مؤتمر للمعارضة في دمشق (نقاش هادئ في سياق صاخب) 14-9-2012
مؤتمر للمعارضة في دمشق
(نقاش هادئ في سياق صاخب)
قد يكون هذا المؤتمر من المناسبات التي يصح تطبيق المثل الشعبي القائل: “المكتوب مبين من عنوانه” عليه بحيث يصبح الحديث عن انتظار ما سيسفر عنه للحكم عليه مجرد كلام بلا طائل وهذا الحكم عائد في الأصل إلى الظروف التي ينعقد أو قد ينعقد في ظلها ولمكوناته وللمكان المعني، ولما لذلك من تأثير قبلي حاسم على قراراته.
ومع ذلك- وربما بسبب ذلك- يجب علينا البحث فيما يمكن أن نسميه مجازاً الشكل- والأصوب القول السياق- والسياق هذا هو الذي يدفعنا إلى التساؤل، بل الشك، في قبول الاجتماع في ظل الأجهزة الأمنية لهكذا سلطة يعلن رأسها بكل وضوح أن حكومته هي حكومة حرب- وهي بالفعل كذلك، حيث ما انفكت هذه السلطة تشن حرباً ضروساً على شعبها تحت شعارات قاطعة من مثل “الأسد أو نحرق البلد”، “الأسد أو لا أحد”.. الخ، ثم ما هذا المؤتمر الذي ينعقد أو قد ينعقد والقذائف والصواريخ تتطاير من فوقه في دمشق وأحيائها- ناهيك عن سوريا كلها تقريباً من الجنوب إلى الشمال ومن الشرق إلى الغرب.
إذن لن نكون مجافين للصواب إذا قلنا: إن المؤتمر- في حال انعقاده- سيكون ملاذاً للسلطة ودعاية منافقة لها ترضي روسيا وإيران في تسويق الطغيان وجهود إنقاذه، وطريقاً لكسب الوقت، ومكاناً للعب والثرثرة، حيث لا مكان لهما في وقت تحتدم فيه المعركة في كل مكان.
وفي كل الأحوال لا ينتهي الأمر عند هذا الحدّ إذ لو احتسبنا مكونات هذا المؤتمر بالقياس إلى القوى الحقيقية للثورة التي هي المقاومة المسلحة والحراك الثوري والمجلس الوطني السوري، وسائر أطياف المعارضة المدنية وبعض الطيف السياسي المستقل التي تشكل مجتمعة الجسم الأساسي للثورة- نقول لو احتسبنا النسبة لوجدنا أن المؤتمرين أو الذين سيأتمرون في دمشق لا يشكلون إلا جزءاً صغيراً على هامش الربع الرابع للثورة- هذا إذا جاز هذا الاحتساب في الأصل- وعندئذ فإن المتوقع أن يكون هذا المؤتمر خارج السياق وبلا رصيد أو أثر يستحق الذكر سوى إضعاف المعارضة وتمليك السلطة أوراقاً جديدة.
وعلى صعيد آخر، صعيد ما يمكن أن نسميه المضمون فإن المؤتمر يجيء في سياق التنكر الفاضح للوثائق التي أجمعت عليها المعارضة في القاهرة في بداية تموز هذا العام- وهذا الحكم ليس مصادرة على المطلوب كما يقول المناطقة، أو لنشوف الصبي منصلي على النبي، كما تقول العامة، وذلك لأن الأسس التي سينعقد عليها المؤتمر- إذا عقد- هي مواجهة الأخطار الخمسة التي وردت في المؤتمر الصحفي الذي عقد في أواخر آب 2012 أو المبادرة- الهدنة التي أطلقتها هيئة التنسيق قبل ذلك، وبوسع أي قارئ حصيف أن يفهم المغزى من الهدنة، ومن تحويل المهام من إسقاط السلطة إلى مجابهة المخاطر، وبخاصة إذا توّج ذلك كله بالعلاقة مع الموقفين الروسي والإيراني.
وليس بوسع الذكاء والتشاطر، والحال هذه، حتى لو بلغا السماء السابعة أن يغطيا العورات ويصح القول إن طريق المؤتمر سيكون بعيداً جداً عن طريق الشعب الثائر إن لم يكن نقيضاً لها- وليس من شأن الأقوال مهما توغل في البلاغة أن تغير من هذه الحقيقة في شيء.
وفي السياق نفسه هل من حقنا أيضاً التساؤل عما إذا كان هذا المؤتمر يهدف إلى ملاقاة مهمة الأخضر الإبراهيمي والتعيش عليها، وعندئذ أليس من الصواب القول: إنه تكريس للنهج السابق الذي لم يثمر سوى الموت والدمار وتغذية المأساة.
وإذا صح ما تناقلته الألسن من أن روسيا ومن ورائها وأمامها إيران- تضغط بقوة من أجل سقف هذا المؤتمر بأوطأ سقف ممكن، بل وإدخال أطراف مشاركة في الضفة المعادية إليه، ومن المفهوم في هذه الحال- حتى لو رفض المؤتمرون جلّ الضغوط والشروط الروسية أو بعضها- أن يميل المرء إلى عدم التعويل عليه، لأن المؤتمرين الذين يعولون على دور مهم، وربما مهم جداً، لروسيا وإيران سيجدون أنفسهم في مأزق يصعب حله يقوم على: رفض طلب روسيا- ومن ورائها إيران- والمغامرة في هذه الحال- بفقدان دورها وهو الأمر الذي يضعف موقعهم ويجعل ظهرهم إلى الحائط، أو قبوله والمغامرة بالانفصال نهائياً عن الشارع الثائر وهو الذي يشكل المقتل لأي فصيل سياسي.
أمام هكذا مأزق نحن نرجح أنهم لن يختاروا لا هذا ولا ذاك، بل اللجوء إلى حلول وسط من خلال صياغات ضبابية وتخريجات متذاكية ما أنزل الله بها من سلطان تقوم على قبول شيء من الطلب الروسي في لبوس الرفض له والالتفاف على موقف الشعب الثائر في لبوس التغني به.
وأخشى ما نخشاه أن تدفع النوايا الحسنة، والمخاوف المبالغ فيها والواقعية الميكانيكية، والعقلانية الإجرائية المؤتمرين إلى مواقع لا نرغبها لهم أبداً.
وفي كل الأحوال من المرجح أن يكون المؤتمر المذكور في حال انعقاده في السياق الراهن من الثورة السورية شكلاً ومضموناً بداية حقيقية مهما تكن أولية للفرز ولإعادة الاصطفاف ولتوديع المرحلة الرمادية وفي هذا قد يكمن بعض الخير.
وبعيداً عن السياسة وبلغة الأدب هل من حقنا أن نسمي هذا المؤتمر بمؤتمر النوايا الحسنة والأوهام الكبيرة والمخاوف المرضية والمناورات الرخيصة والخدمة الموضوعية المجانية للسلطة، وإدارة الظهر للشعب مع الادعاء بالعمل المسؤول لتحقيق تطلعاته سلمياً وبأرخص ثمن ممكن.
قد يقول قائل: كيف لنا أن نوفق بين حسن النوايا والمناورات الرخيصة؟! والحق إن هذا السؤال صحيح فهما على صعيد المنطق متناقضان، ولكنهما على صعيد الحياة شيء آخر تماماً، شيء ينطبق عليه القول: إن الطريق إلى الجحيم معبّدة بالنوايا الطيبة.
تيار مواطنة 14/9/2012