ألعاب نارية أم ماذا….؟! 8/10/2012

ألعاب نارية أم ماذا….؟!                                                                                         دمشق 8/10/2012

العالم يعرف بما جرى على الحدود الشمالية لسورية منذ بعض الوقت، السؤال:ما دافع السلطة السورية للقيام بما قامت به؟ وإلى ماذا يمكن أن يؤول الوضع؟ إننا لا نقيم في عقل السلطة كي نجيب على السؤال، ولذلك نحن مضطرون إلى التحليل المنطقي لما جرى في السياق العام للثورة السورية والمواقف الاقليمية والدولية التي تحيط بها .

إنّ أول ما يتبادر إلى الذهن هو محاولة نزع الطابع الداخلي العميق للصراع الدائرفي سورية، وإضفاء الطابع الخارجي عليه من خلال أقلمته ( جعله اقليمياً ) عبر التحرش بتركيا واستدراجها ـإن أمكنـإلى الميدان، ومن المعتقد في هذه الحال أن ترصّ السلطة الطغمة خندق حلفائها بدءاً من الداخل وانتهاءً بالخارج  ويمكن أن تأمل بخلخلة التماسك الصلب للثورة عبر معزوفة ((العدوان الخارجي)) وربما كان الأمران السابقان ضروريين في هذا الظرف حيث ثمة استحقاقات سياسية وعسكرية هامة يحبل بها المستقبل غير البعيد،وبخاصة إذا سارت معركة حلب بعكس رياح السلطة .

من الملاحظ أن الرد التركي جاء قوياً ومحدوداً جداً، بحيث لايشي بالدخول في حرب، وهذا مفهوم إذ من المرجح أن الأتراك لم يأخذوا التحرش العسكري السلطوي السوري على محمل الجد الخطر، واكتفوا لذلك برد الفعل المناسب للفعل ذاته مع تهديد قوي بأنهم سيصدون الردّ إذا استمرت السلطة السورية في تطاولها . وهذا مفهوم ايضاً فالأتراك لن يدخلوا حرباً بمفردهم إلا في حالة تعرضهم لعمل عسكري من عيار آخر غير الذي جرى، كما أن الحلف الذي ينتمون إليه (الناتو) ليس في وارد التدخل العسكري في سورية اليوم والغطاء السياسي الدولي لم يوجد بعد، دون أن يعني ذلك أبداً أن الناتو ليس جاهزاً لدعم تركيا، بل إنه يؤكد ذلك بوضوح كافٍ.

إن التحليل أعلاه وعلى الرغم من وجاهة بعض مافيه مخترق إلى حد بعيد، فإذا كان هدف السلطة السورية استدراج الأتراك قبل نضج الشرط العالمي للتدخل لإجهاض هذا الأخير فلماذا يتراجع جيشها ـ إذا صحت الأخبارـ إلى مسافة 6 أميال، مقدماً في هذه الحال الفرصة لخلق واقع عسكري وسياسي على هذا الشريط ليس لصالحها أبداً. إن من يريد الاستدراج لاينسحب فالانسحاب يسقط ذريعة التدخل في حين أن المواجهة تبقي التوتر على أقصاه، وتكفي لحظة غاضبة في هذه الحال لتفجير الوضع .

لقد تصرف الأتراك بعقلانية و إن بدرجة أقل فعلت السلطة السورية بقذائفها الصبيانية الحمقاء ولذلك من المرجح أن تكون السلطة قد تراجعت بسرعة لإحساسها بأن الاستدراج سلاح ذو حدين، قد يكون حدّه الضار هو الأبرز فالدخول في صراع مع تركيا سيجرّ الناتو حتماً وعندها لن يكون مفيداً الاستقواء بإيران أو روسيا أو بهما معاً ومن المرجح أن تنأى روسيا بنفسها عن التدخل المباشر وستكون ايران هدفاً في مرمى الناتو إذا تحرشت بتركيا وستجد نفسها في مكان لاتريده لنفسها إلا إذا فقدت صوابها بالكامل، وبخاصة إذا تذكرنا الاضطرابات الداخلية المرشحة للتفاقم في إيران. أضف إلى ذلك أن روسيا دخلت على الخط بسرعة فائقة ونصحت السلطة السورية ـ أن لم نقل اكثر ـ بالتراجع عن اللعبة الخطرة ناهيك عن أن أقلمة الصراع باستدراج تركيا إليه يمنح الحق في التدخل الخارجي و يضيّق إلى أقصى حد المناورة الروسية الصينية باستخدام الفيتو في مجلس الأمن. إذا كان ثمة شيء صائب في ماذكر فإن التحرش السوري قد يكون هدفه قياس مدى استعداد تركيا وطبيعة ردها اليوم أوفي المستقبلوبخاصة في سياق تطور معركة حلبوبسياق معرفة السلطة السورية الدقيقة بالتعاون الهائل في حجم ونوع القوة العسكرية التركية بالقياس إلى السورية لصالح الأولى (باستثناء سلاح الصواريخ البرية ذات المدى والأسلحة الجرثومية والكيميائية ) ناهيك عن حليفها القوي ( الناتو ) الأمر الذي لايدعم نظرية الاستدراج إلا في حال كانت حسابات السلطة عمياء, ويمكن الذهاب في هذه النقطة إلى الاعتقاد بأن التحرش السلطوي السوري لم يكن أكثر من رسالة غاضبة ـ وربما حمقاء ـ لوقف ماتسميه الدعم التركي للثورة، من خلال إظهار قدرتها على نقل المعركة إلى الحدود الجنوبية لتركية بشكل من الأشكال، والإيحاء كأن في يدها أوراقاً للعب في الداخل التركي مباشرة وغير مباشرة وهي اوراق يكثر الحديث عنها ويبالغ فيها إلى حدود الأوهام.

وفي كل الأحوال وأياً يكن هدف السلطة فقد أخفقت – حتى الأن على الأقل ـ في تحقيقه، ومع ذلك لايمكن الاطمئنان إلى الوضع، فالتوتر قائم ومرشح للتفاقم والاحتمالات مفتوحة ومما يلفت النظر في هذا السياق الطرح التركي لفاروق الشرع بوصفه البديل المناسب للأسد للمرحلة الانتقالية وهو مايشكل ضغطاً سياسياً إضافياً على كل الأطراف، وبخاصة على السلطة وحلفائها، ضغطاً يصل حد الاحراج، ضغطاً مؤداه في أحد وجوهه اعتبار الخيار العسكري فاقد الصلاحية،كما أنه في وجهه الآخر يعني اعتبار الأسد خارج اللعبة في المرحلة الانتقالية، وفي هذا امتحان محرج لحلفائه الذين يدعون الحرص على الوضع والنظام والشعب في سورية وليس الحرص على شخص الأسد وهو بهذا المعنى مدخل لسحب الذرائع منهم، ومن الممكن أن يكون الطرح التركي مدخلاً لمهمة الابراهيمي أيضاً وهو ما يوحي بأن بعض القوى الفاعلة تعمل عليه. وفي كل الأحوال يبقى ماسبق في إطار الاحتمال، والطرح التركي – حتى لو رحبت به المعارضة – لا حظ له في الحياة في ظل ميزان القوى القائم وطبيعة السلطة وتمفصل القوى فيها، و هي الأمور التي يعتقد ان الجميع عارف بها، وبدون تغييرها وتغيير طبيعة الارتباط بين الطغمة الحاكمة وحلفائها وأنصارها الطائفيين لايعدو أن يكون الحديث عن التنحي حديث خرافة يا أم عمرووبخاصة للافتقار إلى التدخل الدولي الحاسم.

تيار مواطنة 8 تشرين الأول 2012

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة