التقرير السياسي الثالث تيار مواطنة 30 نيسان 2012

التقرير السياسي الثالث

لتيار مواطنة

ليس المطلوب رصد كل التفاصيل والأحداث التي جرت خلال الأسابيع الماضية، لأن المهم ليس تعداد الوقائع، بل تحليل الأبرز منها، ومحاولة فهم المغزى والاتجاه العام للصراع العنيد الدائر في سورية اليوم بين الانتفاضة الشعبية والطغمة الحاكمة على الأصعدة كافة.

وفي هذا السياق وعلى الصعيد السياسي لا تكتسب القمة العربية التي عقدت في بغداد، ولا مؤتمر المعارضة السورية في اسطنبول، ولا مؤتمر “أصدقاء الشعب السوري” الذي عقد في العاصمة ذاتها أية قيمة نوعية، والمغزى الأساسي الذي يمكن أن يشتق منها جميعاً هو أنها جاءت في سياق تراجعي عن التصعيد السابق، فالعرب في بغداد أقل إجماعاً وأدنى موقفاً مما كانوا عليه في المبادرة السابقة ومؤتمر المعارضة السورية لم يسفر عما يستحق الذكر إلا إذا اعتبرنا اعترافه بضرورة إعادة هيكلة المجلس الوطني [الذي لا يضم المعارضة كلها] في سبيل توسيع قدرته على التمثيل ودمقرطته وتوحيد رؤيته الأساسية والالتزام بها وصولاً إلى تفعيله وتطابق ممارسته مع ما سبق، ولا بد من الإشارة إلى المخاض العسير لإعادة الهيكلة، حيث ليس بين يدينا حتى اليوم مؤشرات كافية تبعث على التفاؤل على الرغم من كل المحاولات. والأمر لا يختلف كثيراً فيما يتعلق بمؤتمر “أصدقاء الشعب السوري” الأخير، ولا يغير كثيراً في هذا الحكم اعترافه بالمجلس الوطني ممثلاً شرعياً للشعب السوري –على أهميته.

إن الاستنتاجات السابقة تقودنا إلى أننا لم نتقدم بشكل كبير في حشد العالم حولنا أو حشد المعارضة السورية –إن لم يكن تنظيمياً وهو أمر يبدو غير ممكنٍ- في سياق رؤية سياسية مشتركة يمكن اعتبارها الممكن الوحيد والضروري اليوم، ويبدو أننا سوف نكتفي بالأمل في أن يتحقق ذلك في اللقاء المرتقب عقده في القاهرة في 16 أيار القادم.

نجيء الآن إلى مبادرة كوفي عنان التي يمكن اعتبارها بؤرة الفعل السياسي والعملي في هذه المرحلة باعتبارها الترجمة –المؤقتة على الأقل- لهذا الطور الذي يتسم بغياب الحلول الجذرية واستبدال ما يمكن تسميته “إدارة الأزمة” بها. ويتم ذلك على قاعدة الحضور الروسي الواضح في هذه الإدارة، وقبول الأطراف الأخرى على تنوعها –راغبةً أو مكرهةً بها- على الأقل لاستنفاد الفرصة الضئيلة لها أو سد باب الذرائع أو لالتقاط الأنفاس، وسوف نعود لاحقاً إلى الحديث عن هذه المبادرة والظروف المحيطة بولادتها.

وبانتظار ذلك تجب الاستدارة نحو الواقع على الأرض، حيث عمدت السلطة إلى تصعيد عسكري يكاد يكون نوعياً من أجل حسم الصراع، وقد نفذت في سبيل ذلك خطةً خطرة جوهرها، ليس قتل الناس وتدمير المدن فقط، بل تفريغ المدن الثائرة من السكان وإجبارهم على النزوح خارج سورية أو إلى مدنٍ أخرى داخلها أو حصر المواطنين في أحياء قليلة داخل المدن ذاتها، بل وملاحقتهم على الطرقات وحيثما نزحوا، وهي–أي السلطة- تراهن بذلك على إنهاء التظاهر من خلال تشتيت السكان وقتلهم وإنهاكهم وتدمير أجزاء كبيرة من المدن والقرى المنتفضة، وتجفيف مصادر القوة والصمود والعيش وصولاً إلى محاولة تيئيس الشعب من المستقبل، وربما نجحت في ذلك وإن يكن في حدود، وفي حدود فقط.

وليس بعيداً عن ذلك القول: إن دورة العنف العسكري الأعلى استهدفت أيضاً شل فاعلية الجيش الحر وتدمير قوته المادية واستدراجه إلى خارج البحر البشري الذي يشكل حاضنته ومصدر قوته الأساس حتى إشعار آخر، وذلك كي يسهل عليه لاحقاً سحقه بوصفه نسقاً عسكرياً مع بقائه مجموعة من الأفراد المسلحين، وهنا أيضاً يمكن القول: إن السلطة حققت بعضاً من خطتها ليس أكثر.

قلنا: أن الطور الأحدث من الصراع كان يقوم على تشتيت القوى السلمية والمسلحة وتذريرها وإنهاكها وإيصالها إلى اليأس والتسليم، حتى إذا جاءت المبادرات –عالمية كانت أم عربية- وجدت نفسها أمام أمر واقع للسلطة فيه اليد الطولى التي تسمح لها بفرض ما تريد من حلول، وإن بدا ظاهرياً أنها مكرهة على ذلك، ولا يحتاج الأمر إلى مكابرة للقول: إنها بعيدة عن تحقيق ذلك، على الرغم من بعض النجاحات الجزئية في بعض عناصر خطتها وبخاصة التدمير والتفريغ.

وما دام الأمر على الأرض كذلك فإن المطلوب من الجيش الحر –أكثر من أي وقت مضى- أن يأخذ بعين الاعتبار المعارك التي خاضها في بابا عمرو على الأخص، وفي حمص عموماً وإدلب وحماه ودرعا –مدناً ومحافظات- لاستخلاص العبرة منها وانتهاج إستراتيجية إبداعية تقوم على ميزان القوى القائم وطبيعة السلاح والأهداف والتكتيك العملي المناسب، إستراتيجية تقوم على عقيدة الثعلب في مواجهة القوة الغاشمة، ونحن نعتقد أن ضباط هذا الجيش –أو بعضهم على الأقل- لا تنقصهم القدرة على صياغة مثل هذه الإستراتيجية.

وفي كل الأحوال، وفي نطاق استخلاص العبرة من كل الوقائع العنيدة من عمر الانتفاضة المديد، يتوجب على الجيش الحر أن يوحد صفوفه، وأن يُطهر نفسه من أي طرف يعمل لحسابه الخاص، أو يقوم بأي فعل مشابه لأفعال السلطة مادياً أو معنوياً، أو يرفض الاندراج في نطاق الاستراتيجية المفترضة، كما يتوجب عليه الوصول مع المعارضة السياسية والسلمية إلى قيادة سياسية عسكرية مشتركة تسهر ليل نهار على تنفيذ الاستراتيجية الضرورية، ومن المهم جداً في هذا السياق تطوير نظرة نقدية لكل ممارسة -مهما تكن محدودة- اتسمت بالطابع الطائفي البغيض أو بأي انتهاك مهما يكن لحقوق الإنسان والمواطن، حتى لو كانت رداً –وهي كذلك- على الممارسات البهيمية والطائفية للسلطة، وذلك جنباً إلى جنب مع تفادي تكرار بعض الأخطاء العسكرية التي حدثت.

وأياً يكن الحال، يمكن إجمال القول بضرورة امتلاك عقل إبداعي على الصعيد العسكري مع الحرص على التفوق المعنوي والأخلاقي. إن التفوق المذكور ضرورة مبدئية وإنسانية ونفسية وأخلاقية، ويشكل الالتزام بمواثيق حقوق الإنسان والمواطن والأسرى مركزها الأساس، وفي الوضع السوري فائق التعقيد يشكل ذلك ضرورة سياسية وعملية أيضاً لتطوير الصراع وتصعيده وتوسيعه عبر اجتذاب جماعات بشرية شتى إليه وزيادة تماسك وصلابة وثقة النواة المركزية بمشروعية الانتفاضة وسلوكها ومستقبلها القادم.

إننا في الوقت الذي نتفهم فيه بعض ردود الفعل السلبية على أفعال السلطة-الطغمة وحلفائها للعديد من الأسباب التي ليس أقلها السلوك البهيمي الفاجر لها ولهم، فإننا نرفض بحزم أن تنجر الانتفاضة بجناحيها المدني والمسلح إلى ردود الفعل، ونذكّر بأن الانتفاضة هي الفعل النقيض سياسياً ومعنوياً وعملياً وبكل المعايير لعدوها –أي السلطة- وليس لها أن تكون غير ذلك، ونحن واثقون من أنها سوف تعمد إلى أن تنفض عن نفسها كل فعل لا يرتقي إلى جوهرها.

وما دمنا في نطاق الداخل، تجدر الإشارة إلى أن الانقسام العمودي للمجتمع لا يزال في الاتجاه العام على حاله على الرغم من ظهور بعض الإشارات الإيجابية الضعيفة، ولا يزال التطور الإيجابي الأساسي يجري في المناطق الساخنة، التي وإن كانت قد خسرت بعض المكاسب والمواقع بفعل الهجوم البربري للسلطة، التي كانت تستميت من أجل الحسم ولا تزال، فإنها –أي الانتفاضة- قد كسبت مواقع أخرى مثلما تجذرت في بعضها الآخر.

لقد اندفعت إلى الأمام معركة التحدي والصلابة والصمود في صراع الإرادة الدائر، ومن الواضح أن الشعب لم ولن يخسر هذه المعركة أبداً على الرغم من أنه ليس هنالك أي نقلة نوعية حتى الآن، فالاستعصاء ما زال قائماً وصراع الإرادات على أشده، ومحاولة كسر ذلك بكل الوسائل واضحة لكل ذي عين، وقد جئنا قبل قليل على ما صنعته السلطة في هذا السبيل. أما فيما يتعلق بالانتفاضة فإن هنالك بعض الخطوات الإيجابية ذات الأهمية – بالإضافة بالطبع إلى ما ذكرناه من صمودها وصلابتها وإرادة التحدي لديها- وعلى رأسها وثيقة عهد وميثاق الأخوان المسلمين وعهد المجلس الوطني، اللذان كانا قد سُبقا بالعهد الوطني الذي صدر عن مجموعة من المثقفين والمناضلين منذ بداية الانتفاضة، وعهد الكرامة والحقوق الذي لحقه وأصدرته هيئة التنسيق الوطنية. ومع تقديرنا الكبير لكل هذه العهود، نعتقد بأن الأهم من بينها هو عهد الأخوان المسلمين لما له من أهمية خاصة على صعيد كسر التخندق العمودي، وبخاصة لأن الطرف المذكور تعرض لحملة شعواء من التشويه وصلت إلى درجة الإسفاف والكذب العاري، وهو ما يجعل عهدهم هذا في منتهى الضرورة، ليس اليوم، بل منذ زمن بعيد لتحطيم هذه الفزاعة المرفوعة من قبل السلطة وحلفائها في الداخل والخارج. وفي السياق نفسه تقوم العهود الأخرى جنباً إلى جنب مع عهد الأخوان بإظهار الصورة الإيجابية للانتفاضة الشعبية ذاتها.

وإن كان من الصحيح أن الإخوان قد أقدموا في عامي 2001 و2004 على تقديم صورة إيجابية نسبياً عما أشيع عنهم نمطياً –بحق أو بدون حق- في زمن الثمانينيات، فإن الضرورة كانت تقتضي أن يجري التحول وأن يُقدم هذا العهد منذ بداية الانتفاضة لاستعادة صورة أخوان الأربعينيات والخمسينيات، ولسد باب الذرائع أمام السلطة وحلفائها وزعزعة الدعاية النمطية لها وزرع بذور الشك فيها على الأقل، وتجذير الطابع الوطني لهذه الانتفاضة الباسلة.

إن عهد الأخوان يستمد الإيجاب مما سبق، ومن إعلائهم من شأن حقوق الإنسان والمواطنة والمواثيق الأممية ومبادئ الحداثة ومدنية الدولة والمساواة في تسنُّم المناصب العليا، كما يسهم في تبديد مخاوف الآخرين من خلال رفضه للثأر والانتقام وأخذ المواطنين القانون بأيديهم، وجعل الحساب والثواب والعقاب من حق الدولة والقضاء المستقل وتوخي العدل في كل ذلك، وهو بهذا المعنى رد على المخاوف الحقيقية أو الوهمية التي تساور كتلاً اجتماعية كبيرة تمكنت السلطة من اللعب عليها مروجةً بحماس منقطع النظير المخاوف المذكورة طيلة عمر الانتفاضة على قاعدة الذاكرة البعيدة والقريبة والراهنة لبعض مكونات الشعب السوري.

بقي أن نقول على الجانب الآخر: إن الميثاق جاء –كما يبدو- محصلة لاتجاهات مختلفة داخل الإخوان، وهو يقوم في بعض مفاصله على مساومات مفترضة بين هذه الاتجاهات، ومنها على سبيل المثال: الاحتكام إلى الشرائع السماوية جنباً إلى جنب مع الشرائع الإنسانية الوضعية التي وصل إليها العالم اليوم، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالمواطنة المتساوية بإطلاق التي تم الالتفاف عليها بالمساواة أمام القانون والعدل… الخ. وكذلك الحال في مسألة المناصب العليا التي كان يفضل النص على منصب الرئاسة من بينها وحق تسنمها لكل مواطن ذكراً كان أم أنثى وبغض النظر عن أي انتماء وهو ما كان شديد الأهمية لما نسميه المواطنة المتساوية بإطلاق لكل الرجال ولكل النساء. والأمر نفسه فيما يتعلق بالدستور التوافقي، حيث يمكن فهمه بوصفه اعترافاً بالمكونات السورية جميعاً؛ أي بحق التعدد الذي لا مراء فيه وهنا لا مشكلة، كما يمكن أن يُشتم منه التوافق الذي قد يصل إلى المحاصصة الطائفية وهنا قد تكون ثمة مشكلة، فبين دستور يقوم على الاعتراف بحق التعدد والاستجابة الحضارية له، وآخر يقوم على المحاصصة الطائفية بونٌ غير قابلٍ للاختزال، ونحن نفضل ونأمل أن يكون المقصود هو المعنى الأول، بل قد نجرؤ على القول: إنه كذلك. ونرغب أن نلفت الانتباه هنا إلى أن المساومة لا تقتصر على الاتجاهات داخل صفوف الأخوان فيما بينهم، بل قد تكون –وهي كذلك على الأرجح- مساومات مفترضة مع شركاء قائمين في الوطن.

على صعيد المجلس الوطني، حسناً فعل على الرغم من أنه قد تأخّر هو الآخر، ومع تقديرنا لكل الإيجابيات الواضحة في عهده “العهد الوطني لسوريا المستقبل”، نود أن ننوه إلى أنه استطال كثيراً دون مسوغ، فالعهود لا تصل في العادة إلى /23/ بنداً ويفضل أن تكون رقماً من خانة واحدة. (وبهذا المعنى فإن غير بند في عهد الأخوان المسلمين كان بالإمكان إدراجه في غيره دون خلل، وبخاصة العاشر منها، لكن رغبة العهد في مخاطبة المخاوف أخضعته لهذا الترتيب، والأمر نفسه ينطبق بشكل مكبّر على عهد المجلس).

ليس هذا فحسب، بل إن عهد المجلس خلط بين الدستوري (وهو المقصود بالعهود بوصفها مواثيق شرف ومبادئ مؤسسة للدستور ولعلاقة المجتمع بالدولة وفيما بينه، وهو شأنٌ في منتهى العمومية والتكثيف)، والسياسي وهو شأنٌ متحرك ومتجدد ومحط صراع دائم بين القوى الاجتماعية. وقد أدى هذا الخلط إلى ضياع المبادئ المؤسِّسة في ثنايا تلك السياسية، في حين كانت الحاجة إلى إبراز الأولى في منتهى الأهمية والحساسية، وترك الأخرى إلى البرنامج السياسي الراهن الانتقالي أو المستقبلي، وبخاصة ما كان ضرورياً منها فقط.

والمجلس مثله في ذلك مثل الإخوان المسلمين، لم يتحدث عن المواطنة المتساوية بإطلاق وفضل استخدام عبارات أخرى نعرفها جميعاً في دساتيرنا ونعرف أنها لم تكن ذات يوم هي المواطنة المتساوية بحق لكل الرجال والنساء على اختلاف الانتماء، إلا إذا كان يعتبر ذلك بداهةً لا حاجة إلى ذكرها، ولكن البداهات في الوضع السوري فائق التعقيد يجب النص عليها على الرغم من أن بعضنا قد يقول: إن المشكلة في النفوس وليست في النصوص. ومن حيث التماسك البنيوي واللغوي، ليس من التجنِّي القول: إن عهد المجلس “العهد الوطني لسوريا المستقبل” افتقر إلى ذلك بشدة وهو أميل إلى الركاكة والحشو منه إلى القوة والتكثيف، وبهذا المعنى وبكل المعايير جاء عهد الأخوان أشد تماسكاً وتكثيفاً وإقناعاً.

وبعيداً عن العهود، وفي حقل السياسة الصرف، جاء التقرير السياسي للمجلس المركزي لهيئة التنسيق الوطنية –حتى قبل إدخال التعديلات المقترحة في الاجتماع عليه- خطوة إلى الأمام حيث اعترف بالتلميح أو التصريح بالبعد الطائفي في الصراع الدائر، لا بل اجترح له الحل في البند المسمى /قرار رقم 17/. وبغض النظر عن صواب أو خطأ هذا الحل، فإنه تطور ملموس في الاعتراف بالمشكلة والوقائع العنيدة التي ترتبت عليها، ونعتقد بأنه سيكون له أثر إيجابي في المساهمة في رأب التكسرات العمودية في المجتمع السوري التي سقفت الانتفاضة الملحمية للشعب السوري إلى حد كبير.

ليس هذا فحسب، بل لقد ذهب التقرير المذكور إلى مناطق أخرى ذات إشكالية، سواء فيما يتعلق بالجيش الحر أم بالتدخل الخارجي، وفي كليهما قطع التقرير خطوة ملموسة في تجاوز الموقف الأيديولوجي العقيم إلى الموقف السياسي الخصب المشروط بالزمان والمكان ومقتضيات الانتفاضة. ومن أعمق الفقرات في هذا التقرير الفقرة المتعلقة بـ “المواطنة المتساوية بحق قولاً وفعلاً” بدلاً من كتابة المطولات التي لا تقول شيئاً جوهرياً في نهاية المطاف، لا بل كان بالإمكان اختصار الكلمات الثلاث “بحق قولاً وفعلاً” إلى كلمة واحدة هي “بإطلاق”. وإذا كنا نعتقد أن هذه الفقرة الأخيرة هي في صميم الخط الفكري والسياسي لهيئة التنسيق، فإننا نشدد على أن المسائل الأخرى السابقة احتاجت إلى الكثير من الجرأة العقلية والنفسية والأخلاقية والسياسية والعملية للوصول إليها، وهو ما يستحق التقدير.

بقي أن نقول شيئاً واحداً في هذا الصدد: وهو أمل التطابق بين هذا التقدم الفكري-السياسي الملموس وبين الممارسة المفترضة على هذا الأساس.

لقد كانت العهود المذكورة –بوصفها مواثيق للمستقبل بشكل رئيس -وإن يكن فيها شيءً للحاضر- وبعض فقرات تقرير المجلس المركزي لهيئة التنسيق المذكور أعلاه- ضرورة لازبة بعد كل الدمار الذي أصاب سورية وشعبها ومدنها وقراها بفعل الممارسات البهيمية للسلطة-الطغمة، وهي تستجيب بشكل أو بآخر للمقتضيات الفعلية للانتفاضة الشعبية ومستقبلها، كما تستجيب للحقيقة التي عبر عنها كيندي ذات مرة حين قال: إذا عشت في الماضي والحاضر فقط فإنك سوف تخسر المستقبل.

وفي الحقل الداخلي الاجتماعي، ثمة مؤشرات إيجابية وإن تكن جزئية على نزوع المنظمات الشعبية والاتحادات النقابية والمهنية نحو الانفلات من ربقة السلطة، وعلى الرغم من أهمية هذا الحقل الاجتماعي فإنه لم يوجه إليه ما يكفي من الاهتمام، ولقد بقي الأمر على حاله السابقة تقريباً بعد كل هذا الزمن الطويل، مع ظهور بعض التشكيلات والروابط الحرة الصغيرة داخل العديد من المنظمات المذكورة، وهو الاتجاه الذي ينبغي الدفع به قُدماً إلى الأمام وصولاً إلى تشكيل روابط حرة وازنة ومستقلة قادرة على الإسهام الفعلي في تعرية السلطة وعزلها في نهاية المطاف، ولا بد من وضع استراتيجية مشتركة للمعارضة السورية والعمل بها بكل مسؤولية، فليس من المعقول بقاء الأمور على حالها بعد كل هذا الدم والدمار وكل هذه التضحيات والبطولات.

لقد انعقد في سياق الطور المذكور اجتماع في القاهرة للهيئة العمومية للمنبر الديمقراطي السوري في مبادرة ينقصها الكثير من التحضير والدراسة والوضوح الكافي في الأهداف وضم ما يزيد عن مائتين من الشخصيات السورية المعارضة من أطياف مختلفة، وتوصل إلى وضع هيكلية داخلية، وخلاصات سياسية وفكرية، ودعوات إلى وضع خطط تفصيلية للعمل على وحدة المعارضة السورية، وكل ذلك مشكور ونتمنى له النجاح. ولكن، ولأن الجميع يعرف الأسباب التي تحول دون وحدة المعارضة في ائتلاف واحد، فإننا نعتقد أن الجهد الأساسي يجب أن ينصب على أمرين: الأول هو ائتلاف القوى المتقاربة فيما بينها في هياكل واحدة، والثاني هو اتفاق جميع الهياكل على بيان سياسي يقوم على النقاط الرئيسة المشتركة فيما بينها ما دامت عاجزة حتى الآن على الأقل عن الائتلاف الهيكلي أو الوحدة السياسية الميدانية. وفيما عدا ذلك نخشى أن يتحول هذا المنبر -الذي وجد بقصد الدفع إلى وحدة المعارضة- إلى هيكل دائم يضيف تعقيدات أخرى على وحدة المعارضة.

وفيما يتعلق بائتلاف وطن فقد بقي يدور حول نفسه دون أي إنجاز يستحق التنويه، لذلك يصح القول: إنه مدعوٌّ إلى تفعيل نفسه وتجذير خياراته وتوحيد عمله المدني والميداني فعلاً لا قولاً.

وما دام الحديث قد أوصلنا إلى التنسيقيات، فإن تيار مواطنة يعتقد أن الوضع القائم على الأرض لا يبعث على الارتياح، وقد تأخرت إلى حد خطير ولادة قيادة سياسية –لا ميدانية فحسب- موحدة للانتفاضة من داخلها، ومن الضرورة بمكان الإمساك بالتعقيدات والصعوبات الفعلية التي حالت دون ذلك حتى الآن والبحث العميق في سبل تذليلها ما دام ذلك في حيز الممكن، وفي غير هذه الحال، وإذا لم تولد هذه القيادة الذاتية فإن على التنسيقيات أن تختار مكانها المميز والفاعل في خريطة المعارضة السورية لدفعها والاندفاع معها نحو الوحدة السياسية على الأقل، لأن ما عدا ذلك غير ممكن في الأفق المنظور. لقد باتت مسألة الوحدة السياسية هذه أو مسألة البيان المشترك لجميع قوى الانتفاضة أمراً مهماً بحق على الصعد كافة عالمياً وإقليمياً وعربياً ومحلياً، وبدون انتظار مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية المزمع عقده في 16 أيار القادم.

إذا كان ما سبق هو المطلوب بعينه، فإن تيار مواطنة يعتقد أن ما سوف يحدث في الواقع في هذا الطور من الانتفاضة الذي يمكن أن نطلق عليه باختصار “طور عنان” هو شيء مغاير وإن يكن من طبائع الأمور، حيث ستتكاثر خلال هذا الطور الائتلافات والتجمعات الرمادية على قاعدة “الزمن المائع”، والدعوات إلى السلمية المطلقة على قاعدة الآمال التي تولدها مبادرة عنان. ولكن إذا خابت هذه الآمال بفعل طبيعة السلطة ورعبها من الإصلاح الحقيقي وقناعتها بالدور الحاسم للقوة والعنف العاري و… الخ، فإننا سنكون أمام وقائع عنيدة واستحقاقات حاسمة قد تطيح بكثير من الكيانات حديثة الولادة، بل قد تتلاشى بعض الكيانات السابقة أو تضطر إلى الاستجابة للظروف المستجدة كي لا ترمى في زوايا النسيان والانعزال. وعلى كل حال من المبكر اليوم التحدث بثقة عما سيجري إن يكن تقدماً أو ذوباناً لبعض الكيانات السياسية المنظمة في بعض، أم انعزالاً أم تلاشياً وسيكون كل ذلك أمراً مفهوماً بالتأكيد.

ومن الضروري –كما يبدو- عدم تجاوز هذا الصعيد بدون الحديث عن القوى الكردية، ونقصد بذلك القوى السياسية المنظمة وليس الشارع على الرغم من تأثر الأخير تأثراً ملموساً بها.

إننا في تيار مواطنة نُقِرُّ بلا لف أو دوران بالحق القومي للشعب الكردي مثله في ذلك مثل كل الشعوب في العالم، ولكننا نعتقد أنه من الضروري التمييز فيما يخص الجزء الموجود في الكيان السوري بين الحق التاريخي وبين المهمة المركزية الراهنة في سورية جنباً إلى جنب مع المهمة التي تلقيها على عاتقنا المواطنة في هذا البلد والتي تخص جميع أبنائه والمهمة الأخرى الملقاة على عاتقنا والتي هي الحقوق القومية الكردية في هذا الطور من التاريخ وفي هذا البلد بالذات، سواء في الشكل أو في المضمون أو السياق الزمني، وإذا كان كل ما سبق ضرورياً فإنه لن يكون مقبولاً ممارسة أي شكل من الاستفزاز –والأهم من ذلك- أي شكل من الابتزاز على الرغم من كون ذلك مفهوماً تماماً ومتوقعاً من قبل بعض القوى، أما أن يكون هنالك إجماع تقريباً حوله فإنه مثير لتعقيدات ليس هنا محلها ولا الآن زمانها وليست لصالح أحد بمن فيهم الكرد أنفسهم، ونأمل من رفاقنا في النضال الكردي المشروع جداً الإمساك بحلقة التمييز بين ما هو تاريخي وما هو مرحلي، بين ما هو عام لكل أبناء الوطن وبين ما هو خاص بالكرد وغيرهم من القوميات على الرغم من أن القضية القومية الكردية هي الأولى بالتأكيد.

نعود الآن إلى الوضع الخارجي، حيث من الملاحظ تراجع الخطاب والتسليم بالدور الروسي حتى باتت موسكو –ولو لفترة من الزمن- كعبة الحجاج، إلى حد أن الصليب الأحمر الدولي صار مضطراً إلى السفر إلى هناك للحصول على موافقة لإيصال بعض المساعدات إلى المنكوبين في سورية.

وفي هذا السياق تراجعت القضية في سورية من ثورة أو انتفاضة إلى أزمة يجب حلها أو إدارتها. وفي هذا كما هو واضح للجميع استخفاف بشع بطبيعة ما جرى وما يجري وبالأثمان الملحمية التي دفعت. ولا بد من القول في هذا الصدد: إن الروس لا يدافعون في تغطيتهم للسلطة السورية عن مصالح ضيقة في الاقتصاد أو تصدير السلاح أو الحاجات العسكرية، بل عن الدور الفعلي الذي يطمحون إليه على خارطة العالم المعاصر جاعلين من الساحة السورية ملعبهم الإقليمي والاستراتيجي المفضل للتسليم بذلك الدور، وبهذا المعنى تحولت سورية إلى ملعب لكل القوى العالمية والإقليمية الكبرى، ولكن بشكل خاص للروس وإيران، فإذا كان الروس يغطون السلطة السورية ويدعمونها بشكل محسوب، فإن إيران لا تدَّخر وسيلة لدعم السلطة جاعلة من الساحة السورية مجالها الحيوي للنفوذ الإقليمي وملعبها الرئيس الذي يشكل خط الدفاع الأول عن مصالحها الواسعة والمتوسعة، بما في ذلك تصفية الحساب مع الغرب وتعزيز موقفها في الملف النووي وفي صراعها على النفوذ مع جارتها الإقليمية الكبرى تركيا ناهيك عن الجارة الأخرى إسرائيل التي طالب وزير دفاعها الولايات المتحدة بضرورة تخفيف الضغط على السلطة السورية في بادرة علنية ليست قليلة الأهمية. ومع ذلك فإن تيار مواطنة يعتقد بأن الموقف الإسرائيلي –وحتى إشعار آخر- لا يزال محكوماً بالقلق العميق والترقب والانتظار والاستعداد والتكيف مع القادم من التطورات، وبخاصة القادم الجديد.

ليس بعيداً عما سبق الموقف العربي الذي بدا هو الآخر أنه على استعداد –بعد تدويل القضية السورية في مجلس الأمن- للتكيف مع الوضع الدولي الانتظاري والمائع على السطح على الأقل، وبخاصة بعد تلزيم سوريا للروس.

وفي الإطار نفسه يمكن فهم الموقف التركي الذي يعمل –على الرغم من التصريحات المتشددة- على موضعة نفسه في السياق العالمي، وبخاصة منه الموقف الأطلسي والغربي بشكل عام.

باختصار شديد، لقد أنتج الوضع السوري فائق التعقيد، والاستعصاء الذي قام عليه وانقسام المجتمع الدولي والإقليمي والعربي إلى حد ما، القائم هو الآخر على التعقيد السوري وتعقيده هو نفسه، ما أسميناه اختصاراً “طور عنان”؛ وهو طور الميوعة والانتظار والمراقبة على السطح، مع العمل الحثيث تحت الطاولة من قبل الجميع، فلنرَ كيف انسحب ذلك على الداخل.

ليس المرء بحاجة إلى الذكاء والتعب كي يدرك أن جميع الأطراف في سورية –بما في ذلك السلطة بشكل أو بآخر- قد وجدت لنفسها موقفاً داخل “طور عنان”، فالمعارضة الراديكالية والمعتدلة بدءاً من الجيش الحر والتنسيقيات مروراً بالمجلس الوطني وهيئة التنسيق وصولاً إلى أطراف أخرى اندرجت في سياق الإجماع العالمي والإقليمي والعربي، راغبةً أو مكرهةً، ليس فقط انطلاقاً من النزوع السلمي والحكمة والعقلانية والتطلع إلى حل سياسي يحق الدماء، حتى لو كانت حظوظ كل ذلك لا تتجاوز رقماً من خانة واحدة من المئة، بل انطلاقاً أيضاً من الإحساس بالعجز والحاجة إلى الخارج بكل تنوعه (بغض النظر عن ادعاءات البعض)، وضرورة قذف الكرة إلى ملعب الآخر الذي هو السلطة وحلفاؤها التي ينطبق عليها هي الأخرى ما سبق، ولأنها تعرف جيداً الأوضاع التي أدت إلى “طور عنان” فإنها تعمد ليل نهار إلى الخرق المتواصل واثقةً من أنها لن تجابه بموقف حازم –اليوم على الأقل- لا خارجياً ولا داخلياً، وهي تستخدم هذه الثقة لتعزيز طبيعتها وقناعتها وخوفها من الإصلاح وللاستمرار في تدمير المدن والقرى وإفراغها من السكان وفرض الأمر الواقع استعداداً للطور اللاحق. ولذلك لا معنى للقول إن السلطة سوف تراوغ وتماطل وتلعب وتفرغ لأنها تفعل ما سبق بكل ما أوتيت من قوة ومهارة ودهاء محولةً المبادرة إلى سجال عقيم حول البند الأول منها فقط، حول من خرق وكيف وحول “جنس الملائكة/المراقبين”، وحول كفاية هذا الخرق أو ذاك لإعلان إخفاق المبادرة و… الخ. في حين يقول المنطق والواقع: هل ثمة حاجة بعد كل هذا الدمار الذي لحق العديد من المدن والبلدات والقرى السورية إلى المراقبين لتحديد ما يجري وتحديد المسؤول عنه؟!

ومما يساعد السلطة على خرقها ليس فقط معرفتها للسياق الذي أنتج “طور عنان” وبوضع الطرف الآخر، بل العدد الهزيل للمراقبين الذين لا يغنون من جوع، لا بل ما هو أكثر وهو ذلك البطء المريع للمجتمع الدولي –حتى لو قبلنا العدد وهو أمر غير مقبول- في وصولهم وانتشارهم في سورية، والأمر نفسه فيما يتعلق بالإمكانات والوسائل والتقنيات والأمن… الخ، وعلى الرغم من تميز المراقبين الأمميين في هذا الجانب عن المراقبين العرب. والحق يقال: إن الله وحده هو من يعرف –وإن كنّا نقدِّر- حق المعرفة سبب هذا البطء القاتل في الانتشار والذي يتاخم حدود العار.

باختصار: إن المبادرة اليوم –مثلما هي في الأصل- على كف عفريت، وهي تفتقر إلى الشروط اللازمة والكافية عالمياً وعربياً ومحلياً لوضعها موضع التطبيق، وسوف نترك ما هو عالمي وعربي الآن لأننا نعتقد أن الجميع يعرف ذلك ونتحدث عن الشروط الداخلية التي أشير إليها عشرات المرات طيلة شهور الانتفاضة، والتي أُجملت من قبل العديد من الأطراف وبخاصة منذ ولادة هيئة التنسيق الوطنية، ومع ذلك فإن النقاط الثماني التي اعتبرت ضرورية لخلق مناخ صحي وبيئة مناسبة للانتقال السلمي، والتي اختصرت عند عنان إلى خمس أو ست نقاط، ليست إلا الشرط اللازم –كما يسمى في المنطق- ويبقى الشرط الكافي ماثلاً في ضرورة زعزعة ميزان القوى بشكل نوعي يجبر السلطة في نهاية المطاف على الجلوس بالإكراه إلى طاولة المفاوضات المفترضة، ولأن الحل السياسي السلمي يستبعد تغيير ميزان القوى عن طريق التدخل العسكري الخارجي أو تسليح الجيش الحر وتقويته، فإن من الضروري الانصباب على الوصول إلى ذلك عبر عوامل القوة والضغط الأخرى التي يمكن أن تساهم في إجبار السلطة على القيام بما هو ضروري لحصول التغيير المطلوب في الميزان المذكور، ونحن نعتقد أن التغيرات يفترض أن تكون معروفة وبخاصة فيما يتعلق بالخلفية العامة لها والتي تتمثل فيما يلي:

ثمة انتفاضة شعبية في سورية ينبغي الاعتراف الصريح بها، وليس أزمة كي تحل أو تدار، وإذا كان هناك من أزمة –وهي كذلك- فليس في طبيعة ما يجري بل في وصوله إلى الاستعصاء منذ زمن طويل على قاعدة الوضع السوري فائق التعقيد، وما دام الأمر كذلك فإن الحل الوحيد هو إيصال هذه الانتفاضة وهذا الشعب إلى أهدافها وأهدافه، ومن الواضح لكل ذي عين أن الشعب ماضٍ في سبيله، وهو لا يلتفت إلى الوراء –بل هو غير قادر على ذلك حتى لو أراد- وفي الوقت نفسه وعلى قاعدة ميزان القوى وطبيعة السلطة وقناعتها وخوفها من الإصلاح ماضية هي الأخرى بشكل بهيمي حتى النهاية في عنادها وتشبثها بالسلطة. ولذا فإن صراع الإرادة هذا والتحدي المتصاعد، والاستعصاء القائم عليهما يستدعي ممن يريد نجاح الحل السلمي أن يضغط بكل الوسائل الممكنة والفاعلة لإحداث نقلة نوعية في ميزان القوى لإجبار السلطة على الشروع فيه، وتيار مواطنة يعتقد أن العوامل اللازمة لذلك هي النقاط الثماني المعروفة، في حين يشكل ما يلي الشرط الكافي:

1)     حل أجهزة الأمن السلطوية -وليس سحبها فقط- في أقصر أجل ممكن وحل مؤسسة الشبيحة والمليشيا السلطوية المسلحة فوراً.

2)     إلغاء وزارة الإعلام فوراً، وتحرير وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة من هيمنة السلطة ووضع استراتيجية حرة قولاً وفعلاً للذي سيبقى منها.

3)     فك الارتباط بين المنظمات الشعبية والاتحادات المهنية والنقابية والسلطة وبينها وبين الحزب، وبين هذا الأخير والدولة، وقيام منظمات وروابط واتحادات حرة بمعنى الكلمة وذلك في أقصر أجل ممكن.

4)     إعادة هيكلة الإدارة العامة بالكامل وتحريرها من الغول السلطوي في المدى الممكن.

5)     إعادة هيكلة القوات المسلحة –الجيش والشرطة- في أقصر زمن ممكن بما ينزع عنها الطابع السلطوي والطائفي في آن واحد.

6)     وفي حال كانت الانتخابات ضرورية فإن الأفضل بالتأكيد إجراء انتخابات رئاسية قبل البرلمانية وذلك ببساطة لأن الأخيرة تشتت وقد لا تكون حاسمة بسبب ذلك، بل قد تكون لصالح السلطة –ولوجزئياً- في حين ستكون الأولى مركزية واستقطابية ولصالح الانتفاضة الشعبية على الأرجح، ويجب أن تكون هذه الانتخابات –في حال قيامها- من صنع الأمم المتحدة من الألف إلى الياء وليس بإشرافها ومراقبتها فقط.

7)     إعطاء ضمانات أممية ودولية بتوفير القوى اللازمة لتحقيق ما سبق وذلك وفق جدول زمني دقيق.

وفي كل الأحوال، وأياً يكن مصير مبادرة عنان فإن كل طرف يجهز المسرح منذ اليوم لما بعد ذلك –نجاحاً أو إخفاقاً- والأرجح أنها سوف تخفق بفعل السلطة ونقص الضغط الكافي وربما عوامل أخرى متداخلة، وعندئذ سنكون أمام عقوبات جديدة، وأمام مجلس أمن ورأي عام عالمي وإقليمي وعربي أكثر استعداداً للمضي إلى الأمام، وليس من المستبعد العودة إلى مبادرة الجامعة العربية سابقاً، مبادرة تخويل الصلاحيات والحل اليمني، وتوفير شروط تحولها إلى مبادرة أممية في نطاق مجلس الأمن أو الجمعية العمومية أو أي نطاق آخر، وسيغطي الحرج –بعضه أو كله حسب السياق- الموقفين الروسي والصيني، وعلى الرغم من صعوبة توقع الاتجاه الذي سيأخذانه مجتمعين أو منفردين فإن من الصعوبة بمكان استمرار تغطيتهما المكشوفة للسلطة السورية على حالها.

وليس من المستبعد والحال هذه أن توضع السلطة السورية في سياق لاحق أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الرحيل وإما الرحيل.

وإذا صح ما ذكر أعلاه، بل إذا صح جزء منه فقط –وهو إخفاق مبادرة عنان- فإنه كافٍ لانتهاء “طور عنان” وتفاقم دورة جديدة أو مستجدة من العنف الحاد المترافق بتصعيد سياسي ملموس من قبل كل الأطراف لأن كل المؤشرات تشير إلى ذلك بحيث يكون ما يجري اليوم وما جرى على ضراوته الوحشية بمثابة الهدوء الذي يسبق العاصفة التي تستهدف كسر عظم الانتفاضة الشعبية بجناحيها تمهيداً للانقضاض عليها والخلاص منها، وهو الحلم الذي راود السلطة ولا يزال منذ اليوم الأول، ومن المأمول –بل من المرجح- أن يتحول هذا الحلم إلى كابوس في نهاية المطاف.

تيار مواطنة

30/4/2012 

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة