم توقع على اتفاقية حقوق اللاجئين العالمية عام ١٩٥١م، لكن ذلك يجب ان ترعى الامم المتحدة حقوقهم كلاجئين وليس كمقيمين بدون حقوق على الأراضي اللبنانية.

ويضاف إلى خصوصية وضع اللاجئين السوريين في لبنان، أن طرفاً سياسياً لبنانياً /حزب الله/ هو الطرف المسيطر بقوة الأمر الواقع على الوضع اللبناني، كان الطرف الذي ساهم بشكل فعال في تهجيرهم من موطنهم الأصلي واحتل مدنهم وقراهم وخاصة في المناطق المتاخمة للحدود اللبنانية: القصير والزبداني. وهذا الطرف يجعلهم من جديد مادة للابتزاز والاضطهاد في موطن لجوئهم.

وبين فترة وأخرى يتعرض اللاجئون إلى مضايقات لا يمكن اعتبارها فردية دائما كما يمكن أن يحصل في بلدان أخرى، لأنها تحصل على أرضية كراهية موجهة من قبل القوى السياسية المسيطرة في لبنان وتتردد بين فترة وأخرى على لسان رموزها، هذا في الوقت الذي لا يتمتع اللاجئون في لبنان بإقامة قانونية [فقط حوالي 20% لديهم إقامة عمل]، وهناك دائما وفق “مفوضية اللاجئين” “خطر الاعتقال والترحيل والطرد من السكن، والعنف الجنسي وإساءة معاملة الاطفال”. ولا تقوم الحكومة بأدنى واجباتها الإنسانية “في مجال الصحة والمأوى والصرف الصحي تجاه مخيمات اللجوء” رغم ما تحصل عليه من مبالغ ومساعدات تقدمها المنظمات العالمية، ورغم الاستفادة من الحركة الاقتصادية التي يخلقها صرف هذه المساعدات من قبل أكثر من مليون لاجئ سوري في لبنان.

وعلى العكس من ذلك، يحاول بعض الساسة اللبنانيين تحميل اللاجئين وزر الانهيار المالي مصعدين من خطاب الكراهية ضدهم، للتهرب من مسؤولية الطبقة السياسية الفاسدة، المهتمة بخدمة الأجندات الإقليمية أكثر مما هي مهتمة بمصالح بلدها. وتبدو المفارقة الكبرى عند “حزب الله اللبناني” الذي لا يريد بقاء اللاجئين في لبنان وفي الوقت نفسه لا يريدهم أن يعودوا إلى مناطقهم التي أصبحت مناطق نفوذ سياسي وعسكري له ولداعميه الإيرانيين.

وفي 26 كانون الأول/ديسمبر 2020 ومع اقتراب العام الجديد وإثر شجار بين شبان لبنانيين وعمال سوريين، وعلى ارضية الترويج لخطاب الكراهية، أقدم هؤلاء الشبان على إضرام النار في مخيم المنية شمال لبنان مما أدى إلى إحراق المخيم بالكامل. وهنا لا بد من التذكير أن مبادرات المجتمع الأهلي اللبناني كان لها الدور الأهم في مساعدة المتضررين وإيجاد المأوى لهم وتقديم المساعدات، وبالتالي إعادة الاعتبار لقضية اللجوء من الناحية الإنسانية ولكن عادت من جديد الأسئلة المتعلقة بوجود اللاجئين: هل يجبرون على الرحيل، أم هل يستمر التضييق عليهم حتى يرحلون، أم لا تزال قضيتهم موضوعاً للابتزاز والمساومة؟

كان للأزمة الاقتصادية اللبنانية تأثيراتها الكارثية ليس فقط على اللبنانيين تحت خط الفقر بل على اللاجئين الذين اندمجوا في سوق العمل اللبنانية سواءً كيد عاملة أو كحرفيين أو حتى كأصحاب مشاريع صغيرة إلى الحد الذي جعل بعضهم، وإن بأعداد قليلة، يعودون إلى سورية مراهنين على العيش في أوضاع أقل سوءاً، لكن هذه العودة ليست خياراً سهلاً ومنطقياً بحيث تبدو أنها الخيار الأقل سوءاً، بداية إلى أين يرجع اللاجئ إذا كان بيته مدمراً أو منطقته مدمره ولا يزال الدخول إليها ممنوعاً، أو هي مفتوحة للعودة ولكن البنية التحتية فيها مدمرة، وهل يمتلك الإمكانات للعيش في المدن الكبرى بغض النظر عن الأزمات المعيشية الحالية؟ وقبل كل ذلك هل هو أو أحد أبنائه مطلوب للخدمة الإلزامية؟  والأمر الأكثر خطورة هل هو مطلوب أمنياً وبالتالي يحتمل أن يخضع للاعتقال والتحقيق والتعذيب وربما الموت، وهذا ما حصل  للكثيرين حتى من الذين تمت عودتهم من خلال ما سمي  بالمصالحات؟ هكذا قد يعود عشرات وربما مئات اللاجئين بشكل فردي لكن المشكلة تبقى قائمة، وتبقى قضيتهم قضية سياسية بامتياز.

أخيراً وكما ذكر بيان وقعته عدة منظمات حقوقية دولية وسورية بعد حرق مخيم المنية فإن عودة اللاجئين يجب أن تكون طوعية وآمنة وكريمة، وقد رصدت هذه المنظمات عدة عمليات ترحيل تعسفي عبر مطار بيروت مع إجبار اللاجئين على التوقيع على ورقة “عودة طوعية”، وتم توثيق حالات اعتقال تعسفي واعتقالات جماعية وضرب وهدم منازل وكل ما من شأنه جعل استمرار وجود اللاجئين مستحيلاً ودفعهم للرحيل إلى المصير المجهول.

إن عودة طوعية حقيقية، وللأعداد الكبيرة من اللاجئين، وفي ظروف آمنة وكريمة، لا يمكن أن تتم إلا بإشراف دولي مباشر وهذا لا يتوقع حدوثه دون البدء في عملية التغيير أو الانتقال السياسي على أساس القرارات الدولية وأهمها 2254.

تيار مواطنة

المكتب الإعلامي 8 كانون ثاني/ يناير 2021

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة