أحداث القرداحة بين الحقائق والرغبات- 10/ 10 /2012

أحداث القرداحة بين الحقائق والرغبات

دمشق في 10/ 10 /2012   –  تيار مواطنة 

بقدر ما تؤشر مواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وتويتر وسواهما على ثورة حقيقية في عالم الاتصالات, إلا أنها تحمل مخاطر أخرى في سهولة نشر الأنباء وتداول الإشاعات الصحيح منها أو الخاطئ, رغم توفر قدر من النوايا الحسنة في بعض الحالات, إذ ميل بطبيعتنا لقراءة وتصديق رغباتنا فيما نسمع حول حدث معين, أكثرمما نقرأ حقيقة الحدث كما حصل, والمثال الواضح لذلك نراه في متابعتنا لأحداث القرداحة التي كادت تشكل ثورة في العالم الافتراضي, مع أنها في الواقع دون ذلك بكثير.

من يتابع أنباء القرداحة في العالم الافتراضي, ومنها بعض المواقع التي يفترض بها أن تكون رصينة نسبيا, سيصاب بالذهول, فموقع هيئة التنسيق الوطنية دخل هذا المزاد الافتراضي, ونشر بتاريخ 5/ 10 التالي: “فقد قامت قوات الأمن والشبيحة بالتعامل مع عائلات “اسماعيل” و”عثمان” بطريقة وحشية من هدم للمنازل وإحراق للمحال التجارية وصفها شاهد عيان كأنها “باباعمرو”، بالإضافة إلى أن شبيحة النظام يمارسون اختطاف الفتيات منهجا للضغط على العائلات هناك، فقد اختطفت فتاتان من عائلة “الخير” وفتيات أخريات من عائلتي “عبود” و”محلى”، وهناك تخوف من عمليات تصفية جماعية تهدف إلى تأديب الطائفة العلوية التي ربما تنوي القيام ضد النظام وعائلة الأسد خصوصا وشبيحتها”.

ويتابع موقع هيئة التنسيق الحديث عن نزوح أو هرب “من القرداحة باتجاه الحرش الذي يقع بين القرداحة والفاخورة حيث يقوم الأمن بحرق الحرش، وأن آثار التدمير كانت بادية على كل السوق التجاري وحواجز الأمن تنتشر في كل مكان، كما شدد على أن اللاذقية ومدنها وقراها تنتفض الآن لأنها ابتلعت ولعقود تشبيح عائلة الأسد، ونوه إلى أن هناك حصار خانق ولا تغطية إعلامية تذكر لما يحدث”.

ويضيف أيضا الحديث عن انتفاضة يمكن أن تمتد إلى باقي الريف العلوي: “يذكر أن قوى الأمن والشبيحة تستميت للقضاء على انتفاضة القرداحة خشية امتدادها الى الريف الذي ينتظر نتائج انتفاضة العائلات العريقة هناك ومن ثم التحرك ضد النظام”.

بينما يكتب مراسل كلنا شركاء بتاريخ 6/ 10: “لذلك اتخذت اليوم صباحا عائلة اسماعيل قرارا بالانضمام لمناهضة اجرام بيت الاسد, وعلم مراسل كلنا شركاء بان الالتزام بهذا القرار شمل بحدود 80 % من افراد العائلة ويعتقد ان نتائجه ستظهر قريبا حيث ان معظم افراد هذه العائلة بالجيش والمخابرات”.

حتى إن أصداء ما ينشر عن القرداحة وصل إلى الصحف البريطانية, حيث كتبت صحيفة “الغارديان” بهذا الصدد: “لا يوجد تفسير واضح للاشتباكات في القرداحة ولكنها تبدو امرا جديا .. انقطاع الاتصالات واغلاق الطرقات المؤدية اليها .. الاشتباكات بين مهربين ومسلحين امر معتاد هناك, وهىا حدى الفرضيات المطروحة ولكن مقالة بجريدة التلغراف قالت ان الاشتباكات كانت سياسية الدوافع”.

صحيفة بوزن “الحياة” اللندنية لم تكتف في مقالة فادي سعد التي نُشرت بتاريخ 6/ 10 بإيراد المعلومات الصحيحة أوالخاطئة, بل ذهبت في التحليل مذهبا مضللاً حين ربطت الحدث باعتقال عبد العزيز الخير, فكتبت: “على خلفية اعتقال الدكتور عبد العزيز الخيّر القيادي في هيئة التنسيق من قبل الاستخبارات السورية إثر عودته ورفاقه في الهيئة من اجتماعات لهم في الصين” وبالتالي أصبح “الحادث ذا أبعاد سياسية”, وعليه بنى مقال الحياة مجموعة من الاستنتاجات وصل في نهايتها: “حادثة القرداحة إن لم تكن هي الشرارة، فشرارات أخرى ستكون ممكنة في أي لحظة، بما يرشّح الساحل للانضمام إلى الربيع السوري، وربما اختتامه بانتصار مدوٍّ للثورة ولسورية”. وفي هذاالاستنتاج قدر كبير من الرغبات التي نشاطر بها كاتب المقال, دون أن نربطها بالتحليل الذي حوى كثيرا من المغالطات, وبشكل خاص فيما يتعلق بعائلات القرداحة خارج آل الأسد, إذ “تؤيدهم أكبر العشائر العلوية، وهم الخياطون والمتاورة والتيارات والأحزاب اليسارية والأحرار والمستقلون”, وكأن هذه الكتل والعشائر والتيارات هي مجموعات حزبية منظمة وملتزمة بقرارات قياداتها.

في هذا الركام من التضليل تكاد تضيع الحقيقة, وتحديداً أن الأسباب المباشرة لتلك الأحداث خارج حقل السياسة بالتأكيد, ومن يعرف المنطقة وتناقضاتها يُدرك أن ما جرى يُعتبر استمرارا طبيعيا لخلافات سابقة بين شبيحة آل الأسد وبين باقي العائلات العلوية في هذه البلدة الصغيرة, ومن امتهن التشبيح منهم, الذي أدى إلى تكرار الإشتباكات في القرداحة مرتين مؤخرا, وإن كان من أثر للسياسة في هذه الأحداث, فهي تكمن في الجرأة التي امتلكها البعض في القرداحة لمواجهة شبّيحة بيت الأسد, لكن أن تتطور هذه الإشتباكات وتحصل إصابات ومن ثمّ قتلى, فهذا مفاجئ بعض الشيء, والثابت حتى الآن هو إصابة كل من كبير الشبيحة محمد الأسد أو المدعو شيخ الجبل وكذلك فراس الخير وربما آخرين, وقد يكون وقع عدد قليل من القتلى, لكن الحديث عن مقتل العشرات من هذا الطرف أو ذاك يبدو مبالغا فيه كثيرا, ولم يؤكد أحد حتى الآن مقتل أياً من هارون الأسد أو هلال الأسد, فهما في محافظة اللاذقية رقم قد يكون بأهمية بشار الأسد ذاته, ولا يمكن أن يقتل ويدفن أحدهما بصمت لا يتيح للناس العاديين في المحافظة سماع ومعرفة الخبر, ناهيك عن اختطاف النساء وحرق البيوت, والأكثر غرابة هو الحديث عن دور القصر الرئاسي أو طلب تهجير آل الخير من البلدة, وعن دور آخر لرفعت الأسد, وتلك الأوهام التي تتحدث عن مظاهرات خرجت هنا وهناك, وعن منشورات جريئة في إدانتها سلطة آل الأسد.

هذا لا يعني بالطبع عدم وجود تملل بشكل ما في بعض أوساط الطائفة العلوية, وحتى استنكار لسياسات النظام, الذي بدأ يتلمس ذلك, حيث وسع مؤخرا دائرة المواجهة الأمنية خارج حدود نشطاء الميدان والإغاثة, ليبدأ باعتقالات جديدة في أوساط النشطاء السلميين وفي صفوف الأقليات تحديداً, وهو ما يمكن أن يؤشر إلى ضعف النظام الذي بات يخشى من تعليقات شخص, وآراء آخر ممن لم يكن يهتم بهم سابقا بالمعنى الأمني, وربما تكون المسألة بدأت فعلاً مع اعتقال عضو هيئة التنسيق عبد العزيز الخير, ثم اعتقال علي رحمون من حركة معاً, ليتمّ لاحقا اعتقال الناشط الحقوقي خليل معتوق, ثم جاءت اعتقالات طرطوس في مطلع هذا الشهر دون أي خلفية سياسية, وتابعت السبحة في سلمية والسويداء, وكأن المطلوب أمنياً اسكات هذه الأصوات التي يمكن أن تنتقد بشكل معتدل, حتى لو جاءت انتقاداتها من داخل أو خارج حقل السياسة أو العمل التنظيمي في صفوف المعارضة.

إذا أضيف لذلك وصول أعداد متزايدة من قتلى الجيش وشبّيحة النظام إلى قرى وبلدات الساحل, كما حصل في القرداحة ذاتها عند وصول جثة من آل عدرا وأخرى للعميد محمد فاضل الذي قتل في دير الزور, فإن تململا أكيدا سيطفو على السطح, مما يرشح, كما نأمل, أن تصب هذه المفاعيل حصادها في طاحونة الفعل السياسي قريباً, وهو ما يمكن أن يسرع كثيرا في زمن وآليات سقوط النظام, ويفتح على صيرورة اقل إيلاما مما يقودنا إليها الأسد.

تيار مواطنة

مكتب الإعلام 10 تشرين الأول 2012

Loading

الكاتب admin

admin

مواضيع متعلقة

التعليقات مغلقة