الاستنقاع في الحالة السورية وأسئلة حول مبادرات المعارضة
خلال الأسابيع الماضية ظهرت إلى السطح أكثر من مبادرة لتحريك الاستنقاع في الحالة السورية، خاصة بعد إصرار السلطة الطغمة على إفشال مسار جنيف في الجولة الأخيرة. من هذه المبادرات ما غزل على تسريبات روسية عن عدم رضاها عن سلوك النظام تجاه اللجنة الدستورية ومنها من غزل على تصريحات أوربية ومنها من غزل على تصريحات أطراف من النظام نفسه.
ويمكن ببساطة اعتبار هذه المبادرات (كاللجنة العسكرية واستطلاعات الرأي التي تجريها بعض أطراف المعارضة الموالية لروسيا) كمحاولات لإخراج الحالة السورية من حالة الاستنقاع إلى الفعالية وإيجاد حلول ولو جزئية، أو التفكير خارج الصندوق، على الأقل كما تدعي هذه الأطراف.
من أهم هذه المبادرات التي تم تداولها كان تشكيل مجلس عسكري بصيغة القسمة الثلاثية؛ يوزع مثالثة، ثلث للضباط المنشقين وثلث لضباط من جيش النظام والثلث الباقي لضباط متقاعدين، وبقيت مسألتي قيادة هذا المجلس وتوقيت تشكيله محط تعويم وتشويش. فكما عبر الفنان حمال سليمان فالمجلس سيكون بديلاً للمرحلة انتقالية ومحاولة لاستبدال القرار 2254 عبر مسار واسع التمثيل على حد تعبيره وإن لم يتطرق المذكور للبنية الأساسية للنظام القائم كالجيش والأمن.. الخ.
وعلى اعتبار أن اقتراح المجلس العسكري كما عبرت عنه أكثر من جهة قد جاءت بعد أن سمع بعض أطراف منصتي القاهرة وموسكو والقاهرة بعض التذمر ضمن تيارات محددة في إدارة بوتين فقد سارعوا لتقديم هذا المبادرة علّها تلقى أذناً صاغية لدى القيادة الروسية وبهذا يحققون سبقاً سياسياَ مشهوداً في كسر حالة الاستعصاء، لكن المبادرين يبدو أنهم نسوا أن إدارة بوتين لها رأس واحد هو بوتين نفسه ولديه منفذ محنك ووفي لسياسته هو وزير خارجيته لافروف وأما السماع لباقي الجوقة فليس أكثر من مزاح أو تشويش على أجواء التفاوض ولعب على الكلام والعواطف.
وفي كل حالة استعصاء على ما يبدو، تكثر الإشاعات والتوقعات والأخبار الكاذبة بسبب نقص المعلومات الموثوقة وبسبب انعدام الثقة واليأس والتشاؤم والإحباط وكثرة اللغط والتخبط في الوسط الشعبي عامة وفي أوساط المعارضة خاصة، لذلك تكثر خلافاتها وتزداد حدة النقاشات وترتفع نبرة الاتهامات، وتنبري فئة من تلك المعارضة غالباً على تقديم أفكار تعزز اليأس بربط مبادراتها وأفكارها بما “يريده الشعب” ويتحدث كأنه قد حاز فعلاً على تفويض شعبي، في الوقت الذي يمضغ الشعب، في الموالاة والمعارضة، خيباته ومآسيه وجوعه ورغبته في الخلاص من هذا الوضع المأساوي بأي شكل.
ولا يخفى على أحد من المشتغلين في الشأن العام السوري أن هناك عظمة كبيرة في حلق الثلاثي الضامن لأستانا وهو الوجود الأمريكي في الجزيرة السورية، الذي يمنع أي تقدم في أي مسار بديل لجنيف والقرار 2254 بل ويشدد على أن هذا المسار-جنيف- هو الحل الوحيد في سوريا ويعرقل جميع مساعي موسكو لتطبيع بعض الدول العربية مع دمشق والبدء بتمويل إعادة الإعمار وغيرها من المشاريع التي تريح النظام وتجعل وضعه أكثر طبيعية، لذلك نجد أن بيان أستانا 15 يعج بالشكوى والتحريض على هذا الوجود كما يعج بالاتهامات للإدارة الذاتية و PYD باعتباره حزباً إرهابياً ويتناسى البيان النظام السوري تماماً، وهنا يحق لنا أن نسأل الائتلاف إن كان ما يزال يعتبر نفسه سورياً أم يجب أن نخرجه من سوريا إلى تركيا؟!
يمكننا أن نختم أن جميع هذه المبادرات والمشاريع التي تحاول الالتفاف على جنيف والقرار 2254، بدءاً من مسار أستانا وسوتشي إلى الاستبيانات الموجهة إلى المجلس العسكري ما هي إلا محاولات لإخراج الملف السوري من يد المجتمع الدولي ووضعه في يد روسيا وتركيا وإيران، وينسى جميع من يحاول إخراج الملف من مسار جنيف والأمم المتحدة أن أي حل يستحق اسمه في سوريا يجب أن يمر بالضرورة عبر توافق أمريكي- روسي وعبر الأمم المتحدة بالضرورة، هذا الأمر- إخراج الملف السوري من جنيف- الذي لا يبدو أن الأمريكيين في وارد الموافقة عليه حتى الآن ولا في المستقبل المنظور على الأقل ناهيك عن محاولة إدارة بايدن تعزيز وجودها العسكري في الجزيرة السورية وعلى المثلث التركي العراقي السوري لضبط الحركة ومنع أي تدخلات تركية غير مرغوبة من قبل الأمريكان، بالإضافة إلى تصريحات بعض المسؤولين أن الإدارة الجديدة ليست معنية بحماية النفط بل بمحاربة داعش وهو الأمر السياسي الأهم من وجهة نظرنا في تيار مواطنة.
ومن بديهيات العمل السياسي الذي نراه في تيار مواطنة أيضاً الكف عن استعمال مقولة “الشعب السوري يريد” في كل مبادرة ومشروع لا علاقة فيها للشعب السوري وفقط ليقول صاحب هذا المشروع أنه يعمل في صالح هذا الشعب المسحوق من قبل جميع قوى الأمر الواقع وليقول أنه طالما لديه “مشروعية شعبية” فهذا المشروع هو الأصح. الشعب السوري في حالة من العجز تجعله لا ينظر ولا يسمع ولا يعطي رأيه ويمكن القول أنه كفّ عن أن “يريد” منذ هيمن السلاح والتطرف على كامل الساحة وأخرس جميع أصوات الاعتدال والتعقل.
تيار مواطنة
مكتب الإعلام 23 شباط/ فبراير 2021